مواضيع

حقوق الإنسان في المدرسة الإسلامية

تتميز مدرسة حقوق الإنسان في الإسلام بالتطور والغنى على المستوى النظري والتي أثراها القرآن الكريم وأحاديث وسيرة المعصومين (ع)، ولكنها عانت من قصر التجربة على مستوى الممارسة، ويعتبر الإسلام بحق هو واضع أسس ومبادئ حقوق الإنسان للبشرية قبل 14 قرناً، حيث أتى الإسلام وكرّم الإنسان، وحمى حقوقه، سيما المرأة والطفل، حيث كانت المرأة عاراً قبل مجيء الإسلام والطفلة تستحق الدفن حية، وكان التمييز شائعاً، وقيم الجاهلية تحكم الثقافة العامة للبشر، فغيّر الإسلام كل هذا، وأتى بمنظومة متكاملة لحقوق الإنسان، والتي مورست كمنهج متكامل خلال وقت قصير في الصدر الإسلامي قبل أن يبتعد المسلمون عن النهج السويّ والإسلام المحمدي الأصيل.

وينظر الإسلام إلى الإنسان نظرة راقية فيها تكريم وتعظيم، انطلاقاً من قوله تعالى: <وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً>[1].

وهذه النظرة جعلت لحقوق الإنسان في الإسلام خصائص ومميزات خاصَّة، مِن أهمِّها شموليَّة هذه الحقوق؛ فهي سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية، كما أنها عامَّة لكل الأفراد، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، دون تمييز بين لون أو جنس أو لغة، وهي كذلك غير قابلة للإلغاء أو التبديل؛ لأنها مرتبطة بتعاليم ربِّ العالمين، وقد قَرَّرَ ذلك رسول الله (ص) في خطبة الوداع، التي كانت بمنزلة تقرير شامل لحقوق الإنسان، حين قال (ص): «… فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ» حيث أكَّدت هذه الخطبة النبويَّة جملة من الحقوق؛ أهمُّها: حرمة الدماء، والأموال، والأعراض..، وقول الإمام علي (ع) في رسالته لواليه على مصر مالك الأشتر: «الناس صنفان، أخ في الدين أو نظير لك في الخلق».

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني (رضوت) أصبح موضوع حقوق الإنسان قضية متجددة، وأصبح من الضروري للمدرسة الإسلامية أن تفعّل منهجها الحقوقي وأن تصيغ الفهم العام لحقوق الإنسان للبشرية وخاصة في العالم الإسلامي، حيث لم تستطع المدرسة الحقوقية الغربية تعريف وحماية حقوق الإنسان بما ينسجم مع فطرة الإنسان وبشريته، ويقود إلى إنصاف الضحايا وملاحقة المرتكبين، وغالباً ما خضع موضوع حقوق الإنسان للمصالح السياسية الضيقة.

المفارقة هي أن القوى الاستكبارية قد أصبحت تحارب الجمهورية الإسلامية والحركات التحررية تحت عناوين حقوق الإنسان، وأصبح الشغل الشاغل للدول المستكبرة هو محاصرة دول وقوى التحرر من خلال اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان، حتى أن بعض أنصار الثورة الإسلامية في إيران قد انقلب عليها فيما بعد، واتهمها بقضايا كيدية خلاصتها انتهاك الجمهورية الإسلامية لحقوق الإنسان، وذلك يؤكد نتيجتين هامّتين:

أن القوى الاستكبارية ستقف ضد قوى التحرر حتى بعد انتصارها بدعوى انتهاك حقوق الإنسان، بل وستستخدم هذه الدعوى كسلاح سياسي ضد القوى والشعوب المتحررة.

أن بعض أنصار الثورة والحرية اليوم من المؤمنين بحقوق الإنسان وفق النظرة الغربية على مستوى النظرية والتطبيق، قد يقفون ضد المؤسسات الدينية والسياسية والقضائية بعد مرحلة الانتصار، وقد يقفون ضد بعض الأحزاب المؤمنة التي ستصل للسلطة مستقبلاً، ويثيرون موضوع حقوق الإنسان في العملية السياسية الجديدة، حيث إن أصدقاء وحلفاء الأمس قد يصبحون خصوم المستقبل.

و لعل ما يهيئ لهذين الأمرين هو:

جنوح السياسة الشيطانية لدول الاستكبار في استغلال الملف الحقوقي استغلالاً سياسياً للتضييق على قوى وشعوب التحرر.

أن القوى والتشكيلات المعارضة اليوم، والتي ستنتصر في معركة الحرية تنتمي لمدارس حقوقية مختلفة فبعضها إسلامي وبعضها ليبرالي، وهذا قد يؤدي لخلاف حول مفهوم ومصاديق حقوق الإنسان في النظام السياسي الجديد، ومثال على الملفات الخلافية المحتملة، والتي قد تكون محل تجاذب حتى بعد الانتصار هو ملف الأحوال الشخصية، والذي ترى بعض القوى الوطنية والحقوقيين ضرورة عدم إدخال الدين في وضع ضوابطه، بينما ترى القوى السياسية الدينية ضرورة تقنين الأحوال الشخصية ومراقبة تنفيذه على ضوء المنهج الإسلامي، وهنا تبرز الحاجة لتفعيل المدرسة الحقوقية في البحرين على ضوء المنهج الإسلامي من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف المهمة، ومنع الاستغلال السيء لموضوع حقوق الإنسان في مرحلة الدولة والنظام في مرحلة الانتصار.

أهداف منظومة حقوق الإنسان في الرؤية الإسلامية

تكليف الإنسان بجملة حقوق وواجبات ابتداءً من علاقته بنفسه <وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ>[2]، فينظر الإنسان إلى حقوق نفسه وواجباته المادية والمعنوية تجاه روحه وجسده، ويكون حب الله سبحانه والخوف من عقابه هو الضابط والضمانة لحقوق النفس والجسد، ولعل رسالة الحقوق للإمام زين العابدين تعبّر عن هذا المقصد المهم.

صيانة حقوق البشر والحيوان والنبات من الظلم والاعتداء البشري من خلال تحريم وتجريم الاعتداء على حقوق الخلق وجبر ضرر المتضررين وتعويضهم أو تخفيف الضرر من الضرر الناجم بفعل الكوارث والأحداث الطبيعية.

أن تكون حقوق الإنسان مفهوم إنساني لا يتعلق بالنزاع السياسي أو الصراع العرقي أو الاختلاف الديني وغير ذلك من الأسباب المحتملة التي قد تدفع البشر إلى انتهاك الحقوق، حيث جعل الله سبحانه للخلق حقوقاً ثابتة غير قابلة للمصادرة تحت أي ظرف.

تعويض المتضررين من الانتهاكات عبر تشريع الدية والتأهيل وجبر الضرر.

نشر ثقافة حقوقية مرتبطة بالفهم الإسلامي لموضوع الحقوق والواجبات والحريات الشخصية والاجتماعية.

تأسيس حقوق الإنسان في البحرين على ضوء المدرسة الإسلامية

هناك تطابق كبير في الكثير من مقاصد وأهداف العمل الحقوقي بين المدرسة السائدة والمدرسة الإسلامية، كما أن هناك بعض الفروقات بين المنهجين، وإذا أضفنا لذلك الرغبة في تجنب بعض الإشكالات في الملف الحقوقي للشعب في المرحلتين قبل وبعد الانتصار، فإننا نستشعر الحاجة إلى تفعيل مؤسسة حقوقية إسلامية شاملة تمارس العمل الحقوقي بنفس ومنهج إسلامي يبني على عناصر القوة في المدرسة السائدة، ويسعى للتطوير عليها، وتكون لهذه المؤسسة الحقوقية الإسلامية دوراً أساس في التأسيس لثقافة متطورة لحقوق الإنسان باعتبار الإسلام العظيم هو المصدر الأول لحقوق الإنسان الذي سبق كل المناهج الوضعية زمناً ونوعاً.

هناك سبب آخر ووجيه لإنشاء مؤسسة حقوقية ذات بعد إسلامي هو أن هناك بعض الملفات الحقوقية الطارئة للثورة ولم تنل بعد بالرعاية الحقوقية الكافية، ومنها:

جملة من الانتهاكات والأضرار المعنويّة، مثل الإبادة الثقافية والتغريب، وهما من الأضرار المعنوية الفادحة، وساحة يلعب فيها النظام بقوة لتدمير النسيج الثقافي والاجتماعي للشعب.

ملف المهجّرين عن أوطانهم، وأعدادهم بالمئات، بل أصبحوا بالآلاف إذا أخذنا أعداد من تم تهجيرهم من البحرين على فترات متفاوتة خلال حكم آل خليفة للبحرين.

ملف المطلوبين والمطاردين أمنياً، فهناك العشرات من الشباب الميداني الناشط في كل مناطق البحرين من هم مطلوبون أمنياً ويعيشون حياة غير مستقرة، وهذه الفئة لا تنال الرصد والتوثيق من قبل المؤسسات الحقوقية التقليدية في البحرين.

ملف الجرحى، حيث أُصيب الكثير من الجرحى في الاحتجاجات اليومية ضد النظام الظالم، وفي مرات كثيرة لا يحظى جرحى الاحتجاجات على الرعاية الكافية بسبب القصور أو التقصير في الإمكانات أو بسبب نقص في الرصد والتوثيق، وعدم وجود ملف حقوقي متكامل يعنى بجرحى الاحتجاجات.

ملف المحرومين من التعليم الجامعي، حيث يعمد النظام الظالم إلى تجفيف المؤسسات التعليمية من الطلبة الناشطين والثوريين، بل ويعمد إلى جعل البيئة التعليمية غير مناسبة للمتفوقين دراسياً من الفئات المعارضة للنظام في المجتمع، ولحد الآن لا يوجد ملف حقوقي يرصد الحصار التعليمي رصداً علمياً ويوثق الأعداد الشبابية المتضررة من سياسة التعليم المجحفة من أجل دعمها وتشجيعها على الدراسة في داخل وخارج البحرين.

نحو بلورة المدرسة الحقوقية الإسلامية

يرى تيار الوفاء الإسلامي أنه من أجل بلورة المدرسة الإسلامية في حقوق الإنسان على مستوى المنظومة الفكرية والتنظيم والممارسة فهناك حاجة لعقد مؤتمر فكري أو ورش عمل موسعة بين أصحاب الشأن في الحوزات الدينية والأحزاب الدينية وناشطي المجتمع الحقوقي والمدني في الملفات الحقوقية المتعددة، بحيث يخلص هذا الجهد إلى:

صياغة مبادئ وأطر حقوق الإنسان على ضوء الرؤية الإسلامية اعتماداً على النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة المعتمدة وتراث الأئمة المعصومين كرسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع).

إنشاء مؤسسات حقوق الإنسان الإسلامية، من قبيل المنظمة الإسلامية لحقوق الإنسان، ومحكمة حقوق الإنسان، ومركز التدريب، ومركز الدراسات والإحصاء والتوثيق، وغير ذلك.

التعريف بآليات العمل مع المنظمة الإسلامية لحقوق الإنسان.

إنشاء النظام الإداري لمؤسسة حقوق الإنسان الإسلامية والمؤسسات الأخرى المرتبطة بها.

تشكيل خارطة الشبكة المهنية والاجتماعية لمؤسسات حقوق الإنسان الإسلامية.

يؤمن تيار الوفاء الإسلامي أن البحرين بحاجة لمؤسسة حقوقية ذات فكر إسلامي أصيل، يمكن أن تدافع عن حقوق الإنسان وتثقيف المجتمع بحقوقه وواجباته، ورصد القصور والتقصير والتجاوزات في مجال رعاية هذه الحقوق، وتضع آلية لتوثيق ورصد ذلك، وتشكل ملفات علمية دقيقة وموثقة لإنصاف المتضررين، ويكون عملها وثيقاً مع المحاكم الجنائية والمؤسسات الحقوقية الأخرى في الداخل والخارج.


  • [1]. الإسراء: 70
  • [2]. الحشر: 19

المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟