دور النساء الممتاز والمؤثّر في الجهاد
إنّ دور السيّدات ونصيبهنّ في النظام دور فائق الأهميّة وممتازٌ جدًا؛ تمامًا كما كان دور السيّدات دورًا متميّزًا ومهمًا في أساس الثورة، نعم ربّما لم يكن الشبّان الأعزاء الحاضرون في هذا الملتقى في أيّام النضال ولا في أيّام الثورة، ولا يعلمون ما الذي جرى يومئذٍ إلّا من خلال التقارير، وهي بأجمعها ناقصة للأسف؛ فكلّ التقارير التي جاءت حول أيّام النضال وأيّام الثورة ناقصةٌ وأحاديّة النظرة ومقتضبة.
ولدينا عملٌ كبيرٌ في هذا المجال، وإن لم يكن من الأفكار الاستراتيجية طبعًا، إلّا أنّه يدخل ضمن الأعمال الاستراتيجية، وينبغي أن يُتابَع إن شاء الله.
إنّ المطّلعين على الأمور يعلمون أن النساء كان لهنّ دور في عهد النضال، وكذلك على وجه الخصوص في عهد الثورة، أي في تلك السنة والنصف التي انطلقت فيها الحركة الثوريّة العامّة. النساء كان لهنّ دور مؤثّر ومتميّز، ولولا وجودهنّ في تلك التجمّعات والحشود، فلا ريب في أن تلك التظاهرات والحشود الكبرى ما كانت لتؤتي ذلك الأثر، هذا فضلاً عن أنّ بعض المدن مثلما هو الحال بالنسبة إلى مدينة المشهد المقدّسة، بدأت التظاهرات فيها بالنساء؛ أي إنّ أولى الحركات الشعبيّة العموميّة كانت حركةً نسائيّةً؛ وقد واجهت حركتهنّ طبعًا تعرّضًا من الشرطة، ومن بعدها انطلقت الحركات الرجاليّة، هكذا كان الحال في أيّام النضال، كذلك الأمر عند اضطلاعهنّ بدورهنّ في إقامة النظام، وكذا في تلك المرحلة التي جاءت بنحوٍ متسارعٍ من بعد إقامة النظام، وأعني بها مرحلة الحرب، وهي مرحلة المحنة، ومرحلة الامتحان العصيب؛ <حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ>[1]، لقد كانت الأمور والأوضاع في عهد الحرب عسيرةً.
إنّ بعضهم يسمع اليوم عن الحرب ويراها من خلال التلفاز والمذياع، على حين كان بعضهم الآخر يخوضها في الميدان بجسمه وبروحه!! إنّ هذه التقارير المليئة بالملاحم والحماس عن الحرب كلّها صحيحةٌ ـ فبما أنّني أقرأ كثيراً من هذه الكتب المتعلّقة بمذكّرات المقاتلين، فأنا أعلم أنّها كلّها صحيحةٌ ـ فذلك الحماس والاندفاع والرغبة في الجهاد والشوق إلى الشهادة والاستهانة بالموت، وما شابه ذلك، هو ما تعكسه التقارير وهو صحيح، إلّا أنّ النظرة العامّة إلى الحرب، نظرةٌ مليئةٌ بالمحن، فالفوج الذي كان يقاتل في الخط الأمامي بكلّ حماس واندفاع، لا يعلم بما يجري في المقر الرئيسي إزاء مجموع ما يجري في الجبهة، وما هو الحال هناك وما هي نقاط الضعف، وما هي الهواجس والمخاوف الخطيرة التي كانت موجودة، ثمّ ماذا وراء المقرّ الرئيسيّ، وعلى المستوى الأعلى في البلد، وما هي النواقص، وما مدى الفزع الذي كان هناك، لقد كان عهدًا عصيبًا.
في ذلك العهد كان دور النساء دورًا استثنائيًا؛ دور أمهات الشهداء، ودور زوجات الشهداء، ودور النساء في ساحات الحرب، وفي دعم المجهود الحربي، ودورهن ـ ولكن بندرة ـ في العمليّات العسكريّة، وقد شاهدت أنا شخصيًا عن كثب ما كان يجري من أعمال دعم المجهود الحربي في الأهواز، لقد كان دورًا باهرًا.
بل إنّ النساء كان لهنّ نشاط حتّى في القطاعات العسكريّة، وما كتبته السيّدة حسيني في كتابها «دا»[2] يدلّ على ذلك، وهذا عملٌ لا يُقاس بأيّ معيار ولا يوزن بأيّ ميزان، فمن السهل أن نقول بألسنتنا: أُمٌ لشهيد، وأُمٌ لشهيدين، وأُمٌ لثلاثة شهداء، وأُمٌ لأربعة شهداء، ولكنّ الأمر ليس بهذه السهولة؛ فلو أنّ أحد أطفالنا أصيب بزكامٍ، أو سعالٍ، كم نقلق عليه؟! أمّا أن يذهب الابن إلى الحرب ويُقتل هناك، ثمّ يذهب الثاني ويُقتل، ثمّ يذهب الثالث ويُقتل!! فهل هذا بالأمر الهيّن؟! إلّا أنّ هذه الأم بما تتّصف به من مشاعر الأمومة الفيّاضة والدافقة، تقوم بدورها على أكمل وجهٍ، وتعمل على تشويق مئة أمٍّ أخرى لإرسال أبنائهنّ إلى ميدان الحرب.
ولو أنّ تلك الأمهات حين كانت تأتي جنازة أبنائهن، أو حتّى لم تأت، كانت تكثر من العويل والآهات والشكوى وشقّ الثياب، والاعتراض على الإمام الخميني وعلى الحرب، لكان من المؤكّد أنّ الحرب قد تعثّرت منذ السنوات الأولى وفي مراحلها الأولى؛ هذا هو دور أمّهات الشهداء[3].
لقد قُلتها مِرارًا! إنّني أجد في زياراتي لعوائل الشهداء أنّه غالبًا ما تكون أمّهات الشهداء أشجع وأكثر مقاومةً مِن آباء الشهداء، وهل يمكن مقارنة محبّة الأم وعاطفتها بعاطفة الأب؟! فالمشاعر النسائيّة الرقيقة ولاسيّما تجاه فلذة كبدها بعد أن ربّته وكبّرته وأنشأته ليصبح كباقة الورد، ثمّ ترضى بأن يتوجّه إلى ساحات الحرب ويستشهد، ثمّ لا تبكي على جنازته من أجل أن لا يفرح أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة! وقد قال هذا العبد لعوائل الشهداء مرارًا لا بأس أن تبكوا! لماذا لا تبكون؟ لا عيب في البكاء. لكنّهم لا يبكون، ويقولون نخشى أن يفرح بذلك أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة، -وكما يقول الأديب-: «لا تسمّها امرأةً بل سمّها صانعة رجال العصر»[4]، هؤلاء هُنّ نساء إيران، وقد خرجن من الامتحان مرفوعات الرؤوس[5].
إنّ زوجات الشهداء الصابرات، هنّ النساء الشابّات اللواتي فقدن أزواجهنّ الشباب في مستهل الحياة الأُسريّة الطيّبة التي كُنّ يتمنّينها؛ هؤلاء النسوة اللاتي رضيتْ كُلّ واحدةٍ منهنّ أن يُغادر زوجها الشابّ إلى موضعٍ قد لا يعود منه؛ ثمّ تتحمّل آلام شهادته؛ ثمّ تفتخر بذلك، وترفع رأسها؛ هذه هي الأدوار التي لا مثيل لها.
وأمّا الشيء الذي بقي مستمرًا حتّى اليوم فهو الزواج بالجرحى؛ فهناك من النساء من بادرن إلى الزواج من أشخاص جرحى، فالمرأة التي تُبادر من تلقاء ذاتها وبلا أيّ إجبارٍ على الزواج من رجلٍ ينقصه عضوٌ أو فيه عيبٌ -بسبب الحرب-، وربّما يكون حادّ الطباع بسبب وضعه الجسمي أو بسبب الاختلالات الناتجة عن عصف الانفجارات وما شابه ذلك، وتُقدم على هذا العمل بالتزامٍ ومسؤوليّة، فذلك يعني أنّها أقدمت على تضحيةٍ كبرى، فتارة قد تأتي امرأة وتخدم رجلًا ساعتين في اليوم، وعندما تُغادر كلّ يومٍ يَشكرها على جميل صنعها.
ولكن تارةً أخرى نجد أنّ المرأة تضع نفسها في داره كزوجةٍ له، في هذه الحالة تصبح ملزمةً تمامًا! أي إنّ طبيعة الاختيار الذي أقدمت عليه هذه المرأة يفرض عليها القيام بهذا العمل، وهذه هي التضحية التي قامت بها النساء اللواتي تزوّجن بالجرحى، فدور النساء ليس ممّا يُمكن احتسابه بالحسابات العاديّة[6].
- [1]– التوبة: ١١٨
- [2]– كلمة (دا) هي كلمة كرديّة، وهي تعني «أم»، وهي عنوان كتاب السيّدة زهراء الحسيني الذي أشار إليه سماحة السيّد حفظه الله في الأعلى، وتذكر المؤلّفة فيه ذكريات الحرب العراق وإيران ومقاومة الأُمّهات خلالها. (المترجم)
- [3]– من خطاب سماحته في ملتقى الأفكار الإستراتيجية الثالث عن موضوع المرأة والعائلة بتاريخ 4-1-2012م
- [4]– عمان الساماني، ديوان الأشعار
- [5]– من خطاب سماحته في لقائه بقراءٍ للعزاء والمدائح من أنحاء الجمهوريّة بتاريخ 12-5-2012م
- [6]– من خطاب سماحته في ملتقى الأفكار الاستراتيجية الثالث بالمتعلّق بموضوع المرأة والعائلة بتاريخ 4-1-2012م
تعليق واحد