الإدارة الجهاديّة
إذا كانت العزيمة الوطنيّة متوفّرة، وإذا توفّرت الإدارة الجهاديّة، فسوف يتقدّم الاقتصاد وستزيد الثقافة، والأمّة التي تمتلك اقتصادًا متقدّمًا وثقافةً عاليةً، ترتقي إلى الذرى ولا يمكن إذلالها.
لقد أذلّونا قبل الثورة لعشرات السنين، إنّ الشعب الإيراني مع كلّ ما لديه من السوابق، وما يمتلك من الحضارة العريقة، ومع كلّ ما لديه من التراث الثقافي العميق، ومع كلّ هؤلاء العلماء في مختلف الحقول والميادين على مرّ التاريخ، إلّا أنّه وصل به الأمر إلى أن يبعث حكّام هذا الشعب أناساً إلى السفارة البريطانيّة وسفارة أميركا من أجل أمور البلاد الأساسيّة!! وذلك ليحصلوا على إذنٍ من السفير البريطاني والسفير الأميركي؛ فهل هناك إذلالٌ وإهانةٌ أسوأ من هذا لأيّ شعبٍ من الشعوب؟!
حينما لم يكن هناك أثرٌ للعلم والمعرفة في أوربا وفي الغرب، وحينما كان الجهل سائدًا على تلك البلدان بالمعنى الحقيقي للكلمة، قدّمت إيران للعالم أمثال الفارابي وابن سينا ومحمّد بن زكريا الرازي والشيخ الطوسي وغيرهم من الشخصيّات العظيمة، هذا هو تراثنا، وهذا هو ماضينا، ولذا ما كان يجب أن نُهان، وما كان يجب أن نسمح للقوى العالميّة الناهبة أن تأتي وتُمسِك باقتصادنا بأيديها، أو تنهب نفطنا، أو تُسيطر على مصادرنا، أو تهين شعبنا من النواحي السياسيّة والاجتماعيّة، لكنّ هذا الأمر قد حصل!!
إذا أرادت الأمّة الإيرانيّة أن تكسب مكانتها اللائِقة فإنّ هذه المكانة معروفة، فلقد ذكرتُ مراراً أنّ شعبنا يجب أن يصل إلى حيث يضطرّ الباحثون في العالم إلى إتقان اللغة الفارسيّة من أجل أن يبلغوا قمم العلم، وهذه المكانة معرّفة ومطروحة، ويمكن لنا أن نصل إلى هذا المستوى بعد خمسين عامًا.
حسنًا، إذا أردنا أن نصل إلى هذه المكانة المعرَّفة والمطروحة، ينبغي أن نستخدم العِلم والذكاء وقوّة التحرّك العالية، وأن نستفيد من قوّة الإبداع والابتكار والعزم الراسخ في كلّ المجالات، علينا أن نرفع مستوى الاقتصاد، والارتفاع بمستوى الاقتصاد غير ممكنٍ وغير مفيد من دون النموّ الثقافي؛ بل ينبغي للثقافة أيضًا أن تتعالى وتترقّى؛ إذاً شعار هذه السنة[1]، شعارُ حياتنا، شعارنا الدائمي.
(لحسن الحظّ، فإنّ هذا هو ما يُشاهده المرء في مختلف قطاعات المجتمع الاقتصادي والصناعي الناشط للبلاد بما في ذلك مجموعة «مپنا» هذه، طبعًا، كان لديّ تقارير، وقد شاهدت اليوم جوانب ممّا كُنّا قد قرأناه في التقارير)[2]. وهذا يدلّ على أن الشعار الذي رفعه إمامنا الخمينيّ الجليل، أي: إنّ شعار «نحن قادرون» هو شعارٌ واقعيٌّ وليس مجرّد شعار لفظيّ، فهذا هو واقع الحال؛ إنّ الأعمال التي كانت يومًا من الأيّام غير ممكنةٍ ـ من وجهة نظر بعض الخواص والمديرين ـ بالنسبة إلى بلادنا تحصل اليوم بسهولة وانسيابية في مجموعتكم هذه.
لا أنسى، في الأعوام الأولى من عقد الستينيات[3] ـ أي: الثمانينيات من القرن العشرين الميلاديّ ـ حينما كنتُ رئيسًا للجمهوريّة، وكنتُ في منطقة من البلاد ـ ولا أريد أن أذكر اسمها ـ وكان لدينا هناك محطّة للطاقة الغازيّة لم يتمّ إنجازها بعد بل نصفها فقط، وكنّا نُصِرّ ونقول لهم: إنّنا يجب أن ننهي هذه المحطّة بأنفسنا. وجاءني بعض المسؤولين ـ وبعضهم على قيد الحياة كما أنّ بعضهم انتقل إلى رحمة الله وفارق الحياة ـ وقالوا: يا سيدي، هذا غير مُمكنٍ، لا تُجهدوا أنفسكم عبثًا، ولا تبذلوا مساعي لا طائل منها، كانوا قد جاؤوا ليثبتوا لي ويقنعوني بأنّنا لا نستطيع، ويجب أن نطلب من تلك الشركة الصانعة أو من شركةٍ أخرى في العالم أن تأتي، وكان ذلك في خضمّ الحرب، وفترة الحرب كانت فترةَ ضغوطٍ كثيرةٍ وحظرٍ عسير.
واليوم، استطعتم أنتم شباب هذا البلد، وناشطو هذا البلد، ومديروه الجهاديون الأعزاء، استطعتم أن ترفعوا أنفسكم إلى مرتبةٍ عليا في إنشاء محطات الطاقة الغازية ـ يعني المرتبة السادسة في العالم ـ هناك شركةٌ في أميركا وشركةٌ في ألمانيا وشركةٌ في فرنسا وشركةٌ في إيطاليا وشركةٌ في اليابان، وأمّا السادسة في العالم فهي أنتم، أنتم الآن تصنعون محطةً للطاقة الغازيّة، هذا شيءٌ مهمٌ جدًا.
في تلك الأعوام كانوا يقولون لنا: إن هذا غير ممكن، ولكن بفضل المثابرة والهِمّة والتوكّل على الله تعالى، وبتشجيع الطاقات الموهوبة، وبالعزيمة الراسخة التي أبداها المديرون الإيرانيّون، حصل هذا الشيء.
أريد أن أقول: يا أعزّائي! عليكم أن تضاعفوا هذا المستوى الذي أنتم فيه اليوم عشرة أضعاف، فهذا الشيء أيضًا قابلٌ للتحقيق والحصول، وسوف يحصل، بعض الأشياء لا تستطيع الهمم الضعيفة والنظرة القاصرة أن تدركها وتفهمها، لأنّها لا تعرف طبيعة الإنسان، ولأنّها لا تفهم المعونة الإلهيّة، ولا تدرك قيمة العزيمة الراسخة، وتُنكر مواهبنا الداخلية الذاتيّة، وهذه بدورها من البلايا التي نزلت بشعب إيران، لقد وقع هذا البلد لسنواتٍ طويلةٍ من الهيمنة الثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة للأجانب، فترسّخت في الأدمغة فكرة أن الإيراني لا قدرة لديه، لاحظوا أيّة خيانةٍ كبرى! إنّ الموهبة الإيرانية أعلى من المتوسط العالمي، إنّ الشاب الإيراني والموهبة الإيرانية تحتل درجاتٍ عاليةً في سلّم المواهب البشريّة في العالم، وإذا بهم يتعاملون معنا وكأنّه لا توجد هنا أيّ مواهب.
هذا ما يتعلّق بقبل الثورة وقد بقي للأسف إلى سنواتٍ بعد انتصار الثورة، فقد كان هناك أفرادٌ تجذّرت هذه الأفكار الخاطئة في أذهانهم[4].
- [1]– مراد سماحته سنة 1393 من التقويم الهجري الشمسي المعتمد في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، الموافق لعام 1435 هـ، الموافق لعام 2014 م. (المترجم)
- [2]– هذا المقطع ساقط من الكتاب، وقول سماحته هذا يدلّ هو للمقطع الذي أضفناه، ولم يفْصل الكاتب المحترم بين المقطعين، ولذا فضّلنا أن نضيفه. (المترجم)
- [3]– أي الستينيات من التاريخ الهجري الشمسي المعتَمَد في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. (المترجم)
- [4]– من خطاب سماحته في لقائه العاملين في مجموعة مبنى الصناعيّة بتاريخ 30-4-2014م
تعليق واحد