مواضيع

الثقافة الجهاديّة هي درس أولياء الدين للأمّة

إنّ المحبّة لأمير المؤمنين(ع) والميل تجاه هذا الرجل العظيم في تاريخ البشرية والإسلام، لا ينحصر بالشيعة وحسب، ولا حتّى بالأمّة الإسلاميّة قاطبةً وحسب، بل هو ما يشارك المسلمين فيه كلّ أحرار العالم.

وإنّكم لتجدون أنّ عددًا من الشخصيّات الذين لا ينتمون للإسلام حتّى، قد أعربوا عن حبّهم لهذا الوجه الوضّاء وهذه الشمس الساطعة، فألّفوا الكتب ونظموا الأشعار مفصحين عن مشاعرهم المتأجّجة بالمحبّة.

إنّ من الخطأ الفاحش أن يكون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – مثار اختلافٍ بين المسلمين، ذلك أنّ هذا الرجل العظيم استحوذ على مشاعر جميع المسلمين وقلوبهم ونفوسهم وذلك يشمل الفرق الإسلاميّة كافّة.

وهذه المشاعر وهذا الحبّ إنّما ينبعان من الإقرار والخضوع أمام تلك المميّزات والمناقب والخصال التي لا يمكن لأيّ إنسانٍ منصفٍ إلّا أن يذعن لها، وهذا هو القاسم المشترك.

إنّ الإيمان الصادق، والجهاد المخلص، والذوبان في الأوامر والنواهي الإلهيّة، والإذعان لله بالطاعة والعبوديّة المطلقة، والابتعاد عن الزخارف الدنيويّة والمباهج الماديّة، والتعامل مع الجميع بعطفٍ وعدلٍ وإنصافٍ، والنظر إلى المظلومين والضعفاء والمستضعفين بعين الرحمة والشفقة، والحزم والصمود في مواجهة أعداء الدين، وأداء الواجب مهما كانت الظروف والعقبات والمشقّات، كلّها كلماتٌ تتفجّر بالحكمة، ولطالما كانت البشرية وما زالت وستظل في أشدّ الحاجة إليها؛‌ وإنّ نهج البلاغة لأمير المؤمنين – هو درسٌ خالدٌ للإنسانيّة، إنّ هذه هي الشخصيّة الظاهريّة لأمير المؤمنين – والتي تقصر دون إدراكها عيوننا الكَليلة، وتعجز عن التوصّل إلى كُنْه جمالها أحاسيسنا القاصرة.

إنّ الأبعاد المعنويّة والقدسيّة والملكوتيّة ممّا يختصّ بها فقط القدّيسون والصدّيقون الذين يتميزون بالعين الثاقبة والبصيرة العميقة، ولهذا فإنّ أبصارنا ليس بإمكانها أن تتلمّس تلك الصفات الرفيعة كما يفعل أولياء الله وعباده المقربون[1].

لا يكفي أنْ نُردّد اسم عليّ، ولا يكفي أن نعدّ أنفسنا أتباعًا له، فنحن لا نعتبر الشخصيّات التاريخيّة الكبرى ولا الزعماء الدينيّين ولا الأنبياء والأولياء عبارة عن مجرّد ذكريات تاريخّية؛ بل هم النموذج والقدوة والهداة في كلّ خطوة نخطوها. ما هو الدرس الذي تعلّمناه منهم؟ هذا هو المهم.

ما الذي ينبغي على الأمّة الإسلاميّة أن تتعلّمه اليوم من أمير المؤمنين ومن نبيّ الإسلام الأعظم(ص) والعظماء الآخرين من الهداة على الدرب الإلهيِّ المنير؟ وما هو النهج الذي يجب التمسّك به في مسيرة الحياة؟ هذا هو الأمر المهم، وعلينا أن ننظر إلى أمير المؤمنين من هذه الزاوية.

مِن المؤكّد أنّ هؤلاء كانوا مظهرًا للجدّ وللجُهد في سبيل الله والدفاع عن دينه «أشهد أنّك جاهدتَ في الله حقّ جهاده، وعمِلتَ بكتابه، واتبعتَ سُنن نبيّه(ص)»[2] فهذه هي الشهادة التي نشهد بها عند زيارة أمير المؤمنين وباقي الأئمّة(عليهم السلام).

إنّ هذا الجهاد هو واجبٌ في أعناقنا على الدوام، سواء في ذلك الجهاد العِلمي أم الجهاد العملي أم الجهاد في ساحات المعارك أم الجهاد في حالات السلم أم الجهاد مع النفس أم الجهاد مع العدو الخارجي أم الجهاد بالمال والروح واللسان، فهذه كلّها دروسٌ لنا.‌

إنّ كلّ ما تُقدّمونه من أجل إعلاء كلمة الدين أو رفعة الأمّة الإسلامّية هو جهادٌ، كما أنّ تحصيل العلم والمعرفة من أجل النهوض بالأمّة الإسلاميّة يُعدّ جهادًا، وكذلك ما تبذلونه من مساعٍ بهدف تمكين عُرى الوحدة والتآلف والمودّة بين أبناء الأمّة الإسلاميّة وشعوبها يعدّ جهادًا، وفي نفس السياق فإنّ مجاهدة الأهواء والنزوات الشيطانيّة يعدّ جهادًا، وعندما تجاهدون أعداء الله والدين والقرآن بألسنتكم أو بأيديكم فهذا جهادٌ في سبيل الله، وهذه هي الدروس التي يجب أن نتعلّمها من أمير المؤمنين والأولياء الصالحين، فالجهاد لا يقتصر على ميادين الحرب وحسب، فإنّ الأمّة الإسلاميّة إنّما وصلت إلى هذا الوضع المؤسف بسبب تَرْكِها الجهاد في سبيل الله.

لقد كانت الأمّة الإسلاميّة سبّاقةً في طريق التقدّم والعلم والحضارة والأخلاق ونشر القيم الإنسانيّة طوال قرونٍ متمادية من التاريخ، ولكنّها باتت اليوم تعاني من التفرّق والضعف والتخلّف؛ ممّا جعل الكفّار وأعداء الدين يتدخّلون في شؤونها السياسيّة وأمور حياتها العامّة، ويمارسون عليها كلّ أنواع الظلم دون أن تحرّك ساكنًا للدفاع عن نفسها، وما هذا الضعف والانحطاط الذي يغشى العالم الإسلامي إلّا نتيجة للتخلّي عن الجهاد في سبيل الله.

ونحن لا نقول: لماذا لم تمتشقوا السيوف وتحملوا السلاح لمقاتلة الأعداء في كلّ حين ـ مع أن القتال نوعٌ من أنواع الجهاد ـ ولكنّنا نقول: لماذا تقاعسنا عن معرفة عدونا؟ ولماذا عشنا في غفلة عن مخططاته؟ ولماذا بقينا غافلين عن مكائده؟ ولماذا خدعنا الأعداء؟[3]

لا تتركوا الجدّ أيّها الشباب الأعزّاء، ولا تتركوا العمل، ولا تتخلّوا عن البصيرة،‌ إنّ الإمام علياً هو قدوة ونموذج لكم أيّها الشباب، إنّ علم الإمام علي وتقواه وطهره نموذجٌ لكم فلا تتركوه، لا تتركوا الجهاد والسعي في سبيل الله ـ كلُّ ميدانٍ من الميادين له جهاده الخاصّ ـ واعلموا أنّ غدَ هذا البلد سيكون أفضل بكثير من حاضره إن شاء الله،‌ وهذا الغد هو لكم، وسوف تُعينكم روح الإمام علي (عليه آلاف التحيّة والثناء) ودعاء بقيّة الله (أرواحنا فداه) إن شاء الله[4].

لقد كان الإمام الصادق(ع) رجل كفاحٍ ونضال، ورجل علمٍ ومعرفة ورجل نظامٍ وتنظيم، جميعكم سمع بأنّه رجل علم ومعرفة، فمحفل درس الإمام الصادق(ع) وميدان التعليم الذي شكّله ذلك الإمام الهمام، لم يكن له نظيرٌ في تاريخ الأئمّة الشيعة لا قبله ولا بعده، وجميع الكلام الإسلامي الصحيح والمفاهيم القرآنيّة الأصيلة التي كان المغرضون والمفسدون والجهلة قد حرّفوها طوال قرن ونصف، كلّ ذلك تمّ تصحيحه وبيانه بالنحو الصحيح مرّةً أخرى من قبل الإمام الصادق(ع).

أمّا فيما يتعلّق بجانب كونه رجل كفاحٍ ونضال، فأنتم لم تسمعوا إلّا القليل عن ذلك، فالإمام الصادق(ع) كان مشغولًا بنضالٍ وكفاحٍ طويل الذيل، النضال من أجل الإمساك بزمام الحكومة والسلطة، ولإيجاد الحكومة الإسلاميّة والعلويّة، أي إنّ الإمام الصادق(ع)، كان يهيّئ الأرضيّة لزوال حكم بني أميّة، ولتصل الحكومة العلويّة مكانها، لكي تصل تلك الحكومة الإسلاميّة الصحيحة على رأس الأمور.

أمّا البعد الثالث الذي لم تسمعوا به أصلًا، فهو أنّ الإمام الصادق(ع) كان رجل تنظيم وتشكيلات، حيث كان لديه تشكيلات عظيمة تتكوّن من المؤمنين به،‌ من المؤيّدين لإيجاد الحكومة العلويّة، وكانوا في كلّ أقطار العالم الإسلامي من أقاصي خرسان وما وراء النهر إلى شمال أفريقيا.


  • [1]– من خطاب سماحته في لقائه بطبقات الشعب المختلفة بتاريخ 8-8-2006م
  • [2]– مقطع من زيارة أمين الله (زيارة خاصة بأمير المؤمنين علي(ع))
  • [3]– من خطاب سماحته في لقائه بطبقات الشعب المختلفة في يوم ميلاد أمير المؤمنين(ع) بتاريخ 8-8-2006م
  • [4]– من خطاب سماحته في لقائه بحشد شعبي بمناسبة عيد الغدير بتاريخ 6-12-2009م
المصدر
كتاب الحياة بأسلوب جهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟