مواضيع

الانسجام بين حاكمية الدين وحاكمية الشعب

لا تفتقد النصوص الدينية من الكتاب والسنّة والنظرية الإسلامية في الحكم الواقعية والمرونة، واعتبارات الزمان والمكان، ولذلك فإن إرادة الناس وحقهم في تقرير مصيرهم هو من الأسس التي تعتمد عليها الحكومة الإسلامية ابتداءً واستمراراً، وقد ظهر ذلك في استفتاء الجمهورية الإسلامية في إيران بعد انتصار الثورة على نوع النظام السياسي الذي يريده الشعب، وكذلك إرادة الشعب الإيراني المباشرة في انتخاب رئيسه ونوّابه في المجلس التشريعي وأعضاء مجلس الخبراء، والذين بدورهم يعينون الولي الفقيه ويشرفون على عمله ولهم حق عزله.

حيث يقول السيد القائد الخامنئي حفظه الله: «إن حاكمية الشعب في النظام الإسلامي هي حاكمية الشعب الدينية، أي المرتكزة على رأي الإسلام، وهي ليست عقداً عرفياً، بل من صلب الرؤية الإسلامية الرجوع إلى رأي الأمة وإرادتها حيثما اقتضى الرجوع، ولذا فهي تبلور التزاماً إسلامياً، وليس على غرار الدول الديمقراطية حيث تلتزم بعقد عرفي يسهل نكثه، فحاكمية الشعب في نظام الجمهورية الإسلامية تكليف ديني، والمسؤولون يقيدهم تعهد ديني في الحفاظ على هذه الخصوصية، ويتعين عليهم تقديم الجواب عنه أمام الله سبحانه وتعالى، وهذا مبدأ كبير من مبادئ إمامنا العظيم»[1].

وإن رأي الإمامين العَلَميْن السيدين روح الله الموسوي الخميني (ق) والقائد الخامنئي حفظه الله في الحكومة الإلهية هو ما يميّز رؤية «حاكمية الشعب الدينية» عن غيرها من رؤى الحكم الشرقية والغربية، بما فيها الرؤى الإسلامية الأخرى، حيث رأت النظريات الغربية إن حاكمية الشعب تتحقق فقط وفق إرادة الأغلبية السياسية – بشكل مباشر أو غير مباشر -، لكن على مستوى الممارسة، فقد بقيِت الأنظمة الغربية الديمقراطية رهينة لنفوذ المال والسلاح والتكتلات السياسية والاقتصادية الداخلية، والتي أصبحت إرادتها ومصالحها فوق إرادة شعوب تلك البلدان، والتي ما زالت تبحث عن تحقيق أهدافها المادية، كما تميزت رؤية السيّدين عن الرؤى التي رفضت أيّ دور للشعب في انتخاب نظامه السياسي، وانتخاب من يحكمه ويمثله على المستوى التشريعي والتنفيذي، ومن هنا جاءت تسمية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي جمعت بين ولاية الفقيه والنظام الجمهوري الديمقراطي.

 فوفق هذه الرؤية يمكن أن تكون الحكومة إلهية وشعبية وجمهورية، ولاتناقض في ذلك، فإن الحكومة الدينية الشعبية هي المثال الأنجح لتجييش طاقات الشعب المعنوية والمادية للبناء، وضمان مشاركة الشعب الفعالة في إدارة أموره وتدبير شؤونه، ومعرفة حقوقه وواجباته، كما أن الحكومة الإسلامية لا تشبه أشكال الحكومات الأخرى، فهي ليست استبدادية ولا مطلقة، بل هي عهد بأن يتقيّد الحاكم والمحكومون بمجموعة من الشروط والقواعد المبيّنة في القرآن والسنّة، لذا كانت الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي على الناس.


  • [1]. نفس المصدر السابق، صفحة 65

المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟