مواضيع

النضال والجهاد، سرّ نشأة النظام الإسلامي

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ النظام الإسلاميّ قد تحقّق وأقيم من خلال النضال والكفاح، وما كان ليظهر من دون الكفاح، وكذا الحال بالنسبة لكلّ الأهداف والآمال الكبيرة في العالم؛ والحفاظ على النظام الإسلاميّ إنّما حصل بالنضال والكفاح، ولولا نضال الشعب ولولا نضال الإمام الخمينيّ، ولولا كفاح المسؤولين في الميادين والساحات المختلفة، لما بقي هذا النظام ولكان انهار وزال من الوجود.

وكما ترون في بعض مناطق العالم – وهي ليست بعيدة عنّا – تقع الحادثة وتتوفّر الفرصة، بيد أنّ أصحاب هذه الفرصة لا يستطيعون الحفاظ عليها فيفقدونها؛ لاحظوا ما الذي يحدث في شمال إفريقيا وفي بعض المناطق الأخرى، كان من الممكن أن يحدث مثل هذا المصير بعينه للجمهوريّة الإسلاميّة حيث تقع حادثة معيّنة أو حركة ويظهر النظام الإسلاميّ بشعارات برّاقة وجذّابة، ثم تتغيّر الأوضاع تمامًا بعد مدّة قصيرة،‌ ولكنّ الذي منع من حصول ذلك هو المواجهة والنضال، تلك المواجهة المخلصة والجادّة والعاقلة،‌ علينا أن لا ننسى ذلك.‌

إنّ أعداءنا لا يريدون أن يعترفوا بأنّ الأمّة الإيرانيّة تسير بحكمة وتعقّل في سبيل التقدّم والرقي، لكنّ واقع الأمور هو هذا، لو لم يكن هناك ذكاء وتعقّل، لما حصل شيء ولما بقي شيء، ولما تقدّمنا، ولما وصلنا إلى أيّ نتيجة،‌ فالتعقّل والحكمة والذكاء من الأمور التي كانت موجودة لتثبيت دعائم التقدّم.‌

إنّ حركة الأمّة الإيرانيّة هي حركة مخلصة وصادقة، «فلمّا رأى الله صِدقنا أنزلَ بعدونا الكبتَ وأنزل علينا النصر»[1]،‌ هذا ما قاله أمير المؤمنين؛‌ إنّ صدق الأمّة الإيرانيّة في الميادين المختلفة صار واضحًا وجليًا للعيان.

بلى، يمكن لأحدهم أن يجلس في إحدى الزوايا وأن يعثر على عيوب هنا وهناك، ويمكن مشاهدة بعض الإشكالات وتسجيل الاعتراضات؛ نعم، هذا واضح، ولكن لا ينبغي تعميم ذلك، إذ لا يصحّ التعميم، وأمّا ما يقبل التعميم فهو: الصدق والتحرّك والنضال؛ إذاً، النظام وُجد بالنضال وسيبقى بالنضال؛ وأنا أقول لكم: إنّ مهمّتنا أنا وأنتم هي مواصلة ذلك النضال والكفاح، فمن دونهما لا يمكن الوصول إلى تلك الأهداف، والسبب واضح؛ فليس السبب هو أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة نظام ينشد الحرب، لا، ليس هذا هو واقع القضيّة بحال من الأحوال.

عندما تريدون المرور بسفينةٍ عبر منطقة في البحر فيها قراصنة، فيجب أن تتجهّزوا وتستعدّوا، هذه هي طبيعة العمل؛ يجب أن تتمكّنوا من الدفاع عن أنفسكم، وأن تتوفّر لديكم نيّة الدفاع ودوافعه وهمّته، وإذا لم تتوفّر لديكم محفّزات الدفاع، فسيكون مصيركم معلومًا: سوف ينهبونكم ويشرّدونكم وتخسرون سفينتكم وتخسرون أرواحكم، أو تبقون على قيد الحياة بذلّةٍ وتحت الأسر، وهذه هي حقيقة القضيّة في العالم.

نعم، الفرق بين القراصنة في العالم اليوم – وهم قراصنة بحرٍ وبرٍّ وهواء وكلّ مكان – وبين القراصنة المعروفين في التاريخ والحكايات وفي الأساطير وفي القصص التي حصلت في الخارج،‌ هو أنّهم متسلّحون بالعلم، فقراصنة اليوم ـ الذين يغيرون على المال وعلى المصادر الطبيعيّة وعلى الحيثيّة والعزّة وعلى الأخلاق ـ‌ هؤلاء القراصنة مسلّحون بالعلم، وهذا ما منحهم اعتبارهم وشأنهم، العلم جعل وجوههم تخرج عن تلك الحالة الوحشيّة في عيون الآخرين، والعلم زاد من ثروتهم؛ هذا هو فرقهم الوحيد.

لقد عملوا بطريقة عقلانيّة ووصلوا إلى العلم، واستخدموه لكنّهم لم يتحلّوا بالأخلاق، لذلك يرتكبون الجرائم بسهولة، ويخونون المبادئ الإنسانيّة بسهولة، ويؤجّجون الحروب بسهولة، ويستخدمون الأسلحة الكيمياويّة بسهولة، ويعطون الأسلحة الكيمياويّة لمن يستخدمها بسهولة، ولا يكترثون لشيء، ويخفون هذه الممارسات حين الكلام والأدلّة بالألوان المبهرة والمسمّيات البرّاقة المتنوّعة ليحولوا دون أن يعلم أحد بشيء؛ أي إنّ جرائمهم فاقت جرائم القراصنة التقليديّين الذين تتحدّث عنهم الأساطير والأفلام، لأنّهم يرتكبون الذنب الكبير ويظهرونه على أنّه عمل صواب.

إنّنا نواجه مثل هذا العالم، ونواجه مثل هذه الجبهة، ولا خيار أمامنا سوى الدفاع عن أنفسنا، هذا هو النضال والكفاح.

إنّ الذين يُنَظِّرون للاستسلام والتسليم وإطاعة المتسلّطين، ويتّهمون النظام الإسلاميّ بأنّه متعطّش للحرب أو أنّه قائمٌ على نظريّة الحرب، إنّما يمارسون الخيانة والكذب.

إنّ النظام الإسلاميّ نظام إنساني، وهو نظام شرف واحترام لكرامة البشر، ونظام سلامة، -وهو قائمٌ على مبدأ- <وَالصُّلْحُ خَيْرٌ>[2]،‌ في كلّ هذه الساحات والمجالات، سواء في مجال إدارة البلاد أم في مجال الأنشطة الاقتصاديّة المتنوّعة أم في المجالات العلميّة والثقافيّة وغيرها، أم في ميادين رسم السياسات والتخطيط، أم في مجال التشريع وسنّ القوانين، أم في مجال المفاوضات الخارجيّة وما إلى ذلك من ميادين ومجالات، يجب أن نعلم أنّنا في حال كفاحٍ ونضال، وأنّنا ما زلنا نواصل درب الكفاح الذي أدّى إلى ظهور النظام الإسلاميّ وبقائه، هذا ما يجب أن نعلمه.

ينبغي أن يسود هذا التفكير على كلّ أنشطتنا، وأن نأخذ هذه القضيّة بعين الاعتبار في كلّ عمل نقوم به، إنّ القوى الشيطانيّة في العالم تريد أن تدمّر أيّ مكان أو موقع من المواقع البشريّة لا يكون في خدمتهم، هذه هي نيّاتهم وقراراتهم، وأنتم تلحظون ما يفعلون، وكيف أنّهم يريدون كلّ شيء في خدمتهم، وكيف يريدون للآخرين الاستسلام أمام قوّتهم وهيمنتهم وصراخهم العنيف، وإلّا فسوف يقاتلون ويفتعلون الخصومات.

يجب علينا أن نقوّي ذاتنا وأن نصمد في قبال هؤلاء، هذا هو العمل الأساسي، وعليكم أنتم في مجال التشريع، كما على الأجهزة الحكوميّة في مجال التنفيذ، وعلى المسؤولين على اختلاف صنوفهم في القطاعات والمؤسّسات المتنوّعة، على الجميع أن يتنبّه إلى هذه المسألة، هذا هو رأينا.

إنّ العمل الأساسيّ الذي يقع على عاتق مجلس الشورى الإسلاميّ هو مواصلة الكفاح والنضال الذي أفضى إلى انتصار الثورة، وإلى بقاء هذه الثورة واستمرارها[3].


  • [1]– نهج البلاغة، الخطبة 56
  • [2]– النساء: ١٢٨
  • [3]– من خطاب سماحته في لقائه مع نواب مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 25-5-2014م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟