مواضيع

الوصية الأساس

كلمة الأستاذ عبد الوهاب حسين في دوار الشهداء

عصر الأربعاء

بتاريخ: 20 ربيع الأول 1432هـ

الموافق: 23  فبراير 2011م

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين

السلام عليكم أيها الأحبة: أيها الأخوة والأخوات في الله والوطن ورحمة الله تعالى وبركاته

في البداية: أحيي المعتقلين الشرفاء الذين تم الإفراج عنهم، وها هم بيننا ـ والحمد لله رب العالمين ـ وأنبه بأن الثوار الأحرار في مصر قد نجحوا في إسقاط نظام حسني مبارك، ولكن المعتقلين هناك قد بقوا في السجون، وقد نجح الثوار في مصر في تحرير بعضهم من خلال مداهمة المعتقلات، ولم يتم تحرير معظمهم. أما الثوار في البحرين فقد نجحوا بشكل سلمي في تحرير جزء كبير من المعتقلين في مرحلة مبكرة من ثورتهم، وهذا دليل على وعيهم وحسن تصرفهم في قيادة الثورة وتوقيت تقديم المطالب، ولكن لا يزال الجزء الأكبر من المعتقلين في قبضة النظام، وعليكم أيها الثوار الأحرار أن تواصلوا بإصرار، وتصروا بعناد على إطلاق سراح جميع المعتقلين بدون استثناء وبدون قيد أو شرط، وذلك قبل الدخول في أي شيء، وهذا شرط متفق عليه لدى كافة القوى السياسية.

أيها الأحبة الأعزاء: إن وجودكم في هذا المكان، ووجود هؤلاء المعتقلين الشرفاء المفرج عنهم بيننا، إنما تحقق ببركة دماء الشهداء الأبرار، فكونوا أوفياء للشهداء، أكثروا من الهتاف بهم وفي تمجيدهم، ولتمتلئ الساحات بصورهم، وليس من الطبيعي وليس من السليم أن لا توجد صور الشهداء الأبرار بكثرة في هذا الميدان، وهو ميدان الشهداء، أرغب إليكم أن ترفعوا بكثرة صور الشهداء في هذا الميدان، وفي كل الساحات والمسيرات والاعتصامات، ولا ترفعوا غير صور الشهداء والمعتقلين غير المفرج عنهم، ولا ترفعوا غير علم البحرين .

والنقطة الأخيرة: وهي أهم نقطة، وأريد منكم وأرغب إليكم أن تستمعوا إليها بآذان واعية، وعقول وقلوب مفتوحة، وما سأقوله في هذه النقطة هو رأي، وهناك رأي آخر يختلف معه، وعليكم أن تستمعوا للرأي الآخر، ثم تقرروا. وأنا إذ أقول رأيي هذا وأعلن عنه، فإنما أفعل ذلك من باب الأمانة التاريخية، وإبراءً للذمة، وإرضاءً للضمير، والقرار لك.

هناك سقفان في المطالب:

سقف يطالب بإسقاط النظام.

سقف يطالب بالملكية الدستورية.

وأنا أعتقد: بأن إسقاط النظام هو أمر في غاية الإمكان، وإذا تخلينا عن هذا المطلب، فإن مطلب الملكية الدستورية سيكون غير قابل للتحقق عملياً، حيث أن التفاوض مع السلطة من أجل إقامة النظام الملكي الدستوري، سيستغرق شهوراً وليس أياماً أو أسابيع، مما يجعل الزخم الثوري يخبوا وقد يتلاشى، فتجري المفاوضات بدون الحاضنة الشعبية الثورية بزخمها العالي، مما يتيح للسلطة الفرصة لفرض إرادتها على المفاوضين، لاسيما وأن السلطة بيدها الجيش، والحرس الوطني، وقوات الشغب، والشرطة، وجهاز المخابرات، وأجهزة الدولة المختلفة، وسوف تسخرها جميعاً من أجل فرض إرادتها على المفاوضين، وسوف تستفيد من الموالاة ومن البعد الإقليمي لتعمل على تخفيض السقف، مما يمنع عمليا من تحقق الملكية الدستورية، وما سيتحقق هو إصلاحات سطحية تفرضها المرحلة لا غير، وهي إصلاحات لن ترقى إلى مستوى طموح الثورة ونفسها وروحيتها وتضحياتها العظيمة، لتكون النتيجة: أننا نجحنا في تفجير الثورة، ولكننا فشلنا في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها، وضيعنا بسوء تصرفنا الفرصة التاريخية الاستثنائية التي جعلت بأيدنا إسقاط النظام، فعلينا أن نحسن تقدير الأمور، وأن نتصرف بدقة وحكمة، ونكون عند مستوى المسؤولية الدينية والوطنية والإنسانية، فالقضية مصيرية، ونتائجها خطيرة للغاية، والتاريخ لن يرحم، والحساب بين يدي الله عز وجل عسير.

أقول لكم: وأنني إذا كنت حيا سأذكركم، وإذا كنت ميتاً فأذكروني وترحموا عليّ، بأنكم إذا عملتم على إسقاط النظام بأساليب سلمية حضارية، فسوف تجدون ذلك واقعاً قائماً أمامكم، وإذا تخليتم عن مطلب إسقاط النظام، فلن تتحقق إليكم الملكية الدستورية، وما سيتحقق إليكم هو مجرد إصلاحات سطحية تفرضها المرحلة.

إننا إذا تخلينا عن مطلب إسقاط النظام فسوف تكون هناك نتائج خطيرة، منها:

لن تتحقق لنا الملكية الدستورية.

وسوف يتعزز الانقسام في وسط الجماهير والقوى السياسية بشكل أقسى من السابق.

وكل رمز أو طرف سياسي قد شارك في المفاوضات فإنه سوف يحترق سياسياً ولن تقوم له بعد ذلك قائمة.

وأننا سنضطر لتقديم تضحيات مادية ومعنوية وبشرية ضخمة، وقد لا تأتينا فرصة أخرى للتغيير.

اللهم أشهد أني قد بلغت.

اللهم أشهد أني قد بلغت.

اللهم أشهد أني قد بلغت.

وفي الختام: أؤكد أن هذا رأيي ومن أمثل، وإذا نزلت الجماهير على مطلب الملكية الدستورية فلن نخالفها، وأرغب إلى الجميع بأن يقدموا آراءهم، ثم يحتكموا إلى الجماهير، وينزلوا على قرارهم، فهذه الآلية هي السبيل الوحيد المنطقي للمحافظة على وحدة الصف، وتجنب الأسوء، ولا يمكن منطقياً ولا عملياً تحقيق الوحدة من خلال السعي لفرض رأي واحد على الجميع، وإقصاء الآراء الأخرى، مؤكداً على أن القوى السياسية تلتقي مع بعضها، وتسعى للتفاهم والاتفاق، وأعتقد بأنها سوف تنجح في إدارة الاختلاف في الرأي، وتحفظ أمانة الثورة والتضحيات، ولن تفرط فيها ـ إن شاء الله تعالى ـ وعلى الجماهير أن لا تقلق من تعدد الآراء ما دام الجميع يحتكمون إلى آلية واقعية صحيحة لمعالجة الاختلاف الطبيعي في الرأي، وهذا هو المطلوب، وليس المطلوب الدفع للقبول برأي أي كان، وإن كان مخالفاً لإرادة الجماهير، فهذا أمر غير واقعي، وفيه إشكالات دينية وحقوقية وسياسية عديدة، وهو خلاف الرشد والحكمة والمصلحة العامة .

وأما عن الفتنة الطائفية: فهي السلاح الأخطر بيد السلطة، إنها أخطر من الدبابات والمدرعات الأمريكية ومن الرصاص الحي، ويجب علينا أن نتعاطى بدقة وحكمة ورشد لإسقاط هذا السلاح الأخطر من يد السلطة لنصل جميعاً كمواطنين إلى بر الأمان، وتحقيق ما نطمح إليه من الحرية والعدالة والديمقراطية والاستقرار والتنمية، ولا يصح منا الاستسلام والقبول بالأمر الواقع .

أيها الأحبة الأعزاء: لا يصح منا جميعاً أن نتعاطى مع المطالب المشروعة والعادلة لأبناء الشعب، بمنطق طائفي أن الشيعة لا يقبلون أو أن السنة لا يقبلون، فهذا المنطق الأعوج لن يسمح لنا بالتفاهم والتقدم إلى الأمام، ولن يحل أياً من مشاكلنا الوطنية، بل سيخلق لنا المزيد من المشاكل، ولن يوصلنا إلا إلى الفتنة والخراب والدمار، وسيعزز التخلف والانقسام الطائفي بين المواطنين، وهذه جريمة وطنية وإنسانية، والمستفيد الوحيد من هذا المنطق غير المنطقي هي السلطة، وليس المواطنين السنة أو الشيعة، فيجب على كل العقلاء والشرفاء من أبناء هذا الوطن العزيز أن يتجنبوا هذا المنطق غير المعقول، وأن يكون السعي منهم لتنظيم الوضع الجديد على أساس مفهوم المواطنة والعدالة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وذلك من خلال آليات موضوعية وذات مصداقية تقرها المواثيق الدولية، وليس من الصحيح أبداً، وفي جميع الأحوال تنظيم الوضع على أساس طائفي.

المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟