مواضيع

عقيدة الشهيد في الله سبحانه وفي السيدة الزهراء “عليها السلام”

من كلمة لمحمد فخراوي، ابن أخ الشهيد، في تأبين الشهيد بتاريخ 6 أبريل 2012م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله قاصم الجبارين، مبيد الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين، صريخ المستصرخين، موضع حاجات الطالبين، معتمد المؤمنين، و الحمدلله الذي يخلف ملوكاً و يستخلف آخرين، ثم الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين محمدٍ و آله الطاهرين ..

حضوركم هنا دليلٌ على وفائكم للشهداء وصمودكم الذي جنّن العدو، هذا العدو الذي لا يستطيع أن يفهم هذا الصمود، فهل يعقل أنّ شعباً تُسفك دمائه وتُسرق أمواله وتُقطع أرزاقه ويُسجن ويُعذب وتُهدم مساجده ولا زال صامداً؟

هم يريدون منّا بهذه الجرائم أن نصرخ ونتأوّه ونقول آه، لكنّهم يحلمون ..

سوف أتحدّث عن ما جاء في تقرير بسيوني عن الشهيد ومحاكمة قتلته، تقرير بسيوني ذكر باختصار حادثة الشهيد بأنّ أحد الضباط بينما كان جالساً في مكتبه سمع صراخاً وضجيجاً، وعندما خرج وجد الشهيد عند الحمام مع شرطيّين، وقد تشاجر الشهيد معهم، وحمل كرسياً وضربهم، وأن الشرطيين دافعوا عن أنفسهم، وأن الضابط رأى الدم، ومات الشهيد، فالقصة لا تحتوي على كيفية وجود الدم، وماذا حدث؟ ويقولون أيضاً بأنّ الشهيد قام بشتمهم، فسوف أشير إلى نقاط مهمة :

  1. أولاً بإجماع جميع المعتقلين في فترة السلامة الوطنية كلهم دون استثناء يقولون أنهم طوال فترة الاعتقال كانوا مكبّلي اليدين ومصمّدي العينين، فكيف رأى الشهيد الكرسي وحمله؟!
  2. ثانياً يقولون بأنّ الشهيد شتمهم، وهذه النقطة تهمّنا جداً نحن كعائلة، فالشهيد معروفٌ بأخلاقه الفاضلة، وأنا أتحدّى وبكلّ احترام أن يخرج شخص ويقول بأنّ الشهيد في يومٍ من الأيام قد شتمه، ونحن نعتقد بأنّ التقرير بهذا المحتوى قد وصل إلى إلحاق ضرر معنوي بنا، فلا ننتظر الخير منه في الجانب المادي الذي هو محاكمة القتلة وقصاص عادل على أساس هذا التقرير، أمّا بخصوص محكمة الشهيد فقد عقدت جلستين، فالجلسة الأولى لم يخبروا العائلة بأي شيء، وفي الجلسة الثانية أتوا بالمتهمين، والتهمة دائماً ضرب أدى إلى القتل، وليس القتل العمد، والضرب الذي يؤدي إلى القتل محاكمته تتراوح بين الثلاث إلى سبع سنوات -إن ثبت بأنّهم المرتكبين للجريمة -، وقد حضر المتهمون بالقتل المحكمة ومعهم جيش من الناس وجيش من المحاميين، يترواح عددهم بين سبعة أو ثمانية محاميين، ولديهم مكان خاص، فيخيّل إليك بأنّك أنت الجاني وهم المجني عليهم، والجلسة استغرقت عدة دقائق، وقد طلبوا شهود نفي أيضاً لينفوا التهمة الموجهة إليهم، فباختصار لم نتوقّع أيّ نتيجة عادلة لنا ولعوائل الشهداء.

هناك كلام عن التعويض فمن خلال تجربتي واختلاطي أجزم بأن أفقر عائلة شهيد ولو لبرهة من الزمن لن تفكر بطلب التعويض، فمن المستحيل بأن نرضى التعويض، فليحذفوا هذه الفكرة من عقولهم، لأنّ دماء الشهداء أفضل من الدنيا وما فيها، وهم استشهدوا من أجل القضية والتعويض الوحيد الذي يمكن القبول به هو حقّ الشعب في تقرير مصيره، أمّا عن صندوق تعويضهم الذي وضعوا فيه ميزانية عشرة ملايين للتعويض فنقول لهم بأنّه لدينا عشرات الناس فقدوا أعينهم وأرجلهم وأيديهم وصحتهم وغير البيوت والسيارات فهذه العشرة ملايين لاتعني شيئاً، وأود التذكير بأنه بمجرد استشهاد الشهيد سحبوا منا عقد بقيمة أربعة ملايين ونصف، فلو فكّرنا أن نذهب لهذا الخيار سوف تذهب نصف المبالغ من عندهم، وهذا طبعاً لو فكّروا بأن يعوّضوا فما بالك بالمئات من الجرحى، بل الألوف من المعتقلين، فهذا الصندوق أنا أعتقد بأنّ هناك مجاميع لديهم مشكلة في التبوّل اللاإرادي وما شابه ذلك فدعهم يقدّموا هناك، ويقدّموا التعويض ويتعالجوا منه، ولديهم أيضاً مشاكل في نفسيّاتهم فليتعالجوا منه.

أمّا نحن فنفسيّتنا وروحيّتنا وعزيمتنا وإصرارنا وصمودنا ازداد أكثر من ذي قبل، وصرنا على يقين أكبر بأنّ النصر قادم إن شاء الله .. فقط نحتاج إلى الصبر، والصبر الذي أعنيه ليس الصبر السلبي بأن نجلس في البيوت ونكتفي بالدعاء، وإنّما الصبر بالحركة وبالتواجد في كلّ الساحات والميادين حتى تحقيق النصر إن شاء الله.

  • قبل خمسة أيام من اعتقال الشهيد التقينا أنا وأخي علي مع الشهيد، وناقشنا الأمور بشكل عام وموضوع الشهيد بشكل خاص، فنحن كنّا مطلوبين، والشهيد أتى لنا في المكان الذي كنّا فيه .. فسوف أذكر نقاط مهمة في هذا الجانب، وأتقصّد بعض النقاط بمناسبة ذكرى الزهراء عليها السلام، وأيضاً في بعد من أبعاد الشهيد لم يتم التطرّق إليه كثيراً، فدائماً يتم الحديث عن أخلاقه وكرمه وأياديه البيضاء، لكنّ الشهيد كان شجاعاً جداً، وسوف أشير إلى هذه النقطة .. آنذاك كانت ذكرى الزهراء عليها السلام فقال لنا عدّة أمور لكنّني سوف أشير فقط إلى نقطتين :
  • قال لنا : ” أوصيكم أن تتوسلوا بالزهراء فقطعاً تنجيكم “.
  • قال كذلك : ” إنّ هذا النظام هو أوهن وأضعف ممّا نعتقده نحن، وهو بحجم النملة، لكنّنا نراه بحجم الفيل “، فقلنا له : ” كن حذراً فسوف يعتقلونك، لأنّ هناك تقرير في قناة الوصال عن استهداف النشاط الثقافي للمكتبة وشخصك والأجواء متوترة “، فقال : ” أنا لم أفعل شيئاً حتى أخاف، وأنا شخصيّاً لا أنام في المنزل في هذه الليالي، ليس خوفاً، بل لا أريد لبناتي أن يشاهدوا منظر الهجوم على البيت، واعتقال والدهم، ولكن لو اقتحموا منزلي فسوف أسلّم نفسي “، فقلنا له : ” لا تسلّم نفسك ” فقال : ” لا أنا لا يناسبني هذا، فسوف أسلّم نفسي “، وأنقل هذا الكلام نصّاً من الشهيد فقال : ” لو اعتقلوني ماذا سوف يفعلون بي؟ سوف يعذبونّني؟ أنا لا أخاف تعذيبهم “، وبعده قال : ” أيّهما أشدّ؟ عذاب الدنيا أم عذاب الآخرة؟ “، فقلنا له : ” عذاب الآخرة “، فرفع يديه إلى السماء و قال : ” أسأل الله إن اعتقلوني وعذبوني أن يجعل هذا العذاب لي في الدنيا عوضاً عن عذاب الآخرة ” .. عندما فُتحت جنازته وجدنا أن الله استجاب دعائه وهذا ما أراده.

هنيئا لك يا أبا زهراء، فكنت كريماً في الدنيا، وكريماً في شهادتك، فدمائه ساهمت في وقف التعذيب، وهو كريمٌ قطعاً في الآخرة، لأنّه شهيد، وسوف يشفع للآخرين.

وختاماً أقول باسم عائلة الشهيد فخراوي بأننا نفتخر ونحمد الله على هذه المنّة والنعمة أن اختار من عائلتنا شهيداً، ونحن في بلد كلّ العوائل وكلّ هذا الشعب طالبٌ للشهادة، فكلّ العوائل تريد أن تكون عائلة الشهيد فأن يختارنا الله في هذا الوضع فهذه منّة ونعمة إلهيّة نسأل الله أن يوفقنا لأداء حقها، وما النصر والتوفيق إلا من عند الله، والحمدلله ربّ العالمين، وصلِّ يا ربي على محمد وآله الطاهرين.

المصدر
كتاب فخر الشهداء - الشهيد عبدالكريم فخراوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟