عدم معرفة الدنيا وعدم وضوح الرؤية عاملان للانحراف في الجهاد والنضال
حتّى لو أصبحتم أعلم العلماء، وكنتم جاهلين بزمانكم وعصركم، فمن المحال أن تُصبحوا مفيدين لمجتمعكم؛ فإذا لم ندرك ما يخطط له الاستكبار، ولم نتعرّف طبيعة أعدائنا وأساليبهم في التغلغل والنفوذ، وإذا كنا جاهلين بما يجري من حولنا وفي مجتمعنا، وماهية المشكلات وأساليب معالجتها، فإنّنا سنكون عاجزين عن القيام بدورنا وعن النهوض بمسؤوليّاتنا؛ فالصفعات دائماً تكون من نصيب الفريق الذي يجهل ماذا سيحدث والذي لا يُدرك أصول اللعبة، ولا يدرك ما هي العوامل التي تجعل الأمور لصالحه.
إنّ البصيرة وتفهّم العصر والإفادة من الموقف لكلّ عاملٍ من العوامل هي أمر ضروري ـ سواء كان الإنسان أعلم العلماء أم كان يعلّم الأحكام لبعض الأشخاص في حيٍّ من الأحياء ـ غاية الأمر أنّ هذه البصيرة ينبغي أن تتناسب مع مقامه ومنزلته، فكلّما ارتفعت فينبغي أن يتحلّى ببصيرةٍ واطلاعٍ أعلى.
لقد كنّا طوال التاريخ الشيعي نتلقّى الصفعات لا لشيءٍ سوى عدم اطلاع العلماء على حقائق ما يجري في الدنيا، خاصّة في المئتي سنة الأخيرة، حيث أخذ العالم شكله الحديث مع بروز الاستعمار على أنّها ظاهرة سياسيّة في الدول الأوربيّة، ثمّ تغلغله في البلدان الإسلاميّة.
فكلّما كان لدينا عالم دينٍ تقيٌّ وفطنٌ مثل الميرزا الشيرازي[1] والشيخ الأنصاري، كنّا في أمانٍ من شر الأعداء وكان الفوز من نصيبنا، وفي المقابل كلّما غفلنا وأبدينا عدم الاطلاع فإنّ الضرر سيكون من نصيبنا وبالطبع لا ينحصر ذلك الضرر في فردٍ أو حوزةٍ أو مدينةٍ ولا بمدّة عامٍ أو أعوامٍ، بل إنّ الضرر سيكون عامًّا وسيعيش المجتمع الإسلامي تحت أقسى الضغوط ربّما إلى خمسين سنةٍ أخرى[2].
قد يكون الإنسان عالماً وذا تقوى، لكنّه لمّا كان لا يعرف العالم جيّدًا، فإنّه ينكِّس رأسه ويسير، وإذا هو بعد مدّةٍ يلحظ أنّه ابتعد مسافةً كبيرةً عن الطريق الصحيح، لقد كان لدينا مثل هؤلاء الأشخاص: أفرادٌ صالحون جدّاً، ومؤمنون وعلماء، لكنّهم أضاعوا خطّ الجبهة.
حينما لا يكون للإنسان بوصلة، فسرعان ما يضل الطريق، إنّ معظمكم أيّها الشباب لم يدرك زمان الحرب، فـي الجبهة سريعًا ما يضلّ الإنسان الطريق، وأحيانًا يتوهّم أنّه يُطلق النار على العدو، ولكن -لأنّه لم يُحدّد الاتجاه بدقّة- إذا هو يطلق النار على أصدقائه!
لقد شاهدنا أشخاصًا، كانوا يوجهون مدفعيّتهم إلى جبهة الأصدقاء ويقصفونها بكلّ ما أوتوا من قوّة، بدلًا من أن يُوجّهوا نيرانهم المعنويّة ضدّ الأعداء! لقد شهدنا هذا فـي فترات الكفاح والنضال، وسبب فعلهم ذلك هو عدم الوعي، عليكم أن تتحلّوا بالوعي، حافظوا على استنارتكم وثقافتكم، وحافظوا على الإرادة والهمّة والمقاومة وعزّزوها فـي أنفسكم[3].
تعليق واحد