مواضيع

النشأة والانطلاق

انتصرت الثورة الإسلاميّة في إيران عام 1979م، وعلى إثرها عمّت الصحوة الإسلامية المنطقة، والتي جذبت الشرائح والاتجاهات الجماهيرية والشعبية نحوها، وتزامنت مع حركة المحرومين بقيادة السيّد موسى الصّدر في لبنان بين عامي (1969-1978م)، وقيام آية الله السيد محمد باقر الصدر في العراق ضد المقبور الطاغية صدام حسين عام 1980م. وقد كانت النّخبة الشّيعيّة على الدّوام جزءاً فاعلاً في الحراك السّياسي الوطني، كما أنّ المدّ السّياسي والفكري الجديد الذي بدأ يجتاح المنطقة في إيران والعراق ولبنان والبحرين وغيرها؛ قد هيّأ الظّروف لتتصدّر التنظيمات السّياسيّة الشّيعيّة المشهد في البحرين، بل وقيادتها الحراك السّياسي في أوطانها.

وتحت ظلّ قانون أمن الدولة؛ عاش الشّعبُ مرحلة دمويّة استهدفت الشرائح الشعبية والتّنظيمات السّياسيّة الإسلامية والمنتمين لها خصوصاً، وضدّ كافة المعارضين والحركات الوطنيّة المعارضة الأخرى بشكل عام، وارتقى حينها العديدُ من الشّهداء نتيجة القمع والتّعذيب، مثل الشّهيد جميل العلي عام 1980م، والشّهيد الشّيخ جمال العصفور عام 1981م.

وكانت السّاحة السّياسية والشّعبية في البحرين حبلى بالتحوّلات والإرهاصات، منها تجربة حزب الدعوة للفترة (1979-1984م)، والتي تمّ ضربها أمنيّاً، وسجْن العديد من قادتها وأعضائها، والحركة الرساليّة، التي تمخّضت عنها تجربة الجبهة الإسلاميّة لتحرير البحرين، والتي تم ضربها واعتقال العديد من أفرادها عام 1981م، وكان للتجربتين جذورٌ فكريّة في الحاضنتين الشّيعيتين في النّجف وكربلاء، وكانتا متأثرتين بالتّجربة الرائدة والناجحة للثّورة الإسلاميّة في إيران وانتصارها بقيادة الإمام روح الله الخميني(قدس سره).

مرحلة الدعوة الدينية والسياسية

دخلَت الحركة الإسلامية  في البحرين في الفترة الممتدة من 1985م وحتى 1994م مرحلة التبليغ الدّيني والسّياسي، وكانت المنابر الدّينية لكلّ من الشّهيد سماحة السيّد أحمد الغريفي(رحمه الله)، وآية الله الشيخ عيسى قاسم حفظه الله، والشيخ عبد الأمير الجمري(رحمه الله) وفضيلة الأستاذ المجاهد عبد الوهاب حسين حفظه الله وآخرين؛ الرّافد للحراك السّياسي الديني والفكري في تلك المرحلة وما بعدها. وكانت هذه المرحلة مهمة جدا على صعيد تحوّل الإسلام السّياسي في البحرين إلى حالة شعبية عامة لها امتداد في جذور المجتمع ومؤسساته الدّينية والأهليّة.

لم تخلُ هذه المرحلة من الإرهاصات القمعية، حيث قُتِل سماحة السيد أحمد الغريفي(رحمه الله) في حادث مدبّر عام 1985م، وتم اعتقال أعداد كبيرة من الناشطين في عام 1988م، واتهم الشيخ الجمري بتنظيمهم وقيادتهم، وصدرَ في حقّ بعضهم أحكام شديدة بالسجن، كما اعتقل الشيخ الجمري نفسه ليوم واحد في نفس العام، وتم إقالته من القضاء الجعفري.

وعلى الصّعيد الخارجي؛ قامت الإدارة البريطانيّة بشهر مايو من عام 1990م باقتحام بيوتات بعض الناشطين ضمن حركة أحرار البحرين الإسلامية في لندن، واعتقال 3 منهم تحت قانون «مكافحة الإرهاب»، والذين أطلق سراحهم فيما بعد، حيث لم يثبُت بحقهم أي من التهم الموجهة ضدهم.

انتفاضة الكرامة

تعود شرارة انطلاق انتفاضة الكرامة إلى المطالبات النخبويّة والشّعبيّة التي قادها فضيلة العلامة المجاهد المرحوم الشيخ عبد الأمير الجمري ورفاقه آنذاك، وأبرزهم فضيلة الأستاذ عبد الوهاب حسين، وفضيلة الأستاذ حسن المشيمع، وفضيلة الشيخ علي سلمان مع مجموعة أخرى من المعارضين السياسيين من مختلف التوجّهات الوطنيّة، ومن كلتا الطائفتين. ففي 15 نوفمبر 1992م زارَ وفدٌ من المعارضة الإسلامية والوطنية حاكمَ البلاد، ورفعوا له عريضة نخبويّة وقّعها 365 شخصية من المعارضين ومن وجهاء المجتمع، وكان المطلبُ الرئيس فيها إعادة المجلس الوطني المنتخب الذي تمّ حله عام 1975م، فرفضَ الحكمُ الاستجابة للمطالب، وكانت السّاحة الشّعبية تتناغم مع الحراك النّخبوي المعارض في البحرين، وكانت أزمة البطالة تتفاعل في أوساط الشّباب، والذي قامَ باعتصام حاشدٍ أمام وزارة العمل في يونيو 1994م، حيث قُمِع الاعتصام واعتُقل العديدُ من الشّباب.

وفي شهر أكتوبر 1994م أعلنت لجنة العريضة الشّعبيَة، وهي نفسها منْ أشرفت على إعداد العريضة النخبويّة، عن اكتمال التّوقيع على العريضة الشّعبيّة المطالبة بعودة العمل بدستور 1973، وعودة المجلس النّيابي المنتخب، وإنهاء حقبة قانون أمن الدّولة، وما تمخّض عنه من قمْع وتهجير وسجْن للمعارضين وأبناء الشّعب، وقد حملت العريضة الشّعبيَة إمضاء أكثر من 25 ألف من المواطنين.

إلا أنّ النّظام الخليفي ومسؤول أمن الدّولة في البحرين، الضّابط البريطاني أيان هندرسنون، كان لهما رأي آخر، فرفضَ النّظام استلامَ العريضة الشّعبيّة ولقاء ممثّلي المعارضة، والاستجابة لدعوات الإصلاح السّياسي السّلمي. وفي ديسمبر من عام 1994م؛ داهمت قوّاتُ الأمن منازلَ مجموعة من قادة الحراك، منهم سماحة الشيخ علي سلمان حفظه الله، ونفتهم إلى الخارج بتهمة التحريض، وبعد ذلك بدأت تتفاعل السّاحة الشّعبية حتى انفجرت انتفاضة كبرى بين عامي 1994 و 2000م، لم تشهد البحرين مثلها منذ الخمسينات من القرن الماضي، وتصاعدت سلسلة الشّهداء بدءاً من الدم الطاهر للشهيدين هاني خميس وهاني الوسطي.

أصحاب المبادرة

مباشرة وبعد انفجار الانتفاضة في ديسمبر 1994 ظهرت شخصية الشيح عبد الأمير الجمري بصورة محورية، لأنه كان أكبر رمز ديني وطني يتبنى «العريضة النخبوية» في العام 1992، ومن ثم «العريضة الشعبية» في العام 1994. وبعد ذلك تقدم للصلاة على الشهداء الذين سقطوا أثناء المسيرات التي عمت مناطق عدة في البحرين. وفي 1 أبريل/ نيسان 1995 تمت محاصرة منزل الشيخ الجمري لمدة أسبوعين، ومن ثم نقل إلى سجن القلعة، وبعدها نقل إلى سجن سافرة. بعد إدخال الجمري السجن ازدادت الأوضاع سوءاً، مما أدى بالقيادة الأمنية ممثلة حينها بالمدير العام للأمن العام (إيان هندرسون) إلى فتح حوار معه داخل السجن. ولكن الجمري طلب أن يكون معه أيضاً اثنان من رموز المعارضة الذين تم اعتقالهم أيضاً، هما: الأستاذ عبدالوهاب حسين، والأستاذ حسن مشيمع. وبعد أن اكتملت الحوارات الأولية تم إشراك عدد من الشخصيات التي كانت داخل المعتقل للمساندة في تنفيذ بنود الاتفاق، وهؤلاء أطلق عليهم لاحقاً اسم «أصحاب المبادرة».

في منتصف أغسطس 1995 م انهالت التقارير من داخل البحرين تتحدث عن إطلاق عدد من الرموز القيادية في التحرك الشعبي المطالب بعودة الحياة الدستورية للبلاد. وما هي إلا فترة وجيزة حتى زار الأستاذ المجاهد حسن مشيمع – أحد القياديين الذين أفرج عنهم – حركة أحرار البحرين في لندن لتبادل وجهات النظر حول المحادثات التي بدأت في السجن بين القيادة الأمنية (ممثلة في المدير العام، إيان هندرسون، ووزير الداخلية) وبين قياديي التحرك الشعبي وأبرزهم (الشيخ عبد الأمير الجمري، والأستاذ حسن مشيمع، والأستاذ عبدالوهاب حسين)

رجع الأستاذ حسن إلى البحرين والتقى مع الشيخ عبد الأمير الجمري والأستاذ عبد الوهاب حسين داخل السجن ليخبرهم بنتيجة الحوار مع المعارضة في الخارج. ولكن سرعان ما بدأت الأحداث تأخذ منحى آخر عندما جاء موعد الإفراج عن الأستاذ عبد الوهاب حسين في 7 سبتمبر. فالسلطة لم تفرج عن الأستاذ عبد الوهاب حسين في اليوم المحدد وأفرجت عنه لاحقاً، لرفضه التعهّد بتهدئة الشارع والجماهير والسكوت عن المطالب السياسية، كما لم تفرج عن العدد الكامل المتفق عليه. وعندما أفرج عن الشيخ الجمري في أواخر سبتمبر، وخرجت الجماهير من كل مكان لاستقباله، انزعجت الحكومة دون سبب معقول وامتنعت عن الإفراج عن باقي الموقوفين المتفق عليهم ويقدر عددهم بـ 500 شخص. وكان شهر أكتوبر حافلا بالمساجلات والاتهامات بين القيادة الأمنية والمعارضة في الوقت الذي بدا واضحا أن الحكومة لم تكن جادة في فتح باب الحوار وأن ما كانت تريده هو الالتفاف على المطالب الجوهرية للتحرك الشعبي، وهو إعادة الحياة الدستورية واحترام حقوق المواطن. وهكذا بدأت الأحداث في التصاعد وبدأت تختفي مظاهر الفرح وتعود حالة اللاأمن واللااستقرار والاعتقالات العشوائية والمحاكمات الجائرة والتصريحات غير المسؤولة، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير خطبة الحاكم يوم ما يسمّى بالعيد الوطني بتاريخ 16 ديسمبر 1995م حيث تجاهل المطالب السياسية واتهم المعارضة والحراك بالعنف وعندها بدا واضحاً للجميع أن البحرين مقبلة على مرحلة جديدة من المواجهة بين الحركة الشعبية المتنامية والنظام الحاكم، وفي 23 أكتوبر 1995م اعتصم سبعة من القياديين وأضربوا عن الطعام في منزل سماحة الشيخ الجمري رحمه الله، احتجاجا على عدم وفاء الحكومة بالاتفاق المبرم معها، وفي 1 نوفمبر 1995م انتهى الاعتصام باحتشاد أكبر تجمع في تاريخ البحرين آنذاك، والذي قدر عدده بمائة ألف من الجماهير، الذين احتشدوا أمام منزل الشيخ الجمري للاستماع للبيان الختامي للمعتصمين، ولقد تسارعت الأحداث في يناير 1996 بصورة خاطفة، وبدا الارتباك واضحا في ردود أفعال الحكومة.

توالت الأحداث بعدها، وفي 13 يناير 1996م استدعت وزارة الداخلية الشيخ الجمري وسبعة من رفاقه، وفي 14 ينايراعتقلت السلطة الأستاذ عبد الوهاب حسين من منزله في الساعة الثالثة بعد الظهر. وكان الأستاذ قد ألقى كلمة أمام حفل جماهيري في عراد مساء 13 يناير شرح فيه ما جرى مع ضباط وزارة الداخلية وموقف قادة المعارضة الرافض للتهديدات.

وبدأت حملة اعتقالات واسعة شملت جميع الذين ظهرت أسماؤهم للعلن خلال الأشهر المنصرمة من علماء دين وأساتذة وخطباء ووجهاء ومسؤولي مساجد، من مختلف مناطق البلاد. وفي 17 يناير استدعت السلطة الشيخ الجمري لمقابلة رئيس اللجنة الأمنية التي أنشأت لقمع الانتفاضة، عبد العزيز عطية الله آل خليفة، وقد طالبه الشيخ الجمري بالإفراج عن الأستاذ عبد الوهاب حسين وإيقاف الهجوم على المساجد والتجمعات العامة.

تمادت السلطة في غيها ورفضها مطالب الناس وقيادتها الدينية والسياسية، وفي 20 يناير 1996م، فرضت السلطة الحصار المنزلي على الشيخ الجمري، وعمّت المظاهرات والاشتباكات والاعتقالات والقمع مناطق البحرين وفي 21 يناير 1996م تم اعتقال سماحة الشيخ الجمري(رحمه الله) من منزله، واستمرت الانتفاضة في أوجّها من جديد حتى بداية ماعرف زورا بالعهد الإصلاحي في العام 2000م[1].

صناعة الصف القيادي الأول وانصهاره في الناس

فمنذ ثورة الكرامة في تسعينيات القرن المنصرم، برز على الساحة تيار إسلامي تأصّل أسلوب عمله يوماً بعد يوم على البعد الجماهيري، وانبرى لقيادته مجموعة من العلماء والسياسيين والمهنيين، لديها رؤية معينة لإدارة العمل السياسي الذي يُراد له تحقيق أهداف الشعب في الحرية والعدالة، وتميّز هذا الفريق القيادي آنذاك بالشفافية وإدارة جماعية مبنية على التشاور وروح الفريق الواحد، وقد بلغت هذه القيادة قمة المصداقية جراء انصهارها في آلام الشعب وآماله، بل كانت وقتذاك في مقدمة المشاركين في الحركات الميدانية، فيقع عليها الظلم والسجن والقتل، ولم يكن أيّ من أعضائها ممن يطلب مركزاً أو منصباً أو وجاهةً، وأصبح لهذه القيادة موقع مؤثر في الساحة[2].

كما وجد دور مهم لكوادر ونخب من خطوط قومية أو يسارية لم تتقاطع مع عمل هذه القيادة فقط، بل أيّدتها في أغلب المواقف، كما دعمت المعارضة في خارج البحرين أيضاً بشكل كبير كل الخطوات والمواقف السياسية لهذه المجموعة القيادية الموجودة في الداخل، كما حازت على تزكية ودعم علماء الدين، فتضحيات المجموعة القيادية آنذاك وقربها من الشعب جعلت منها قيادة مؤيدة من أكثر قطاعات الشعب.

جمار انتفاضة الكرامة لم تخبُ

هدأت جمراتُ انتفاضة الكرامة إثر توافقات سياسيّة بين المعارضة والنظام الحاكم لكنها لم تخبُ، وقد طرحت المبادرة السياسيّة لعام 1996م من قبل أصحاب المبادرة، والتي وافق النظام عليها ومن ثم انقلب  على تفاهماتها، وتمَ في مرحلةٍ أخرى التوافق مع المعارضة على تهدئة الشّارع وإطلاق ميثاق العمل الوطني لعام 2001م، ودعوة الشّعب للتصويت لصالحه، مما عدّ آنذاك حلّاً سياسياً متوافقاً عليه لوضع نهايةٍ لانتفاضة الكرامة، إلا أن المستعمر الأجنبي والعائلة الحاكمة تعاملوا مع هذه التوافقات السياسيّة كما تعاملوا سابقاً مع مجمل التحركات الشّعبية السياسيَة التاريخية والتوافقات التي تنتج عنها، وهو تعاملٌ من منطلق الغدر والنكث بالعهود، وبأسلوب الحلول الترقيعية وقصيرة الأمد، والتي جعلت جذور الأزمات والمشاكل قائمة، فبعد إطلاق النظام الحاكم ميثاق العمل الوطني عام 2001 م، وتصويت الأغلبية الشّعبية عليه ضمن توافقات وتفاهمات سياسية مع المعارضة؛ انقلب الحكم الخليفي على مضمون الميثاق وروحه، والتعهّدات المكتوبة والشفهية الرسمية التي قدّمها للمعارضة، فتم فرْض دستور 2002 بإرادةٍ منفردة، وتمّ تعيين مجلس الشوري من قبل رأس النظام كمجلس تشريعي بشكل موازٍ ومعطِّل لدور المجلس النيابي، وأصدرَ نظامُ الحكم جملة من القوانين المقيّدة للعمل السياسي، وبهذا تمّ نقض جميع التعهّدات المكتوبة والشفهية مع المعارضة السياسية.

تنظيم صفوف المعارضة لمرحلة الاستحقاق السياسي

حاول القادة المجاهدون من الصف الأول والنشطاء في التيار السياسي الإسلامي الحركي بُعَيْد الإفراج عن الرموز «أصحاب المبادرة» في عام 2001م – وبدعم من العلماء – العمل على جمع الأطياف السياسية من هذا التيار الشعبي الواسع في تنظيم مشترك، وهكذا برزت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية للوجود كأول تنظيم سياسي أُرِيد له بالأصل أن يتصدى لقيادة التيار الشعبي الإسلامي العريض، وكان هناك قسم من التيار الإسلامي متأطّر في جمعية سياسية أخرى «جمعية العمل الإسلامي – أمل»، وهي امتداد لتجربة الجبهة الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي، والتي تميّزت في المراحل السابقة بفكر سياسي ومرجعية علمية وعملية محددة.

لقد انخرطت المعارضة البحرانية في سنة 2001م بأطيافها المتعددة، فيما سُمّيَ حينها بـ«المشروع الإصلاحي» الذي أطلقه النّظام في نفس العام، بعد أن أدرك عجزه عن الاستمرار في الوقوف المباشر والصريح ضد مطالب وتطلعات شعب البحرين باستخدام لغة القوة والبطش، لذلك عمل النّظام على إطلاق مشروع سوّقه على أنه صفحة جديدة من العلاقة بينه وبين الشعب، وبدأ هذا المشروع فعلياً بإصدار ما عُرِفَ بـ«ميثاق العمل الوطني» للتصويت العام، وبرغم كل التحفظات السياسية والقانونية على هذا الميثاق كوثيقة سياسية، فقد صوتت المعارضة مع جماهيرها على الميثاق الذي نصّ على تحويل نظام الحكم إلى نظام دستوري ملكي، كما نصّ على تفعيل الحياة الدستورية بآلياتها الصحيحة.

وخلافاً لما نصّ عليه الميثاق وأكدته التعهّدات المكتوبة والشفهية من قبل النظام، أصدر النظام دستوراً في سنة 2002م، وفرضه بشكل منفرد كأمر واقع، وانتقص هذا الدستور بعض الحقوق وسقف وآليات العمل البرلماني المتوفرة في الدستور العقدي لسنة 1973م[3].

في بداية ما سُمّيَ زوراً بـ«العهد الإصلاحي» كانت معظم القوى الإسلامية السياسية منصهرة في مشروع واحد متمثل في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، والتي كان الأستاذ عبدالوهاب حسين رئيس لجنتها التأسيسية، ومن أبرز مؤسسيها، جنباً إلى جنب مع فضيلة الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق حالياً، وفضيلة الأستاذ حسن مشيمع الذي أسّس حركة حق لاحقاً، والدكتور سعيد الشهابي رئيس حركة أحرار البحرين الإسلامية، كما ضمّت الجمعية كوادر قيادية من الطراز الأول مثل الدكتورعبدالجليل السنكيس والأستاذ عبدالهادي الخواجة.

مخطط لاغتيال الأستاذ عام 2003م

استشعر النظام الخليفي أن الساحة تعدّ نفسها لمشروع يتحدّى مخططاته التدميرية، وأن من يدير هذا المشروع هو فضيلة الأستاذ عبد الوهاب حسين، ولهذا اتخذ قراراً بتصفيته، بالتعاون مع مجموعات تنظيم القاعدة في البحرين والسعودية.

في 14 يوليو 2019م نشرت قناة الجزيرة الفضائية تقريراً موثقاً بالشهود والمنفّذين المفترضين عن مخطط اغتيال لقادة في المعارضة، كان ينوي النظام الخليفي تنفيذه عام 2003م، وكان على رأس قائمة الاغتيالات الأستاذ عبد الوهاب حسين.

كان الحاكم حمد آل خليفة نفسه يشرف على المخطط المزبور، ويديره ضابطان من الاستخبارات البحرينية، هما عادل فليفل وعدنان الضاعن، وهما متورطان بتعذيب العديد من الرموز القادة إبان انتفاضة الكرامة في تسعينات القرن الماضي، أما المنفّذون فهم مجموعات تكفيرية تنتمي لتنظيم القاعدة.

وبحسب ما أعلنه قائد خلية الاغتيالات «محمد صالح»، فإن جهاز الأمن الوطني، وبتنسيق مع الملك، طلب منه قيادة خليةٍ من أعضاء بحرينيين في القاعدة لتنفيذ عملية اغتيالات ضد قيادات معارضة على رأسهم الأستاذ عبدالوهاب حسين.

لقد كشفت شهادة محمد صالح أن النظام الحاكم كان يراقب جيداً التطورات في العراق وصعود تنظيم القاعدة في المنطقة، بعد سقوط نظام صدام حسين، وكان يريد أن يستفيد من ذلك الصعود لتنفيذ مخططه الإجرامي، باغتيال معارضين بسبب إعلانهم عن رفضهم للانقلاب على التفاهمات التي تم التوصل لها قبل التصويت على ميثاق العمل الوطني، كما كان للنظام خشيته من صعود الشيعة للسلطة في العراق، وكان يتوجس من سيناريو مشابه في البحرين، وهذا سبب قول ضابط الاستخبارات عدنان الظاعن لمحمد صالح أن «البحرين في وضع خطير وأمورنا متأزمة ويمكن لكم كأفراد في القاعدة أن توقفون تقدم الشيعة»، فكان النظام الخليفي يريد أن ينهي الحركة السياسية الثورية المعارضة، من خلال ضرب الرمز الأبرز فيها «الأستاذ عبد الوهاب حسين»[4].

الإسلام الحركي في البحرين أمام مفترق طرق

هذا التنظيم الوليد لم يستطع أن يحافظ على انسجامه لفترة طويلة، ففي تلك الظروف تبلور التباين السياسي داخل أطراف المعارضة في آلية اتخاذ القرار السياسي، وكيفية مزاولة العمل السياسي وأساليبه، والقرارات اللازم اتخاذها في ضوء انقلاب الحكومة على المشروع الذي وعدت به الناس، وسن الحكومة للعديد من القوانين التي حمت المعذّبين، وضيّقت الحريات الإعلامية والحزبية، فحدث الانقسام الحركي والتنظيمي بين صفوف هذا التنظيم بسبب:

انحسار وضعف الخط الثوري والتضحوي الذي نشأ إبان ثورة الكرامة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، و إخفاق المؤسسات الدينية والسياسية في تنميته واستثماره في مواصلة العمل السياسي والديني نحو الأهداف الكبرى.

الخلاف حول الأولويات السياسية، وأساليب العمل السياسي والاحتجاجي.

خلاف حول طبيعة الخطاب للجماهير والعالم، بين من يؤمن في المعارضة بضرورة الخطاب العقائدي والديني، إلى جنب الخطاب الوطني، وبين من يؤمن بالخطاب السياسي والوطني المجرد.

اختلاف الطيف السياسي المعارض حول نظرته للأساليب الاحتجاجية ودور الشارع والتعاطي السياسي مع مفهوم المقاومة والسلمية.

اختلاف المعارضة آنذاك حول طبيعة وأولويات العلاقة السياسية الخارجية مع الأقطاب الدولية المتنافسة على النفوذ في المنطقة.

استمرار النظام في تطبيق مشاريع خطيرة على الأرض، مثل المخطط الذي ورد في تقرير البندر، والتجنيس والتوطين السياسي، وتزييف تاريخ البحرين في المؤلفات مدفوعة الأجر من قبل النظام وفي المناهج الدراسية خلافاً لما تنص عليه المصادر والوثائق التاريخية العلمية، دون وجود آليات من داخل العملية السياسية لمواجهة هذه المؤامرات والمشاريع الخطيرة.

وجود قانون جمعيات سياسية مجحف حيث يؤطر العمل السياسي المعارض في مساحة محدودة جداً ولا ترقى لطموحات الشعب.

استمرار النظام في القمع الأمني والوحشي لشعب البحرين الأعزل، وفشل العملية السياسية في إيقاف هذه الانتهاكات.

وقد بدأت الساحة تعيش مخاض ولادة تيار جديد في ظل تراجعات السلطة، وظهور أزمات على الساحة الوطنية، مثل: المسألة الدستورية، والتجنيس السياسي الاستثنائي الممنهج الذي هو في حقيقته عملية توطين يستهدف تغيير التركيبة السكانية والتمييز ضد السكان الأصليين، التمييز الطائفي، الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، سرقة الثروة الوطنية والأراضي العامة ونحوها، مع العجز الكامل للمؤسسة البرلمانية عن حل أيّ منها، وعدم نجاح القوى السياسية المعارضة الرسمية في تقديم نفسها كأدوات حصرية لتحقيق المطالب الوطنية المشروعة؛ لأن دستور المنحة الذي فرض على شعب البحرين في سنة 2002م، وقانون الجمعيات السياسية الصادر عام 2005م، لا يمنحان الفرصة للجمعيات السياسية التي تعمل ضمن الأطر الرسمية للعمل المعارض الحقيقي القادر على التغيير الجوهري، مما أدى إلى تزايد الغضب الشعبي وظهور الحركات الشعبية الاحتجاجية في مختلف مناطق وقرى البحرين، وهذا يعني أن نشوء «حركة حق» في عام 2005م ومن بعدها «تيار الوفاء الإسلامي» في عام 2009م قد التقى مع الجماهير في حاجتها الوطنية لتنويع أدوات الضغط، وسار معها في طريق واحد، بهدف تحقيق المطالب الشعبية العادلة، مما أعطى تيار الممانعة دعماً جماهيرياً، ومنحه وزناً كبيراً على الساحة الوطنية.

نشوء حركة الحريات والديمقراطية «حق»

في العام 2005م تصاعدت حدة القمع الأمني، بالتزامن مع إخفاق التجربة السياسية الرسمية، وانسداد الأفق لتحصيل أي من المكاسب أو المطالب والأهداف الجوهرية للشعب والمعارضة، وانخراط النظام الخليفي الحاكم في تطبيق سياسات ومخططات تدميرية، مثل: التوطين والتجنيس السياسي، وسنّ قوانين تشرعن القمع الرسمي، وتفاقم الفساد والسرقة في جميع مناحي الدولة، وأدى ذلك لتفاعل نقاش داخلي بين رموز وقادة التيار الممانع والثوري في صلاح الظروف القائمة لتنظيم العمل الممانع والثوري ضمن أطر حزبية وشعبية منظمة، وخاصة أن هناك جزءاً مهماً من المعارضة ما زال يعوّل على المجلس النيابي الصوري والعمل ضمن الأطر التي رسمها النظام – كأداة وحيدة – من أجل التأثير وتحقيق شيء معتبر من المكاسب، أو من أجل دفع الأضرار المحتملة.

نشأت حركة حق في نهاية 2005م كأولى الحركات الممانعة لمشروع انقلاب السلطة، وتصدر قيادة الحركة شخصيات معروفة وذات ثقل نخبوي وجماهيري، كالأستاذ المجاهد حسن المشيمع والدكتور عبدالجليل السنكيس وشخصيات وطنية من الطائفة السنية الكريمة كالشيخ عيسى الجودر رحمه الله وآخرين، كما احتوى خط الممانعة على تشكيلات سياسية أخرى غير منضوية تحت قانون الجمعيات السياسية في البحرين، والتي شكلت رافداً لعمل الحركة، وحليفاً طبيعياً لها، وارتبطت معها ارتباطاً عضوياً، مثل «حركة أحرار البحرين الإسلامية» بقيادة الدكتور سعيد الشهابي، وبعض الرموز والقيادات السياسية، والذين عملوا بشكل مستقل «غير مؤسسي» في البداية كالأستاذ عبدالوهاب حسين والشيخ عبدالجليل المقداد، وثلة أخرى من العلماء، والبعض من الناشطين ممن عمل في المجال الحقوقي كالأستاذ عبدالهادي الخواجة، والذي قاد حراكاً حقوقياً فاعلاً بنَفَسٍ سياسي ثوري، عبر تشكيل لجان متعددة الأهداف والوظائف، مثل لجنة أهالي المعتقلين، ولجنة العاطلين عن العمل، وغيرهما.

واختارت «حركة حق» مع فريق الممانعة، من رموز ولجان شعبية وحقوقية، أسلوب العمل الجماهيري الميداني الذي كان يقيم فعالياته من دون طلب ترخيص من قِبَل السلطة، كالمسيرات والاعتصامات ورفع العرائض والشكاوى إلى المنظمات الحقوقية الدولية، وكشف زيف الحريات والديمقراطية لدى الشعب ولدى المحافل الدولية عبر الأنشطة السياسية والإعلامية والميدانية المتنوعة، وكان للتيار الممانع حضور قوي وسط الشريحة الشبابية من الجماهير، وانبثقت من التيار الممانع لجان عمل كثيرة تلبية لحاجات العمل الميداني أو التخصصي.

نشوء تيار الوفاء الإسلامي

في 17 ديسمبر 2008م أعلنت وزارة الداخلية الخليفية عن اكتشاف خلية كانت – حسب البيانات الرسمية – تعدّ لمؤامرة تستهدف القيام بتفجيرات، والعمل على الإخلال بالأمن وقتل الأبرياء، وقد اعتقلت السلطات الأمنية – في البداية – شخصين، ثم تصاعد الرقم إلى 14 شخصاً ليتجاوز عدد المعتقلين العشرين.

وأشارت البيانات الرسمية، وتصريحات وزير الداخلية الخليفي راشد بن عبدالله آل خليفة، إلى أن المتهمين «سافروا إلى سوريا في شهري يوليو وأغسطس من العام 2008م وأنهم التقوا هناك بأحد المدربين، كما أنهم تلقوا تدريبات مكثفة في بلدة الحجيرة القريبة من دمشق، حول صنع المتفجرات والقنابل وكيفية استخدامها».

وأضاف وزير الداخلية في تصريح له إلى: «أن المدبرين للمؤامرة كانوا يخططون لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة لداخل البحرين لاستخدامها في التخريب، وأن جميع المعتقلين اعترفوا بالاشتراك في المخطط التخريبي».

على رأس من تم اعتقالهم في قضية الحجيرة هم: أمين عام حركة الحريات والديمقراطية «حق» الأستاذ حسن مشيمع، والشيخ محمد حبيب المقداد، بالإضافة إلى متهمين،  منهم المعارض السياسي «علي» نجل الأستاذ حسن مشيمع، وأمين عام حركة خلاص الأستاذ عبدالرؤوف الشايب الموجودان في لندن، وقد وجّهت للمعتقلين تهم منها: تأسيس وتنظيم وإدارة جماعة على خلاف القانون الغرض منها تعطيل الدستور، والترويج لقلب وتغيير النظام السياسي للدولة بالقوة والعنف، وجريمة الاشتراك في التجمهر غير المرخص.[5]

كانت الساحة السياسية في البحرين آنذاك تعيش فرزاً واضحاً، لا مجال فيه للتضامن السياسي مع معتقلي قضية الحجيرة، باستثناء التحركات الشعبية المحدودة في مناطق متفرقة من البحرين، وقد أظهرت السلطة رغبة جامحة في تصفية أي نوع من المعارضة من خارج العملية السياسية الرسمية التي هندستها هي عبر المشاركة في البرلمان المنقوص الصلاحيات، وعبر جملة القوانين التي أحكمت الخناق على الجمعيات الرسمية في ممارساتها وأنشطتها السياسية الشعبية والحزبية، وقد بدأت قناعة مهمة تتبلور في الوعي الشعبي والنخبوي: بأن الاتكال على العملية السياسية التي يمسك النظام بكل خيوطها ليس قراراً حكيماً، وبأن وضع جميع البيض في سلّة العملية السياسية هذه يضع الحراك المعارض وأهداف الشعب وتطلعاته في معرض الاستهداف والإقصاء والتدمير الممنهج.

على مشارف عام 2009م، ثبت بالتجربة والممارسة العملية الحاجة لتنظيم التيار الممانع بصورة تنسجم مع طبيعته الشعبية وضرورة تنظيم التشكيلات العاملة وإطلاق الخطاب العام وفق ما تؤمن به أغلبية القاعدة الشعبية للتيار الممانع والثوري، ووفق ثقافتها ومنطلقاتها السياسية والدينية، فلقد كانت حركة «حق» وطنية التشكيل والخطاب والإيديولوجيا، بينما كان هناك العديد من قادة الخط الممانع، والجزء الأكبر من قاعدته الشعبية ممن يرى الحاجة لتيار سياسي وشعبي ذي إيديولوجية دينية وعقائدية، ويمتلك الوسائل الدينية والاجتماعية في التأثير والاستقطاب، ويلعب من خارج العملية السياسية المزورة، وفي ظل الأجواء السياسية والأمنية والظروف الاجتماعية البالغة التعقيد، كانت تدور نقاشات داخلية حول أهمية التوقيت في إطلاق هذا التيار الجديد، فتم التخطيط لعقد اعتصام جماهيري احتجاجاً على اعتقال قادة حركة «حق» وآخرين، وأن يتم إطلاق التيار السياسي الديني الجديد في ختام الاعتصام المذكور.

واجهت مؤسسي تيار الوفاء الإسلامي إشكالات عدة، في مرحلة النشأة، على المستوى الفكري والتنظيمي الداخلي، من قبيل:

المبتنيات الفكرية والإيديولوجية للحركة الجديدة.

علاقتها مع القوى السياسية الأخرى.

علاقتها مع المرجعية الدينية.

التشكيل الطيفي والتنظيمي للحركة.

الشبكة الاجتماعية لهذه الحركة.

العمق الاستراتيجي الداخلي والخارجي.

الرؤية فيما يتعلق بملفات الداخل في البحرين والقضايا الإقليمية والدولية.

العلاقة مع حركة الحريات والديمقراطية «حق» وحركة أحرار البحرين الإسلامية بشكلٍ خاص وقوى المعارضة الأخرى بشكلٍ عام.

فبعد تحصيل الإذن الشرعي ومعالجة الإشكالات الفكرية المتعلقة بإطلاق الحركة الجديدة، وبفعل الظروف المستجدة، أصبحت هناك قناعة تامة بأن الساحة أصبحت مهيّأة لإطلاق تيار سياسي إسلامي يعمل من خارج العملية السياسية المفروضة من قبل النظام، وكانت ولادته استجابة واعية للتكليف الشرعي والمسؤولية الوطنية، في ظلّ مجموعة أحداث وتفاعلات وتراكمات اختمرت في أحشاء الوطن لتُخرِج التيار إلى الوجود تكويناً طبيعياً ومظهراً للإرادة الإسلامية والوطنية، وليس صيغة فوقية مفروضة على البلاد والعباد، حينها تم الإعلان عن تأسيس «تيار الوفاء الإسلامي» في مساء يوم الثلاثاء – ليلة الأربعاء، بتاريخ: 28 صفر 1430هـ – الموافق: 24  فبراير 2009م، في بيان الانطلاق الذي تمت تلاوته في الحفل الختامي للاعتصام الاحتجاجي في قرية النويدرات على الاعتقال التعسفي لفضيلة الأستاذ حسن مشيمع، وفضيلة الشيخ محمد حبيب المقداد، وسائر شباب المسرحية الأمنية لما عرف بقضية الحجيرة، وقد أطلق إعلامياً على التحرك في ذلك الوقت، عنوان: «التحرك الجديد» قبل أن يُعلن عن الاسم الرسمي في بيان صادر، بتاريخ: 8  شعبان  1430هج ـ الموافق: 30  يوليو 2009م، فكان الإسم هو: «تيار الوفاء الإسلامي».[6]

مراحل تأسيس تيار الوفاء الإسلامي

مؤسسو تيار الوفاء الإسلامي من أبرز الوجوه الدينية والسياسية البحرانية الذين أتوا من الحوزة العلمية البحرانية في مدينة قم المقدسة والمجلس الإسلامي العلمائي وجمعية التوعية الإسلامية وحوزة الإمام زين العابدين «عليه السلام» في البحرين، وقد ترأس الأستاذ عبد الوهاب حسين اللجنة التأسيسية لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي، كما أسس الأستاذ عبد الهادي الخواجة مركز البحرين لحقوق الإنسان، وكانت كل تلك الشخصيات نماذج أصيلة من النضالات الفكرية والجهادية والحقوقية ، وقد تلاقت كلها لتشكيل فكرة ومشروع سمّي بتيار الوفاء الإسلامي.

وقد مرّت مرحلة التأسيس لتيار الوفاء الإسلامي بعدة مراحل كالتالي:

 المرحلة الأولى: أنبرت مجموعة من الشخصيات السياسية المجاهدة والعاملة في الشأن السياسي العام في العمل على توحيد مواقف الجهات الفاعلة في الساحة حول بعض الملفات والأحداث الطارئة، كاعتقال العلماء والرموز السياسية ومجموعة من الناشطين، واتخاذ خطوات عملية بشأنها، فالتقت المجموعة بالمجلس العلمائي وبعض الشخصيات من الجمعيات السياسية الرسميّة. 

إلا أن الجهود في هذه المرحلة لم تتكلل بنتائج مرضية بسبب الأولويات التي كانت لدى الجهات المتعددة، والتي منها الحرص على إنجاح تجربة العمل وفق الأطر الرسمية للوصول للنتائج المرجوة، وتجنب استفزاز السلطة.

المرحلة الثانية: في ظل الأوضاع المتأزمة في العام 2008م وعندما شعرت مجموعة النشطاء بأن نتائج توحيد الجهود والآراء والمواقف أو التنسيق والتكامل فيما بينها لم تؤتِ ثمارها المطلوبة أصبح الأمل لديهم معقودا على تأسيس تجمع سياسي جديد يرتكزعلى الشرعية الدينية والوطنية، و يجمع رموز المعارضة الممانعين ضد مشروع السلطة التخريبي والقمعي والانقلابي على الدستور، واستفادت المجموعة من الإحباط الشعبي من نتائج تجربة العمل السياسي ضمن الأطر الرسمية حصراً.

المرحلة الثالثة: في المرحلة الثالثة ذهبت المجموعة المؤسسة لفكرة إطلاق كيان سياسي جديد إلى آية الله الشيخ عبد الجليل المقداد وآية الله الشيخ حسين النجاتي[7]، وتداولت معهما الفكرة، وقد أبدى كل من آية الله الشيخ النجاتي والشيخ المقداد مباركتهما للفكرة، وأكدا على لزوم حيازتها المقدمات الشرعية والسياسية اللازمة.

المرحلة الرابعة: توجهت مجموعة الناشطين للأستاذ عبد الوهاب حسين في عام 2008م، في مجلسه العامر، عارضين عليه نتائج اللقاءات المكوكية، وقد أفصح مرحبا بتلك الجهود التي بذلتها المجموعة، وقال أنه ينتظر نتائج تلك الجهود بفارغ الصبر، وقد قام الأستاذ بالدعاء لله للتحرك السياسي الجديد  بأن يكون راية من رايات الإمام المهدي وتسلم ليده، كما تم في هذه المرحلة عقد اللقاءات بشخوص منها سماحة الشيخ سعيد النّوري وآخرين.

قادة الانطلاق

أطلقَ وقادَ تيار الوفاء الإسلامي علماء وقادة دينيون وسياسيون أفاضل، من أبرزهم أستاذ الحوزة العلمية سماحة آية الله الشيخ عبدالجليل المقداد[8]، وفضيلة الأستاذ عبدالوهاب حسين[9]، وعبدالهادي الخواجة[10]، وسماحة الشيخ سعيد النوري[11]، وسماحة الشيخ عبدالهادي المخوضر[12]، مع آخرين، إلا أن هذا التيار قد أخذ شكله التنظيمي المؤسسي التام في أجواء سياسية وأمنية مشحونة، وتعرّض لضربات قمعية عدة في أوقات متفرقة زجّت بمجموعة مهمة من قياداته وكوادره في السجون.

نتيجة لتصاعد الحالة الشعبية الثورية في البحرين، والتي كانت تربك مخطط النظام الخليفي، أصدر الحاكم الخليفي حمد آل خليفة في 12 أبريل 2009م عفواً عاماً عن 178 من المحكومين والمتهمين في قضايا أمنية، وشمل العفو الأمين العام لحركة الحريات والديمقراطية «حق» حسن مشيمع والقيادي في الحركة عبدالجليل السنكيس والشيخ محمد المقداد و32 متهماً آخراً.

ومن بين الذين شملهم قرار العفو القيادي في تيار الوفاء الإسلامي الأستاذ عبدالهادي الخواجة الذي وجهت له محكمة بحرينية في الثامن من فبراير 2009م تهمة «الترويج لقلب وتغيير النظام السياسي، والتحريض على كراهية نظام الحكم، وبث شائعات ودعايات مثيرة من شأنها التسبب باضطراب الأمن العام والإضرار بالمصلحة العامة».

نشأ تحالف استراتيجي بين تيار الوفاء الإسلامي وحركة الحريات والديمقراطية «حق» وحركة أحرار البحرين الإسلامية، والذين عملوا بمعية التشكيلات واللجان المناطقية والتخصصية وبعض الحقوقيين البارزين على إسقاط المشروع التدميري والانقلابي للطاغية حمد، والذي سُمّيَ من قبل إعلام السلطة بالمشروع الإصلاحي، ودعا التحالف الجديد إلى ضرورة التوقف عن التعاطي معه على أنه مشروع إصلاحي، وقدم التحالف الممانع الجديد من أجل ذلك تضحيات جسام، منها الملاحقة والاستهداف والاعتقال والتعذيب، وقد نال هذا التحالف أيضاً نصيباً واسعاً من محاولات الإقصاء بسبب تفاقم النفس الحزبي التصادمي، مما شكّل حرجاً كبيراً وعقبة مرحلية في عمل التيار الثوري الممانع.

وقد جرى ذلك بالتوازي مع ملاحقة النظام لكوادر تيار الوفاء الإسلامي، وقمع فعالياته الشعبية، كاللقاء الجماهيري الذي كان مزمعاً إقامته في حسينية المرزوق في جزيرة سترة، بتاريخ 27 مارس 2009م.[13]

جمر تحت الرّماد يهيء البحرين لثورة 14 فبراير

في عام 2010م كانت البحرين على مفترق طرق، وهذه المرة يجد تيار الوفاء الإسلامي وحلفاؤه من حركات سياسية ولجان عمل شعبية وحقوقية نفسهم في جولة جديدة من المواجهة مع السلطة ومشروع حمد التدميري، ونتيجة لتصاعد العمل الثوري الممانع من خارج العملية السياسية شنّت الأجهزة القمعية الخليفية حملة أمنية جديدة في 12 أغسطس 2010م، وعرض تلفزيون البحرين في 3 سبتمبر 2010م صور وأسماء 23 من المواطنين والقياديين في المعارضة، والذين اختطفهم جهاز الأمن الوطني،   ووجّهت لهم تهمة تشكيل تنظيم إرهابي والسعي لقلب نظام الحكم.[14]

ضمت قائمة المعتقلين كلاً من القيادييَّن في تيار الوفاء الإسلامي، فضيلة الشيخ سعيد النّوري، وفضيلة الشيخ عبدالهادي المخوضر، والقيادي في حركة حق الدكتور عبدالجليل السنكيس، وفضيلة الشيخ محمد حبيب المقداد، وناشطين آخرين، وتم اتهامهم بتأسيس وإدارة جماعة على خلاف أحكام القانون بغرض تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع السلطات العامة من ممارسة أعمالها، وتأسيس جماعة ترمي إلى قلب نظام الحكم وتغيير النظام الأساسي للدولة.[15]

كانت البحرين حينها على صفيح ساخن، وكان جمر الثورة يختلج تحت رماد التغيرات الاجتماعية والسياسية التي أطلقت لاحقاً ثورة 14 فبراير، حيث يدرك العارفون بتفاصيل هذه المرحلة أن جذور الثورة وخلفياتها كانت كامنة في مجريات الساحة في فترة العشر سنوات التي سبقت الثورة، وبهذا فإن الأسباب والظروف لانطلاق الثورة في 14 فبراير 2011م كانت داخلية قبل أن تكون خارجية، وكانت ذاتيةً، ولا تنقصها العوامل الاجتماعية والسياسية للانفجار الحتمي.

الإذن الشرعي

دار الحديث في الأوساط الدينية والنخبوية في البحرين عن الإذن والغطاء الشرعي للقيام ضد النظام الحاكم في 14 فبراير، وانطلاقاً من اعتقاد تيار الوفاء الإسلامي بضرورة انطلاق العمل وفق الرؤية الشرعية، وأهمية الإذن الشرعي «الولائي» في الحراك النضالي والجهادي، فقد عمل على استفتاء الفقهاء في هذا المقام، وقد أجازت الفتوى انطلاق الحراك العام في 14 فبراير، ومن أبرز الفتاوى «العامّة» في هذا السياق هي فتوى آية الله الشيخ محسن الآراكي حفظه الله عضو مجلس خبراء القيادة في الجمهورية الإسلامية.[16]

انطلاق ثورة 14 فبراير

انطلق تيار الوفاء الإسلامي في 24 فبراير من العام 2009م وانطلقت ثورة 14 فبراير في العام 2011م، أي كان على تيار الوفاء الإسلامي خلال عامين أن ينظم صفوفه في بيئة مليئة بالتحديات، وأن يكون حاضرا عندما انطلقت موجة الصحوة الإسلامية لقيادة الحراك الثوري العام في البحرين.

انخرط عناصر تيار الوفاء الإسلامي في تشكيل «شباب 14 فبراير» الذي كان يتكون من مزيج من العناصر المنتمية لقوى الممانعة وحلفائهم من لجان شعبية وحقوقية، وتوزعت عناصره في اللجان المختلفة في ميدان الشهداء وفي لجان المناطق والبلدات، وبدأت النقاشات في الفضاء المجازي حول اختيار ميدان الاعتصام الرئيسي، فكانت المقترحات والآراء محصورة في عدد من المواقع التي يمكن أن تكون محطة للتجمع الجماهيري، ومنطلق الثورة والتظاهرات، فكان منها الجسر الجديد في منطقتي العدلية وأم الحصم، وكذلك كوبري ضاحية السيف الذي يؤدي للمنامة ومنطقة السيف الأقتصادية والقرى المجاورة،  بالإضافة الى الخيار الأفضل والأوسع والاستراتيجي وهو دوار اللؤلؤة، وذلك لموقعه المتميز في وسط المنامة، وارتباطه بالكثير من المؤسسات الاقتصادية كالمرفأ المالي والبنوك والمصارف المالية والسفارات العربية والأجنبية والأسواق والمراكز الأمنية،  وقد تم اختيار دوار اللؤلؤة كأفضل خيار للاعتصام المركزي للثورة.

عندما انطلقت الثورات في المنطقة أواخر 2010م وبدايات 2011م، كان الشعب البحراني يخوض صراعاً متصاعداً مع السلطة، وكانت البيئة الأمنية تزداد قمعاً ضد المعارضة الثورية وامتداداتها الشعبية، ومع انطلاق ثورة 14 فبراير كانت مجموعة من قيادات ورموز المعارضة كالدكتور السنكيس والشيخين المخوضر والنوري والعديد من الشباب يرزحون في سجون النظام الخليفي. ويمكن أن يقال بأن الثورة في البحرين كانت جمراً تحت الرماد حتى قبل انطلاق موجة الثورات في المنطقة، كما أن تجربة العمل من داخل العملية السياسية الرسمية ومؤسساتها قد برهنت على عدم كفايتها، ولم يتحقق لشعب البحرين بعد 10 سنوات من المصالحة مع النظام أي مطلب سياسي أو معاشي جوهري، في الوقت الذي كان النظام يلعب فيه على عامل الوقت لتنفيذ مشاريع ديموغرافية وسياسية وثقافية خطيرة، ويمكن لها أن تغير وجه البحرين في المستقبل حال نجاحها.

وعندما انطلقت ثورات المنطقة كان الشعب البحراني على موعد مع ثورته في 14 فبراير 2011م، فتصدت القوى الثورية الممانعة، تيار الوفاء الإسلامي وحركتي حق وأحرار البحرين الإسلامية وامتداداتهم من قوى شبابية ولجان حقوقية وشعبية للتحشيد ليوم الغضب في 14 فبراير، وبالرغم من التشكيك في إمكان إطلاق الثورة، من قبل النظام الخليفي والإدارتين الأمريكية والبريطانية، وبعض الجمعيات السياسية، فقد تبين قبل 14 فبراير بأيام قليلة أن الثورة منطلقة لا محاله، وأن البحرين على موعد مع عصر سياسي جديد، وأن ما بعد 14 فبراير ليس كما قبله.

تحديد الزمان والمكان لانطلاق الثورة

تشكلت البنية التحتية لانطلاق ثورة 14 فبراير من خلال العناصر التالية:

أولاً: الإرهاصات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة الجذور والآثار، وتصاعد الظلم والقمع ضد شعب البحرين من قبل النظام الخليفي.

ثانياً: وجود القيادات الدينية والسياسية المضحيّة والمتواجدة في قلب الحدث.

ثالثاً: فاعلية اللجان الشعبية التي كانت تعمل على البعدين السياسي والحقوقي، كلجنة ضحايا التعذيب ولجنة المعتقلين ولجنة العاطلين عن العمل

رابعاً: الشبكات والمواقع الإعلامية، كموقع منتدى البحرين، وموقع ضحايا التعذيب، وموقع شهداء البحرين، وشبكة “ثورة الغضب” على الفيسبوك، وغيرها، والتي شكلّت منبرا لتلاقح الأفكار وتحريك الجماهير المؤمنة بالتغيير والإصلاح.

خامساً: انطلاق موجة الصحوة الإسلامية والثورات الشعبية في العديد من البلدان الإسلامية والعربية.

تم اختيار موقع الاعتصام المركزي لثورة 14 فبراير من بين عدة خيارات تم تداولها في الشبكات الإعلامية، كضاحية السيف المطلّة على منطقة كرباباد، والمنطقة الدبلوماسية والنادي البحري وباب البحرين، ودوّار اللؤلؤة، وتم اختيار الموقع الأخير لموقعه المتميز في وسط المنامة وارتباطه بالكثير من المؤسسات الاقتصادية، كمرفأ البحرين المالي والبنوك والمصارف المالية والسفارات العربية والأجنبية والأسواق والمراكز الأمنية.

وتم اختيار 14 فبراير كزمن لانطلاق الثورة، والذي يصادف ذكرى التوقيع على الميثاق وإصدار دستور المنحة غير الشرعي، وبذلك شكّل حدث انطلاق الثورة في هذا التاريخ إعلان انفصال عن إرث ومخلفات خدعة العهد الإصلاحي المزعوم، وإلغاء ذلك التصويت الشعبي من ذاكرة الشعب، وفضح مؤامرة السلطة وانقلابها على التعهدات والالتزامات في الميثاق التي وقّعها الحاكم الخليفي حمد مع ممثلي الشعب  والعلماء.

كما تم إعداد خارطة لموقع ميدان اللؤلؤة وللتحرّكات الشعبية التي ستنطلق نحو ميدان اللؤلؤة، ولتلك التي ستنطلق في مناطق البحرين كافّة.

انطلقت بعد صلاة الفجر أولى تظاهرات يوم 14 فبراير بقيادة مفجّر الثورة فضيلة الأستاذ المجاهد عبد الوهاب حسين، في بلدة راية العز النويدرات، وعند غروب الشمس من يوم 14 فبراير عمدت قوات الشغب إلى استخدام السلاح لقمع التحركات، حتى ارتقى على إثر ذلك أول شهيد وهو علي المشيمع من قرية الديه، مما أعطى الثورة وهجا وحماسا من دمه الزاكي.

كما وجّه الأستاذ عبدالوهاب حسين الجماهير للتجمهر أمام مداخل المدن والقرى بدءً من عصر يوم الاثنين المصادف 14 فبراير، والانطلاق إلى ميدان اللؤلؤة، وهكذا تشكّلت التجمعات الشعبية أمام بلدات السنابس والبلاد القديم والزنج وجدحفص والديه، وغيرها من المناطق، وكان قادة ورموز تيار الوفاء الإسلامي في قلب هذه التحركات والتجمعات الجماهيرية، ومعهم عدد من الرموز والقيادات من مختلف قوى المعارضة.

انخرط عناصر تيار الوفاء الإسلامي بتوجيه مباشر من فضيلة الأستاذ المجاهد عبد الوهاب حسين في اللجان الإعلامية والميدانية واللوجستية في ميدان اللؤلؤة، وعلى رأسها لجنة المنصّة الرئيسية، وتعاطى عناصر تيار الوفاء الإسلامي في إدارة منصّة ميدان اللؤلؤة بنفس جامع لأطياف الشعب والمعارضة، وشارك عناصر من مختلف القوى السياسية كحركة حق وجمعية الوفاق وجمعية وعد وجمعية العمل الإسلامي في إدارة منصّة الاعتصام وبرنامجه اليومي.

تشكيل «شباب 14 فبراير»

عمد تيار الوفاء الإسلامي مع حلفائه من القوى الثورية إلى دعم وإبراز تشكيل شباب 14 فبراير ليكون الواجهة الميدانية الجامعة لأطياف الشعب، وكانت العلاقة عضوية بين تيار الوفاء الإسلامي والتشكيل الأول لشباب 14 فبراير، في جميع المناحي السياسية والميدانية والإعلامية والماليّة، وكان القيادي في تيار الوفاء الإسلامي الأستاذ عبد الهادي الخواجة يدير بعض اجتماعات التشكيل الشبابي الوليد، و الذي كان يتكون من 10 أفراد، كالاجتماع الذي عقد في مجمّع اللؤلؤة بالعاصمة المنامة والاجتماع الآخر الذي عقد في جامع الإمام الصادق بمنطقة القفول، واستمرت هذه العلاقة حتى الشهور الأولى بعد ضرب اعتصام ميدان اللؤلؤة، وخلال فترة الطوارئ والحصار للقرى والبلدات.

في الفترة اللاحقة تبلور اسم «ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير» كبديل لاسم «شباب ثورة 14 فبراير»، وأصبح التكشيل الشبابي يعبّر عن نفسه بصفة الاستقلال التنظيمي والسياسي، وهذا ماتحقق فعلاً على مستوى الممارسة. 

استطاع شباب ثورة 14 فبراير إعادة تنظيم أنفسهم بعد ثلاثة أيام من قمع ميدان اللؤلؤة، ونتيجة للظرف الأمني القاهر عقدت اجتماعاتهم في أماكن متفرقة، ووقع بعض عناصر التشكيل الشبابي كالشهيد محمد سهوان تحت الملاحقة الأمنيّة، والبعض الآخر اضطر للهجرة خارج البحرين.

اجتماعات القيادات السياسية الوطنية

على المستوى السياسي شارك تيار الوفاء الإسلامي في اجتماعات وعمل القيادات السياسية الوطنية، التي ضمت القوى السياسية الرسمية إلى جنب تيار الوفاء الإسلامي وحركة حق وحلفائهما، وكان الأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ المشيمع والشيخ علي سلمان والأستاذ عبد الهادي الخواجة و الأستاذ إبراهيم شريف والشيخ المحفوظ وغيرهم من ممثلي الاتجاهات والقوى السياسية حاضرين في بوتقة سياسية واحدة، تهدف لرسم المشهد السياسي للثورة، وكان اجتماع القيادات السياسية الوطنية مسرحا لمختلف الآراء والقناعات السياسية والميدانية، فيما يجب أن تسير عليه حركة الجماهير والثورة، وبقت التباينات داخل هذه الاجتماعات تتبلور بين نهج سياسي يريد أن يسير غير بعيد عن الأطر السياسية والرسمية والمحاذير الدولية، وبين نهج سياسي ثوري يتبنى الأطر التي ترسمها الثورة الجديدة في الشارع، ولاتعير اهتماما لخطوط النظام الحمراء أو اعتبارات السفارات الأجنبية.

كما كان التجاذب حاضراً في هذه الاجتماعات فيما يتعلق بمركزية الحراك الميداني والاحتجاجي أو عدم مركزيته، فكان تيار الوفاء الإسلامي وحلفاؤه واضحين في وجوب تحرير الحراك الثوري من المركزية وسلطة القوى السياسية المباشرة، لكي يؤدي الحراك ثمرته في الضغط على النظام والإبداع في الخطوات، وتحقيق ضمانة الاستمرار في الظروف الأمنية الخانقة المحتملة لاحقا، بينما رأت القوى السياسية الرسمية أن مركزية الحراك ونفوذها المباشر على حركة الشارع هو الأسلوب الأمثل لضمان تحقيق النتائج المرجوة، وعدم انزلاق الحراك للمحذورات ضمن رؤية هذه القوى.

وكانت تعقد اجتماعات القيادات السياسية الوطنية في منزل الأستاذ عبد الوهاب ومقر جمعية وعد ومقر جمعية الوفاق، وقد نجح تكتل القوى السياسية والثورية هذا في القيام ببعض الخطوات المشتركة، كبعض البيانات السياسية والمسيرات الميدانية المشتركة، التي جمعت توقيعات جميع القوى السياسية والثورية.

كانت الرسائل والمبادرات السياسية تصل لتيار الوفاء الإسلامي وحلفائه من جهة، وللجمعيات السياسية الرسمية من جهة أخرى، فقد تلقى تيار الوفاء الإسلامي رسائل سياسية محددة من السفارة الأمريكية تطلب اللقاء لعقد نقاشات وتفاهمات حول الثورة، وكذلك تلقى رسائل من أطراف غربية عبر سياسيين عراقيين، إلا أن تيار الوفاء الإسلامي قد رفض حينها مضمون هذه المراسلات لكونها كانت تستهدف تمييع الحراك والمطالب والأهداف السياسية ومصادرتها.

تلقت كذلك القوى السياسية الرسمية المعارضة جملة من الرسائل والمبادرات، مرة عن طريق ولي العهد مباشرة، ومرة عن طريق دولة قطر، ومرة أخرى عن طريق الكويت، والتي فشلت كلها بسبب مراوغة السلطة الخليفية ومكرها وكذبها، وقد تحاشى النظام الخليفي عقد أي نوع من التواصل وتبادل الرسائل مع تيار الوفاء الإسلامي وحلفائه خلال ثورة 14 فبراير.


  • [1]. للاطلاع على مصادر المتن قم بالاطلاع على المصادر ذات الصلة في حاشية «وثيقة الثبات والصمود» في الملحق (4)
  • [2]. التنظيمات والجمعيات السياسية في البحرين، المرحلة الثالثة: تجربة المجلس الوطني، عباس المرشد وعبدالهادي الخواجة، صفحة 53، فراديس للنشر والتوزيع (2008)
  • [3]. دستور مملكة البحرين 2002، هيئة التشريع والرأي القانوني، تم الاقتباس بتاريخ 18 مايو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • http:www.legalaffairs.gov.bh
  • [4]. ماخفي أعظم (اللاعبون بالنار)، الموقع الرسمي لقناة الجزيرة الفضائية، تم الاقتباس بتاريخ 16 يوليو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • https:www.aljazeera.net
  • [5]. إحالة مشيمع و«متهمي الحُجّيرة» إلى المحكمة الجنائية، صحيفة الوسط البحرينية، تم الاقتباس بتاريخ 29 مايو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • http:www.alwasatnews.com
  • راجع الملحق المصوّر التوثيقي، صورة (1)
  • [6]. راجع ملحق (1): «بيان الانطلاق»
  • [7].  هو من الشخصيات العلمائية المجتهدة وأستاذ البحث الخارج وثقة الفقهاء في حوزات قم المقدسة ووكيل آية الله السيد علي الحسيني السيستاني «حفظه الله»، وقد غادر البحرين للنجف لدراسة العلوم الدينية عام 1974م، وانتقل لقم في عام 1979م، ورجع للبحرين عام 2001م ، وهو أحد أعضاء المجلس العلمائي، ومن كبار العلماء، وقد احتل الشيخ حسين النجاني موقعه في المجتمع البحراني على أساس أهليته العلمية والدينية والقضائية التي اكتسبها خلال وجوده في الجمهورية الإسلامية، وشهرته في الوسط العلمي بين الفقهاء، وقد تبوأ موقعه الاجتماعي والديني والسياسي في وسط مدينة المحرق ثاني أكبر المدن في البحرين والقرى المجاورة لها منذ الانفراج السياسي لعام 2002م ، وحينها تصدى لصلاة الجمعة وإقامة صلاة الجماعة في جامع الحياك، وكذلك مارس الأدوار الثقافية الأخرى عبر إنشاء حوزة النور الأكاديمية النسائية، كما أصدر مكتبه مجلة الحكمة،  وكان يتصف باستقلال خطابه الديني والسياسي عن السلطة، وعقلانية فكره ومواقفه، واحترامه للعلماء كافة، حيث كان أحدهم، فكان يستخدم منطق المصالح العليا للشعب، ويحذر من التناقض والانشقاقات وتضعيف العلماء، وكانت منهجيته الاجتماعية قائمة على القرب من النخبة والجماهير على حد سواء.
  •  على المستوى السياسي فقد شارك مع كبار مجموعة العلماء في اللقاءات مع حاكم البلاد حمد بن عيسى آل خليفة وكبار رموز السلطة مرات عدة، وأشرف على مفاوضات لجنة ضحايا التعذيب مع السلطة، وهو من الشخصيات الحريصة على مشاركة الشعب في مسيرات الحراك الشعبي والسياسي،  ومن أبرز مواقفه تعطيل صلاة الجمعة في المحرق احتجاجاً على صدور قانون الجمعيات عام 2005م وهيمنة مجلس الشورى على مجلس النواب، وقد نقل عنه سماحة الشيخ علي سلمان أن السلطات طلبت من سماحة الشيخ النجاتي دعم الانتخابات النيابية  عام 2002م وإدانة الحراك المطلبي لكنه رفض ذلك، وقد تميز بتواصله الدائم مع قادة تيار الوفاء الأسلامي في  الجانبين المعنوي والفكري، واعتزازه بشخصية وفكر الأستاذ عبد الوهاب وحركة الأستاذ المشيمع الجماهيرية ومنهجهما السياسي والعقائدي الأصيل، بالإضافة الى علاقاته الحميمة وزياراته المتبادلة مع الأستاذ عبد الوهاب حسين، وقال في حق الأستاذ عبد الوهاب حسين: «لو خيرت أن اختار قائداً سياسياً لي في البحرين لاخترت الأستاذ عبدالوهاب حسين كأفضل قيادة سياسية لتحقيق مطالب الشعب».
  • وبسبب قرب الشيخ النجاتي السياسي من تيار الوفاء الأسلامي غضبت السلطة الخليفية عليه، وهددته بأقسى العقوبات، ومنعته من صلاة الجمعة والجماعة، وأغلقت مكتبه، وأسقطت جنسيته، وقامت بترحيله من البلاد في العام 2014م.
  • [8]. ولد سماحة الشيخ عبدالجليل المقداد في عام 1960م في قرية البلاد القديم، وهاجر إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية في عام 1979م لطلب العلوم الدينية خيث تتلمذ على يد الشيخ وحيد الخراساني والشيخ جواد التبريزي، حتى أصبح أستاذاً للبحث الخارج في الحوزة العلمية بمدينة قم المقدسة وأيضاً أستاذ بحث خارج بحوزة الإمام زين العابدين(ع) في البحرين، وفي عام 1994م منع من العودة إلى البحرين بسبب مواقفه السياسية، بعدها بسبع سنوات أي في عام 2001م سمح له بالعودة إلى البحرين، كان من الأعضاء المؤسسين للمجلس الإسلامي العلمائي وشغل منصب عضو بالهيئة المركزية، وفي عام 2009م كان من الأعضاء المؤسسين في تيار الوفاء الإسلامي وشغل منصب رئيس الهيئة الشرعية، وفي عام 2010م تم استدعاءه من قبل وزير الداخلية ومن ثم رئيس جهاز الأمن العام ومنع من الخطابة وإمامة الصلاة، ومع انطلاقة الثورة في عام 2011م شارك بقيادة أوسع احتجاجات شعبية شهدها تاريخ البحرين، وفي نفس العام تم اعتقاله من قبل العدو الخليفي وأصدرت المحكمة العسكرية الحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاماً.
  • [9]. ولد الأستاذ عبدالوهاب حسين في عام 1954م، حصل على شهادة البكالوريوس في الفلسفة والاجتماع من جامعة الكويت في عام 1977م، كان في عام 1992م من الأعضاء المؤسسين للعريضة النخبوية المطالبة بعودة الحياة البرلمانية، ومن ثم في عام 1994م للعريضة الشعبية المطالبة بعودة الحياة البرلمانية، في عام 1995م اعتُقِل وأفرج عنه لدوره السياسي مع أصحاب المبادرة بعد اتفاق مع الحكومة للتهدئة والحوار، وفي عام 1996م تم اعتقاله أيضاً ووضعه في السجن الإنفرادي لمدة 5 سنوات دون محاكمة على أثر دوره في إطلاق الانتفاضة الشعبية، وفي عام 2001م تم الإفراج عنه ضمن التسويات السياسية، وفي نفس العام قام مع مجموعة من النخب بتأسيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، ترأس جمعية التوعية الإسلامية بين عامين 2002م و 2003م، وفي عام 2009م كان من المؤسسين لتيار الوفاء الإسلامي وأصبح الناطق الرسمي لها، ومع انطلاقة الثورة قاد أول مسيرة خرجت في قرية النويدرات مع بزوغ الفجر، وفي نفس العام تم اعتقاله وبعد مرور ثلاثة أشهر أصدرت المحكمة العسكرية الحكم عليه بالسجن المؤبد.
  • [10]. ولد الأستاذ عبدالهادي الخواجة في العاصمة المنامة في عام 1962م، وهاجر إلى بريطانيا لإكمال دراسته في عام 1977م، انضم إلى الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين في عام 1981م، وفي عام 1982م شارك في تأسيس لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في البحرين، هاجر إلى دنمارك ونال حق اللجوء السياسي في عام 1991م، وفي نفس العام أسس المنطمة البحرينية لحقوق الإنسان، وعاد إلى البحرين وأسس مركز البحرين لحقوق الإنسان في عام 2001م، قد شغل مناصب حقوقية إقليمية ودولية منها: الرئيس السابق لمركز البحرين لحقوق الإنسان، وعضو لجنة منظمة العفو الدولية لتقصي الحقائق بعد غزو العراق، وعضو وخبير في المجموعة العربية لمراقبة أداء الإعلام، وعضو بالمجلس الاستشاري لمركز دمشق لحقوق الإنسان، في عام 2004م اعتقل وأفرج عنه أثر خطاب تناول فيه فساد رئيس الوزراء وانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، ومع انطلاقة الثورة في عام 2011م شارك في أوسع احتجاجات شعبية شهدها تاريخ البحرين، وفي نفس العام أعاد النظام اعتقاله وبعد مرور ثلاثة أشهر أصدرت المحكمة العسكرية الحكم عليه بالسجن المؤبد.
  • [11]. ولد سماحة الشيخ سعيد النوري في عام 1972م في قرية جدحفص، وفي عام 1996م هاجر إلى بريطانيا ودرس علوم الشريعة الإسلامية بالمركز الإسلامي في لندن، وفي عام 2003م ترأس جمعية التوعية الإسلامية لمدة 3 أعوام، وفي عام 2004م أصبح عضواً بالمجلس الإسلامي العلمائي، وهاجر إلى مدينة قم المقدسة لإكمال دراسته الحوزوية في عام 2006م، وفي عام 2009م كان من المؤسسين لتيار الوفاء الإسلامي وأصبح رئيس الهيئة الثقافية، وفي عام 2010م اعتقل وتعرض للتعذيب أثر نشاطه السياسي، وبعده بعام واحد أفرج عنه إبان الاحتجاجات الشعبية بدوار اللؤلؤة، من ثم تم اعتقاله في عام 2011م وأصدرت المحكمة العسكرية الحكم عليه بالسجن المؤبد.
  • [12]. الشيخ عبدالهادي المخوضر من أبناء قرية السنابس، تم اعتقاله في عام 1996م حيث قضى 6 سنوات داخل السجن خلال انتفاضة التسعينات، كان من المؤسسين لتيار الوفاء الإسلامي في عام 2009م وشغّل منصب عضو الهيئة الشرعية، وفي شهر أغسطس عام 2010م تعرض للاعتقال الثاني وأفرج عنه بمعية مجموعة من القيادات السياسية بعد الضغوط الشعبية المتزامنة مع انطلاق ثورة 14 فبراير، لم يتنازل عن مطالبه وأفكاره ومواقفه لذلك تم اعتقاله في مارس 2011م وتعرض للتعذيب الوحشي الشديد من قبل المخابرات العسكرية وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عام، من المناصب التي شغلها أيضاً: عضو مجلس إدارة في حوزة الإمام زين العابدين(ع)، مؤسس جمعية الإمام السجاد(ع) للأعمال الخيرية والترويج، مؤسس وصاحب دار العصمة للنشر.
  • [13]. راجع ملحق (2): بيان حول منع اللقاء الجماهيري
  • [14]. تفكيك شبكة سرية لقلب نظام الحكم، صحيفة الوسط البحرينية، تم الاقتباس بتاريخ 29 مايو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  •  http:www.alwasatnews.com
  • راجع الملحق المصوّر التوثيقي، صورة (2)
  • [15]. تفكيك شبكة سرية وإحباط مخططاتها الإرهابية، صحيفة الأيام البحرينية، تم الاقتباس بتاريخ 29 مايو 2019م، من على الرابط الإلكتروني:
  • https:www.alayam.com
  • راجع الملحق المصوّر التوثيقي، صورة (3)
  • [16]. راجع ملحق (3): استفتاء آية الله الشيخ محسن الآراكي
المصدر
كتاب تيار الوفاء الإسلامي .. المنهج الرؤية الطموح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟