الجهاد هو السبيل لمواجهة الأخطار التي تتهدّد الإسلام
هناك خطران رئيسان يُهدّدان الإسلام: الأوّل هو خطر الأعداء الخارجيّين، والآخر هو خطر الاضمحلال الداخلي.
العدو الخارجي يعني أن يأتي أحدهم من خارج الحدود بأنواع الأسلحة ثمّ يُهدّد وجود نظامٍ من الأنظمة الحاكمة من خلال فكره وأجهزته للبنية التحتيّة العقائديّة وقوانينه وكلّ ما يملك، وأنتم ترون هذا النوع من العدو فيما يتعلّق بالجمهوريّة الإسلاميّة، لقد رأيتم ذلك بأمّ أعينكم، وسمعتم كيف قالوا: «نحن نريد أن نزيل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة من الوجود»، ولطالما كان هناك أعداء خارجيّون عازمون على أن يُبيدوا هذا النظام عن الوجود.
ما معنى أنّه من الخارج؟ ليس المقصود من خارج البلد، بل من خارج النظام، فحتّى لو كان هؤلاء يعيشون داخل البلد، لكنّهم يعدّون أنفسهم غرباء عن النظام ويخالفون النظام؛ لذا فهم خارجيّون وغرباء، هذا الصنف يسعى من أجل إبادة النظام ومحوه من الوجود، سواءً بالسيف أم بالأسلحة الناريّة أم بأكثر الأسلحة الماديّة تطوّرًا أم بالدعاية والمال وكلّ ما لديهم من قدرات وإمكانات؛ فهذا أحد أنواع الأعداء.
أمّا العدو الآخر والآفة الثانية، فهو آفة «الاضمحلال الداخلي»، يعني من داخل النظام، فهذا الخطر ليس من الغرباء، بل منّا، فمن الممكن لأيّ نظام أن يُبتلى فجأةً بهذه الآفة على أثر الإجهاد والتعب، وبسبب الاشتباه في فهم الطريق الصحيح، وبسبب غلبة الإحساسات النفسيّة، وبسبب النظر إلى المظاهر المادّيّة وتعظيمها في نفسه.
إنّ هذا الخطر أعظم من الخطر الأوّل، إنّ هذين النوعين من الأعداء (الآفة الخارجيّة والآفة الداخليّة) يهدّدان دائمًا كلّ نظام وكلّ تشكيلٍ وكلّ ظاهرة، والإسلام قد عيّن العلاج لمواجهة كلتا الآفتين، فوضع الجهاد، فالجهاد لا يختصّ بمواجهة العدو الخارجي وحسب، قال عزّ وجلّ: <جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ>[1]، إنّ المنافق يزرع نفسه داخل النظام، لذا يجب أن نجاهد كلا العدوين، الجهاد هو مع الأشخاص الذين يريدون الهجوم بسبب عدائهم للنظام وعدم اعتقادهم، كذلك من أجل مواجهة ذلك التفكّك الداخلي.
هناك تعاليم أخلاقيّة قيّمة جدًا تجعل الإنسان يفهم الدنيا فهماً حقيقيّاً؛ فيفهم معنى <اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ>[2] إلى آخر الآية، يعني: كلّ هذا الذهب والأموال، وكلّ هذه المظاهر وهذه الملذّات في الدنيا، حتّى لو كانت ضروريّة لكم، وحتّى لو كنتم مضطرين للاستفادة منها وحتّى لو كانت حياتكم متعلّقة بها، وهذه أمور لا شكّ فيها وهي ممّا ينبغي أن توفّروها في حياتكم، ولكن اعلموا أنّ أخذها على إطلاقها والسعي خلف هذه الاحتياجات بعينين مغمضتين ونسيان الأهداف والغايات هو أمرٌ خطيرٌ جدًا.
إنّ أمير المؤمنين علياً(ع) هو أسد الميدان في قتال الأعداء، وحينما يخطب خطبةً، يتوقّع أن تكون نصف خطبه عن الجهاد والحرب والشجاعة والبطولة، لكنّنا حينما نطالع الروايات وخطب نهج البلاغة، نجد أغلب خطبه ووصاياه تتحدّث عن الزهد والتقوى والأخلاق وعدم التوجّه للدنيا وتحقيرها، وتعظيم القِيم الإنسانيّة المعنويّة الراقية.
إنّ حادثة الإمام الحسين(ع)، فيها مزيج من هذين النوعين، يعني في حادثة عاشوراء يتجلّى كلٌّ من الجهاد مع الأعداء وكذا الجهاد مع النفس في أعلى مراتبهما؛ أي إنّ الله يعلم أنّ الحادثة سوف تحصل، وأنّها سوف تُبرز النموذج الأعلى، لذا فقد جعل هذا النموذج قدوةً يُحتذى به، مثل البطل الذي يُصبح بطلًا في إحدى الألعاب الرياضيّة في بلدٍ من البلدان، ثمّ يصبح هذا البطل حافزًا ومرغّبًا للآخرين ليدخلوا في هذه اللعبة الرياضيّة، طبعًا هذا مثال صغير نطرحه لتقريب الأمر للأذهان.
إنّ واقعة عاشوراء عبارةٌ عن حركةٍ عظيمةٍ للجهاد في كلتا الجبهتين، في جبهة المواجهة ضدّ الأعداء الخارجيّين والداخليّين أي جهاز الخلافة الفاسد واللاهثين وراء الدنيا الملتصقين بجهاز السلطة هذا، فجعلوا تلك السلطة التي كان النبيّ يسخّرها من أجل نجاة البشر في الاتجاه المعاكس لمسير الإسلام والنبيّ المكرّم(ص)، وحتّى في الجبهة الداخليّة حيث كان المجتمع في تلك الأيّام متّجهًا نحو الفساد الداخلي[3].