مواضيع

ضرورة التحلّي بالروحيّة الحسينيّة في الجهاد

إنّ العداء الثقافي والسياسي من الحكومات ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة لا يكاد يمثّل إلّا جانبًا طفيفًا من العداء، أمّا الثقل الأساسي، فيمثّله العداء الثقافي الغربي لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة وهو عداء عميق وقديم.

إنّ تحدّي هذه القوى يتطلّب روحًا حسينيّةً، والذين يقفون اليوم بوجه الهجوم والتآمر العدائي في خندق الاستكبار إنّما يؤدّون في حقيقةِ الأمر عملَ الإمام الحسين(ع)، وهنا يكمن سرّ عظمة العمل الذي أدّاه الإمام الحسين(ع).

هذه النقطة توصلنا بدورها إلى نقطةٍ أخرى وهي كيف يمكن الصمود؟ فالصمود ليس بالأمر الهيّن، وإنّما يستلزم قوّة، وهذه القوّة أيضًا إنّما تُنال بالإخلاص، وهذا يعني وجوب البحث عن الإخلاص، وأن نؤدّي أعمالنا لله، ولأجل الواجب والتكليف، لا لأجل الأهواء والنزوات، أو لنيل الثناء من هذا وذاك، وإذا تحقّق هذا الطموح فلن تخلو الساحة آنذاك من الرجال العظام والأعمدة المتينة القادرة على حفظ هذه الخيمة، فكما كانت القضيّة في ساحة الحرب ـ والحقّ يقال ـ هي قضيّة الإخلاص بالنسبة إلى أبطالنا المتفانين الحاملين لأرواحهم على الأكفّ، وهكذا كان الحال في أوّل الثورة، وقبل الحرب وبعدها،؛ لذا علينا أن نتمرّس ونروّض أنفسنا على الإخلاص.

الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم بحاجة إلى هذه الروح، وإلى هذا العزم والصمود، وأنا أودّ أن أقول لكم يا أعزّائي: إنّ كرامة إيران وشعب إيران بحاجةٍ اليوم إلى هذا أيضًا، ولو لم يكن المرء متمسّكًا بدين الله ولا يريد أداء عمله لله، بل يحرص على بقاء هذه الدار عامرةً وسالمةً لأهلها، فحتّى مثل هذا الشخص عليه أن يُدرك عدم إمكانيّة تحقيق مثل هذه الغاية إلّا بالصمود المخلص والشجاع بوجه العدو.

إنّ العدو لا يغفل لحظةً، وهو يبادر إلى كلّ عملٍ متاحٍ أمامه، وسبق أن ذكرتُ مرارًا أنّ أعداءنا العالميّين لا مِنّة لهم على شعب إيران، فيقولون مثلًا: إنّنا كنّا قادرين على توجيه ضربةٍ لكم في الموضع الفلاني ولم نفعل. كلّا، لأنّهم إن لم يكونوا قد ضربوا، فالسبب يعود إلى عدم قدرتهم! وعدم القدرة لا يُعزى إلى افتقاد العتاد وحسب، بل كانت أمامهم آلاف الموانع والعقبات؛ إنّهم خافوا من ردّ الفعل، ومن المشاكل الإقليميّة التي يفرزها عملٌ كهذا، لكنّهم لم يغفلوا قطّ عن توجيه ضربةٍ مؤثّرةٍ، وقد جرّبوا ووجدوا هذا الشعب لا يُضرب، وهل ثمّة عمل أشدّ من حرب السنوات الثماني؟!

إنّ حرب السنوات الثماني قد منحت هذا الشعب التجربة، والشجاعة، والاعتماد على الذات، ورفعت اسمه عاليًا، وعلى أثر هذه الحرب وعقائد هذا الشعب، استيقظت كثير من الشعوب الإسلاميّة في العالم، فحدّدت لذاتها توجّهًا ومسارًا، اقرؤوا المقالات العديدة في الثناء على الشعب الإيراني، وفي تمجيد الجمهوريّة الإسلاميّة، وما نظم من الأشعار في ذلك، ولاسيمّا من أهالي البلدان الإسلاميّة، والعربيّة مِنها على وجه الخصوص ـ طبعًا كثير في هذا المضمار من غير البلدان العربيّة ـ وإذا سئل أحد الكتّاب عن ذلك يجيب قائلًا: إنّ قضيّة الحرب قد أثارت وجدي.

إنّ هذا الصمود الذي أبداه الشعب الإيراني، وهذه القوّة المقترنة بالمظلوميّة قد هزّت الشعوب، وقد جرّب الأعداء هذا الأمر أيضًا، ولكنّهم ما انفكّوا يتربّصون بنا، <يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ>[1]، فما يختلقونه من إشاعات وما يقولونه من أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تُهدّد أمن المنطقة، أو تملك السلاح الفلاني، أو متورّطة في الحادثة الفلانيّة أو الانفجار الفلاني…، كلّها مؤامرات، والغرض منها التخطيط والتمهيد لمحاربة الشعب الإيراني، ولكن بالطبع والحمد لله فشل كلّ ذلك وسيفشل في المستقبل أيضًا[2].

إذا كان المرء يتطلّع إلى غاية شخصية في ساحة الجهاد في سبيل الله، كأن يسعى خلف الغنائم فيذهب ويُقتل، فإنسان كهذا لا يعدّ شهيدًا في سبيل الله، إنّ شرط الشهادة وشرط الجهاد في سبيل الله هو أن يكون تحرّكه في سبيل الله ولله، يعني يجب أن يتحلّى بالإخلاص.

وإذا أثّرت فينا الدوافع الشخصيّة أو المحفّزات الفئويّة والعائليّة أو حالات الخجل من الأصدقاء،‌ إذا أثّرت في مسيرتنا وحركتنا فإنّ هذا الإخلاص سيكون مشوبًا وغير نقيٍّ، ومؤدّياً إلى وقوع المشاكل لنا. وعدم الإخلاص هذا سيفصح عن نفسه في موضعٍ من المواضع[3].


  • [1]– التوبة: ٩٨
  • [2]– من خطاب سماحته في لقائه بجمعٍ من الحرس الثوري بتاريخ 14-12-1996م
  • [3]– من خطاب سماحته في الطلبة غير الإيرانيين بحوزة قم بتاريخ 25-10-2010م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى