مواضيع

المقاومة المشروعة والسلميّة القرآنية

ارتبط مفهوم السلمية سياسياً بالثورات التي انطلقت في العديد من البلدان الإسلامية في مطلع العام 2011م، وتفاوت تطبيقه شكلاً ومضموناً من بلد لآخر، بل وتعدّدت القناعات به كأسلوب عمل في الميدان، وفي البحرين بدأت الثورة في 14 فبراير 2011م تحت زخم حضور الجماهير في الساحات التي تبنت شعار «السلمية» كعنوان أولي عام في الحراك الجماهيري الذي احتضن جميع القناعات السياسية الموجودة في الساحة، وبعد دخول القوات السعودية الغازية البحرين استجدت الكثير من العناوين والمواضيع التي جعلت شعار السلمية ضبابياً في بعض مقاصده، ومنها:

أولاً: هل السلمية المطروحة في الساحة هي السلمية بالمفهوم القرآني أم هي السلمية بالمفهوم الليبرالي أو البرغماتي والمتداول في بعض مدارس وأدبيات الاحتجاج وأساليب التغيير السياسي الشائعة؟

ثانياً: موقع المقاومة المشروعة في الدفاع عن المقدسات كالدين والنفس والمال والعرض والممتلكات من مفهوم السلمية المتداول في الساحة.

ثالثاً: هل السلمية المطروحة هي استراتيجية أم تكتيك؟

رابعاً: ماهي الأمور الدينية والتقنية والميدانية التي تحكم مفهوم السلمية والمقاومة المشروعة في مواجهة السلطة؟

خامساً: الموقف السياسي والديني لتيار الوفاء الإسلامي حول السلميّة والمقاومة المشروعة..

سادساً: الاعتبارات السياسية والإعلامية الدولية في تطبيقات المقاومة المشروعة والعنف المدان شرعاً وقانوناً.

ويهدف هذه الطرح لتسليط الضوء على رؤية تيار الوفاء الإسلامي لمفهوم السلمية والمقاومة المشروعة.

السلميّة .. التبنّي والإشكالات

عندما طُرِح مفهوم السلمية في بداية الثورة كان كمفهوم عام وليداً للظروف المحيطة آنذاك، وذهب البعض في الترويج له باستحضار تجارب ونهضات جماهيرية كتجربة غاندي في الهند، ومارثر لوثر كنج في أمريكا، ولم يواجه مفهوم السلمية آنذاك أي إشكال ديني أو تقني أو ميداني، وذلك لأسباب منها:

أولاً: إن الثورة في بداياتها قد تميزت بالنفير العام في ميدان الشهداء وفي المسيرات الجماهيرية كالمسيرات التي ذهبت لقصر الصافرية والديوان ووزارات الدولة، والمسيرات التي سيّرتها الجمعيات السياسية، حيث تميزت كلها بالحضور الشعبي العارم الذي جعل الأولوية للأسلوب الشعبي السلمي في التظاهر والاحتجاج، بلحاظ الظرف القائم آنذاك ومراعاة عدم صحة ممارسة أساليب أخرى ما دامت الأساليب السلمية لم تستنفذ وظيفتها وفائدتها بعد.

ثانياً: كان النظام الحاكم في بدايات الثورة في مرحلة «عدم التوازن» ولم يكن النظام في وضع يجعله قادراً على المبادرة في احتواء الثورة بأيّ من أساليبه الأمنية أو السياسية التقليدية التي جربها من قبل، ولذلك اختفى تواجد الدولة وحضورها في مفاصل الحياة العامة خلال الأسابيع الأولى من انطلاق الثورة، وأصبح النظام محصوراً في قصور الرفاع ومراكز الأمن فقط، ولهذا فإن الساحة لم تكن في وارد الحاجة لمراجعة الخيار السلمي كخيار مطلق.

ثالثاً: إن النظام قد أقدم على ارتكاب الجرائم الكبرى كهدم المساجد واغتصاب النساء وقتل النفس المحترمة في مرحلة لاحقة من الثورة، وبعد اعتقال قادة الثورة تحديداً، مما جعل تطبيق السلمية – كخيار وحيد وحصري – غير راجح شرعاً ومنطقاً، كما سمح غياب قادة الثورة لأن يبقى مفهوم السلمية عائماً، ويتم تفسيره من قبل البعض من المنظور الغربي الليبرالي أو البرغماتي، نتيجة لغياب التأصيل الديني لمفهوم السلمية.

رابعاً: إن الكثير من الدوائر السياسية الرسمية والإعلامية حول العالم كانت متوجهة نحو ما يجري داخل البحرين، وكان الشأن الداخلي يحظى بتغطية إعلامية جيدة لحد كبير، وكانت بعض الدوائر السياسية في الوسط العربي والإسلامي كالدولة التركية متعاطفة مع الثورة في البحرين، وكان الأسلوب السلمي المطلق موائماً للتغطية الإعلامية العالمية للثورة، ولنيل التعاطف السياسي من قبل بعض الجهات الدولية المعتبرة.

مواطن القصور في مفهوم السلميّة المطلقة

إن المفهوم المطلق للسلمية لم يكن بمقدروه الإجابة على بعض الإشكالات حوله، أو أن يلبّي الحاجات الموضوعية للثورة الشعبية في البحرين في مرحلة لاحقة من الثورة بسبب:

أولاً: أن النظام استطاع مصادرة الزخم الثوري الشعبي الذي كان يجمع مئات الآلاف من المواطنين في تظاهرة واحدة، من خلال وسائل منها: القتل العشوائي، والقمع والاعتقال، وترهيب بعض الجمعيات السياسية والنقابات العمالية لفك الإضراب عن العمل، كما أن النظام نجح في ضبط إيقاع الجمعيات التي نأت بنفسها عن التصعيد في الخطاب السياسي والمطالب والفعاليات الاحتجاجية، ونتيجة لذلك استشعرت بعض القوى في الساحة الحاجة لوسائل ضغط جديدة على النظام تعوّض افتقاد الساحة للفعاليات الجماهيرية الكبرى.

ثانياً: إن النظام استطاع أن يتعافى من حالة اللاتوازن قبال المد الشعبي الثوري، وأعاد استخدام الوسائل القمعية القديمة وبوتيرة أشد، في الوقت الذي استشعرت فيه شرائح شعبية كثيرة أن الدعوات في الساحة بالتزام السلمية المطلقة لا تنسجم مع الواقع والفطرة الإنسانية والعرف الدولي في الاحتجاجات.

ثالثاً: إن تمادي النظام الحاكم في جرائمه كان غير مسبوق، حيث أقدم النظام على ارتكاب الجرائم الفادحة ضد الإنسانية والدين، مما خلق واقعاً جديداً وعناوين دينية جديدة على الساحة لم تكن حينها موجودة عند انطلاق ثورة 14 فبراير، من قبيل «الوظيفة الشرعية للمؤمنين قبال الاعتداء على بيوت الله وأعراض المسلمين»، وغير ذلك من المواضيع والعناوين الناتجة من تطورات الصراع بين الشعب والنظام الحاكم، مما استدعى – بمقتضى الحال وضرورته – تفسيراً وفهماً أشمل وأوضح لمفهوم السلمية من المنظور القرآني على اعتبار أن الساحة الثورية أصبحت منشغلة بفهم النظرة الدينية للمقاومة المشروعة وللسلمية وحدودها وغاياتها.

رابعاً: إن من طرحوا وجوب تبنّي السلمية كخيار استراتيجي اعتمدوا على دعوى أن المنهج السلمي هو المعتمد دولياً على المستوى الشرعي والقانوني والحقوقي، وأن العمل بما يخالف هذا المنهج يعني فقدان الشرعية والتعاطف على المستوى الدولي، كما أغفل هؤلاء – قاصرين أو مقصرين – عن أصالة مفهوم «المقاومة المدنية والمسلّحة» في القانون والعرف الدولي كبديل لمفهوم السلمية حين تفشل وحدها في تحقيق أهدافها، فمفهوم «المقاومة المدنية والمسلحة» قد وُلِد من رحم ظلم الاحتلال والاستعمار ويعني: انطلاق حركة جماهيريّة على مستوى واسع تتخذ المقاومة والسلاح وسيلة للتحرّر من الاستعمار أو الاحتلال أو الأنظمة الفاسدة، ويعدّ «الكفاح المسلّح» أحد الخيارات التي تلجأ إليها الشعوب والأحزاب السياسية والجماعات الثورية، كأداة ضمن أدوات عدة، ولها ساحاتها التي لا تنتقص من مفهوم السلمية ولا تناقض مفهومها الذي له ساحته ومجال عمله المناسب، وينطبق ذلك أيضاً على مفهوم «المقاومة الشّعبية» كأداة أخرى، والتي تقوم على انخراط المجاميع الشعبية في فعل المقاومة المدنية ولكن بوسائل سلمية، كالانتفاضات والإضرابات والعصيان المدني وغيرها من الأشكال، والتي أثبتت جدارتها في تحقيق بعض الأهداف الملموسة كما حدث في الهند عند مواجهة الاحتلال البريطاني بقيادة غاندي.

يقول الأستاذ عبدالوهاب حسين: «المقابلة بين المرونة والعنف في محلها، ولكن وضعهما في سياق الجهاد السلمي والجهاد المسلح غير صحيح، ولا يدل على فهم دقيق لمعنى العنف، فمعنى العنف في اللغة: الغلضة والقسوة، ومعناه في الاصطلاح (حسب فهمي الخاص): الاستخدام غير المشروع للقوة، وعليه يخرج عن دائرة العنف، مثلاً: كل كفاح مسلح ضد الاستعمار، وكل استخدام للقوة بأساليب شرعية في الإصلاحات الداخلية والمطالبة بالحقوق الشعبية العادلة، إذا كانت راجحة بدرجة كبيرة، وعجزت الأساليب السلمية عن تحقيقها، وأغلقت السلطات أمامها أبواب الحوار.

كما يخرج عن دائرة العنف: إقامة الحدود والقصاص التي قال الله تعالى عنها: <وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ>[1]، ويدخل في العنف الإرهاب السياسي الذي يعني إلغاء الآخر بأساليب الضغط غير المشروعة، وتدخل فيه الاغتيالات السياسية للمعارضين خارج دائرة القانون، وكل العنف (حسب التعريف السابق) حرام في الشريعة الإسلامية»[2].

المقاومة المشروعة والسلمية ضمن المفهوم القرآني

في ظل القمعة الأمنية الشرسة، والاعتداء الممنهج على المقدسات، وانتقال الساحة من الفعاليات التي تحشد الآلاف من أبناء الشعب إلى الفعاليات المناطقية المتفرقة فقد ظهرت في الساحة الحاجة إلى المقاومة المشروعة والأساليب الدفاعية خارج مفهوم السلمية المطلقة، وأصبح أبناء الشعب المتديّن، لاسيما الشريحة الشبابية، تساءَل عن موقع الفقه الجهادي أو الدفاعي من الثورة الشعبية، فعمل حينها تيار الوفاء الإسلامي على استفتاء المرجعية في مواضيع المقاومة، والدفاع عن النفس، وموارد جواز أو وجوب استخدام القوة ضد قوات النظام الحاكم، فصدرت في الساحة فتاوى مجموعة من كبار المجتهدين في قم والنجف كآية الله الشيخ نوري الهمداني وآية الله الشيخ محمد سند، و في سياق آخر، ونتيجة تصاعد الانتهاكات بحق النساء في داخل وخارج السجون الخليفية صدر خطاب آية الله قاسم «بسحق من يعتدي على الأعراض والمقدسات»[3].

يقول الأستاذ عبدالوهاب حسين: «أيها الأحبة، لقد تعرضت أمتنا الإسلامية العظيمة إلى الظلم والاستبداد والاعتداءات الاستعمارية، وقد قابلت ذلك كله بكافة أشكال المقاومة المشروعة، وقدمت التضحيات الجسيمة لاسترداد حقوقها وكرامتها، وقد أصابها الإنهاك والتعب ولكنها لم تسقط، إلا أن الخطر الحقيقي عليها (اليوم) هو الاتجاهات التي تدعوها إلى الخروج على هويتها الدينية والثقافية والتاريخية، وتجاهل الصبغة الإسلامية في المقاومة والعمل السياسي، لتفقد بذلك هويتها، ويصيبها الإحباط واليأس، ويتمكن منها الأعداء في الداخل والخارج»[4].

ولعل أكثر الفتاوى تفصيلاً هي فتوى آية الله الشيخ محسن الآراكي حفظه الله لأهل البحرين والصادرة في 24 جمادى الأولى من سنة 1432 هجرية، والتي أعلن فيها «الوجوب على كل مسلم وبكل ما أوتي من وسائل الدفاع والمقاومة أن يدافع عن نفوس المؤمنين، وأعراضهم، وأموالهم، وعن بيوت الله، ومقدسات المسلمين»[5]، وأوجب فيها تنفيذ القصاص ضد شرائح معينة من أعوان النظام المنفذين لعمليات هدم المساجد والمقترفين لجرائم التعذيب والاغتصاب الجنسي وغيرها، فبدأت الساحة الاحتجاجية في البحرين والتي يقودها الشباب بتفعيل وسائل احتجاجية ودفاعية معينة كاستخدام المولوتوف ضد القوى العسكرية التي تقتحم القرى والبيوت وتم استخدام حرق الإطارات في الشوارع العامة كوسيلة إعلامية أحياناً وفي أحياناً أخرى لسد الطريق لمنع تقدم القوات الأمنية المعتدية.[6]

ومن خصائص السلمية القرآنية:

قواعدها تستسقى من القرآن الكريم والسنة الشريفة.

يلجأ المجاهدون إلى السلم المطلق إذا كانت طريقة تعامل العدو غير عنيفة <وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ>[7].

يحق للمجاهدين الرد على عنف العدو بالرد المناسب وإن كان عنيفاً <فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا اَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ>[8].

عدم الانكسار والانكفاء لتلقي البغي والظلم <وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ>[9].

هي تكتيك وليست استراتيجية.

يقول الأستاذ عبدالوهاب حسين: «أن اللجوء لأساليب القوة بعد استنفاد الأساليب السلمية، تخضع للتشخيص الموضوعي لأهل الخبرة، المؤمنين، الثقات، الذين يشعرون برقابة الله (ج) عليهم، ولا يخرجون عن تأثير هذه الرقابة عليهم في أقوالهم وأفعالهم»[10].

السلمية بالمفهومين القرآني والمطلق

يوجد مفهومان متحركان في الساحة البحرينية للسلمية الآن: المفهوم المطلق للسلمية وهو متبنى من قبل جهتين، الجهة الأولى هي الجمعيات الرسمية والتي انتهجت في السابق المنحى غير التصادمي مع السلطة وأقامت فعالياتها السياسية والاحتجاجية المرخصة، وفي الأماكن والأوقات المحددة من قبل السلطات الأمنية في البلد، وبطبيعة منهج العمل السياسي المرخص فإنه لم يجابه في السابق من قبل الدولة، وعلى هذا الأساس رفضت الجمعيات السياسية جميع أشكال المواجهة والمقاومة مع السلطة.

ولم تصرح عملياً بتأييدها للأساليب الدفاعية تحت أي عنوان ديني أو سياسي، وكان المنطق السائد آنذاك هو عدم الحاجة للفعاليات غير المرخصة، وعدم جدوى مواجهة السلطات والرد عليها، أما الجهة الأخرى فهي بعض الحقوقيين والناشطين السياسيين من المؤمنين بمدارس العمل السلمي المطلق والذي يدعو للأساليب الجماهيرية السلمية مع السلطة، واستثناء أساليب الدفاع والردع، حتى كرد فعل على قمع السلطات وجرائمه، إذاً فالأطراف السابقة تتبنى السلمية بالمفهوم المطلق كاستراتيجية ثابتة وصالحة لكل ظرف ووقت في الثورة، وتؤمن هذه الأطراف أن السلمية المطلقة كمبدأٍ استراتيجي ستؤدي إلى:

أولاً: إكثار الأصدقاء والمتعاطفين في المجتمع السياسي والحقوقي والاعلامي الدولي.

ثانياً: إبعاد تهمة العنف عن الحركة وحماية الناشطين ميدانياً من الملاحقات الأمنية والقضائية التي يقوم بها النظام.

ثالثاً: تقليل الخسائر في صفوف المحتجين والمطالبين بالتغيير.

رابعاً: تحقيق إجماع شعبي ورغبة للانخراط في العمل السياسي والاحتجاجي المعارض من خلال الأساليب الاحتجاجية السلمية.

وهناك أطراف دينية وسياسية وثورية أخرى تؤمن بالسلمية من منظور قرآني يراعي الواقع الميداني والسياسي والإعلامي، ويكون تطبيق السلمية على وفقه تطبيقاً تكتيكياً وخاضعاً للمتغيرات، واستناداً على ذلك فهم يؤمنون بالتالي:

إن السلمية المطلقة مطلوبة دينياً عند التزام السلطات بالسلمية في مواجهة الاحتجاجات، وعند توقف السلطة عن استهداف المقدسات كالمساجد، وأعراض المسلمين، وأنفسهم، وممتلكاتهم.

إن الالتزام بالسلمية المطلقة لم يؤدِّ لإكثار الأصدقاء والمتعاطفين، ولم يقلّل الخسائر في صفوف المحتجين، كما أن دورها كان نسبياً في تحقيق الإجماع الشعبي والرغبة لدى المترددين أو الذين يعيشون الهواجس الطائفية في الانخراط في العمل السياسي والاحتجاجي المعارض.

إن استخدام أيّ من أساليب المقاومة المشروعة والمفتوحة في التعامل مع السلطة لابد أن يحقق أحد الأهداف التالية ليكون راجحاً دينياً وتقنياً:

تحييد القوات الأمنية من ارتكاب الجرائم بحق المقدسات والأنفس والمال.

تنفيذ القصاص ضد الفئات المذكورة في الفتاوى الدينية من دون أن يترتب على ذلك التنفيذ مضار تغلب في تداعياتها المنفعة من تنفيذ القصاص.

أن يؤدي الأسلوب المقاوم للضغط الأمني أو الاقتصادي الذي يسهم في إرهاق النظام ويقرب الشعب من تحقيق أهدافه.

رفع الكلفة لدى النظام من الاستمرار في القمع والحل الأمني.

أن يكون استخدام الأسلوب المقاوم محكوماً بالشروط التقنية واللوجستية والميدانية والشرعية، ومن هذه الشروط:

أن لا يؤدي إلى قتل نفس بريئة أو إتلاف ممتلكات الناس الخاصة.

أن يكون قابلاً للاستمرار، خاصة فيما لو كان الدعم اللوجستي شرط من شروط حفظ هذا الأسلوب في الساحة وتعزيزه لسنوات طوال.

أن لا يؤدي إلى اختلال في موازين القوى لصالح السلطة بحيث تأخذ السلطة من مصادر القوة التي يملكها الشعب أكثر مما يحققه من أهداف.

أن لا يؤدي إلى عسكرة شاملة للثورة، وأن لا يكون بديلاً عن الفعاليات الجماهيرية السلمية العامة، مما يفقد الثورة طابعها الجماهيري.

سلامة المنظومة الشرعية والأمنية للمجموعات القائمة على العمل المقاوم.

الارتباط بالقيادة الشرعية والعمل وفق التكليف المبرئ للذمّة.

يقول الأستاذ عبدالوهاب حسين: «أن الذي يحدد منحى السلم أو القوة هو القيادة، بالاستناد إلى تشخيص أهل الخبرة، ويفترض في القيادة الإسلامية: التفقه في الدين، ويجب أن تكون مغطاة (شرعياً) من الفقيه الجامع للشرائط.

أما الجماهير: فإن لها الحق في إبداء رأيها في تشخيص الحالة، وليس لها الحق في فرض أحد الخيارين؛ لأنه من أمر الله (ج) وليس من أمر الناس»[11].

الاعتبارات الخارجية في تقييم المقاومة المشروعة

يدور الإشكال لدى البعض حول التداعيات السياسية والإعلامية الدولية فيما إذا تم استخدام بعض أساليب المقاومة المفتوحة في الساحة، ويرى تيار الوفاء الإسلامي أن السلمية المطلقة بحد ذاتها قد فشلت في كسب التعاطف السياسي والتغطية الإعلامية الدولية لمجريات الثورة، وأن الاستخدام الحكيم والتكتيكي للمقاومة في الدفاع عن النفس وضمن الضوابط المذكورة في هذه الرؤية من شأنه أن يعيد الحسابات الدولية ويوجهها للداخل في البحرين، كذلك من الملاحظ أن الساحات التي شهدت عنفاً مطلقاً من قبل الشعب أو المجموعات المسلحة كما في ليبيا أو سوريا لم تعانِ من إشكالية النظرة الدولية للعنف، بل إن الدوائر السياسية والإعلامية الدولية قد أيدت الحراك المسلح والعنيف في هذه الدول، مما يجعلنا نستنتج أن المحذورات في البعد الدولي يجب أن تحتل مرتبة متأخرة في سلّم الاعتبارات، وأن الاعتبارات الشرعية والسياسية والميدانية الموضوعية هي التي يجب أن تحدد متى وأين وكيف يتم استخدام المقاومة كأداة من أدوات الصراع، جنباً إلى جنب مع الوسائل السياسية والميدانية والإعلامية والحقوقية، وغيرها.

وقد بيّنت التجارب التاريخية والأحداث المصيرية جدوى الخيار المقاوم في تغيير الأنظمة وطرد المحتل مثل الثورة الكوبية 1953-1959م والثورة الفيتنامية 1946-1975م، ومن حركات الكفاح المسلح المعاصرة المقاومة الإسلامية في لبنان «حزب الله» التي انطلقت عام 1982م، وتستمر ليومنا هذا[12].

السلمية والمقاومة في الشرع والقانون

اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً رقمه «3034» في عام 1973م[13]، واتخذت قراراً آخر رقمه «3314» لعام 1974م، وقراراً ثالثاً رقمه ARES3743 لسنة 1982م[14]، وقد فرّقت الأمم المتحدة في هذه القرارات بين الأعمال الإرهابية والنضال العادل للشعوب، وأكدت على الحق الراسخ للشعوب في مقاومة محتلّيها، و «حق الشعوب بالكفاح المسلح من أجل حريتها واستقلالها وحقها في تقرير مصيرها».

ومن ناحية شرعية فقد جاء الإسلام عزيزاً غيوراً على المسلمين يريد لهم العزة والكرامة حتى وردت أكثر من 70 آية في القرآن تحث على الجهاد والمقاومة، ومن تلك الآيات التي تتخذ منهج التحريض والمقاومة سبيلاً هي: <يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ>[15]، <وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا>[16]، وكذلك الآيات التي تدعو للتجهز اللوجستي والمعنوي في مواجهة الأعداء مثل: <وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ>[17].[18][19]


  • [1]. البقرة: 179
  • [2]. كتاب ذاكرة شعب، جزء 1، الأستاذ عبدالوهاب حسين، صفحة 41، دار العصمة – البحرين
  • [3]. شاهد (الدفاع المقدس لكلمة آية الله الشيخ عيسى قاسم «اسحقوه») من خلال الرابط التالي: https:youtube.com
  • [4]. كتاب ذاكرة شعب، جزء 2، الأستاذ عبدالوهاب حسين، صفحة 84، دار العصمة – البحرين (2009)
  • [5]. راجع ملحق (3): استفتاء آية الله الشيخ محسن الآراكي
  • [6]. راجع ملحق (10): حوار مع سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي
  • [7]. الأنفال: 61
  • [8]. البقرة: 194
  • [9]. الشورى: 39
  • [10]. كتاب ذاكرة شعب، جزء 1، الأستاذ عبدالوهاب حسين، صفحة 43، دار العصمة – البحرين (2009)
  • [11]. نفس المصدر السابق، صفحة 44
  • [12]. ولم يخلُ عالم السياسة من مفهوم المقاومة، ولم يُنبذ في أوساط الأحزاب والحركات السياسية بل كان ولا زال حقاً أصيلاً وخياراً استراتيجياً لجأت له بعض تلك الحركات من مثل حركة المؤتمر الوطني الأفريقي، حيث أسس نيلسون مانديلا مع غيره تنظيم رمح الأمّة «أومكهونتو ويه سيزويه MK» سنة 1961م بعد تحذيرات للحكومة بضرورة أن تتخذ خطوات نحو الإصلاح الدستوري والتي قوبلت بالرفض، ليكون هذا التنظيم الجناح المسلّح لحركة المؤتمر الوطني الأفريقي عقب مذبحة شاربفيل التي وقعت في إقليم ترانسفال، والتي ولّدت قناعة لدى عموم المعارضة في جنوب إفريقيا بأن المؤتمر لا يمكن له أن يستمر في العمل السلمي وحده، فتأسست حركة رمح الأمة بهدف محاربة حكومة الفصل العنصري.
  • [13]. قرار رقم 3034، الأمم المتّحدة، تم الاقتباس بتاريخ 6 يوليو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:https:undocs.org
  • [14]. قرار رقم (ARES3743 1982)، الأمم المتحدة، تم اقتباس الوثيقة بتاريخ 6 مايو 2019م، من على الرابط الإلكتروني: https:www.un.org
  • [15]. الأنفال: 65
  • [16]. النساء: 75
  • [17]. الأنفال: 60
  • [18]. راجع ملحق (9): كلمة آية الله الآراكي الموجهة لشعب البحرين
  • [19]. راجع ملحق (10): حوار مع سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي

المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟