مواضيع

فائدتان مهمّتان يمكن تحصيلهما من الجهاد

أيّها الإخوة الأعزّة! إنّ الجدّ والجهاد والمجاهدة هي أمورٌ مستحسنة وجميلة من الجميع؛ ولاسيّما لو صدرت من شخصٍ هيّأ الأدوات لهذا العمل، وبإمكانه أن يضع هذا الجهاد في أفضل موطنٍ، وأن يحصل منه كلّ الفائدة؛ وما هي الفائدة التي نتحدّث عنها ها هنا؟ إنّ تلك الفائدة على قسمين:‌

القسم الأوّل: شخصيٌّ وهو أصل القضيّة، فالتفتوا جيّدًا! إنّ القسم الأعظم من المجاهدة في سبيل الله، هو من أجل نفس شخصكم أنتم، قال تعالى: <لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ>[1]، فأصل القضيّة هو أنّنا لمّا كنّا عبيدًا لله، فيجب علينا أن نتحمّل أعباء عبوديّتنا لله، وفي هذه الحالة إمّا أن نتمكّن من ذلك، وعندها نرفع رؤوسنا وسنحصل على السعادة الأبديّة، أو لا نتمكّن من ذلك، وعندها، فسنغرق في الشقاوة، فكلٌّ من الجدّ والجهاد اللذين نبذلهما، والبناء، وبناء الذات، وبناء الآخرين، وكلّ تلك الأعمال التي نسعى إليها، وتلك الخدمات التي نقدّمها لخلق الله، وإقامة العدل الذي نعمل عليه، والحكومة التي نديرها، كلّ ذلك هو بالدرجة الأولى من أجل أن نقف أمام الله كعبدٍ من عبيده، ونقول له: «إلهي! لقد أدينا حقّ عبوديّتنا لك إلى أقصى حدّ من استطاعتنا»، وقد ورد في الدعاء هذه الفقرة: «وجعلَ ما امتنّ به على عِبادِه كفاءً لتأدية حقّه»[2]، هو دعاءٌ جيّدٌ أيضًا، ويحتمل جدًا أن يكون صادرًا من المعصوم، (نعم، أنا لا أرى أنّ سند الدعاء صحيح)، «وجعلَ ما امتنّ به على عِبادِه كفاءً لتأدية حقّه»، ومعناه: لو أنّنا عملنا بما امتنّ علينا به الله وأعطانا إيّاه، فهو يكفي لتأدية الحقّ الذي برقبتنا، إذاً في الدرجة الأولى نفس الجدّ هو الهدف والمقصود.

وأمّا -القسم الثاني-، وفي الدرجة الثانية، فهناك مسائل أخرى مستهدفة؛ مثل: نجاة البشريّة، إقامة حكومة العدل والحقّ وإيجاد طريقٍ يستطيع البشر من خلاله الوصول إلى الله وأن يهتدوا، وهذه المساعي التي ذكرتها هي عبارة عن مقدّمة لكي نستطيع أن نؤدّي أمام الله حقّ عبوديتنا له،‌ وطبعًا فإنّ أداء حقّ العبوديّة لا يمكن أن تؤدّى إلّا بهذه الأعمال، فذلك الشخص الذي يذهب ويجلس في الغرفة ويُقفلها على نفسه، ولا يقوم إلّا بعبادته الشخصيّة، فهذا الشخص لم يؤدِّ حقّ الله، بل عليه أن يحقّق تكليفه وهدفه الشخصي من خلال الإيثار والفداء، والجدّ والتفكير في عباد الله، وبخدمة خلق الله، وأداء الوظائف الاجتماعيّة؛ التفتوا جيّدًا للأمر، فهذا أمران، لا تخلطوا بعضهما ببعضٍ.

والآن، ما هو السبيل إلى أداء هذا التكليف المهمّ، يعني أداء حقّ العبوديّة بالنحو الصحيح؟ إنّ السبيل لذلك قد بُيّن في الروايات والأدعية وأمثالها، فهناك سبيلان: الأوّل سبيل الله، والآخر سبيل الأهواء النفسيّة، وسبيل الله في مقابل سبيل النفس، فإذا تحرّك الإنسان في سبيل الله سوف يصل إلى ذلك الهدف الأعلى والنهائي، يعني أداء حقّ عبوديّته، وأمّا إذا سعى وراء أهواء نفسه، وأراد أن يُحقّق رغباته النفسانيّة، فسوف يتوقف عن السير في سبيل الله بنفس مقدار ما صرفه من طاقة في سبيل هوى نفسه وحياته المادّيّة.

إنّ الشرع الإسلامي المقدّس وجميع الشرائع الإلهيّة، إنّما قامت على أساس هذه القاعدة، ومن هنا فتكليف الإنسان معلومٌ؛ فإنّ معارضة الأهواء النفسانيّة، ومعرفة النفس، والسير في سبيل الله،‌ وتحمّل كلّ المصاعب، كلّها عوامل توصل الإنسان إلى السعادة، ولهذا نجد في الأدعية وفي التضرّعات وفي كلمات الأئمّة(عليهم السلام) كلّ ذلك الذمّ للنفس البشريّة والأهواء النفسانيّة والشخصيّة، ولهذا نقرأ في الصحيفة السجاديّة: «هذا مقامُ مَن استحيَا لِنفسِهِ مِنكَ»[3] يعني: إلهي، أنا أستحيي منك بسبب خفّة أسرار نفسي، التفتوا جيّدًا فهذا الكلام صادرٌ عن الإمام السجّاد(ع)! وأنا لا أعتقد أن الأئمّة(عليهم السلام) حينما يدعون بدعاءٍ، وحينما يكونون في منتصف الليل وفي حالةٍ من التضرّع والبكاء، أنّ كلّ ذلك كان من أجل أن يعلّمونا وحسب؛ بل إنّهم كانوا يقصدون أدعيتهم تلك فعلًا، وهم يقولون الحقيقة فيها، غاية الأمر أنّ أهواء النفس في مراتب النفوس البشريّة مختلفة، فما يعدّه ذلك الإمام الهمام هوى نفسٍ، يمكن أن يكون في حياتنا نحن عبادةً أو قيامًا بعملٍ مستحبٍّ أيضًا؛ فهو بالنسبة إلى حياة الإمام السجّاد وبالنسبة إلى تركيبه الوجودي، يعدّ هوى نفس؛ لأنّ غايته كبيرةٌ جدًا، ولأن لطافة روحه وصفاءه المعنوي والروحاني كبيرٌ جدًا.

«هذا مقام من استحيا لنفسه منك، وسخط عليها ورضي عنك»[4] فهو يتوجّه إلى الله ويقول: إلهي! إنّني غاضبٌ من نفسي، ولكنّي راضٍ عنك. إنّ رضا العبد عن الله عزّ وجلّ، هي مرحلة عالية جدًا للإنسان.

يجب علينا أن نسير في هذا الخطّ، والإنسان مخيّرٌ في مسيره دائمًا[5].


  • [1]– المائدة: ١٠٥
  • [2]– مفتاح الفلاح، للشيخ البهائي: ص 260
  • [3]– الصحيفة السجاديّة، الدعاء 32 (الدعاء بعد صلاة الليل)
  • [4]– الصحيفة السجاديّة، الدعاء 32 (الدعاء بعد صلاة الليل)
  • [5]– من خطاب سماحته في لقائه بضبّاط برتب مختلفة للحرس الجمهوري بتاريخ 20-9-1994م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟