مواضيع

النتائج الخطيرة للمشاركة في العملية السياسية

لم يكن ينفصل قرار المشاركة في العملية السياسية والانتخابات عن الموقف من المسألة الدستورية وأوضاع البلاد والملفات الساخنة الأخرى، ولذلك فإن مشاركة المعارضة بثقلها وبالكيفية التي تمّت في العملية السياسية حسب اعتقاد تيار الوفاء الإسلامي أدّت لنتائج سياسية واجتماعية خطيرة، منها:

أن النظام استغلّ المشاركة في العملية السياسية بالكيفية التي تمّت لإضفاء الشرعية على وثيقة 2002م «دستور البحرين غير الشرعي» وكرّس القبول العملي بها، وقطع ذلك الطريق على الشراكة الشعبية في صناعة القرار وتقرير المصير، وصعّب على المعارضة عملية الإصلاح الحقيقي وأطال عليها الطريق كثيراً إليه، وكلما كبرت نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، كلما صعبت عملية الإصلاح، وبعدت المسافة أكثر للوصول إليها.

أنها مثلّت ستاراً للممارسات غير الشرعية للسلطة في قضايا حساسة، مثل: برنامج السلطة لتغيير التركيبة السكانية أو ما يعرف بالتجنيس السياسي، وسرقة الأملاك العامة في البر والبحر، والاستيلاء على ثروات البلاد ومقدرات شعب البحرين، والانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان، وغيرها. فمن داخل المجلس النيابي الصوري تحكّمت السلطة التنفيذية في مجريات الأمور التي تديرها بحسب أجندتها الخاصة، وحدث ذلك بوتيرة متسارعة لا يمكن توقيفها أو الحد منها، حيث الهيمنة الكاملة للسلطة التنفيذية على المجلس كيفاً، من خلال الصلاحيات، وعدداً من خلال أعضاء الموالاة في المجلس المنتخب ومجلس الشورى المعين بالكامل، والذي يتمتع بصلاحيات تشريعية يتفوّق فيها على المنتخب، حتى أصبح المجلس المعيّن وسيلة لحرق الملفات الساخنة لصالح السلطة ضد مصلحة الشعب والوطن، والحجة لدى السلطة دائماً في الرد على المعارضة أن كل شيء يجري وفق القانون وفي ظل البرلمان، ومن لديه اعتراض فالبرلمان موجود، مما جعل من المشاركة في البرلمان بالصورة التي كانت قائمة أداة للتستر على الظلم والطغيان والفساد بدلاً من كشفها، وشهادة زور بامتياز لصالح السلطة ضد المظلومين والمضطهدين، وتزويراً لإرادة الشعب ووعيه.

فصل قوى المعارضة المشاركة عن آلام ومعيشة المواطنين، حيث أن حجم المكافأة التي كان يحصل عليها النواب، ثم ما أُقِرَّ في قانون تقاعدهم، والمميزات الأخرى في ظل فقر الناس قد جعل الامتيازات المالية أقرب للرشوة وشراء الذمم في واقع اقتصادي متفاقم يعيشه المواطن كل يوم. وهنا تجدر الإشارة إلى قرار رفع مكافأة النواب «الراتب والمخصصات والعلاوات» لتصل إلى حوالي «4,750 دينار»[1] في الوقت الذي يعمل فيه «70%» من المواطنين براتب لا يتجاوز 350 دينار، وقد قامت السلطة في العام 2009م بزيادة مكافأة النواب عبر ضمان تقاعدهم، حيث قرّرت أن يكون مجازاة عمل 4 سنوات في المجلس الحصول على مكافأة تساوي مكافأة وكيل وزارة لعمل يزيد على 35 سنة مما يشير إلى أن حجم مكافأة العمل ومكافأة التقاعد للنواب قد خرجتا فعلاً من دائرة الحق إلى دائرة الرشوة والفساد والمقايضة الخسيسة، وذلك في ظل واقع هذه المؤسسة المرتهنة بالكامل في يد السلطة التنفيذية، ونتائج المشاركة فيها المخيبة لآمال الشعب لا سيما المحرومين منهم.

وقد عارض آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم حفظه الله تمتّع النوّاب بالامتيازات التي تضع الفروقات الفاحشة بين النواب والجماهير، وتفصل النواب عن الطبقة المتوسطة، وفي خطبة الجمعة لسماحته قال: «المجلس النيابي لا للشعب وإنما للنيابيين أنفسهم، هكذا يتّخذه عدد من النوّاب. ضمان ، تأمين صحي ،هدايا سخية ، رواتب عالية ، جواز دبلوماسي للعائلة. هذا كله للنواب، وللشعب زوابع كلامية تعقبها انسحابات وتراجعات، ومصافحة ومضاحكة، مع الناهبين والمختلسين، وهذا شاهد له من قضية صندوق التأمينات، وصندوق التقاعد، وله شواهد أخرى، وللشعب ميل إلى تخفيض الرواتب.

البلد تحتاج إلى مجلس نيابي، ولكنّه من نوع آخر، من نوع رجال شجعان، ورجال يكونون نوّابا للشعب يحملون اهتماماته ويدافعون عن حقوقه وقضاياه لا وكلاء عن أنفسهم. يبحثون عن مكاسب شخصية وامتيازات عديدة. ما اختارهم الشعب ليطالبوا بمزيد من صلاحيات لأنفسهم، إنما اختارهم الشعب للدفاع عن حقوقه، وتحسين وضعه.

ما يرتكبه عدد من النواب هو خلاف الوظيفة المنوطة بهم، وهذا لمّا تحوّل إلى ظاهرة في المجلس أسقط قيمته. وأقول بأن البلد محتاجة إلى مجلس نيابي ولكن من نوع آخر، ومحتاجة إلى تحسين الوضع السياسي من أجل أن يولد مجلس نيابي قادر على تلبية جزء من طموحات الشعب، ومن أجل مشاركة فاعلة واسعة في انتخابات المجلس النيابي نحتاج إلى تعديلات دستورية ملحّة»[2].

نجاح السلطة في طرح أجندتها الاستراتيجية وتمريرها وإقرارها داخل البرلمان الصوري، وإكسابها الشرعية البرلمانية، وفرضها كأمر واقع على الشعب والمعارضة.

لقد أدى الاعتراف العملي بوثيقة 2002م والمشاركة في الانتخابات على أساسها، إلى إضعاف قدرة المعارضة تلقائياً على المطالبة بدستور شعبي وشرعي، ووضع العقبات الأصعب في طريق الإصلاح، وزاد في المشكلة حجم الدفع العارم للمشاركة في انتخابات 2006م بإعطائها صبغة دينية من قبل جملة من رموز وقيادات المشاركة.

إضعاف جانب المعارضة أمام الرأي العام والشعب وتقوية جانب السلطة بشكل عملي، وذلك في ظل هيمنة السلطة الكيفية على المجلس من خلال الصلاحيات، والهيمنة العددية من خلال أعضاء الموالاة في المجلس المنتخب وأعضاء الشورى المعينين بالكامل، فالمعارضة المشارِكة قد أصبحت أسيرة بالكامل في يد السلطة التنفيذية، وهي التي تقرر مصيرها، فتمنحها ما تشاء لترفع رصيدها في الشارع، أو تمنعها لتضغط عليها وتفرض عليها ما تريد، وكانت المعارضة المشاركة عاجزة بالكامل عن فعل أيّ شيء بالأدوات البرلمانية خلافاً لإرادة السلطة.

القبول عملياً بتحويل الشيعة إلى أقلية على مستوى التمثيل النيابي، مع كونهم الأكثرية في عمليات الاقتراع، وإضفاء الشرعية على ذلك، مما جعل فرصة الإصلاح السياسي أقل إمكاناً في المستقبل، حيث يمثل الشارع الشيعي خزان المعارضة وعمودها الفقري، ويؤثر بكل تأكيد على جملة المطالب الشعبية العادلة، في ظل انسداد الأفق الذي كان قائماً للتحالف مع القوى الإسلامية السنية الرسمية التي كانت تحتكر التمثيل الشعبي للطائفة السنية الكريمة، وتعمل السلطة حالياً على خلخلة التمثيل الشعبي وضرب البنية الاجتماعية للمناطق الشيعية والسنية على حد سواء باختراقها عن طريق المربعات السكنية للمجنسين على أطرافها وداخلها، مما فاقم الأوضاع على الوطن وأبناء الشعب من الطائفتين الكريمتين.

تعزيز المشهد الطائفي من خلال التشكيلة الطائفية للمجلس، حيث انعكست على مداولاته ومعالجاته للقضايا مما شكّل مخزوناً للشحن الطائفي على الساحة الوطنية، فالمداولات والمعالجات التي تمت للقضايا في المجلس لم تتم على أساس إنساني أو وطني عادل، وإنما تمت على أساس طائفي بحت، وهذا مما خدم أجندة السلطة في تعزيز الطائفية لخدمة مصالحها السياسية، وفرض هيمنتها على السلطة والثروة ومقدرات الشعب، وعاد بالضرر على مصالح المواطنين شيعة وسنة.

لقد أدت المشاركة الموجهة من قبل السلطة ومناخ المجلس إلى رفع طموح الانتهازيين والمجنسين والمعذِّبين والجلادين للتقدم لعضوية هذا المجلس، وذلك لكسب الشرعية الشعبية والحصول على الحماية الرسمية، وهي حالة  قد كشفت عن حقيقة هذا المجلس والدور الذي قام به.

العملية السياسية إلى أين؟

وبهذا يقدّم تيار الوفاء الإسلامي البرهان على أن مقولة إمكان التغيير من خلال الانخراط في العملية السياسية وحدها هو مجرد اشتباه محض، وأن المشاركة في العملية السياسية وتحقيق أي نتائج مرجوة منها كان رهن التجريب السياسي، وقد ثبت أيضاً أن حصر خيارات المعارضة طوال السنوات التي سبقت ثورة 14 فبراير داخل سلة المشاركة السياسية ضمن الأطر الرسمية قد مثّل عقبة صعبة أمام شعب البحرين لينهض، ويحقق أهدافه، وأن وجود المعارضة الثورية الفاعلة التي يمكن أن تؤثر على النظام هو شرط لازم للتغيير والإصلاح، وعلامة حقيقية من علامة الإرادة الجدية لدى المعارضة للوصول لأهدافها.

فبعد 18 سنة من تجربة الدخول في العملية السياسية لم تتحقق أبسط الأهداف والمطالب التي يطمح لها شعب البحرين، بل تراكمت الأزمات والآثار الكارثية لسياسات النظام الحاكم يوماً بعد يوم، وعلى كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها.

وقد مثّل انطلاق ثورة 14 فبراير وحشدها للأغلبية الساحقة من أبناء الوطن استفتاءً حقيقياً حول رأي الشعب في النظام السياسي والعملية السياسية برمّتها.

وثبت بالضرورة وبحكم التجربة، بأنه لابد من تعزيز مسيرة وأهداف ثورة 14 فبراير من خلال ثبات المعارضة في عدم الاعتراف بدستور 2002م والعملية السياسية برمتها، والعمل على الإطاحة بالتجربة النيابية الحالية باعتبارها آخر قلاع ما سُمِّيَ زوراً بالمشروع الإصلاحي بداية الألفية، حيث لا يوجد شيء يدافع به النظام الخليفي عن نفسه، وتدافع به الإدارتان الأمريكية والبريطانية عن النظام الخليفي أمام الرأي العام في الغرب سوى الانتخابات النيابية الصورية، في ظل سجل حقوقي سيء، وسجن وتهجير جميع قادة ورموز المعارضة، وسجن الآلاف من أبناء الشعب، وتهجير المئات في المنفى القسري، وسياسات الإفقار والتجويع وتردي الحالة المعاشية لأبناء الشعب.

يعتقد تيار الوفاء الإسلامي أن الخطاب السياسي قد عاد للمربع الأول، وهو افتقاد النظام الخليفي للشرعية الدستورية، وغياب الدستور الشرعي، والتأكيد على حق شعب البحرين في كتابة دستوره، وتقرير مصيره، واختيار النظام السياسي الذي يلبي طموحاته وتطلعاته المشروعة.


  • [1]. رواتب البرلمانيين ترتفع إلى 4750 ديناراً، صحيفة الوسط البحرينية، تم الاقتباس بتاريخ 30 يونيو 2019م، من على الرابط الإلكتروني: http:alwasatnews.com
  • راجع الملحق المصوّر التوثيقي، الصورة (7)
  • [2]. من خطبة الجمعة لآية الله الشيخ عيسى قاسم، بتاريخ 7 يناير 2005م، تم اقتباسها من موقع « المقاوم» almuqawim.net، بتاريخ 30 يونيو 2019م
المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟