كلمة اية الله الآراكي الموجهة لشعب البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على الحسين، وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين الّذين بذلوا مُهجهم دون الحسين (ع).
تطلّ علينا أيام ذكرى الثورة الحسينيّة التي قامت لمقارعة الظلم والجور والطغيان، والّتي انتصر فيها الدم على السيف، والحقّ المظلوم الصابر، على الظلم والعدوان الجائر.
إنّ ما نشهده اليوم في بلادنا الإسلاميّة وخاصّة المنطقة العربيّة، وبالأخصّ في بلاد البحرين أرض الولاء والميثاق، من الثورة العارمة الصارمة الصامدة ضدّ الظلم والطغيان لهو من نتائج الثورة الحسينيّة الّتي علّمت الشعوب «أنّ الموت في طريق الثورة في وجه الظالمين سعادة وأنّ الحياة مع الظالمين ليست إلا برماً».
إنّ الثورة الإسلاميّة الحسينيّة الّتي تشهدها اليوم بلاد البحرين إنما استمدت مضمونها وأهدافها وقوّتها وأسلوبها من ثورة الحسين صلوات الله عليه، بل إنّ هذه الثورة ما هي إلا استمرار لثورة الحسين صلوات الله عليه، وإنّ شهداء الثورة الإسلاميّة الحسينيّة في البحرين لم يقوموا إلا استجابة لنداء الحسين (ع)؛ إذ قال في يوم عاشوراء : «هل من ناصر ينصرنا؟ هل من مغيث يغيثنا؟ هل من ذابّ يذبّ عن حرم الله وحرم رسوله؟»، فشهداء البحرين ممّن يُعدّون ضمن الكوكبة الطاهرة من أنصار الحسين (ع).
فعلى الحسين الحبيب إمام ثورة الطفّ الكبرى، وإمام الثائرين على مدى الزمن، وعلى أنصاره الأوّلين والآخرين، سيّما شهداء ثورة الحسين في البحرين أفضل صلوات الله وصلوات المصلّين.
إنّ الثورة الإسلاميّة في البحرين مثّلت ثورة الحسين صلوات الله عليه في جهات شتّى؛ من المضمون والأهداف والأسلوب، فمضمون ثورة الحسين مضمون قرآنيّ أعلنه صلوات الله عليه حين قال: «إنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً؛ وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي». وكذلك ثورة الحسينيّين في البحرين، ثورة إصلاحيّة تغييريّة تريد أن تغيّر الواقع الظالم الفاسد إلى واقع صالح عادل يحكم فيه المعروف، ويموت فيه المنكر.
وليس معنى الإصلاح الإبقاء على نظام الحكم الفاسد، والاكتفاء بالرتوش التجميليّة الّتي لا تغيّر من الواقع الجائر الفاسد شيئاً، بل يعني إزالة الفساد من جذوره، وتغيير نظام الحكم الفاسد، وإقامة البديل الإسلاميّ العادل القائم على أساس حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا ما أكّده الإمام الحسين صلوات الله عليه إذ قال: «أيها الناس، قال رسول الله (ص): من رأى منكم سلطاناً جائراً يعمل في عباد الله بالظلم والجور، ثمّ لم يغيّر عليه بقول أو فعل، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، وأنا أحقّ من غيّر».
وأهداف ثورة الشعب البحرينيّ هي نفس أهداف الثورة الحسينيّة؛ من إزالة الحكم الفاسد، ورفع الظلم، وإقامة الحكم العادل، وإقرار الحقّ والعدل.
وأسلوب الثورة الحسينيّة المعتمدة على الصبر والصمود والإيمان بالله، هو الأسلوب المتّخذ للشعب البحرينيّ في ثورته ضدّ الطغاة. ومن هنا، فإنّ ثورة الحسينيّين في البحرين – كثورة الحسين الأولى – ثورة ترفض الذّل والهوان والاستسلام، وترى أنّ الموت في عزّ خير من حياة في ذلّ، و«أنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنيتين: بين السّلة والذّلّة، وهيات منّا الذلّة، أبى الله لنا ذلك، ورسوله، والمؤمنون، وحجور طابت، وجدود طهرت … فوالله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد».
إنّ هذا المنهج الحسينيّ هو منهج الثوّار الحسينيّين في البحرين اليوم، وإذا كانت القيادة العلمائيّة الطاهرة لثورة البحرين المباركة قد أعلنت السلميَّة منهجاً لها، فإنها تتّبع في ذلك منهج الحسين (ع) القائم على أساس السلميَّة الرافضة للاستسلام والذلّ والهوان.
فإنّ بين السلميَّة والاستسلاميّة فرقاً كبيراً، وبوناً شاسعاً؛ فإنّ السلميَّة تعني: هدم سلطان الطواغيت، ودكّ عروشهم، وإيجاد التغيير الجذريّ في نظام الحكم بأسلوب سلميّ يعتمد على الصبر في المواجهة والصمود في المطالبة بالحقّ وحقّانيّة الثورة وأهدافها، أداةً لتحقيق النصر، وهذا هو المراد بسلميَّة الثورة الحسينيّة في البحرين كما أعلنها قادتها المخلصون.
وأمّا الإستسلاميّة فهي تعني الخضوع لإرادة الحاكم الجائر والإستسلام لخططه ومؤامراته التي يهدف منها إلى تكريس سلطته الظالمة وإطالة حياتها، وصيانتها أمام ضربات الثائرين، بإستخدام البطش والقوة أحياناً، وإنتهاج أساليب الخداع والالتفاف على مطالب الجماهير العادلة أحياناً أخرى.
ولا تعني سلميَّة الثورة أن يقف أبناؤها مكتوفي الأيدي أمام غطرسة الجائرين وبطشهم وتنكيلهم بالمؤمنين والمؤمنات، بل إنّ الدفاع عن النفس والمال والعرض واجب مؤكّد شرعاً وعقلاً، وهو يأتي في إطار سلميَّة الثورة ورفض الذّل والاستسلام أمام بطش العدوّ الجائر وقسوته وغطرسته.
ففي إطار سلميَّة الثورة يجب على من يقدر على الدفاع عن نفسه وماله وعرضه أن يدافع عنها بكلّ ما أوتي من أساليب الدفاع وأدواته، فقد روي في الحديث الصحيح المتواتر مضموناً عن الإمام الصادق (ع): «قال رسول الله (ص): من قُتل دون مظلمته فهو شهيد»[1].
وروي كذلك بالسند الصحيح عن الإمام الباقر (ع): «قال رسول الله (ص): من قُتل دون مظلمته فهو شهيد، ثمّ قال: يا أبا مريم، هل تدري ما دون مظلمته؟ قلت: جعلت فداك، الرجل يُقتل دون أهله، ودون ماله، وأشباه ذلك، فقال يا أبا مريم، إنّ من الفقه عرفان الحق»[2].
وروى الصدوق بإسناده عن رسول الله (ص)، أنه قال: «إنّ الله (عز) يبغض الرجل يُدخَل عليه في بيته فلا يقاتل»[3].
إنّ الدفاع عن النفس والعرض والمال واجب شرعيّ لمن يقدر عليه، ولا يحتاج إلى استئذان من الإمام، ولا من نائبه، ولا من الحاكم الشرعيّ، بل هو واجب مطلق من هذه الناحية باتفاق آراء الفقهاء.
وعلى هذا الأساس، فلا بدّ أن يكون واضحاً للثوار الحسينيّين أنّ سلميّة الثورة لا تعني التفرّج على قتل الأبرياء، والهجوم على مساكن الآمنين، وإرعاب الأطفال والنساء والشيوخ، والاعتداء عليهم، والتنكيل بهم، فإننا نجد في الثورة الحسينيّة – رغم سلميّتها – أبلغ أنواع الدفاع عن النفس والأهل وأشدّها، وفي الحسين صلوات الله عليه خير أسوة وقدوة.
وعلى ضوء ما شرحناه من مفهوم سلميّة الثورة، والفارق بينها وبين الاستسلاميّة الذليلة، نحدّد النقاط التالية:
سلميًة الثورة تعني تغيير نظام الحكم الجائر الفاسد بأسلوب سلميّ يقوم على أساس الجهاد الناعم المعتمد على الإيمان بالله والصبر والصمود في سبيل المطالبة بالحقّ والعدل.
الدفاع عن النفس والمال والأهل لا يناقض سلميًة الثورة، بل هو ركن في الجهاد السلميّ لا محيد عنه.
إن استهداف أرواح المتظاهرين المطالبين بالحقّ والعدل، واستهداف أرواح الآمنين في مساكنهم، وإرعاب الأطفال والنساء والشيوخ محاربة لله ولرسوله، والدفاع في مواجهة هذا العدوان حقّ شرعيّ وعقليّ لا يتوقّف على إذن الحاكم الشرعيّ.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ على المجاهدين الثائرين في مختلف بلاد الإسلام بالنصر العاجل المؤزَّر، وأن ينصر إخوتنا وأخواتنا في البحرين، وأن يرينا انتصارهم التامّ على أعدائهم الجائرين الطغاة عاجلاً، و <نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤمِنِينَ>.
محسن الأراكيّ
29 ذو الحجّة الحرام 1432 هـ