مواضيع

مكتبة فخراوي

منذ كنا أطفالاً لا تتجاوز أعمارنا 11 عاماً شجعنا عمي على القراءة، يهتمّ باختيار الكتب التي تناسب أعمارنا وتغذّي تربيتنا. يعطينا الكتب لنقرأها ثم يطلب منّا عمل تلخيصٍ لها. يأخذنا معه إلى المأتم ويقول لنا ركّزوا فيما يقوله الخطيب، ثم يسألنا عمّا سمعناه بعد الخروج منه. كان البُعد الأخلاقي والتربوي من أهم الجوانب عنده، لهذا أكثر الكتب التي طبعتها مكتبة فخراوي هي معنيّة بهذا الجانب بشكلٍ أخص. في فترةٍ ما تأثّرنا بأفكار خطيبٍ مشهور له محاضرات أخلاقية وتربوية هامة، وصرنا شديدي التعلق به حتى حفظنا محاضراته لفرط إدماننا على الاستماع لتسجيلاته، وكان لهذا الخطيب موقفٌ هجومي من المرأة، عندما لاحظ عمي تأثّرنا بهذا الجانب، أحضر لنا كتابين عن مكانة المرأة في الإسلام، وطلب منا قراءتهما، وبهذا جعَلَنا نغيّر طريقة تفكيرنا بكل هدوء.

في مكتبة فخراوي نشأت علاقتنا بالكتب والقراءة منذ الطفولة، هناك نتصرّف بكل حرية وأريحية. صرنا جزءاً من المكتبة وعاصرناها وهي تكبر يوماً بعد يوم. أوّل مكانها في المنامة، قبل أن يفتتح لها فرعين آخرين في جدحفص والسهلة. كبرنا وكبرت معنا تطلّعاتنا وشعرنا بأهمية أن تتّسع المكتبة في المكان وفي تنويعات الكتب والتوجّهات والأفكار : الثقافة، والأخلاق، والدين، والتربية، والاجتماع، والتاريخ، والجغرافيا، باللغتين العربية والإنجليزية. هكذا كبُرت المكتبة واتسعت شيئاً فشيئاً. لقد بقيتْ مكتبة فخراوي مصدر فخر دائم عند الشهيد، وكان يُفضّل أن ينسب لمكتبة فخراوي أكثر من أي نشاط آخر من أنشطته التجارية. فقد ظلّت مكتبة فخراوي رافداً من روافد الحراك الثقافي في البحرين وفي الخليج أيضاً، وبقيت تُمثّل البحرين في معارض الكتاب داخل البحرين وخارجها.

عندما عدنا من دراستنا في بريطانيا، كان عمي بدأ يعمل في المقاولات، عملنا أنا وأخي محمد على متابعة المكتبة ورعايتها. لقد عملنا مع عمي في كل مشاريعه، حتى صرنا يده اليمنى. بعد انتهاء دراستي الجامعية قلتُ لعمي أنّي أرغب في العمل في البنك، قال اذهب واعمل لتكتسب الخبرة ثم عُد لي. عملتُ في البنك الأهلي لمدّة عامين، ثم عدتُ مُحمَّلًا بالخبرة، وصرنا نعمل معه في إدارة جميع مشاريعه، وهو من ناحيته يحرص أن يُشِيد بدورنا في تطوير العمل، فقد كنا نلعب دوراً في العلاقات ونفوز بمُناقصات البناء والإنشاء. في السنوات الأخيرة صار يُردّد لنا : منذ 40 عاماً وأنا أعمل بلا كللٍ أو ملل، مُنذُ السابعة من عمري، الآن أريد أن أرتاح، وأريدكم أن تديروا العمل عني.

المصدر
كتاب فخر الشهداء - الشهيد عبدالكريم فخراوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟