الثقافة الجهاديّة لا تعني المعاناة
ينبغي لشعبنا اليوم أن يكون مفعمًا بالأمل والتفاؤل، فإذا كان هناك أمل فعندها ستوجد الملحمة؛ حين نقول «ملحمة»، ينبغي أن نعلم أنّ الملحمة ليست أمرًا أو تعميمًا قانونيًا! وهل يمكن أن نصدر كتابًا أو تعميمًا رسميًّا فيخلق الشعب ملحمةً؟! هل هذا معقول؟! إنّ الملحمة تتدفق من القلب، وتهديها العقول ويدعمها الإيمان، وهذه الأمور لا تتحقق بالأوامر؛ فإذا خلا القلب من الأمل، وخلا الفكر من المنطق الصحيح، فلا يمكن أن تحدث الملحمة، هل تتحقق الملحمة إذا بثثنا الشكوك في الأذهان والقنوط في القلوب؟! من الواضح أنّها لن تتحقق؛ إنّ صناعة الملحمة هي بأن لا تكون هناك أجواء يأس وتشاؤم وسوء ظنّ؛ بل بأن تعمّ مناخات الأمل والتفاؤل ومناخات التطلّع للآفاق، للآفاق القطعيّة واليقينيّة والحقيقيّة، لا التلقينيّة.
مثلاً في بدايات عقد الستينيات[1] -من التاريخ الشمسي- ـ أي قبل ثلاثين عامًا ـ لو كنا نقول: إن المستقبل سيكون كذا وكذا فلربما قال بعضهم: إنّهم يمارسون التلقين، أمّا اليوم فلم يعد هناك محلٌّ لمثل هذا الكلام، لأنّنا في الوقت الحاضر نرى مسيرة الثورة والبلاد العميقة الواسعة المتقدّمة نحو الأهداف المادّيّة والمعنويّة والسياسيّة والاجتماعيّة والداخليّة والدوليّة، وهذه الحقائق موجودةٌ أمام أنظارنا، فهل بإمكان أحد أن ينكرها؟ وإذا ببعضهم يشكّكون بهذا الأفق الذي نرسمه اليوم لأنفسنا، ويبثون اليأس في النفوس، ويشيعون مناخات التشاؤم بخصوص المسيرة والجهاد المستمرّ الذي يحتاج إليه البلد والشعب والتاريخ.
إنّ الجهاد المستمرّ حاجةٌ للجميع، فكلّ ذلك التقدّم وكلّ ذلك البناء للحضارات إنّما كانت بفضل الجهاد المستمرّ وبركته، والجهاد الدائم لا يعني تحمّل الشدائد أو المعاناة على الدوام، بل الجهاد هو عمليّة تبثّ الشوق، ويبعث على البهجة والنشاط؛ وفي هذه الأيّام التي نحتاج فيها إلى هذا الجهاد، يأتي شخص ويدعو إلى الكسل والانزواء والتقاعس والبطالة والخمول، هذا طبعًا سيكون ضربًا من الكفر بالنعمة الإلهيّة، قال تعالى: <أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ>[2]، وهذا الأمر هو ما لا ينبغي أن يحصل[3].