مواضيع

الجهاد العلمي هو السبيل لمواجهة أعداء الحركة العلميّة للبلد

إنّ مسألة الحركة العلميّة في البلاد هي ـ بنظري ـ ركنٌ أساسيّ للحياة المستقبليّة لأمتنا ومجتمعنا؛ بل بنحوٍ ما لحياة العالم الإسلاميّ.

إنّنا ومنذ سنواتٍ ـ لعلّها عشرُ سنواتٍ أو اثنتا عشرة سنةً ـ نعتمد على المسائل العلميّة، وهذا الأمر قد أثمر وأعطى نتائج باهرة في المقابل، أي إنّ هناك حركةً علميّةً ونهضةً علميّةً في البلد قد انطلقت في الواقع، وقد تطوّرت وحقّقت إنجازاتٍ كبرى، وقد استمعتم إلى نموذجٍ منها من الأساتذة المحترمين، وهناك نماذج أكثر بكثير ممّا ذكره هؤلاء الأصدقاء هنا، فقد انطلق العمل وغدت الحركة العلميّة في بلدنا واقعًا معروفًا على مستوى العالم، وفي الحقيقة لقد كشفت هذه الحركة العلميّة الستار عن النهضة العلميّة لبلدنا العزيز، لكنّ الشيء الذي يُثير هواجسي هو أنّ حركتنا هذه لم تصل حتّى الآن إلى نقطة الثبات، فنحن الآن مثل أناس يتحرّكون على منحدر نحو الأعلى، نعم، لقد انطلقنا وتقدّمنا وأنجزنا أعمالًا كثيرةً أيضًا، إلاّ أنّنا ما زلنا في وسط الطريق.

إنّنا ولأسبابٍ عديدةٍ ما نزال في منتصف الطريق، وأنا لا أريد الآن أن أُفصّل في هذا المجال كثيرًا،‌ حسنًا، فلقد تحدّثنا في مناسباتٍ وأماكن مختلفةٍ، إنّنا نتقدّم ونصعد في هذا المنحدر الحادّ، وإذا ما توقّفنا سنتعرّض للسقوط والتدهور وليس للتوقّف فحسب، ولن يكون مجرّد توقّف، وإذا ما توقّفت حركتنا، فإنّ إعادة الدفع بهذه النهضة وهذه الحركة وهذا التسارع العلمي سيكون أصعب، هذه هواجسنا.

وهنا أودّ أن أقول: ينبغي إمداد هذه الحركة العلميّة بكلّ ما نملك من طاقة، وينبغي تقويتها، وينبغي أن نعمل، حذار من أن نقوم بعملٍ يؤدّي إلى توقّف هذه الحركة، هذا هو موضوعنا الأوّل وقضيّتنا الأساسيّة.

كونوا متأكّدين بأنّ أعداءنا يملكون الدوافع لإيقاف حركة البلاد العلميّة؛ إنّ بعضهم لديه حساسيّة من كلمة «العدو»، وهم يعترضون علينا، ويقولون لماذا تكرّرون دائمًا «العدوّ… العدوّ»؟! مع أنّهم لو تأمّلوا القرآن من أوّله إلى آخره لرأوا مقدار تكرار عنوان «الشيطان» و«إبليس»، فقد ذكرا مرارًا وتكرارًا.

لا ينبغي الغفلة عن العدوّ، ليس عيبًا أن نعتبر العدوّ عدوّاً، ونحن حينما نُركّز على العدوّ، فذلك لا يعني أن نغفل عن عيوبنا ومشاكلنا الداخليّة، لا أبدًا فـ «أعدَى عَدُوِّكَ نَفسُكَ التي بينَ جَنْبَيكَ»[1]، إنّ عدوّنا الداخلي أسوأ من جميع الأعداء، العدوّ هو أنفسنا، تلك النفس الطالبة للراحة والدِعَة، وعدوّنا هو ضعف همّتنا والكسل والتساهل وعدم التدبير في تسيير أمورنا ـ وهذا الأمر معروفٌ ـ وهو محفوظٌ في محلّه، وفي المقابل إنّ الغفلة عن العدوّ الخارجي هو خطأٌ استراتيجيٌّ جسيمٌ يُعرّضنا للخسران.

حسنًا، ما ينبغي علينا الآن هو معرفة العدو ورؤيته، أمّا ما يُقال من أنّه ينبغي أن تكون مواجهتنا على هذا النحو، وليس على ذاك النحو، فهذا بحثٌ آخر، ينبغي في البداية فهم عداوته وتحديد خطّته؛ وإنّ إحدى خطط العدو المهمّة إيقاف الحركة العلميّة في البلاد.

جيّد، عندما نعرف ذلك، نعود إلى الجامعة، وسيصبح هناك معنًى لما طرحناه حول الإدارة الجهاديّة التي تكلّمنا عليها، لأنّ الجهاد عبارةٌ عن ذلك الجهد الذي يُبذل في مواجهة عدوٍّ ما، وليس كلّ جُهدٍ هو جهاد، الجهاد عبارةٌ عن ذلك الجهد الذي يكون في مواجهة تحدّ معادٍ من جانب الطرف المقابل، هذا هو الجهاد، عندها يتّضح أنّ معنى الإدارة الجهاديّة هنا، هو أن تعلموا أنّ الحركة العلميّة للبلاد ونهضتها العلميّة وتقدّمها العلمي تواجه تحدّياً عدائياً، والذي يجب أن يقف في مواجهة هذا التحدّي العدائي هو أنتم أيّها المديرون، وأنتم أيّها الأساتذة وأنتم أيّها الطلاب، وهكذا ستصبح حركةً جهاديّةً وإدارة مؤسّسةٍ، وستصبح إدارةً جهاديّةً سواءً كانت الإدارة هي إدارة الجامعة أم إدارة الوزارة أم إدارة أيّ قسمٍ أو فرعٍ من الأقسام المختلفة لهذه الساحة العظيمة.

لقد كان لدينا بالتأكيد في ما مضى، وفي مرحلةٍ معيّنة، نماذج غير مرضيّة في الجامعات، كان لدينا أشخاص في جامعات البلاد المرموقة ممّن يشجّعون النُخب من الشباب على ترك البلاد! وإنّ ما تمّ الحديث عنه بنحوٍ متكرّرٍ حول هجرة الأدمغة… هجرة الأدمغة… صحيحٌ، حيث كان هناك أشخاصٌ يبحثون عن طلّاب النخبة، فيجدونهم ويشجّعوهم على ترك البلاد والهجرة إلى الخارج! هذا الوضع كان قائمًا لدينا في مرحلةٍ ما، وقد رأينا ذلك في عهدٍ ما، وقد عبرناه وتجاوزناه، فقد كان هناك داخل الوزارة أشخاص يختلقون الذرائع لمنع الحركة العلميّة والتقدّم العلمي.

بالطبع، من الممكن أن يكون ذلك بنظرهم مُبَرّرًا لأسبابٍ معيّنة، إلّا أنّ واقع الأمر أنّه كان اختلاق ذرائع وموانع، وينبغي ألّا يتكرّر ذلك، فلا تُجعل الجامعة في أيدي أشخاص ينظرون إلى التقدّم العلمي وكأنّه لا شيء، وبالنتيجة لا يولونه أيّ اهتمام، ولتكن في عهدة أشخاص يعشقون التطوّر العلمي في البلاد، ويُقدّرون أهميّة هذه المسألة ويُدركونها من أجل مستقبل هذا الشعب ومصير هذه البلاد، هذا هو موضوعنا الأساس؛ وأنّ المخاطب بهذا الكلام هم كُلّ من المسؤولين الحكوميّين ومسؤولي الجامعات، وكذلك أنتم أيّها الأساتذة على سواء؛ لقد بدأت الجامعات بحركةٍ، فلا تسمحوا بتوقّف هذه الحركة، يجب أن تُكمِل هذه الحركة مسيرها وأن تتضاعف، وقد ذكرتُ سابقًا ـ والآن ليس مجالُ الشرح والتفصيل ـ بأنّه ما زالت أمامنا مسافة وطريق طويل لنصل إلى تلك النقطة المنشودة على المستوى العلميّ، ولذا ينبغي علينا بذل كثير من الجهد وينبغي علينا المجاهدة كثيرًا[2].


  • [1]– بحار الأنوار،‌ العلّامة المجلسي، ج67، ص 64
  • [2]– من خطاب سماحته في لقائه بأساتذة الجامعات بتاريخ 2-7-2014م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟