مواضيع

المعارضة في بؤرة الضوء: رؤية تصحيحية لواقع المعارضة في البحرين

جدول المحتويات

اعتمدت هذه الرؤية على ورقة «العبور من الواقع للطموح» للأستاذ عبد الوهاب حسين بشكل كامل، بتصرف يسير جداً في إعادة صياغة بعض المفردات والعبارات.

دخل آل خليفة إلى البحرين في عام: (1197 هـ الموافق: أغسطس / 1783 م) وفرضوا سلطتهم كأمر واقع على الشعب البحريني، بما يتناسب مع أعراف ذلك الزمن، الذي تكون السلطة فيه لمن غلب .

وفي عام (1861م) فرضت الحماية البريطانية على البحرين، ونشأ بذلك وضعٌ قانونيٌ وسياسيٌ جديد فتح الباب على عدة احتمالات مستقبلية، وقد قبل آل خليفة الاستفتاء على مستقبل البحرين بعد أن أعلن شاه إيران في مؤتمر صحفي عقده في دلهي في (4 يناير1969 م) بأنه يقبل بمبدأ حق تقرير المصير في البحرين، وكان من الممكن أن يفقد آل خليفة سلطتهم على البحرين إلى الأبد، غير أن شعب البحرين صوت لعروبة البحرين واستقلالها وأن ينشأ نظاماً ديمقراطياً في ظل حكم آل خليفة بعد الاستقلال في (14 أغسطس 1971م )، فكان لابد من تنظيم قانوني للسيادة والحكم، فتم تشكيل المجلس التأسيسي في (1 ديسمبر 1972م) لوضع الدستور، وكان عدد أعضائه: (42: عضوا) على النحو التالي:

1-  (22) عضواً منتخباً.

2-  (8) أعضاء معينين.

3-  (12) وزيراً أعضاء بحكم مناصبهم.

وقد صدر الدستور في: (6 ديسمبر 1973 م) وكان بذلك دستوراً عقدياً، وقد نصت (المادة: 1 الفقرة: د) على أن نظام الحكم ديمقراطي السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً، وعلى هذا الأساس من الدستور جرت انتخابات المجلس الوطني في: (7 ديسمبر 1973م) .

غير أن فرح الشعب البحريني لم يدم طويلاً، فقد جاء الانقلاب الأول في: (26 أغسطس 1975 م) الذي أطاح بالمجلس الوطني وكان عمره (سنة وثمانية شهور فقط) وعطل العمل بالدستور، وبهذا الانقلاب هدم الحكم الأساس القانوني للشرعية وفرضت السلطة بالأمر الواقع مرة ثانية، وتراجعت البحرين للوراء بشأن: دولة المؤسسات والقانون، والفصل بين السلطات، والمشاركة الشعبية في صناعة القرار، والحريات العامة، فقد فرضت السلطة قانون أمن الدولة، وتعرضت المعارضة لحملات الاعتقال في: (ديسمبر 1975م) أي: بعد أربعة شهور فقط من حل البرلمان وتعطيل الدستور، وكان من بين المعتقلين أعضاء في البرلمان .

ومع ذلك لم تستغل المعارضة في ذلك الوقت هذا الخطأ الكبير بشأن السيادة ونظام الحكم، وأبقت سقف مطالبها عند تفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية، مما يثبت حسن نواياها.

ثم جاءت الانتفاضة الشعبية في نهاية عام (1994م) وسقط فيها عشرات الشهداء، وملأت السجون بآلاف المعتقلين، وشرد المئات من أبناء الشعب، ولم يتغير سقف المطالب في انتفاضة الكرامة.

وكان الأمل يحدوا أبناء الشعب بأن تفيء السلطة إلى رشدها بالاستجابة إلى مطالب الشعب العادلة والواقعية المشروعة، التي هي في الواقع تخدم السلطة والشعب على حد سواء، غير أن السلطة كانت ولا تزال تريدها سلطة مطلقة ليس للشعب فيها نصيب .

واشتدت الأزمة وتكبدت البحرين خسائر فادحة: مادية ومعنوية وبشرية، حتى جاء ميثاق العمل الوطني، فتنفس أبناء الشعب الصعداء، وتناسوا آلامهم وأحزانهم، وصوتوا عليه بنسبة: 98.4% في تاريخ: (14 فبراير 2001 م )، وعلقوا عليه آمال الانفراج الأمني والسياسي والدستوري، وعاشوا عاماً واحداً من الفرح، ثم صعقوا جميعاً بتاريخ: (14 فبراير 2002م) بالانقلاب الثاني الذي أطاح بالميثاق وبدستور (1973م) بالكامل، وجاء الانقلاب بدستور المنحة الذي جعل إرادة الشعب وممثليه رهينة بيد السلطة التنفيذية، وكان كاتبه المستشار المصري: (رمزي الشاعر).

وبهذا الانقلاب دخلت البحرين في دوامة جديدة من جولات الصراع بين قوى المعارضة الرئيسية والسلطة، وكان الانقلاب الثاني أخطر من الانقلاب الأول، لأنه أطاح بالدستور العقدي بالكامل، وأسس للطرح القانوني والسياسي حول الشرعية القانونية للنظام، على خلفية غياب الوثيقة الدستورية المتوافق عليها لتنظيم الشرعية، ونظراً لتكرار نقض السلطة للعهود والمواثيق، والتساؤل حول الثقة بالنظام، وفتح الباب على مصراعيه للصراع حول الاستحقاقات السياسية والحقوقية، بينما عطل الانقلاب الأول الدستور فقط ولم يلغيه بالكامل .

الوضع المأساوي الراهن

في ظل ما تقدم، وبسبب سوء استغلال السلطة وغياب الرقابة الشعبية القانونية، فإن البحرين تعاني اليوم من أزمات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: التمييز الطائفي الذي هو السمة البارزة والحاكم على الوضع كله في البلاد، والفساد الإداري والمالي المستشري في مفاصل الدولة، والبطالة التي يعاني منها الشباب المتعلم والمؤهل وفي نفس الوقت لا توجد حدود للتجنيس السياسي والعمالة الأجنبية، والفقر الذي ينشب مخالبه في الغالبية العظمى من أبناء الشعب المحرومين – لا سيما أبناء الطائفة الشيعية – تحت وطأة الأجور المتدنية وعدم الرغبة السياسية في وضع حد أدنى للأجور وتحسين مستوى المعيشة، والتفاوت الطبقي الفاحش بين أقلية تمتلك المليارات وأكثرية محرومة، وضعف البنية التحتية والخدمات الأساسية، في الوقت الذي يقدر فيه البعض: أن اثنين أو ثلاثة من أبناء العائلة الحاكمة يمتلكون من الثروة التي تم تكوينها في أقل من ثلاثين عاماً ما يكفي شعب البحرين لأكثر من مئة سنة .

هذا بالإضافة إلى الجانب الأهم: وهو حق الشعب في تقرير مصيره وتشكيل نظامه السياسي البديل، و المسألة الدستورية والحياة النيابية والحريات والحقوق العامة، وما يترتب عليها من أزمات ومشاكل كثيرة: قانونية وسياسية وحقوقية وثقافية واقتصادية وأمنية .. وغيرها، وهي مشاكل لا يريد لها أعمدة الحكم أن تنتهي، لأنهم لا يريدون للعدل أن يستقر، ولا للحقوق أن تصل إلى أصحابها، ولا يريدون للسلطة المطلقة أن تتحول إلى سلطة المؤسسات والقانون، وقد قدمت المعارضة في هذه المسائل والقضايا أوراق تفصيلية .

ما هو السبيل إلى الحل: لقد خاضت المعارضة مع السلطة صراعاً مريراً وقدمت من التضحيات ما يفوق الخيال، ولا يوجد في الأفق ما يحمل على الاعتقاد بأن السلطة في نيتها الاستجابة لتحقيق التغيير الجذري في الحد الأدنى على المدى القريب، ولا على المدى البعيد – إذا تركت وشأنها – مما يحملنا على التساؤل: ما هو السبيل إلى الحل، والعبور من الواقع المأساوي إلى المستقبل المشرق؟

الجواب: إن السبيل إلى الحل والعبور من الواقع المأساوي إلى المستقبل المشرق يمر عبر الالتزام بالنقاط وأتباع الخطوات التالية، وهي نقاط وخطوات تتعلق بجانب المعارضة فقط، وهذه الرؤية لاتوضح دور الحكومة في الإعاقة ولا تأثير العوامل الخارجية.

وعلاج هذه النقاط يساعد على سهولة الإصلاح الداخي داخل جسم المعارضة السياسية والحد من التداعيات السلبية الخطيرة.

النقطة الأولى: تنظيم الحالة العلمائية القيادية في التيار الإسلامي الشيعي، وهذه مسألة مهمة في غاية الإلحاح، وعليها يتوقف إحراز تقدم جوهري في وجود المعارضة وعملها وتطور الحالة الشعبية، وبالتالي النجاح أو الفشل في تحقيق الأهداف الدينية والوطنية، فهم الرقم الأصعب – من طرف المعارضة – في المعادلة السياسية، وعليهم يتوقف الحسم في معظم – إن لم يكن – كل القضايا والمسائل الرئيسية الجوهرية: الدينية والوطنية، ولا يمكن تجاوزهم – لدى عاقل يعمل بواقعية – في ساحة العمل الإسلامي والوطني، ولاتتعرض هذه الرؤية للحالة العلمائية في التيار الإسلامي السني، وذلك لاختلاف الحالة في التيارين الإسلاميين العظيمين .

والمطلوب بصورة أساسية من القيادة العلمائية التالية:

-1  توسيع دائرة الشورى واختيار أفرادها بدقة وعناية كافية من بين أهل الرأي والاختصاص.

-2  الحرص على توضيح الرؤية العامة والثوابت لديهم بصورة يسهل على العاملين في الحقل الإسلامي والوطني تبينها من أجل مراعاتها في الأمور اليومية والتفصيلية، حسب المنهجية المنصوص عليها في النقطة السادسة من هذه الورقة.

-3  تنظيم أدق لآليات اتخاذ القرار، واعتماد الأساليب العلمية والأعراف المتبعة في ذلك، بما لا يتنافى مع أحكام الشريعة.

-4  تحديد أدق وأوضح لاطر وآليات التنسيق مع الأطراف الأخرى.

النقطة الثانية: السعي الحثيث لخلق مؤسسات المجتمع المدني والتوسع فيها لتشمل كافة القطاعات والأنشطة، وفي طليعتها المؤسسات السياسية، وتفعيل أدوارها في تنظيم وتطوير الساحة الوطنية وتحويلها إلى شبكة من المؤسسات، مع الحرص الشديد على أن ينتظم فيها أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب ليمارسوا أدوارهم المجتمعية من خلالها، وهذا شيء ممكن مع انتشار التوعية بأهمية العمل المؤسسي ومميزاته في خلق الفرص الأفضل للنجاح في تحقيق الأهداف المجتمعية الكبيرة .

وهنا تجدر الإشارة إلى الملاحظتين التاليتين:

الملاحظة الأولى: إن النجاح في ترسيخ العمل المؤسسي وتطويره وتوسيع دائرة العمل به في المجتمع، يعد من مؤشرات التقدم والتطور فيه والقدرة على خلق التوازن مع السلطة والتكافؤ والمنافسة معها.

الملاحظة الثانية: توجد في الوقت الراهن إخفاقات كثيرة في بناء وإدارة العمل في مؤسسات المجتمع في البحرين، ونصيب المؤسسات السياسية في الإخفاقات كبير جداً، ويجب معالجة هذه الإخفاقات بسرعة من أجل النجاح في العبور من الواقع إلى الطموح في البحرين.

ويمكن لهذه المؤسسات أن تستفيد من خبرات المؤسسات المختصة للمساهمة في التخطيط الإداري والبناء الهيكلي إليها .

النقطة الثالثة: عقد التحالفات السياسية الواقعية والمدروسة بين المؤسسات السياسية التي تلتقي على الأهداف المرحلية والآليات والأساليب في المسائل الوطنية الرئيسية والجوهرية، والتعاون مع كافة مؤسسات المجتمع المدني، والتنسيق المحكم مع الرموز الدينية والسياسية الفاعلة في الساحة الوطنية، وفق آليات محددة متفق عليها، وتشكيل ما يعرف بـ«الكتلة الحرجة» وذلك كله من أجل تحقيق الأهداف المشتركة: الدينية والوطنية.

وهنا تجدر الإشارة إلى التحذيرات التالية:

أولاً: الحذر من التمترس والاغترار بالمراكز الإدارية، وتجاهل الرموز الدينية والسياسية الفاعلة في الساحة الوطنية، وذلك لما لدورهم من تأثير كبير ومتميز على الساحة الوطنية في كافة المواقف لا سيما المفصلية منها .

ثانياً: الحذر من الانجرار وراء الأهداف الطائفية أو الحزبية أو الفئوية على حساب الأهداف والمصالح الإسلامية والوطنية العليا .

ثالثاً: الحذر من التحالفات الهشة غير الواقعية التي من شأنها إضعاف العمل وتضييع الأهداف .

رابعاً: الحذر من التخبط والعمل بدون وضوح في أطر التنسيق والتحالفات وضبط آلياته .

وفي سياق هذا الموضوع يأتي التذكير بضرورة الحرص على تحقيق الجودة وحسن إدارة الاختلاف في الرأي، في داخل التيار الواحد وخارجه، والتنبيه على ما تحظى به هذه المسألة من أهمية بالغة في المحافظة على وحدة الصف والكلمة وتماسك الجماعة أو المؤسسة، وقوة المواقف وصلابتها، وبالتالي النجاح في تحقيق الأهداف الكبيرة: الإسلامية والوطنية .

ولابد من الالتزام بالأخلاق الإسلامية الرفيعة في التعامل مع الناس عموماً والشركاء بوجه خاص، وأن يسود بينهم التسامح والتناصر والتراحم والاحترام المتبادل، والمداراة وسعة الصدر، والصدق في المعاملة، والتعاون على البر والتقوى، ورفض التعاون على الإثم والعدوان، والحرص الشديد على تجاوز الذات والاندكاك في المصالح الإسلامية والوطنية العليا، والحذر من التخوين والتسقيط أو الإقصاء والمضايقة بسبب اختلاف الرأي .

النقطة الرابعة: أن تضع كل مؤسسة – لا سيما السياسية منها – رؤية واضحة لعملها تتضمن تحديد الملفات والأهداف والأولويات فيها، ورسم الاستراتيجيات ووضع الخطط والبرامج والعمل على توفير الظروف المناسبة لتنفيذها، وإيجاد آليات متابعتها، كل ذلك وفق منهجية واقعية منتجة وإدارة متطورة من أجل تحقيق الأهداف .

الجدير بالذكر هنا أن مؤسساتنا السياسية وقعت في أخطاء عديدة فيما يتعلق بهذه النقطة، منها على سبيل المثال التالي:

الخطأ الأول: لدى مؤسساتنا السياسية أهداف جميلة في أنظمتها الأساسية، ولكننا نجد الغياب شبه الكامل للرؤية الواضحة التي تبين فلسفة الأهداف والاستراتيجيات والخطط والبرامج الكفيلة بتحقيقها، مما أدي إلى التخبط في عمل المؤسسات والفشل في تحقيق الأهداف .

مثال من الواقع: يتفق الكثير من المهتمين بالشأن البحريني مع القوى والجمعيات السياسية، بأن المسألة الدستورية تحتل المرتبة الأولى المتميزة في سلم الأوليات في قضايانا الوطنية الحيوية والجوهرية، ولكنها بالتأكيد ليست القضية الحيوية والجوهرية الوحيدة، فهناك البطالة والتعليم والصحة والتجنيس والفساد الإداري والمالي والأخلاقي .. الخ، وبعضها ذو أبعاد إنسانية ملحة، ولكن بسبب غياب الفلسفة والاستراتيجية والتخطيط، تم التركيز على المسألة الدستورية وإهمال المسائل الحيوية الأخرى، مما شكل فشلاً في عمل مؤسساتنا، وهو فشل يدل في فهم البعض على تجاهل الإنسان، وهذه قضية مهمة يجب دراستها بواقعية بعيداً عن العصبية والعجلة .

الخطأ الثاني: إتباع بعض مؤسساتنا منهجية غير منتجة.

مثال من الواقع: لقد اتخذت بعض قوى المعارضة قرار المقاطعة للعملية السياسية بعد مخاض عسير، ولكنها في الأداء لم ترضِ الداعين للمقاطعة ولا الداعين للمشاركة، وذلك بسب منهجية الأداء التي تقوم على أل (بين .. بين) فلا هي أخذت قرار المشاركة، ولا هي انحازت بالكامل إلى قرار المقاطعة واتخذته بقوة وفعلت أدواته لتحقيق أهدافها.

والنتيجة: حالة مربكة وفشل في الإنجاز (عدم إحراز تقدم على الأرض يخدم القضية ويدفعها للأمام) وضياع للوقت والجهد والمال .

الخطأ الثالث: الاعتماد في التقييم على المكاسب الشكلية بدلاً من الإنجاز، ويقصد بالإنجاز: إحداث تقدم حقيقي على أرض الواقع .

مثال من الواقع: في داخل بعض قوى المعارضة هناك إخفاق شديد في العمل المؤسسي، أبرز مظاهره: الانفلات وعدم الانضباط الإداري، وغياب الرؤى والطروحات والمواقف المشتركة بين أعضاء مجلس الإدارة، والفشل في بناء أجهزة هذه القوى المعارضة وتفعيل أدوارها، والفشل في إعداد الكوادر المدربة وتثقيفها سياسياً وإسلامياً وإبرازها في الساحة، والاعتماد على أفراد قلائل من أعضائها في كافة أنشطتها، وتأكيد دور الفرد والرمزية، وغياب آليات التنسيق المحكم: الداخلي والخارجي، وغياب الفلسفة والاستراتيجية والخطط والبرامج، وغياب آليات العمل المؤسسي ومتابعة التنفيذ، وضعف الإنجاز (عدم إحراز تقدم في الملفات الساخنة) .

كل ذلك لا يلتفت إليه!! ويتم الالتفات والاهتمام في التقييم بالمسائل الاحتفالية: (المقابلات والأنشطة) وهي مكاسب شكلية لا قيمة عملية لها، ما لم تستثمر سياسياً وتحدث تقدماً على الأرض، وهذا غير موجود بسبب غياب الفلسفة وآليات المتابعة .

أضافة إلى ذلك: اتكاء بعض قوى المعارضة على ما تبديه الجماهير من الدعم والمساندة والحضور في الأنشطة العامة والفعاليات الكبيرة، لا سيما في المفاصل الزمنية الحساسة والقضايا الحيوية والمصيرية، كمؤشر على نجاحها – رغم عدم رضى الجماهير عن أداء الحركة أو الجمعية – وهذا سوء في التفسير شكل حاجزاً عن رؤية الإخفاقات. فالحضور الجماهيري هو في الحقيقة جزء من اهتمامات الجماهير التاريخية بالشأن العام والوفاء للخط والتيار، ولا يدل على قناعة الجماهير بأداء الحركة وإدارتها .

والخلاصة: أننا أمام خطأ منهجي مضلل في التقييم، ما لم نتداركه فسوف نصير إلى المزيد من الإخفاقات، وعدم القدرة على إحراز تقدم حقيقي في العمل

الخطأ الرابع: نجد في بعض مؤسساتنا منهجية خاطئة في إدارة الكوادر والكفاءات والاختلاف في الرأي، حيث تتبع سياسة الاستبداد بالرأي والتجاهل والتذاكي والمراوغة السياسية (التي قد لا تحترم المبادئ الأخلاقية) والتجاوز والإقصاء، وربما تكسير العظام، مع الذين نختلف معهم في الجزئيات فضلاً عن الذين نختلف معهم في القضايا الرئيسية.

بالإضافة إلى الاعتزاز بالذات والكفاءة الشخصية، وعدم الثقة في قدرات الآخرين، وبالتالي غياب التفويض وعدم إتاحة الفرصة للآخرين للقيام بأدوار مهمة، وحصر المسؤوليات في أيدي قليلة من أصاحب القرار والمحسوبين عليهم والقريبين جداً منهم وتهميش الباقين، وهذا خلاف متطلبات ومقتضى العمل المؤسسي والإدارة الناجحة .

وحول النقطة الرابعة تجدر الإشارة إلى الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: يجب على المؤسسات أن تعتمد على الكوادر المتخصصة والمدربة والانفتاح عليها لوضع الرؤى وتحديد الأهداف ورسم الاستراتيجيات ووضع الخطط والبرامج، والحذر من انغلاق الإدارات على نفسها وبطاناتها واغترارها برأيها، وتوهم حقها في اتخاذ القرارات والمسؤوليات الخطيرة لنفسها دون الاستماع للكفاءات والمختصين، وتتجاهل الكفاءات والكوادر المتخصصة والمدربة وإقصائها عن المساهمة في التخطيط وصناعة القرار .

وقد أثبتت تجربة الجمعيات السياسية مع المحامين، قيمة الانفتاح على الكفاءات والكوادر الوطنية المتخصصة والمدربة في خدمة الملفات والقضايا الوطنية، وينبغي الاستفادة من هذه التجربة وتعميمها، وإنهاء حالة التبرم والتوجس التي ظهرت في بداية التجربة ولازال البعض يعاني منها .

الملاحظة الثانية: يجب على المؤسسات العمل على ترسيخ أعراف وآليات العمل المؤسسي، والسعي لتدريب واجتذاب وتحريك وإظهار أكبر عدد ممكن من الكفاءات والكوادر في ساحة العمل الوطني، والحذر من الانكفاء والاتكاء على الرمزية واحتكار أفراد قلائل للأدوار والقرارات المهمة، مما يضر بالعمل المؤسسي ويتنافى مع متطلباته ويعيق تقدمه ويلقي بظلال قاتمة على العمل الإداري .

الجدير بالذكر هنا: أن الاستفادة الأوسع من الكفاءات والكوادر من شأنها أن تؤدي إلى تنشيط قوى المعارضة وتنضيجها وتطويرها وترسيخ دورها في الساحة الوطنية، وجعلها مستعصية على الصد والتهميش والمقاومة، وهذا هو ما ترغب فيه المعارضة وتريده لنفسها بالتأكيد، فعليها أن تفعل هذا التوجه في عملها .

الملاحظة الثالثة: يجب على القوى و الجمعيات السياسية أن تلجأ إلى التقييم المؤسسي المستقل لرؤاها وخططها وبرامجها وأوضاعها وبناها الإدارية، وأدائها، وأن تقيم ورش عمل متخصصة من أجل التقييم، لصقل رؤاها وتطويرها ووضع آليات مناسبة لتطبيقها ومتابعة تنفيذها، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إحراز التقدم والتطوير في الأداء. وعليها أن تحذر من التقييم الذاتي والتقييم القائم على المظاهر والإنجازات الشكلية بدلاً من الإنجازات الحقيقية الفعلية القائمة على الأرض .

الملاحظة الرابعة: يجب على المؤسسات أن ترسخ المنهج النقدي وفق الرؤية الدينية الملتزمة بدلاً من المنهج التبريري المضلل الساذج، الذي يتوهم الانتصارات والإنجازات .

ومن إيجابيات المنهج النقدي:

أولاً: المساهمة في تبصير القوى السياسية وتقويتها وتصليب مواقفها وصيانتها من الاستبداد والدكتاتورية والانحراف، لأن غياب المنهج النقدي يعني تحررها من الرقابة الشعبية والضغوط الإيجابية، مما يسهل عملية السيطرة المضادة عليها وإخضاعها وانحرافها.

ثانياً: المنهج النقدي يقوم على أساس الفصل بين الأشخاص وبين القضايا والمؤسسات، مما يؤدي إلى حماية القضايا والمؤسسات من العبث والضياع، ويحد من الصنمية التي تقوم على أساس تقديس الأشخاص على حساب القضايا والمؤسسات .

كما يقوم المنهج النقدي على أساس التمييز بين ذوات الأشخاص وبين أدائهم، مما يؤدي إلى حماية الأشخاص في ذاتهم ويسمح بنقد الأداء وتطويره .

ثالثاً: المساهمة في تنضيج الرؤى والمواقف وتصحيحها، وايجاد حالة ايجابية متجددة في الواقع، وفرض التطور عليها .

رابعاً: المساهمة في تنمية الوعي والشعور بالمسؤولية لدى الجماهير، ودفعهم للمزيد من المشاركة في الشؤون العامة .

خامساً: المساهمة في تقديم الدعم والمساندة والحماية للرموز والقيادات والمؤسسات في مواقفهم، وتشكيل الضغوط الكبيرة على الحكومة من أجل الاستجابة لمطالبهم .

النقطة الخامسة: يجب على المعارضة عدم التعويل على الوعود الداخلية والخارجية والاتكاء عليها في الطريق إلى الإصلاح والتغيير، وإنما الاعتماد على ما ينجز على أرض الواقع من أفعال وحقائق، واللجوء إلى النضال المبرمج الذي تحدد فيه الأهداف والخطط والبرامج الزمنية، وتستخدم فيه – بشكل مدروس ومخطط له – كل الأساليب الميدانية والسياسية المشروعة: السياسية والقانونية والإعلامية والثقافية والميدانية وغيرها، وتوظيف كل الوسائل المشروعة المتاحة والممكنة بشجاعة وجرأة في الداخل والخارج، مثل: التظاهرات والاعتصامات والاضرابات والمؤتمرات والعرائض والمكاتبات والمراسلات مع الداخل والخارج والاتصال بالبعثات الدبلوماسية وممثلي المؤسسات الإقليمية والدولية الرسمية والشعبية في الاطر القانونية والشرعية والأعراف والمواثيق الدولية ورفع الشعارات وتوظيف الفن والأدب وإجراء البحوث والدراسات ونشرها في الداخل والخارج على أوسع نطاق .

والخلاصة: أن الحقوق العامة للشعوب تؤخذ ولا تعطى بمكرمات، لأنها تمس صراع الإرادات العامة والنفوذ والسلطة والامتيازات، وهي أمور لا تتخلى عنها الأطراف المعنية بسهولة.

وهنا تجدر الإشارة إلى الملاحظات المهمة التالية:

الملاحظة الأولى: يجب على المعارضة أن تسعي لإيجاد وحدة موقف سياسي عام بين الرموز والقيادات (الدينية والوطنية) والجماهير والمؤسسات حول القضايا الوطنية الرئيسية والجوهرية، وتسعى لتحقيق ذلك بما يناسبه من آليات ووسائل.

الملاحظة الثانية: الحذر من النفس القصير وضيق الأفق الذي يقبل بالتغييرات الصورية والهامشية والسطحية، على حساب التغييرات الجوهرية التي هي في صلب العملية السياسية والحقوق والكرامة الإنسانية، فإن من شأن القبول بالتغييرات الصورية والهامشية أن يؤدي إلى التخلف العام في المجتمع والدولة وبقاء التأزم وضياع الجهود والحقوق وطول زمن معانات المواطنين.

الملاحظة الثالثة: الحذر من جعل القرارات المفصلية في أيدي ضعيفة ومهزومة فكرياً وروحياً ونفسياً، فضلاً عن الخونة والمندسين.

الملاحظة الرابعة: يجب على المعارضة القيام بعمل سياسي واسع على المستوى الإقليمي والدولي، من أجل تحصيل التأييد والدعم والمساندة لقضية الشعب البحريني، وتشكيل ضغط دولي على الحكومة، وهذا يتطلب تفعيل دور المعارضة في الخارج، ويكون من أهم مهماتها التالية:

أولاً: بيان حقيقة الأوضاع المأساوية: القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وما فيها من سلب الحقوق وفقد الحريات في داخل الوطن .

ثانياً: شرح وإيصال صوت المعارضة والشعب إلى الرأي العام الدولي والمحافل والمؤسسات الدولية .

ثالثاً: رفع الشبهات التي تثيرها السلطة والداعمون لها حول دور المعارضة وأنشطتها وأهدافها

رابعاً: بلورة مشروع سياسي وطني جامع لجميع أطياف المعارضة، يؤدي وظيفة حكومة الظل أو المنفى، ويقدّم نفسه كبديل عملي للنظام السياسي القائم في البحرين، بحيث يقدم الحلول للمشكلات القائمة في الداخل، ويخاطب المجتمع الدولي ككتلة واحدة ممثلة لشعب البحرين.

ومن الملاحظ حالياً: أن المعارضة في البحرين لا تعطي العمل السياسي على الصعيد الخارجي ما يستحقه من الاهتمام، وتتركه للمبادرات الفردية والشخصية.

ولا يرجع ذلك في الأساس إلى ضعف الإمكانيات المادية والبشرية – وإن كان يمثل عائقاً – وإنما يرجع إلى المنهجية الخاطئة في الإدارة السياسية، ولا يخلو الأمر من الوقوع تحت تأثير عوامل الضعف البشري .

الملاحظة الخامسة: يجب على المعارضة أن تدرك ما للتضحيات من دور فاعل في إذكاء روح المقاومة والإبقاء على عملية المطالبة بالحقوق وتحقيق الأهداف الإسلامية والوطنية، وأن تعتمد في معاركها السياسية مع السلطة على صناعة المواقف على الأرض، وأن تحذر من المعارك الكلامية الفارغة من المضامين الفعلية.

الملاحظة السادسة: للمطالبة بالحقوق ثلاثة مناهج رئيسية:

أولاً: المنهج الدفاعي، وهو منهج يعتمد على الدفاع بدلاً من الهجوم، وأقصى ما يمكن أن يحققه هذا المنهج هو منع تقدم الخصم في المنازلة، ولا يمكن لهذا المنهج أن يحقق التقدم والانتصار، ومع تكرار الهجوم من الخصم لا بد أن يخسر المدافعون بعض مواقعهم، ولهذا فالخسارة حتمية مع استمرار المنازلة لمن يعمل وفق هذا المنهج.

ثانياً: المنهج المتردد أو الهجين، وهو المنهج الذي لا يواجه العقبات التي تقف في وجه أهدافه أو يصطدم معها، ويفضل الالتفاف عليها، فإن اتيح له ذلك، عمل به وإلا استسلم إليها، لأنه يؤثر السلامة ولا يرغب في تقديم التضحيات، بسبب الوقوع تحت تأثير عوامل الضعف البشري، أو نظراً لأنه يرى بأن الأهداف التي يسعى إليها لا تستحق التضحية، أو أنه لا يستجيزها، أو لأنها ليست الخيار الأفضل من وجهة نظره .

والنتيجة: أن هذا المنهج يمكن أن يحقق بعض المكاسب الصغيرة وغير الجوهرية، ولكنه لا يمكن أن يحقق مكاسب ضخمة وجوهرية، لأن هذه المكاسب – كما أثبتت التجارب التاريخية والمعاصرة – لا تتحقق إلا بالتضحيات العظيمة.

ثالثاً: المنهج القتالي، وهو المنهج الذي يحدد أهدافه المشروعة الرئيسية والجوهرية بدقة وعناية، ويحدد أساليبه ووسائله المشروعة للوصول إليها أيضاً بدقة وعناية، ويتبع الحكمة والواقعية في وضع الخطط والبرامج، ثم يعقد العزم على تنفيذها وتقديم التضحيات اللازمة لذلك، ويواجه الصعوبات والعقبات التي تقف في وجهه بنفس مطمئنة وروح وثابة، ويحطمها لكي يستمر في طريقه، ولا يسمح لها بإعاقته ومنعه من تحقيق أهدافه المشروعة التي آمن بها وأرتبط بها في مصيره المادي والمعنوي في الدنيا والآخرة .

والمنهج القتالي هو المنهج الوحيد القادر على تحقيق التقدم والانتصار في القضايا الدينية والوطنية، وتحقيق الأهداف الكبيرة والجوهرية فيها، وهو المنهج الغائب في عمل المعارضة – حالياً – في البحرين، وهو المنهج السائد في مواجهات السلطة للمعارضة وترسيخ السلطة المطلقة للحكومة .

الملاحظة السابعة: النضال والمنهج القتالي هو أحد مسارات وأساليب النضال الوطني الشامل بروح قتالية متوثبة لتحقيق الأهداف المحددة وفق رؤية واضحة وأجندة مخطط لها. ولا يصح تعطيل المسارات السياسية، فهذه منهجية خاطئة في الإدارة السياسية .

الجدير ذكره هنا: أن التجارب التاريخية والمعاصرة، أثبتت بأن السلطة في البحرين لا تقيم وزناً لسعي المعارضة إثبات حسن نواياها في العملية السياسية، وتتصرف معها ببرجماتية تامة وبما يخدم أجندة السلطة فحسب .

النقطة السادسة: الاتكاء بعد الله تعالى على الجماهير وتفعيل أدوارها.

وذلك بأن تتحمل القيادة مسؤولية التخطيط ورسم الاستراتيجية واتخاذ القرارات الرئيسية النابعة – بعد الشرع – من الإرادة الشعبية وتخدم المصالح الدينية والوطنية الجوهرية العليا، وتقوم بوضع الخطوط العامة للتحرك اليومي، وتسمح للجماهير بالمبادرة وتحمل مسؤولياتها على كافة الأصعدة ومختلف ميادين التحرك، وتدعوها إلى التطبيق الدقيق والالتزام بما هو مرسوم في الاستراتيجية والتخطيط .

وهذا يتطلب من الرموز والقيادات والمؤسسات التواصل مع الجماهير وتطوير العلاقة معها، ورعايتها ثقافياً وروحياً وسياسياً، وتوعيتها حول الأهداف والشعارات والحقوق الرئيسية واستراتيجية العمل، وتعبئتها لتتحمل مسؤولياتها الدينية والوطنية والإنسانية، وبيان واجباتها في ذلك، وحثها على المطالبة بالحقوق والحريات العامة بكل الأساليب والوسائل المشروعة المتاحة والممكنة، وإيجاد الوعي العام بها وممارستها على أرض الواقع .

وهنا تجدر الإشارة إلى الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: الحذر من تجاهل الجماهير والتعامل معها بفوقية وتجاهل إرادتها فيما يعود إليها من الأمور، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي على المدى البعيد إلى عزلة الرموز والقيادات والمؤسسات وضعفها وهشاشة مواقفها وبعدها عن الهموم والقضايا والمسائل الحيوية والجوهرية للناس، وتحولها إلى دكتاتوريات تمارس دورها بحكم الأمر الواقع شأنها في ذلك شأن السلطات الحاكمة .

الملاحظة الثانية: الحرص على إشراك كافة الشرائح والطبقات من رجال دين ورجال أعمال وتجار وأكاديميين ومهنيين وطلاب وعمال، وغيرهم نساءً ورجالاً، والاستفادة من إسهاماتهم المادية والمعنوية في خدمة القضايا والمسائل الدينية والوطنية، والحرص كذلك على إشراك كافة الأعراق والطوائف، بحيث تكون حركة المعارضة حركة شعبية وطنية شاملة بكل معنى الكلمة .

الملاحظة الثالثة: العناية الخاصة بالطاقات والمواهب الشابة، والاهتمام بتدريبهم وإفساح المجال إليهم للعمل والتعبير عن آرائهم، وإرشادهم، وإشعارهم بالثقة في أنفسهم من خلال الإصغاء إليهم وتمكينهم من تنفيذ رؤاهم وإعمال مواهبهم وطاقاتهم، فهم القوة الفاعلة في ساحات العمل، وهم أمل المستقبل المشرق، وعليهم تتوقف الفرص الحقيقية للإصلاح والتطوير .

الملاحظة الرابعة: يترتب على تعطيل دور الجماهير النتائج السلبية التالية:

أولاً: نجاح السلطة في محاصرة الرموز والقيادات والمؤسسات وممارسة الضغوط عليهم من أجل احتوائهم وتخفيف سقوف مطالبهم وتحويلهم إلى وجودات صورية غير فاعلة في الشأن العام وإحداث التغييرات المطلوبة .

ثانياً: إضعاف روح المقاومة والمطالبة بالحقوق لدى الجماهير، وتسهيل عملية اختراقها، ثم تحييدها وربما قلبها على المعارضة .

ثالثاً: تستطيح العملية السياسية وإبعادها عن المسائل الوطنية وهموم الجماهير الجوهرية والحقيقية .

رابعاً: إضعاف المعارضة والتقليل من تأثيرها، وبالنتيجة: فشلها في إنجاز وتحقيق أهداف استراتيجية وجوهرية كبيرة .

قال الله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ>[1]


  • [1]. آل عمران: 200

المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟