مواضيع

أزمات البلاد التي عجزت العملية السياسية عن تناولها

الأزمة الأولى: المسألة الدستورية وملحقاتها

كان للبلاد دستور عقدي وضع من خلال مجلس تأسيسي شارك فيه أعضاء منتخبون من الشعب وأعضاء معينون من السلطة، وجرت على أساسه انتخابات برلمانية في عام 1973م وبعد مضي «18 شهراً» أي في عام 1975م قامت السلطة بحل البرلمان وتعطيل العمل بالدستور، وفرضت تدابير قانون أمن الدولة، ومارست الاعتقال بدون محاكمة، وتم نفي المناضلين وإبعاد المواطنين، والتعذيب المنظم، وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان، وقد قُوبِل ذلك بالعديد من تحركات الرفض الشعبية في فترة السبعينات والثمانينات حتى انفجرت الانتفاضة الشعبية الكبرى في نهاية عام 1994م التي دخل على إثرها حوالي خمسة عشر ألف مواطن السجن، وعرج فيها حوالي «40 شهيداً» ولم تنتهِ الانتفاضة إلا بطرح ميثاق العمل الوطني الذي نصّ على تفعيل الدستور المعطّل من قبل السلطة الحاكمة، وإعادة الحياة البرلمانية إلى البلاد، على أن تتحول الإمارة إلى مملكة بحسب الديمقراطيات العريقة حسب تعبير الحكم ووعوده، وأن يتكون المجلس الوطني من مجلسين: الأول منتخب من قبل الشعب ويختص بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية، والثاني معيّن من رأس الدولة ويختص بإبداء الرأي والمشورة فقط.

وبعد تعهّد رأس الدولة – الحاكم الحالي حمد آل خليفة – لنخبة من القيادات الدينية والمعارضة – في اجتماع لهم معه بهذا الخصوص – بحاكمية دستور 1973م العقدي، وأن المجلس المعين للشورى فقط – وقد أعلن ذلك في الصحف المحلية من قبل وزير العدل بوصفه رئيس لجنة الميثاق – دعت القيادات الدينية والمعارضة لدعم الميثاق، وكان لتلك الدعوة الأثر الأساس في أن تكون نسبة التصويت بنعم للميثاق «98,7%» من المصوّتين حسب الأرقام التي أوردتها السلطة.

إلا أنه بعد مضي عام فقط، وفي الذكرى الأولى للتصويت على الميثاق، انقلبت السلطة على تعهداتها الشفهية والتحريرية، وصاغت بصورة فردية وسرية وثيقة جديدة بغير إرادة شعبية سمّتها باسم «الدستور المعدل» وقد نصت الوثيقة على[1]:

صلاحيات تشريعية للمجلس المعين «الشورى» تفوق صلاحيات المجلس المنتخب، حيث تجدر الإشارة إلى أن عدد أعضاء مجلس الشورى المعين يساوي عدد أعضاء مجلس النواب المنتخب، ومنح رئاسة المجلس الوطني الذي «يتألف من المجلسين: الشورى والنواب» لرئيس الشورى، على أن تصدر القرارات بأغلبية أصوات الحاضرين ما عدا الرئيس الذي عليه أن يعطي صوت الترجيح عند تساوي الأصوات.

صلاحيات تشريعية للسلطة التنفيذية – وهي معينة وغير منتخبة – وأعطتها حق الصياغة لمقترحات تعديل الدستور ومشروعات القوانين، وجعلت لمشروعاتها للقوانين الأولوية على تلك المقدمة من أعضاء المجلس الوطني بشقّيه المنتخب والمعين.

صلاحيات تشريعية للمحكمة الدستورية المعين أعضاؤها بأكملهم من قبل رأس الدولة.

التحكم في تعديل أي حكم من أحكام وثيقة 2002م من خلال اشتراط موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس الوطني «مجموع أعضاء مجلسي الشورى والنواب» وأن يصدق رأس الدولة على التعديل.

عدم طرح الثقة برئيس مجلس الوزراء في أروقة مجلس النواب.

إحالة ديوان الرقابة المالية لديوان رأس الدولة بعد أن كان تابعاً للمجلس المنتخب في دستور 1973م.

عدم مساءلة رأس الدولة أو انتقاده أو اقتراح تعديل صلاحياته التي منحتها له وثيقة 2002م برغم أنها صلاحيات تنفيذية، والتي تشمل على سبيل المثال:

تعيين رئيس مجلس الوزراء وكذلك الوزراء وإعفاؤهم من مناصبهم.

تعيين رئيس وأعضاء مجلس الشورى.

قيادة قوة الدفاع وتكليفها بالمهام وارتباطها مباشرة به.

رئاسة مجلس القضاء الأعلى وتعيين القضاة.

حق اقتراح تعديل الدستور واقتراح القوانين، واختصاصه بالتصديق على القوانين وإصدارها.

إصدار القوانين – بصيغة مرسوم – والتي لا يمكن تعديلها إلا بعد مرور مدة من الزمن.

إعلان الأحكام العرفية لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، يعطّل فيها العمل بأحكام الدستور.

تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين لدى الدول الأجنبية والهيئات الدولية، وإعفاؤهم من مناصبهم، وقبول ممثلي الدول والهيئات الأجنبية لديه.

إصدار الأوامر بإجراء الانتخابات وكذلك تأجيل إجرائها.

دعوة المجلس الوطني إلى الاجتماع وافتتاح دوْر الانعقاد، وفضه.

له أن يؤجل اجتماع المجلس لمدة شهرين، ومد الفصل التشريعي لمدة لا تزيد على سنتين، وحل مجلس النواب.

تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية التي تختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح.

وبناء على هذه الحقائق أجمع تيار الوفاء الإسلامي مع قوى المعارضة على جملة من النتائج:

إن ما صدر في 14 فبراير- شباط  2002م ليس دستوراً معدلاً عن دستور 1973م، ولم يصوّت عليه الشعب أو ممثلوه كما حدث في كتابة وإقرار دستور 1973م، وإنما هو وثيقة جديدة صاغها النظام لوحده وفرضها على الشعب، ولم تحظَ بالمشروعية الشعبية المطلوبة، وقد أطلق النظام على تلك الوثيقة اسم دستور المملكة لعام 2002م، وبذلك ألغى الدستور العقدي لعام 1973م.

وقد تناول آية الله قاسم حفظه الله موضوع الدستور المفروض على الشعب في خطبة الجمعة بتاريخ 20 فبراير 2004م[2] حيث قال: «الخلاف على الدستور وُجد قبل ولادته فيما أتذكر، فكان خلافٌ على طريقة وضع الدستور، وأنّ وضعَ الدستور يكون من جانب الشعب والحكومة بالتوافق أو يمكن أن يستفرد به الحكم وحده؟ فما كان من رأي الشعب أبداً أن يستفرد الحكم بوضع الدستور، و إنما كان الرأي متجهاً مقتنعاً متيقناً من أن دستوره إذا وُجد له دستور جديد غير الدستور السابق فإنما سيولد في ظلٍ من توافق بين الدولة و الشعب. وهذا الخلاف رافق الدستور في كل حياته التي عاشها هذه المدة منذ وُضع لحد الآن. هناك عدد من الإشكالات التفصيلية التي لن نتعرض لها نجدها بالمقارنة بين الدستور وبين الميثاق، ثم بين دستور سنة 2002 ودستور سنة 1973. هذه المفارقات التفصيلية التي تجعل الدستور الجديد من مستوى أقل مما عليه مستوى الميثاق، ومما عليه مستوى دستور 73 متروكة في هذا الموقف. هناك إشكالات:

إشكال عدم التعاقدية في ظل نظام يرفع شعار الديمقراطية، والتعاقدية من صلب ماهية الديمقراطية. ودستور لا يقوم على التعاقد وإنما استفرد بوضعه الحكم فهو من سنخ الأنظمة الفردية وليس من سنخ الأنظمة الديمقراطية في هذه الخطوة بالذات

عدم التوافق مع الميثاق: تفصيلات الميثاق لا تتوافق معها تفصيلات الدستور، سقف الميثاق أرفع من سقف الدستور فيما يقررانه من صلاحيات شعبية، والمفروض أن يأتي الدستور مع السقف الذي يحدد مستوى الميثاق من ناحية الصلاحيات الشعبية.

على أن سقف الميثاق إذا جاء أقل من سقف دستور 73 فهو شيء مؤسف جداً وغير متناسب، ولا يمكن في النظر أن تكون الحكومة أو أن يكون الشعب من قصدِهما مع سلامة النية عند الحكومة- أن يأتي ميثاق بعد ثلاثين عاماً من الدستور الأول ليتراجع بمستوى شعب البحرين، ويتقهقر بمسيرته، و صلاحيات الشعب في هذه المسيرة. الخبراء الدستوريون منقسمون على الأقل، للحكومة بعض خبراء، قد يكون واحداً أو اثنين يقولان بموافقة الدستور للميثاق، وهناك خبراء دستوريون من جانب آخر يصرحون بأن الدستور ليس متوافقاً مع الميثاق، وأن أصل وضع الدستور بالطريقة التي كانت لم تكن دستورية ولا متفقة معه.

أما رأي الشعب فهو واضح جداً من خلال كل القرائن التي حفت عملية التصويت على الميثاق، من وعودٍ مكتوبة ومنطوقة على مستويات عالية جداً، ومن خلال التفسيرات ومن خلال الوعود. فكان الشعب متجهاً في رأيه جداً إلى أن الدستور لن يأتي فيه مثلاً أن تقيد الإرادة الشعبية بإرادة الحكومة، وتكون للحكومة السيطرة التامة على المجلس الوطني من خلال التركيبة الحالية له.

هناك تخلف واضح جداً جداً وفي مواطن كثير على أكثر من مستوى للدستور الثاني عن الدستور الأول، في حين أن قفزة هائلة قطعت مسافة ثلاثين سنة على المستوى الثقافي.. على المستوى السياسي.. على مستوى الوعي بالحقوق.. على مستوى تقدم إنسان هذا الشعب..على مستوى كثرة الاختصاصات.. على مستوى انتشار الديمقراطية في العالم؛ مما يعطي توقعاً وتناسباً معقولاً جداً بأن يأتي الدستور الثاني متفوقاً بمسافة كبيرة على دستور 73 ، في حين أنه حدثت انتكاسة مروِّعة جداً بأن جاء الدستور الثاني على تخلف شديد عن الدستور الأول، سالباً كثيراً من صلاحيات الشعب تحت قبة المجلس الوطني!!

هناك تنافٍ تام بين الوظيفة الفعلية للمجلس الاستشاري مع الديمقراطية، حيث أن المجلس الاستشاري بوظيفته الفعلية يمثل مصادرة صارخة جداً للديمقراطية وحق ممارسة الشعب للتعبير عن إرادته عبر نوّابه؛ فإن إرادة النواب في الكثير من المحطات المهمة محكومة لإرادة المجلس الاستشاري..وبالتالي فهي محكومة لإرادة الحكومة! العملية التي انتهت إلى الوضع في المجلس الوطني، ووضع الدستور الثاني، لم تخرج عن إحكام الهيمنة لإرادة الحكومة على إرادة الشعب بصورة تأخذ عنوان الدستورية والقانونية.

هناك تهافت واضح جداً في الوظيفة الفعلية للشورى مع نص الميثاق ونص الدستور على كون الشعب مصدر السلطات، كيف يكون الشعب مصدر السلطات وإرادته محكومة لمجلس الشورى المعين في كل مورد من موارد الاختلاف بين النيابي و الاستشاري؟!

الدستور الثاني والتركيبة الفعلية للمجلس الوطني بقبتيه.. في نظري يمثل مصادرة لكل جهود الشعب وتضحياته، ودم شهدائه، وسجنائه ومشرّديه ومعذبيه، مما كان من أجل أن يتحسن الوضع الشعبي وحقوق الشعب، وأن تكون مشاركة فعلية إيجابية مخلصة في رسم مسيرة البلد والتقدم بها.

على كل حال.. المطالبة بدستورٍ يكون مُنصِفاً للشعب، معترفاً بحقوقه، معطياً فرصة كافية للكفاءات الشعبية بأن تسهم بإيجابية وقوة في الدفع بمستوى المسيرة، وبناء وطن الأخلاق والجد والعدل والمساواة والمحبة، هذا كله ليس مطلب مؤسساتٍ محدودة، وإنما مطلب شعب بكامله، ولست أظن أن أحداً من هذا الشعب يعطي صوتاً في وجه الشعب الذي يطالب بالوصول إلى دستور فيه درجة أكبر من الإنصاف، وفيه درجة أكبر من الاعتراف بقيمة الشعب وقدراته وحقوقه».

عدم قدرة الأعضاء المنتخبين على تشريع أو تعديل أي نص دستوري أو قانوني ما لم يحظَ ذلك بقبول وموافقة السلطة التنفيذية، وعدم قدرتهم على منع إقرار نص دستوري أو قانون تريد السلطة التنفيذية فرضه.

إن الدستور المفروض من قبل السلطة نزع من الأعضاء المنتخبين في مجلس النوّاب القدرة على المحاسبة الجدية لأفراد السلطة التنفيذية.

إن الدستور الجديد أعطى السلطة صلاحية توزيع الدوائر الانتخابية على أساس طائفي، وهو توزيع ظالم إلى درجة يكون فيها الصوت في مناطق  تقطنها أغلبية سنية يعادل 11 صوتاً في مناطق أخرى تقطنها أغلبية من الشيعة.[3]

وقد ثبت بالتجربة عدم قدرة الحصانة البرلمانية الممنوحة للأعضاء على حمايتهم للتعبير عن آرائهم بحرية في الداخل والخارج، وإن المعارضة كانت في قبال وثيقة ومجلس أوجدهما النظام ليشرعن بها قمعه وظلمه لأبناء الشعب، ويقطع الطريق على أي مسعى حقيقي للإصلاح.[4]

إلا أن تعاطي كل طرف من أطراف المعارضة مع هذه الحقائق كان مختلفاً، فهناك من ذهب إلى لزوم الاستمرار في العملية السياسية من أجل إبقاء الصوت السياسي والإعلامي للمعارضة حاضراً على الصعيد الإقليمي والدولي، ودفع الأضرار المحتملة، ومن أجل العمل على تحقيق مكاسب معاشية أو سياسية ممكنة، وعدم العودة للمربع الأول مع السلطة – حسب تشخيص هذا القسم من المعارضة -.

بينما رأى تيار الوفاء الإسلامي وحركة الحريات والديمقراطية «حق» وحركة أحرار البحرين الإسلامية وحلفائهم بأن مقاطعة العملية السياسية، وعدم الاعتراف بقوانين السلطة المقيدة للعمل الشعبي المعارض والحزبي، والاعتماد على العمل المعارض المتحرر من قيود السلطة هو الأسلوب الأجدى للتعاطي مع الأزمات الجوهرية التي تعاني منها البلاد.

الأزمة الثانية: التجنيس السياسي الممنهج

بحسب الوثائق والسجلات التاريخية، كانت غالبية سكان البحرين الأصليين من العرب الشيعة الذين أوغل النظام في ظلمهم والتضييق عليهم في جميع مناحي الحياة على المستويات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والحقوقية، وعمل على إقصائهم لأنهم يمثلون الشريحة الأكبر من خزّان المعارضة وجماهيرها في المطالبة بالحقوق، وعمودها الفقري.[5]

وبعد تغييب الرقابة الشعبية من خلال تعطيل العمل بالدستور العقدي وتفعيل أحكام القبضة الأمنية منذ بداية سبعينات القرن الماضي، بدأ النظام في برنامج الإحلال وتغيير التركيبة السكانية على أساس طائفي، واستعرت هذه الحملة وطفحت للسطح في العهد الحالي مع وصول رأس الحكم للسلطة في مارس 1999م، وتم تسخير الموارد البشرية والمالية للسلطة وتجنيد الطاقات المختلفة لتنفيذ خطة خمسية تبدأ بشكل مكثف في العام 2005م وتنتهي في العام 2010م، ليتم من خلالها تغيير التركيبة السكانية على أساس طائفي، بحيث يتحول شيعة البحرين من أكثرية سكانية إلى أقلية مهمّشة ومحاصرة سياسياً واقتصادياً وحقوقياً في ظل سياسة منهجية شاملة، واقتضى المشروع جلب وتجنيس عشرات الآلاف من جنسيات مختلفة ذات لون مذهبي واحد «سنّة» من أصول قبلية من: السعودية واليمن والأردن وسوريا ومصر والعراق بالإضافة إلى باكستان وغيرها من دول آسيا[6].

وقد صرّح رئيس مجلس النوّاب السابق خليفة الظهراني قبل 15 سنة، وفي جلسة نيابية عقدت بتاريخ 26 مايو 2004م: «هناك ما يزيد على 120 ألفاً تجنّسوا في العقود الأخيرة ويجب أن نصهرهم في المجتمع لصالح وطننا وأبنائنا..»[7].

كشف الظهراني – المعيّن من قبل رأس السلطة – قبل 15 سنة عن رقم مهول عن أعداد من تم تجنيسهم لغاية عام 2004، وهذا الرقم مثّل 25% من تعداد شعب البحرين البالغ 465 ألف في 2004م حسب الإحصاءات الرسمية، وذلك يدق ناقوس كارثة ليست فقط على المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، بل وعلى المستوى السياسي حيث عمل النظام الخليفي على دمج المجنسين في العملية الانتخابية كمرشحين للانتخابات وككتل انتخابية، مما دمّر ما تبقى من مستوى شحيح للتمثيل الشعبي الحقيقي في مجلس النواب، وقد شهدت البحرين عدة دورات انتخابات نيابية منذ العام 2002م وحتى العام 2018م، وكان في جلّها وجود لأعداد من المجنّسين، وخاصة في الانتخابات الأخيرة، وقد دافع النظام بشكل رسمي عن حق المجنسين في الترشح والانتخاب، بل وقام بالتغطية الإعلامية الواسعة لمشاركة المجنسين في الانتخابات بغية إيصال رسائل محددة للمعارضة والشعب.

وفي الوقت الذي كان يعمل فيه «70%» من المواطنين براتب لا يتجاوز «350 دينار» يحصل المجنسون على رواتب تزيد عن «400 دينار» حال التحاقهم بالسلك العسكري، بالإضافة للمميزات المعيشية مثل توفير السكن والعلاج والتعليم، وغيرها من التسهيلات المحرّمة على المواطنين.

وفي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن ما بين «15 – 20 سنة» للحصول على وحدة سكنية، يحصل المجنس على السكن في غضون «6 أشهر».

الأزمة الثالثة: التمييز والتطهير الطائفي

استخدم النظام الخليفي عدة وسائل لتهميش الأغلبية السكانيّة في البحرين وإضعافها، ولم يكن التجنيس السياسي الوسيلة الوحيدة بل كرّس النظام الخليفي التمييز والتطهير الطائفي في جميع مناحي الحياة، كالتعليم والتوظيف والتدريب والإسكان، وهدف ذلك كله تحويل الأغلبيّة الشيعية إلى أقليّة عدديّة منزوعة القدرات ومحرومة من مواطن القوّة، بحيث يسهل إضاعة حقوقها، والعبث بتراثها ومقدراتها ومقدساتها.[8]

وقد اتسعت سياسة التمييز والتطهير الطائفي في السنوات الأخيرة لتطال أهل السنّة في البحرين، لصالح المجنّسين، والذين أخذوا مواقع متقدمة في الأجهزة الأمنيّة وفي وزارات الدولة، وفي القطاع الخاص، على حساب أهل السنّة، والذين أصبحوا ضحيّة للتجنيس السياسي والتمييز على أساس العرق والأصل، كمن سبقهم من إخوانهم في الوطن من الشيعة.

ومظاهر التمييز عديدة، منها:

انحصار عدد الوزراء الشيعة بعدد قليل، يشغلون وزارات خدمية كوزارة الكهرباء والعمل والصحة.

منع الشيعة من العمل في بعض الوزارات ومؤسسات الدولة الرسمية، مثل وزارة الدفاع، واقتصر وجودهم على المواقع المتدنية في وزارات أخرى، مثل: وزارتي الداخلية والخارجية.

حرمان أغلبية الطلبة من الشيعة الذين يحصلون على درجات أكاديمية عالية في شهادة الثانوية والبكالوريوس من الحصول على البعثات المتميزة من قبل وزارة التربية والتعليم للدراسة خارج البحرين، وكذلك الحال بالنسبة لبعثات جامعة البحرين، وذلك لمنع وصول الشيعة إلى الهيئة الأكاديمية فيها.

حرمان الشيعة من المساواة في الوظائف العامة والترقيات، فلا يتجاوز وجود الشيعة في الوظائف العليا ما نسبته 13%.[9]

أقصى ما حصل عليه الشيعة من مقاعد في مجلس النواب في انتخابات 2010م هو 18 مقعداً من أصل 40 مقعداً، وهي كل المقاعد الانتخابية في الدوائر التي شاركت فيها المعارضة،  أي بنسبة 45% رغم أن نسبة المصوتين لهم بلغت 62%، وذلك بسبب ترسيم الدوائر الانتخابية على أساس طائفي ظالم، ووضع الصناديق العامة التي تتحكم فيها السلطة، وتوزع من خلالها أصوات المجنسين غير المقيمين في البحرين والعاملين في الجيش والشرطة والحرس الوطني.

الأزمة الرابعة: الفساد الإداري والمالي

على صدارة قائمة أمثلة الفساد هي المخصصات المالية لدواوين كل من الحاكم وولي العهد ورئيس الوزراء، والمخصصات التي تعيّنها الدولة لمشاريع أبناء الحاكم[10].[11]

كما ذكرت تقارير ديوان الرقابة المالية في السنوات الأخيرة أمثلة للفساد وسوء الإدارة والهدر العام في أروقة دوائر الدولة، لكنها أغفلت المنطقة المحرمة، وهي العائلة الحاكمة ومخصصاتها ومصارفها، والأمثلة التالية هي أمثلة غير شاملة توضح حجم الفساد المالي والاقتصادي المستشري في أوصال الدولة:

إن معظم أراضي البلاد هي ملك خاص أغلبها لأفراد من العائلة الحاكمة، والأراضي العامة مساحتها قليلة وهذه حالة لا مثيل لها في العالم.

تملّك أفراد من العائلة لجزر بكاملها، منها: جزيرة أم النعسان التي تزيد في حجمها على جزيرة المحرق «المدينة الثانية في البحرين» والتي جُعِلت ملكاً خاصا للحاكم، في ظل الصعوبات الكبيرة التي تقف في وجه المواطن للحصول على أرض لسكنه مع عياله.

على الرغم من أن البحرين أرخبيل من الجزر، فإن نسبة 97% من الشواطئ جُعِلت أملاكاً خاصة لا سيما لأفراد من العائلة الحاكمة.

صعوبة تملك الشيعة في بعض المدن، مثل: الرفاع.

الأزمة الخامسة: ملف ضحايا انتفاضة التسعينات

كان ولا يزال هذا الملف متفاعلاً، ولم يتم إعمال العدالة في المجرمين الذين اقترفوا الجرائم ضد أبناء الشعب، وقد صدر مرسوم «56 للعام 2002م»[12] لحماية الجلادين والمعذبين من الملاحقة القانونية، فيما قامت السلطة بالعمل على تدوير مواقع الجلادين والمسؤولين عن التعذيب لمواقع مختلفة في داخل الأجهزة الأمنية وخارجها، تلافياً لأي محاكمات يمكن أن تطالهم.

الأزمة السادسة: القوانين المقيدة للحريات العامة والمنتهكة لحقوق الإنسان

كانت ولا تزال القوانين التي صدرت في ظل قانون أمن الدولة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تُطبّق إلى يومنا هذا، ومنها قانون العقوبات، وظهرت قوانين في العهد الجديد، ومن خلال مجلس النواب الصّوري، مقيّدة للحريات العامة، مثل: قانون الجمعيات السياسية، وقانون التجمعات، وقانون الصحافة، وقانون الإرهاب الذي يعد أسوأ من قانون أمن الدولة، وغيرها. وكانت ولا تزال انتهاكات حقوق الإنسان تُمارَس بشكل صارخ، منها: الاعتقال السياسي، والتعذيب، ومداهمات البيوت، وتقييد الحريات العامة والمدنية وحرية الرأي والتعبير، والسعي لفرض الهيمنة على مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية.

ولقد كانت العملية السياسية والممارسات التشريعية داخل قبة البرلمان الصوري بعيدة كل البعد عن معالجة هذه المشاكل والظواهر والأزمات.

لم تتمكن الأطراف السياسية المشاركة في مجلس النوّاب والعمليّة السياسية – رغم الدعم الذي حصلت عليه شعبياً وعلمائياً – من مراكمة العمل سياسياً لكي تعالج أيّ من الأزمات والمشاكل الجوهرية التي تعاني منها البلاد، وبما يقنع الناس بجدوى المشاركة، بل على العكس من ذلك: فشل الدخول في المجلس الصوري والعمل وفق قواعد وقوانين السلطة في تحصيل أيّ تنازل من النظام لحل أيّ من الملفات المعيشية والهامشية، فضلا عن الجوهرية والساخنة، مثل: المسألة الدستورية، والتجنيس، والتمييز الطائفي، والفساد الإداري والمالي، وسرقة الأراضي، وغيرها، بل وقد زادت وتيرة التجنيس والتراجعات عن الإصلاح، والانتهاكات لحقوق الإنسان، والتهديدات للحريات العامة للمواطنين وللطائفة الشيعية، ونهب الأراضي والثروات في ظل المشاركة أكثر من قبل، مما أدى إلى اتساع دائرة الغضب الشعبي.

وقد أدركت المؤسسة الدينية والسياسية المعارضة في البحرين حقيقة أن العملية السياسية القائمة لم تنجح في وقف التدهور، ومعالجة المشاكل السياسية والمعاشية القائمة، وقد عبّر آية الله قاسم حفظه الله عن ذلك في خطبة الجمعة، ودعا لتفعيل الجهد المعارض في الضغط على النظام، حيث قال: «والقانون موجع لكل المؤسسات الأهلية بمختلف اختصاصاتها وأطيافها ولكل أفراد من المواطنين والتساهل بإزائه تساهل في مصلحة النفس والوطن وأبنائه. وردود الفعل حين تأتي متأخرة وفي غير وقتها تفقد كثيراً من جدواها ورفع الشيء بعد وضعه أصعب من منعه ودفعه.

وموقف المبادرة بالاحتجاج وبيان الرأي واتخاذ جميع الخطوات السلميّة الممكنة والمشروعة وبدرجة من الجدية والإصرار الكافيين وبصورة شعبية واسعة خير ما يتّقى شر التعسف للقوانين الجائرة التي يراد إصدارها وللمشاريع المناهضة لمصلحة الشعب والمضرة بدينه أو دنياه.

وتأخر المعارضة بالدرجة الكافية والواسعة لطريقة صدور الدستور، ولقانون الجمعيّات مثلا موقف غير مبرّأ من قصور وتقصير. فمجيء المعارضة دائماً بعد تحقق المحذور يخلق صعوبة أمامها في رفعه والتخلي، والوقاية خير من العلاج»[13].


  • [1]. دستور مملكة البحرين 2002، هيئة التشريع والرأي القانوني، تم الاقتباس بتاريخ 11 مايو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • http:www.legalaffairs.gov.bh
  • [2]. لقراءة الخطبة كاملة راجع موقع: almuqawim.net
  • [3]. جستن جينجلر، قواعد الدوائر الانتخابية (Electoral Rules (and threats) Cure Bahrain’s Sectarian Parliament)، الواشنطن بوست، تم الاقتباس بتاريخ 21 مايو 2018م، من على الرابط الإلكتروني: https:www.washingtonpost.com
  • [4]. مجلس النواب: احتراف البصم والإضرار بأمن الناس واقتصادهم، مركز البحرين للدراسات، تم الاقتباس بتاريخ 21 مايو 2019م، من على الرابط الإلكتروني: http:www.bcsl.org.uk
  • [5]. حقوق المواطنة في القانون المحلي والدولي (Bahrain: Citizenship Rights Under National and International Conventions vs. State Practice)، منظمة سلام، تم الاقتباس بتاريخ 21 مايو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • https:salam-dhr.org
  • [6]. قد كُشِفَت معالم هذا المخطط الجهنمي على يد الدكتور صلاح البندر – المستشار السابق لمجلس الوزراء – وأوضح الكثير من جوانبه التنفيذية، التي ثبت بالتجربة صدقه وتحقق بنوده، ويهدف المخطط – بحسب التقرير – إلى قلب موازين التركيبة السكانية لصالح السنّة على حساب الشيعة من السكان الأصليين في البحرين قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2010م.
  • [7]. جلسة التجنيس تترنّح بين المفخرة والمهزلة، صحيفة الوسط البحرينية، تم الاقتباس بتاريخ 1 يوليو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • http:www.alwasatnews.com
  • راجع الملحق المصوّر التوثيقي، الصورة (6)
  • [8]. التمييز الطائفي والتشدد في البحرين (Sectarian Discrimination and Extremism in Bahrain)، أمريكيون للديمقراطية وحقوق الإنسان، تم الاقتباس بتاريخ 21 مايو 2019م، من على الرابط التالي: https:www.adhrb.org
  • [9]. الوظائف للأجانب 94 % ونصيب البحرينيين من الأجور العليا 2 %، هاني الفردان، هيئة تنظيم سوق العمل، تم الاقتباس بتاريخ 26 يونيو 2019م، من على الرابط الالكتروني:
  • http:blog.lmra.bh
  • [10]. مثل: مسابقة الفورملا 1 التي تعتبر مشروعاً خاصاً لسلمان بن حمد، ومسابقة الرجل الحديدي الذي يعتبر مشروع خاصاً لناصر – نجل الحاكم -، ومسابقة القتال الحر التي تعتبر مشروعاً خاصا لخالد – نجل الحاكم -، وغيرها، وهذه المشاريع لا توجد أرقام لمصارفها وإيراداتها، وهي مشاريع دعائية بالدرجة الأولى، ولا تدخل في حسابات الاقتصاد الوطني.
  • [11]. تصاعد الفساد في البحرين (The Rise of Corruption in Bahrain)، أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، تم الاقتباس بتاريخ 21 مايو 2019م، من على الرابط الإلكتروني: https:www.adhrb.org
  • [12]. مرسوم بقانون 56 لعام 2002م، هيئة التشريع والإفتاء القانوني، تم الاقتباس بتاريخ 30 يونيو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • http:www.legalaffairs.gov.bh
  • [13]. من خطبة الجمعة لآية الله عيسى قاسم، بتاريخ 14 أكتوبر 2005م. تم اقتباسه من موقع المقاوم almuqawim.net، بتاريخ 30 يونيو 2019م
المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟