الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
الإمام الحسين (ع) : (( أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَ لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي ص أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَ أَبِيعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَ مَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي وَ بَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِين))[1]
- تمهيد ..
إنّ الوجود كلّه مبنيٌّ على الحقّ, فهو من الحقّ و بالحقّ و إلى الحقّ, و ما هو باطل لا ينسجم مع عالم الوجود, و هذه القاعدة شاملة لعالمي التكوين و التشريع و لذلك ورد عن النبي ’ : ((مَا أَعْلَمُ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى اللَّهِ إِلَّا وَ قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَ لَا أَعْلَمُ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى النَّارِ إِلَّا وَ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْه)) [2], فكُلُّ ما فيه نفعٌ و صلاحٌ و مصلحةٌ للإنسان فهو “جائزٌ أو واجبٌ”، و كلُّ ما فيه مفسدة فهو “غير جائزٍ و حرام”.
- المعروف سببٌ للكمال
- إنّ الذي يُريد أن يسيرَ على الطريقِ الذي يُوصله إِلى الكمال الذي خُلَقَ من أجله وقِمّةُ الكمال هو الوصول إلى القرب الرباني و الحضوة برضى الله تعالى، فإنّه لا بدَّ له أن يكون مع المعروف بالإتيان بما هو مفروض عليه و بالابتعاد و تجنب ما هو منهيٌّ عنه, فسلّم العروج إلى الكمالات هو بالسير على الطريق المستقيم { اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ }[3], و هذا أمر جارٍ في السلوك الفردي و الإجتماعي و السياسي, فكمال الأفراد و المجتمعات و الحكومات و الدول لا يكون إلا بالسير على النّهج السليم و الصراطِ المستقيم.
- المنكر سببٌ للانحطاط
- و من جهةٍ أُخرى فإنّ الإنحراف عن جادّةِ الصّوابِ و عن الصراط المستقيم هو سببٌ للشقاءِ و المُعاناةِ في الدنيا و الآخرة, و الإنسان عندما يكون فكرُه و سلُوكه و خُلُقَه منكراً وفي وحل الذنوب الآسن فإنّه لن يعرف السعادة و لا الهناء فـ ((مَنْ صَارَعَ الْحَقَّ صَرَعَه))[4] و من يُصارعُ سُننَ الكونِ القائمةِ على الحقِّ و التي لا تنسجم مع الباطل فإنّه سوف يُصرَع فكرياً و نفسياً و سلوكياً, فردياً و اجتماعياً و سياسياً و إقتصادياً في الدنيا و الآخرة . { وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى}[5].
- مجتمعٌ آمرٌ بالمعروفِ ناهٍ عن المنكر
- في المجتمع الإسلامي لا يكفي أن يعيشَ الأفراد الإستقامةَ و يعيشَ الإنسانُ الإصلاح الفردي , بل لا بُدَّ – مضافاً لصلاحه الفردي – أن يهتم بالجماعة المؤمنة و يسير معهم في موكب الإيمان و التقوى {وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى }[6], فهناك أمران: أمرٌ لك بأن تكون صالحاً مهتدياً, و أمرٌ بأن تهدي من معك, { وَ الْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }[7], وهذا هو التكليف العظيم ” وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ ” و هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
- هلاك المجتمعات بسبب الانسجام مع المنكرات و عدم النّهي عنها
- يقول الإمام علي (ع) : (( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِين))[8]:
- فالفاعل للمنكر و الراضي به هم شركاء في الإثم ” فعقروها “.
- و العذاب عندما ينزل لن يخص الفاعل المباشر للمعصية بل هو شامل للكل “فأصبحوا نادمين “.
- العذاب الشامل لكل أفراد المجتمع
- يقول تعالى : { وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[9]، فإنّ ارتكاب الذنوب و المعاصي سبب لنزول البلاء { ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون}[10] ، فالنّاس هُم السبب في ظهور البلاءات على اختلافها وتنوعها.
و هذه سنّةٌ تاريخيةٌ، فحتى الصالحين قد يحلُّ عليهم البلاءُ الظاهري المادي, و ما شهادة الإمام الحسين (ع) إلا بسبب ظُلم النّاس و رضاهم و سكوتهم على هذه الجريمة الشنعاء فجاءت الفتنة العامة التي شملت الأمّة من أقصاها إلى أدناها حتى غيّبت ابن بنت رسول الله ’ بتلك القتلة المفجعة و المأساة الدامية.
إذن لا بُدَّ من الوقوف في وجه المنكرات و المعاصي وإلاّ فلننتظر العذاب الشامل الماحل.
- الذُنوب الصغيرة إلى أن تكون كبيرةً
- إنّ الفساد و المنكر يبدأ – أوّل ما يبدأ غالباً – في صغار الأمور و في الذنوب الصغيرة – و كل الذنوب كبيرة – ثم ما تلبث حتى يصير الحال إلى الذنوب الكبيرة
- يكون البدء بالنظرة فالغمز فاللمس ثم يصل الحال إلى اللواط و الزنا !
- يكون البدء بالاعتداء الطفيف ثم انتهاك ثم تعذيب ثم يصل إلى القتل !
- يكون البدء بمخالفة حكم شرعي مكروه ثم واجب و ارتكاب محرّم ثم يصل الحال إلى ترك الدين !
- يكون البدء بالجلوس مع رفاق السوء ثم يصل الحال لهجرة و عداوة الصالحين!
- قتلة الإمام الحسين (ع) هُم أصحاب الذنوب
- إنّ الذين قتلوا الإمام الحسين (ع) و الذين سيُقاتلون الإمام المهدي (عج) هُم أصحابُ الذُنوب و المعاصي , الذين انكبُّوا على الدنيا و راقهم زبرجها و نعيمها, هؤلاء وجدوا الإمام (ع) يمثل العدو اللدود لمصالحهم و دنياهم الحبيبة, لذا كان لا بُدَّ من التخلص منه فكانت ” كربلاء”.
عُمر بن سعد كان شغوفاً “بدنياه” بملك الريّ و شَرطُ حُصولِه عليها أن يقتل ابن بنت رسول الله’! فماذا يفعل و ماذا يقدم ؟
فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي وَ إِنِّي لَوَاقِفٌ أُفَكِّرُ فِي أَمْرِي عَلَى خَطَرَيْنِ
أَأَتْرُكُ مُلْكَ الرَّيِّ وَ الرَّيُّ مُنْيَتِي أَمْ أَرْجِعُ مَذْمُوماً بِقَتْلِ حُسَيْنٍ
فَفِي قَتْلِهِ النَّارُ الَّتِي لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ وَ مُلْكُ الرَّيِّ قُرَّةُ عَيْنِي-[11]
فما كان منه إلا أن قدّم دنياه على آخرته و قتل إمامه , فلم يحصل على الدنيا و خسر آخرته.
- التوبة من الذنوب لأجل نصرة الإمام المهدي (عج) :
- حتى نعيش مدرسة الإمام الحسين (ع) حقيقةً لا شعاراً و لا كذباً و خداعاً فلا بُدَّ أن نسير على نهجه و أول الطريق هو هجر الذنوب و المعاصي, فحتى أكون حسينياً لا بد أن أتوب من كل المعاصي، و هذه عاشوراء فرصةٌ للتوبة و الرجوع إلى الله تعالى و إلى أحضان الحسين (ع) بالدمعة التي تطفئ بحاراً من النيران و بالتوسل بالحسين (ع) أن يُخلِّصك من الآثام و آثارها فعاشوراء فرصة لكل ذلك.
و لا بُدَّ من التزود من هذه المحطة و نعد أنفسنا لهذا الإمام المغيب (عج) الذي ينتظرنا, ينتظر توبتنا حتى ينهض, ينتظر جهوزيتنا بالتقوى و الورع حتى يثور على العُصَاةِ و الطُغاة.
- الإمام الحسين (ع) ثار آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر :
- وهكذا ثار الإمام (ع) و لأجل الإسلام و لأجل صلاح البلاد و العباد و لأجل أداء التكليف الرباني , قام ثائراً على الظلم الذي يمثل قمة هرم الذنوب و المعاصي, ثار ليعود الناس لربهم فيعبدوه و يُطيعوه , ثار ليُخرِج النّاس من طاعة الطغاة لعبادة رب الأرباب. ثار سلام الله عليه و لكن كان في ذلك دمه الشريف.
فسَلامٌ عَليكَ يا سَيّدي يا أبا عبدِ الله يومَ وُلدتَ و يومَ أن نُصّبت ولياً وإماماً و يوم استُشهِدت في كربلاء.
- [1] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج44، ص: 329
- [2] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج20، ص: 126
- [3] الفاتحة: 6
- [4] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 548
- [5] طه: 124
- [6] المائدة: 2
- [7] العصر.
- [8] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 319، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج10، ص: 261
- [9] الانفال: 25
- [10] الروم: 41
- [11] مناقب آل أبي طالب عليهم السلام (لابن شهرآشوب)، ج4، ص: 98