مواضيع

حوار مع سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي

بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

مقدمة

قال تعالى: <لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ>[1] لا يخفى على أحد التجاذبات الفكرية السياسية حول موضوع السلمية في الإسلام، وما هي وجهة نظر الإسلام حول السلمية في العمل السياسي، ما هو مفهومها وما هي حدودها وخلفيتها الفكرية، كما لا يخفى على ذي لب ما لهذا الموضوع من خطورة على الشأن السياسي.

وبما أن الموضوع يرتبط بالفهم الديني والإسلامي، فلابد وأن يلجه أهل التخصص ليضعوا النقاط على الحروف، من هنا ارتأى تيار الوفاء الإسلامي – الذي يؤمن بالقيادة العلمائية الإسلامية – أن يوجه مجموعة أسئلة تتناول هذا الموضوع بجميع حيثياته وتفاصيله لسماحة الشيح المجاهد آية الله الأراكي حفظه الله، الذي كان ولا زال له الدور البارز في دعم ثورة الرابع عشر من فبراير في البحرين.

السلام عليكم سماحة الشيخ ورحمة الله وبركاته، بعد تقديم بالغ الشكر لكم على قبولكم لهذا الحوار نضع بين أيدكم هذه الأسئلة الملحة.

السؤال الأول: ماذا تعني السلمية في الإسلام؟ ما هو مفهومها ومعناها الدقيق؟

السلمية مفهوم عرفي، وقد أشارت الآية الى السلمية بمفهومها العرفي إذ قال سبحانه: <وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا>[2]، والمقصود بالسلم ما يقابل الحرب، والمقصود بالسلمية ما يقابل الكفاح المسلح، والاعتراض على السلطة الكافرة أو الجائرة قد يكون بطريق القتال والحرب فلا يكون سلمياً، وقد يكون عن طريق الكلام والمواقف العملية غير القتالية فيكون الاعتراض سلمياً.

السؤال الثاني: ما هي حدود تطبيق هذا المبدأ في الإسلام؟ هل يجب العمل على أساس هذا المبدأ في كل الأحول والظروف؟

الخروج على الظلم والجور واجب في كل الأزمنة وفي كل الظروف بشرطين:

الأول القدرة، والثاني اتخاذ الأسلوب والطريقة الحكمية الناجحة في تحقيق الغاية التي يتم من أجلها الخروج على الظلم، والغاية من الخروج قد تكون إسقاط السلطة الجائرة، وقد يكون عبارة عن الحد من ظلمها وإجبارها على الإرتداع عن بعض سلوكياتها الظالمة، وقد يكون عبارة عن فضحها وكشف أوراقها أمام الجماهير قصداً لتعبئة الجماهير ضدها، وكلها أهداف مشروعة تندرج ضمن نطاق النهي عن المنكر والأمر بالمعروف.

السؤال الثالث: ما هي العلاقة بين السلمية في الإسلام والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

الجهاد حسب معناه الفقهي يعني الحرب التي أمر بها الله سبحانه عباده من أجل إقامة حكم الله في الأرض، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني كل محاولة تسعى الى إقامة حكم الله وهو العدل، أو المنع عن الحكم بغير ما أنزل الله أو العمل به.

ولهذا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعم من الجهاد فقد يتخذ منحى الأسلوب السلمي غير القتالي فيكون سلمياً، وقد يتخذ منحى الأسلوب القتالي فيكون جهاداً.

السؤال الرابع: نحن نعرف أن في الإسلام حكماً بوجوب الجهاد والقتال في بعض الأحيان، فما هي العلاقة بين هذا الحكم وبين السلمية؟ وهل ثمة تعارض؟ وهل أن الحكم بالجهاد خاص بجهاد الكفار المحاربين؟

حكم الجهاد ليس خاصاً بالكفار المحاربين بل يشمل الطغاة المفسدين الذين يحكمون رقاب الناس بغير حق، لكن الجهاد كما قلنا هو قسم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن هناك قسماً آخر من الجهاد وهو جهاد الدعوة إلى الإسلام وهو خاص بالكفار.

السؤال الخامس: هل هناك فرق في التعامل بين عموم المسلمين من الناس وبين الحكام الظلمة في ظل مبدأ السلمية؟

مبدأ السلمية يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذان يقصد بهما قلع جذور الفساد والمنكر ونشر المعروف والعدل من جهة أخرى، كل ذلك باسلوب مؤثر غير قتالي، وأهم أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أمر الحكام بالعدل ونهيهم عن الفساد والظلم، فالفارق بين أمر العامة من المسلمين بالمعروف ونهيهم عن المنكر وبين أمر الحكام الظلمة ونهيهم عن المنكر أن هذا القسم الثاني هو أهم أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحيث يكون هو المقدم عند التزاحم وهو الذي تقام به الفرائض والعدل ويعم به الصلاح.

السؤال السادس: هناك مقولة سياسية مضمونها لابد من التعامل مع الجميع – بما فيهم الحكام الظلمة – على أساس مبدأ السلم والسلام، إلى مدى يمكن قبول هذه المبدأ؟ وهل له صلة بمقولة «إذا صفعت على خدك الأيمن فأدر الأيسر»؟

مبدأ السلمية ليس استراتيجية بل هو ممارسة تكتيكية بمعنى أن القادة الميدانيين وعلى رأسهم العلماء ينبغي أن يدرسوا الواقع الميداني ويحددوا على ضوء معطيات هذا الواقع ما هو الأبلغ والأشد تأثيراً والأصلح تنفيذاً، فإن وجدوا أن الأصلح والأشد تأثيراً في قلع جذور الفساد وإزالة الظلم هو الأسلوب السلمي كان عليهم الأخذ بالأسلوب السلمي والسير عليه حتى تحقيق العدل وإزالة الظلم، وإن وجدوا – على أساس من معطيات الواقع الميداني – عدم جدوى الأسلوب السلمي كان عليهم إعلان الجهاد المسلح واللجوء الى أسلوب الكفاح المسلح من أجل إزالة الظلم وإقرار العدل.

وأما مقولة إذا صفعت على خدك الأيمن فأدر الأيسر فهي من صنايع الطغاة ولا علاقة لها بالإسلام ولا بأي دين من الأديان الإلهية.

وفقكم الله وسدد خطاكم ونصركم على أعدائكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

محسن الأراكي 4 شعبان 1433 هـ


  • [1].الحديد: 25
  • [2]. الأنفال: 61

المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟