الفَتْحُ الحُسَينِي

الإمام الحسين (ع) : (( أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَنْ لَحِقَ بِي مِنْكُمْ اسْتُشْهِدَ مَعِي وَ مَنْ تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغِ الْفَتْحَ وَ السَّلَام ))[1]
- تمهيد ..
إِنّ الإِسْلامَ مُحَمّدِي الوُجُودِ و حُسيَنِي البَقَاءِ ” حُسَيْنٌ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنٍ “[2] و قيمةُ الإنسانِ و عَظمتُه فِي هذه الدُّنيَا أنْ يعيشَ التّوحِيدَ الخَالصَ لله تَعالَى، يعيشَ مع اللهِ فِي الفكرِ و الوِجدَانِ، و الخُلق و المَلَكاتِ ، و العملِ و السلوكِ .. و الإسلامُ هُو دينُ التّوحِيدُ و دينُ الفِطرةِ { فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها }[3] و هُو المنهجُ الّذِي تَتربَى به البَشَريّةُ و ترتَقِي من خِلال تَعَالِيمِهِ إِلى الكَمالاتِ التي خُلِقت لأجلِها … و لا قَيمَةَ للإنسانِ و لكلِّ البشريّةِ عندما يُفَارقُوا مَنهَجَ السّمَاءِ و يَركَنُوا إِلى مناهِجِ الأرضِ و يَعيشُوا فِي تربيةِ الشيّطانِ .!
- الإمام الحسين عليه السلام و حفظ الإسلام ومبادئ السماء .
- إنَّ الهدفَ مِن قيامِ الإمامِ الحسين (ع) و ثَورتِه على يزيدٍ و آل أُميّة، هو حفظُ الإسلامِ ومبادئِه و قِيَمِهِ، و الوقوفَ في وجهِ أيِّ خطرٍ يَحدُقُ بهذا الدّينِ، دين اللهِ تعالى و دين الفِطرَةِ ، و أكبرُ خطرٍ كان يُهدّدُ الدّينَ هو القبولُ بمثلِ يزيدٍ حاكماً على الأمّةِ الإِسلاميّةِ .. (( .. عَلَى الْإِسْلَامِ السَّلَامُ إِذْ قَدْ بُلِيَتِ الْأُمَّةُ بِرَاعٍ مِثْلِ يَزِيد))[4] !
فقد تُوجَدُ هناك أهدافٌ أُخرَى و لكنَّ الإمام الحسين (ع) – و هُو صاحبُ البّصِيرةِ الثاقِبَةِ و الهمّةِ العَاليةِ- ما كانَ يشتَغِلُ بالأهدافِ الساقِطَةِ الهابِطَةِ و الدانِيَةِ، بل كانَ همّهُ الأهداف الكُبرَى و أهمّهَا ” حفظُ الإسلامِ ” و مبادئِه و قِيَمِهِ و تَعالِيمِهِ و أَهدَافِه.
يقول الإمام الحسين (ع) : (( إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي ’)) [5] ، فأيُّ إصلاحٍ هذا الّذِي يَسعَى لَه و يَقصِدَهُ؟ هل هُو الإِصلاح الماديُّ المَعيشِيُّ الّذي لا يتجاوَزُ هذِه الحَيَاةِ الدّنيَا الزَائِلَةِ؟ أيْ الإصلاحِ الخاص بهذه الدُنيا و بالبدنِ و بالنواحِي المَاديّةِ للإنسانِ فقط؟ أو أنّه عليه السلام يُريدُ الإِصلاحَ الحَقيقِي الجَذرِي، و هُو “إِصلاحُ الدّينِ” الّذي أَفسَدَهُ الطُّغَاةُ .. بإزالةِ و مُقَارَعَةِ القِيَمِ الدَخَيلَةِ و المَبَادِئَ الأَرضَيَة و الشّيطَانَيَةَ ؟!
نعم، هَكَذا كانَ يُريدُ الإِصلاحَ، إصلاحَ الجُذورِ و القاعِدَةِ الأَسَاس، لأنّهُ بَهذا الإِصلاحِ سوفَ تَستَقِيمُ بَقِيّةُ الأَمُورُ الّتي هِي فرعٌ لِذلَكَ الأَصلِ.
- الإِنْتِصَارَاتُ الآنِيّةُ و الإِنْتِصَارَاتُ الحَقِيقِيّةِ
- ما كانَ الإمامُ الحُسينُ (ع) يَنشُدُ نَصراً عَسكَرِياً آنيّاً فَحَسب، و مَا كانَت هِمّتَهُ مِن القِيَامِ و الثّورةِ أنّه إن كانَت الظُّرُوفُ مساعدةً على الإِنتصَارِ فِي الحَربِ فَسَيثورُ و إِلا فَلَنْ يَتَحَرّك !
كلا ، فالنّصرُ الآنِي ما كان مهماً لَهُ عليه السلام، بل كانَ كُلُّ هَمّهِ أنْ يُحَقّقَ النّصْرَ الحَقِيقِي و هُو حِفظُ الإِسلامِ و اسقاطُ النّظَامَ الأُموي الطاغُوتِي، بل و كلُّ الأنظِمةِ الشّيطَانِيةِ فِي كلِّ زَمانٍ و فِي كلِّ مَكانٍ، و الإمام (ع) حقّقَ هَذا الهَدفَ : ” و أنا أحقّ من غيّر “[6]
هذه مدرسةُ عاشوراء لكلِّ زمانٍ و فِي كلِّ مكانٍ، و الّتِي تتجسدُ فِي أَتْبَاعِ الإِمامِ الحسين (ع) عندما يَرَونَ “الإِسلامَ الأَموي” أو ” العباسي” أو “الإسلامَ الأمريكي” فإِنّهُم لَنْ يقفُوا مَكتُوفِي الأَيدِي، بل سيَقُومُونَ و يَثُورُونَ كمَا ثَارَ إِمامُهُم فِي يومِ العَاشِر و أسقَطَ عَرشَ الطّاغِيَةِ، و هكذا تَسقُطُ عُروشُ الطّغَاةُ، و بمثلِ هذه الثّورات الكَربَلائِيّةِ العَاشُورائيّةِ الحُسينيّةِ تُحفظ مبادئُ الإسلامِ و قِيَمِهِ و أَحكَامِهِ، كَمَا قاتلَ أبطالُ حِزبِ اللهِ أقزامَ الصهيونيّةِ فِي حربِ تموزَ بنفسٍ كربلائِيّ حُسينيّ و ذلكَ مِن أَجلِ حِفظِ مبادئِ الإِسلامِ و قِيَمِهِ و مَبادِئِه و أَحكَامِه ، و هكذا تحقَقَ الهَدفُ الّذِي نَشَدَهُ الإِمامُ الحسينُ (ع) .
و هكذا ، و بعدَ مرورِ قرونٍ عديدةٍ فقد حُفظَ الإِسلامُ حتى وصَلَ إِلينَا و لم يُمحَ كما أَرادَ ذلك أعداءُ الإسلامِ و أعداءُ البشريّةِ، و بَقِيَتْ معالِمُ هذا الدّينِ، الدّينُ الخالدُ لكلِّ البشريةِ و بقيت أَعلامُه مُرفرِفَةً خفّاقةً للذينَ يُريدُونَ السَيرَ و التّكامَلَ و الهُدى، و لنا فِي ثورةِ الجُمهُوريّة الإسلاميّة بقيادَةِ السيّدِ الإِمامِ الرّاحلِ + أسوةٌ حسنةٌ فِي دحرِ الدكتاتوريّة و الطُّغاةِ و المستكبرينَ، و كما قالَ السيّدُ الإِمامُ الرّاحلُ ” إنّ كُلّ مَا لَدينَا مِن مُحرمٍ وعَاشُورَاء “[7] فبِدِمَاءِ يومِ عَاشُورَاء و بتضحياتِ الإِمامِ الحُسينِ عليه السلام و صَحبِه حُفظَ الإِسلامُ “” حُسَيْنٌ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنٍ “[8] و هكذا ، أصبَحَت ثورةُ عاشُوراءَ مشعلاً ومناراً للشّعُوبِ الّتِي تريدُ أنْ تتحرّرَ مِن الظّلمِ و الطّغيَانِ و الجَورِ.
- و لكنْ كَيفَ تَحَققَ الفَتحُ الحُسَينِي؟
- إِنّ هذَا الفَتحَ الّذِي حقّقَهُ الإِمامُ الحُسين (ع) كانَ يَرتَكِزُ عَلى عِدّةِ أُمُورٍ، لابُدَّ مِن تَوَفّرِهَا فِي كُلِّ زَمانٍ حتى يَتَحققَ مثلُ هذَا الفَتحُ:
- القيادةُ الرّبَانَيّةِ: فلا بُدّ مِن وُجودِ قِيادَاتٍ ربانيّةٍ تقودُ مَسيرَةَ البَشريّةِ و الثّورةِ، قياداتٌ فِكرُها إِلهِي و خُلُقُهَا إِلهِي و سَيرُها ربّانيّ، فالقيادةُ عصبٌ هامٌّ و رَكيزةٌ أساسيةٌ لتحقيقِ الفَتحِ الحُسينيّ.
أمّا أن تكونَ القياداتُ همُّهَا مكاسبَ آنيةً و دُنيَوِيّةً و ماديةً فقط، فهي وبالٌ على البشريّةِ، و على الثوراتِ الإيمانيّةِ و لن تُحققَ شيئاً نافعاً للبشريّةِ و للمُجتمعِ الإيماني.
فالقياداتُ لا بُدَّ أن يكونَ شُغلَها الشاغِلَ و أهدافُها العامّةُ و تفصيلاتُ مَنهَجِهَا وعَملِها هو الدعوةُ للإسلامِ الأصيلِ و الإيمانِ، و السيرُ على خُطى الأَنبياءِ و الأئمّةِ الهُداةِ { اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ }[9].
- الأًنصَارُ الإِلهيينَ : ولا بُدَّ مِن وُجودِ أنصارٍ و أصحابٍ ربّانيينَ يِعيشُونَ التّقوى و الورع و الهُدى، و اجتنابِ الذنوبُ و المعاصِي و الإنكبابُ على الدّنيا، فلا مَعنَى للثّورَةِ و تقديمِ التّضحياتِ منْ أجلِ إزاحةِ طاغوتٍ ظالمٍ و نحنُ نعيشُ الظّلمَ و الطّغيانَ فِي وُجودِنا و فكرِنا و خُلُقنا و سُلوكِنا !
و هل سيُبارِكُ اللهُ لنا و نحنُ نعيشُ في وحل الذّنوبِ الآسِنِ ؟! أم هل سينصُرُنا اللهُ على العدوّ و الظالِمِ و نحنُ مِثلُه فِي الظّلمِ و التّمرّدِ على اللهِ سبحانه و تعالى ؟!
إنّ اللهَ تعالى لا يكتفِي بالمَظاهِر و القُشورِ، بل هُو يَنظُرُ إِلى الباطِنِ و الظاهِرِ معاً، إِلى الأعمالِ و السرَائِرِ و النيّاتِ و ما تَختَلِجَهُ النّفوسُ و الضمائِرَ، فماذا نُريدُ وماذا نَطمَحُ له؟! هل نطلبُ الدّنيَا و مَتَاعَها ؟ أم نطلبُ رفعةَ الإِسلامِ بأداءِ التكاليفِ فِي كافّةِ منَاحِي الحياِة؟
- مدرسةُ عاشُورَاءَ، و مُقوّمَاتِ الفَتحِ الحُسَينِي
- و عندَمَا نُلاحظُ عاشُوراءَ نلاحظُ وجودَ الأركانِ الأساسيّةِ، و مُرتَكزَاتُ هذا الفتحِ:
- فهناكَ قيادة ربانية إلهية و هو الإمام الحسين عليه السلام و قد أعلنها مدوية : (( إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي ص أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَ أَبِيعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع))[10] و قد تقدّمت هَذِه القيادةُ و قدّمت مِن أَجلِ الهدفِ السًامِي :
- قدّمت نفسهَا و رُوحَها و هو أغلَى ما عِندَهَا فداءً للإسلامِ و لدينِ اللهِ.
- قدّمت أبناءهَا و إخوتَها وكلَّ عشيرَتَها.
- قدّمت نساءها و أطفالَها و رضعَانَها.
و هذا هُو شِعارُ القياداتِ الرّبَانيّةِ قولاً و عملاً ” إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي ، يا سيوف خذيني ” فالقيادَاتُ الرّبانيّةُ لا تَبخَلُ بشيءٍ مقابلَ الهدفِ الرّبانِي الإِلهِي و تكليفِ السّماءِ، و العملُ بما تفرضُهُ العبوديّةُ للهِ سبحانه و تعالى.
- و هناكٌ أصحابٌ للإمامِ (ع) فِي عَاشُورَاءِ
- هَائِمُونَ فِي الله تعالى مُشتَاقُونَ للقائِه، فُقَهاءٌ زهّادٌ عُبادٌ قارئِي القرآن، مُحَافِظِون على الصّلَواتِ و سائِر العِبَاداتِ.
- يَعيشُونَ الحُبَّ و العِشقَ لإِمامِهم و قِيادَتِهِم الذّائِبَةِ في الإِسلامِ، فكَانُوا فِي كَربَلاءَ يَتَساقَطُونَ أَمَامَهُ واحداً تُلو الآخرِ ذَوداً عَنهُ و دِفاعاً عَن حَريمِهِ، فَكانَت تِلكَ البُطُولاتِ الّتِي أَشرقَ التّاريخُ بِذكرِهَا و تَسطِيرِهَا.
- خُلاصَةُ الفَتحِ الحُسَينِي:
- إِنّهُ أداءُ التّكلِيفِ الإِلهِي و امتثالٌ لإرادةِ الله تَعالَى فِي حفظِ دِينهِ ، و عدمُ القبولِ بالطُّغَاةِ و عدمُ الرِّضَا بالذُّلِ و الخُنُوعِ، و الاستجَابَةِ للنّدَاءِ الإِلهِي و تقديمُ كلِّ شيءٍ مِن أَجلِ ذَلك ” خذ يا رب حتى ترضى “
- و لا وجودَ لأَهدافٍ شخصيّةٍ و لا دُنيَويّةٍ هَابِطَةٍ، بل الهَدَفُ رَبانيٌّ إِلهيٌّ و هُو حِفظُ الإِسلامِ و مَعَالِمِهِ و أَحكَامِهِ و أداءُ التَكالِيفِ الّذي يَفرِضُهُ عَلينَا ربُّ الأَربَابِ، و هَذِهِ هِي العُبُودِيّةُ الكَامِلةُ للهِ فِي هذِهِ الدُّنيَا ..(( هَوَّنَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللَّهِ))[11] ..
- (ج) عدمُ الإِخلادِ للدّنيَا، و اعتِبارُ الدّنيَا مَعبَراً للآخِرةِ فتلكَ هِي الحَياةُ الحَقيقيّةُ، و الدُّنيَا مزرعةُ الآخِرةِ ، فالدُّنيَا دارُ التّكلِيفِ و العَناءِ و الصّبرِ ، فلا بُدَّ مِن الإِنشِدَادِ إِلى تلكَ الدّار، و نكونَ عَلى أتّمِ الجُهُوزِيّةِ لأَن نُقدّم الدُّنيَا قُربَاناً للآخِرَةِ، نخسَرَ الدُّنيَا مِن أَجلِ إِحرَازِ الآخرةِ لو حَصَلَ تزاحمٌ بَينَهُمَا.
- [1] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج42، ص: 81
- [2] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج43، ص: 261
- [3] الروم: 30
- [4] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج44، ص: 326
- [5] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج44، ص: 329
- [6] وقعة الطف، ص: 172
- [7]نهضة عاشوراء ص100و101. وقال في مورد آخر: “أن الثورة الإسلامية الإيرانية قبس من عاشوراء وثورته الإلهية العظيمة.” صحيفة الإمام ، ج17، ص: 388
- [8] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج43، ص: 261
- [9] الفاتحة: 6
- [10] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج44، ص: 329
- [11] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج45، ص: 46