مواضيع

الإمامُ الحسينُ عليه السلام ..ثورةُ الدّم ِو الفِدَاء ِو التّضحِياتِ

الإمام الحسين عليه السلام : (( يَا عَبْدَ اللَّهِ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ أَنَّ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا ع أُهْدِيَ إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَقْتُلُونَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ سَبْعِينَ نَبِيّاً ثُمَّ يَبِيعُونَ وَ يَشْتَرُونَ كَأَنْ لَمْ يَصْنَعُوا شَيْئاً فَلَمْ يُعَجِّلِ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَلْ أَخَذَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ذِي انْتِقَامٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ لَا تَدَعَنَّ نُصْرَتِي ))[1]

  • تمهيد …

 إن المُتأمّل ليَقِفُ حائراً مِن المَشهَدِ الإجتماعي و السياسي الذي حَلَّ بالأُمّةِ الإسلاميّةِ بعدَ 50 عاماً من رحيلِ الرسول  ’,  فبعد أن كان الرسول الأعظم (ص) هو خليفة الله في الأمّة و إمامها و من يأخذ بأيديها إلى طريق الهداية و الرّشاد، و الأُمّةُ تعيشُ في هَدي تعاليمِ الإسلام الفتي، و تتنفَّسُ أحكامَه الوضّاءَةِ و تسيرُ بنهجه الرشيد ..

و إذا بها و بعد 50 عاماً يكونُ خليفةُ المسلمين يزيدُ بن مُعاوِيةَ، يزيدُ المخازي، يزيدُ الخُمور، يزيدُ الفُسوقُ، ابن أعداءِ الإسلام ومن حاربوه و لم يسلِّموا بل استَسلَمُوا، ابن من كادوا للإسلام و المسلمين ..

نعم، إنّه ابن الشجرةِ الملعُونَةِ في القُرآنِ، و إذا به على منبرِ رسولُ اللهِ ’ و على مرأَى و مَسمَعَ كلِّ المُسلِمين. نعم بعد 50 عاماً، 50 عاماً لا أكثر يُقتَلُ ابنُ بنتِ رسولُ الله ’ و أبناؤه و إخوته و عشيرته، و تُسبَى نِساؤُه و يُطافُ بِهنَّ من بلدٍ إلى بلدٍ بمرأى و بمسمعٍ من كلِّ المسلمين.

فما الذي حصل و ما الذي دهى الأمَّةَ الإسلاميةَ، فهل تغيَّرَ الإسلامُ، أم هل تَبَدلت أحكامُه و مفاهيمه؟ أم أنّ المُسلمِينَ تغيَّرُوا؟ أم ماذا؟

  • الإنحدارُ في المجتمعاتِ و الشعوبِ و الأمم
  • إنّ أيَّ مُجتمعٍ – و لو كان يحملُ أرقى الدساتير العلمية و الفكرية و الأخلاقية و العلمية، و كان يضم أعظم الشخصيات الإنسانية – إذا لَم يَعِ ما عنده، و لم يشكُر النعمةَ التي أُعطيت له بالحفاظ عليها بالشّكلِ الصحيح، فإنّ كلَّ هذه الأُمُورُ لَن تَبْقَى نافعةً له، بل سَوفَ يتعرض لعذابِ الكُفرانِ و النّقِمَةِ الرّبانية { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي‏ لَشَديد }[2]
  • و الأمّةُ الإِسلاميّةُ قد حَضيت بخاتمِ الأنبياء و بأئمةٍ هداةٍ، وصَلُوا إلى قِمّةِ الكَمَال. وكذلك حَضيت الأمّةُ الإسلاميّةُ بإسلامٍ خالدٍ و تعاليمَ تتكفّلُ بسعادةِ الدارين.

(ب)  إلا أنّها لم تَعِ هذه النّعم العَظِيمة و لم تشكر ربّها، بل كفرت بِكُلِّ ذلك، كَفَرت بأنعُمِ ربّها و أعرضَت عن تعاليم القرآن و الإسلام و عمِلَت على خلافها، و لم تقف مع الأئمّة الهُداةِ الذين نصّبَتهُم الإرادةُ الإلهيةُ فضلّوا و أضلّوا و كان ما كان.

  • الشّللُ النَّفسيُّ للأمَمِ و الشّعوب
  • إنّ مِن أعظمِ الأخطارِ و الأمراضِ التي تحلُّ بالأُممِ، هو الشّللُ النفسيُّ و ضعفُ الإرادةِ و الإنهزامُ و الإحساسُ بعدمِ القُدرةِ على التغييرِ، و هذا هو الموتُ الحقيقيُّ للأُمّةِ.
  • الشّللُ النفسي للأُمَّةِ الإسلاميّة
  • و هذا الشّلل النفسي قد حلَّ بالأُمّةِ الإسلاميّة بشكلٍ واضحٍ و جليٍّ:
  • فالأُمّةُ كانت على علمٍ بأنَّ الإمامَ علي (ع) هُو الأجدَرُ بالخلافَةِ بعد رسولِ  الله ’ و لا يوجدُ ريبٌ أو شكٌ عندَ أحدٍ من الأمّةِ في ذلك، حيث النصُّ الرّبانيُّ القُرآنيُّ و النبويُّ مضافاً للصفاتِ التي يتميّزُ بها عليه السلام على غيره، فالكُلُّ يَعلمُ بأنّه عليه السلام اللائقُ بالخِلافَةِ. و لكن عندما لم يعملوا بما يعلمون، و عندما تقدّمُ الأمّةُ المفضول على الفاضل فإنّ نتيجةَ كلِّ ذلك هو الإنحرافُ عَن الإسلامِ 25 عاماً و العيشُ في التيهِ و الضّلالِ مدّةَ ذلك .
  • و الأمّة كانت على علمٍ بأنَّ معاويةَ على باطلٍ، و أنَّ الإمام علي عليه السلام على حقٍّ، و لكن لم تقف الأُمّةُ و بالأخصِّ كثيرٌ من كبارِ الصحابةِ مع الإمام علي عليه السلام ، و كانت النّتِيْجةُ: تَمَّكُنَّ معاويةُ، و انجرّ الأمرُ إِلى أَنْ يَكُونَ خليفةً للمُسلِمِين في زمانِ الإمامِ الحَسنِ (ع)  و الأُمَّة تَعلمُ بَحقَّانَيِةِ الإمامِ الحَسنِ (ع)، و لكنّ الأمَّة لم تَقِف معه فكانَ ما كان من تسلُّطِ الطليقِ و ابن الطلقاءِ على رقابِ المسلمين.

(ج)  و بَعدَ مُعاويَةُ جَاءت الانتكاسةُ العُظمَى عِندَمَا صَار يزيدُ خليفةٌ للمسلمين و الأمّةُ تَعرفُ مَن هو يزيدٌ، و لكنّ الشَّلَلَ و التَخدِيرَ الذي تَعيشُهُ الأُمّةُ مَنعاها عن القِيام.

  • العلاجُ هو الدّمُ
  • وليسَ العِلاجُ في مِثل هذه الظّرُوفُ و لمثلِ هذا المَرَض: هو الكلامُ و الوعظُ و الإرشادُ و بيانُ الحقائقِ فقط، لأنّ المَسأَلةَ لا ترجعُ للجهلِ بالأمورِ، فالأمورُ واضحةٌ، و أنّه يُوجدُ إِنحرافٌ عن الإِسلام.

فليس المطلوبُ هو التّعلِيمُ و التثقيفُ و التوعيةُ، فليس هذا هو العلاجُ النافعُ و الناجحُ لمثلِ هذا المرضِ العُضالُ، فالمطلوبُ هو إيجادُ إرادةٍ للتغييرِ و علاجِ هذه الرّوحيّةِ الإنهزامِيةِ المشلولة للأمّةِ، و هذا يحتاجُ إلى علاجٍ خاصٍ و إلى لغةٍ جديدةٍ.

و العلاجُ لهذا المَّرضِ العُضالِ  مرضُ “شللِ الإرادةِ” لا يكونُ إلا بـ “لغةِ الدمِّ” ، لغة التّضحِيةِ و الفّداءِ و بِمن؟!

بأعظمِ شخصيةٍ في الأُمّةِ، بالإمامِ الحُسينِ  (ع) لأنّ الخَّطَرَ كبيرٌ و هو زوالُ الإسلامِ و تَحريفُ مَعالِمه، و الإسلامُ يُفدَى بكلِّ شيءٍ حتى بجسدِ الإمّام الحسين (ع) و أطفالِه و نِسائِه ..

  • الشهيدُ الصدرُ + في مدرسةِ عاشُورَاء ” شهيدُ العراق “
  • يقولُ الشهيدُ الصدر +: إنّ الشعبَ العِراقِّي يعيشُ تحتَ كابُوس حزبِ البعثِ الكافر و صدامُ العفلقي الّذِي يَسعى للقضاءِ على الإسلامِ باسمِ الإسلامِ، و قَد عَاث فِي الأَرضِ فَساداً و اتّخذَ عِبادَ اللهِ خولاً و الأموال دولاً ..

ولابُدَّ أن ننحَى المَنْحَى الّذِي نحاه الإمام الحسين (ع) في كَربَلاء لعلاجِ هذا المرض العُضَال  أيّ الشّلَل الّذي حلّ بالشّعبِ العِراقِي، و الخُوفُ و خَورُ العزائِمِ و ضَعفُ الإرادةِ و الإنهزَامِيّة..

و العِلاجُ هو التّضحِيةُ و الفِّدَاءُ، فلا عِلاجَ نافعٌ في مثل هذه الظرُوفُ إلا الشّهادَة، الشهادةُ لا غير.

و يواصِلُ الشّهِيدُ الصّدرُ + قَولَه: و لذا فأنَا ذاهبٌ إِلى الشّهادَةِ، و سَتَأتِي خَلفِي قوافلُ الشّهدَاء حَتَى نُسقِطَ هذا الطَاغُوتَ و نُحرَّرَ الشّعبَ العِراقِي من هذا الكابُوس المُرعب.

و هَكذا كَان، حَتَى سَقَطَ نِظَامُ الطّاغُوتِ و نِظَامُ البعثِ الكافِرِ ببرَكَةِ دمِّ الشّهيدِ الصدر + و قَوافِلُ الشُّهَدَاءِ الطّاهِرَةِ، و هذِه إِحدَى عَطَاءات مَدرَسةِ كَربَلاء الدّم.

  • البحرينُ في مدرسةِ عَاشُورَاءَ الدّمِ
  • و هكذا حَصَلَ الدّاءُ العِضَالُ في بَلَدِنَا العَزِيز، و هو حالَةُ الشّلَلِ النَّفسِي و خَواءِ الإرادَةِ و الضّعفِ و الإستِكَانَةِ:
  • فالإنقِلابُ عَلى المِيثَاقِ و الإِتيانُ بدستورٍ جديدٍ ” دستور 2002 المنحة”
  • و الإِتيانُ ببرلمانٍ مشلولٍ و كَسِيحٍ لا يَقدرُ على أنْ يُغَيّرَ أيَّ شيءٍ، و كَمَا قَال الشيخُ الجَمري & : ليسَ هَذَا هُوَ البَرلَمَانُ الّذِي ناضَلَ مِنْ أَجلِهِ شَعبُ البَحرَين[3].
  • و تقريرُ البندرِ الّذي رَآهُ الكلُّ و اطّلَعُوا عَليهِ و عَرَفُوهُ، و الّذِي يَهدِفُ إِلى إِقصَاءِ الشّعبِ و الدوسِ عَلى كرامَتِهِ و إِلغَائِه كاملاً عن كلِّ المشاهد!
  • (ث‌)     و التجنيسُ الّذي ينخرُ في هَذا البلدِ، و يَهوِي به إِلى الهَلاكِ و الضَياعِ و من غيرِ مبالاةٍ بالعواقبِ الخطيرةِ و الوَخِيمةِ المترتبةِ عليه من تغييرِ دِيمغرافيةِ السّكان!

وماذا كانَت ردّةُ الفِعلِ؟ الإستسلامُ و القَبُولُ بسياسةِ الأمرِ الواقِعِ ! و لماذا مثلُ هذا المَوقِفِ ؟!

الجواب: لأنّ هذه الأمّةُ أُصيبتْ بالداءِ العُضَال، بالشّلَلِ النّفسي و ضعفِ الإرادةِ و مسايرةِ الظّلمِ في كلِّ ما يُريدُ و يُخَطط و …..!

وماذا بَعَدَ ذَلِكَ ؟!

الجوابُ: لا شَيءَ .. إلا الدّمَارَ الشامِلَ و فسادَ العِبادِ و البلادِ، و الحِرمانِ و الإقصاء.

إذاً ما هُو الحلُّ؟

الحَلُّ هو ” الثّورة ” و عدم قَبَولَ هذا الواقِعَ المَريرَ كمَا حَصلَ في 14 فبراير 2014، فنحنُ الآن على السكّةِ و الطريقِ الصحيحِ، و هذا أمرٌ لا ريبَ و لا شكَّ فيه، و لا يَنبغِي التراجعُ عنه.

وما هو المَطلُوبُ؟

المَطلُوبُ هو الثّباتُ و تَقدِيمُ التّضحِياتِ و تَقديمُ القَرابِينُ و الشّهَدَاءُ، و تحمَّل الأَسْرِ و السّجُونُ و العَذَابَاتِ، تحمّل كلَّ ذلك لأَجْلِ رِفعَةِ الإسلامِ و إِقَامَةِ حُكمِ الله تعالى و إِزالةُ الطّاغُوت، و التَعويلُ على الله تعالى و طلبِ النّصر مِنهُ وَحدَهُ و عدمُ التّعويلُ على السّرابِ بإتباعِ الغَربِ و الأملِ فيهم و في مُساعَداتِهم لأَجلِ رفعِ مُعانَاتِنَا.

يقول الله تعالى { وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنين‏}[4] .


  • [1]   بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج‏44، ص: 365، مثير الأحزان، ص: 41،
  • [2] إبراهيم: 7
  • [3] حديث الجمعة 9/ ذو الحجة/1422هـ – 22 / 2 / 2002م
  • [4] آل عمران: 139


المصدر
كتاب التغيير في سبيل الله للشيخ زهير عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟