مواضيع

أطروحة تيار الوفاء في التكامل

كان النداء الأول لتيار الوفاء الإسلامي في بيان الانطلاق هو الدعوة إلى وحدة الكلمة والتكامل في الأدوار، وهذا هو نص النداء كما جاء في بيان الانطلاق: «إن هذه المرحلة الخطيرة لتفرض على كافة فئات الشعب وأطيافه، وأفراده ومؤسساته، أن يؤسسوا لمرحلة جديدة تقوم على: وحدة الكلمة، والانسجام، ورص الصفوف، والتنسيق، والتلاقي، والتمسك بالعمل المشترك: الإسلامي والوطني، فلم يعد بالإمكان أبداً القبول بثقافة التعصب والتشتيت والإقصاء، ففي ذلك إضعاف للجميع، وتشتيت للطاقات الخلاقة للشعب، وتقوية للنظام الظالم الذي يضطهد الجميع، ولا نعني بالوحدة هنا إلغاء الوجودات والقناعات وتغييب الرأي الآخر، وإنما هي الوحدة التي تقوم على تفهم الآخر والاعتراف به، وتنوع الأدوار وتكاملها، والعمل على ضوء المشتركات، وعدم إضعاف الآخرين، والحذر من تضييع البوصلة وتحويل الصراع إلى غير وجهته»[1].

استراتيجية التكامل لدى تيار الوفاء

تعبّر أطروحة التكامل عن رؤية استراتيجية لتيار الوفاء الإسلامي في الإدارة السياسية على مستوى المعارضة للساحة الوطنية، وذلك لدواعي عديدة، منها:

أن ما يقوم به كل طرف من العاملين من داخل أو خارج العملية السياسية، أو من طرف المشاركة أو المقاطعة ونحوهما يحتوي في الواقع وعلى ضوء الرأي الآخر على سلبيات كبيرة أو صغيرة، ولكنه ليس شراً مطلقاً بحيث لا يمكن التلاقي والتنسيق والتعاون بين الأطراف مع وجوده بأي حال من الأحوال، فالتكامل إنما يقوم على أساس النقاط المشتركة وبين ما يصلح، ووجود السلبيات والاختلاف في جوانب أخرى ـ وإن كانت جوهرية ـ لا يمنع من التكامل مادامت للتكامل مبرراته لتجنب الخسائر أو لجلب المصالح.

أن ما يعجز عن القيام به طرف، يمكن أن تقوم به أطراف أخرى، فإذا اجتمعت الجهود إلى بعضها وتكاملت فسوف تعود بنتائج إيجابية أفضل بالتأكيد لصالح الوطن والمواطنين.

توفير ظروف أفضل لعمل جميع الأطراف، بحيث يعمل كل طرف لتحقيق أهدافه من خلال رؤيته وبرامج عمله دون الاحتكاك البيني والانشغال بالآخر، ويكون التركيز على نيل الحقوق من السلطة وتحقيق الأهداف المشتركة.

من الخطأ تصور أن الانتصار لخيارات أي طرف من الأطراف السياسية في الظروف الراهنة على الساحة الوطنية لا يكون إلا بمحاربة خيارات الأطراف الأخرى وإلغائها، وذلك في ظل تبني رموز دينية كبيرة وتيارات جماهيرية واسعة وقوى سياسية محسوبة على المعارضة لقناعات وخيارات سياسية مختلفة، فتصور الانتصار لخيار سياسي على حساب الآخر في الوقت الحاضر غير واقعي، وهو تصوّر جامد لا يدرك المتغيرات، ولا يأخذ جميع المكونات بعين الاعتبار في فهم المعادلة السياسية وإدارة الموقف السياسي، وسيؤدي – لو عمل به – إلى فشل جميع الأطراف، بل هو انتحار سياسي إرادي ناتج عن سوء التقدير وسوء الإدارة.

فالمواجهة البينية بين قوى المعارضة تؤدي إلى إضعافها وتشتت جهودها وفشلها وتشرذم مريديها وتصادمهم، وهذا ليس في مصلحة المعارضة ولن يخدم أي من خياري المشاركة والمقاطعة في العملية السياسية بأي وجه من الوجوه، والمستفيد الوحيد من ذلك هي السلطة وحدها، والخاسر هو الشعب والمعارضة، وهي أعظم هدية مجانية تقدمها المعارضة للسلطة، ودليل على سوء التفكير وسوء الإدارة، هذا وقد استفادت السلطة كثيراً من الاختلاف بين قوى المعارضة، وكادت أن تنجح في خلق الفتنة في أكثر من محطة لولا توفيق الله سبحانه في تجاوزها وحكمة المؤمنين المتصدين للساحة.

أن الآليات السياسية، بما فيها خيار المشاركة أو المقاطعة للعملية السياسية، ليس هو كل شيء على الساحة الوطنية، فالمطالب والأهداف التي تقف وراء أي خيار هي بلا شك أكثر أهمية من الخيار نفسه، وهذا يتطلب تجاوز حدود الخيار والتركيز أكثر على حسن إدارة الموقف على ضوء الرؤية الشاملة لمكونات الساحة والثوابت الإسلامية والوطنية، وبما يمنع وقوع الضرر الأكبر على الأهداف، ويساهم بشكل أفضل في تحقيق الأهداف وتحصيل المطالب.


[1]. – راجع ملحق (1): «بيان الانطلاق»

المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟