مواضيع

حدث الاعتقال و الاستشهاد على لسان زوجة الشهيد

من مقابلة مع زوجة الشهيد بتاريخ 12 يونيو 2012م

في ليلة من الليالي كنا متواجدين مع الشهيد والبنات في أقرب كوفي شوب إلى بيتنا، طبعاً كانت هذه آخر جلسة عائلية مع الشهيد، بدأ الشهيد بالحديث عن كيفية لجوء الإنسان إلى رب العالمين عند الابتلاء، وكنا ننام في شقة ابنتي وكنا متوقعين المداهمة، وفي حوالي الساعة الحادية عشر ونصف في الليل رنّ جرس الإنذار على هاتف الشهيد، وبالرغم من عدم وجود أحد في البيت فقد رن جرس الإنذار فتوقعنا بأنها مداهمة، وفي تلك اللحظة تأثرت أنا وبناتي، ونفسياً تعبنا لكنني كنت ألاحظ بأن معنويات الشهيد جداً عالية، وقال لنا : أخذوا احتياطاتكم والبسوا الأحجبة والعباءات ولا تخافون، وشاهدوني بأنني لست خائفاً فلا داعي للخوف وتوكلوا على الله وإن شاء الله كل ما سيصبح لنا هو خير لنا “.

في نفس الأثناء كان يحاول أن يخرجنا من الجو المؤلم حيث كان يمازحنا ويلاعبنا لكي نخرج من الجو، أول ما دخلت معه الغرفة وكنت أشعر بأنها لحظات وداع أخذ يدي ووضعها على صدره وقال لي : ” أنا آسف “. ومن بعدها قام يصلي ويتضرع إلى الله واعتقدت أنه قد أتى وقت صلاة الصبح، فقمت وصليت ومن ثم بكيت على السجادة، فجاءني وقبلني على رأسي، وقال لي : إني أعلم أنكِ إنسانة مؤمنة وأتمنى بأن لا تكوني خائفة، كما قلت لكِ سابقاً بأن لنا رب عظيم وأنا لست خائفاً وأتمنى منكِ بأن تكوني أقوى “.

بعدها لاحظت بأن الوقت لم يحن لصلاة الصبح، فعرفت بأنه كان يصلي صلاة الليل، أخبرني بعدها بأنه سوف يسلم نفسه واتصل للمحامي لكي يرفع شكوى بأنهم داهموا المنزل، ومن ثم قام بتوديع والدته، فاتصل لها بالرغم من عدم قدرة والدته من الجواب، لكنه اتصل فقط لكي يسمع والدته صوته، وقال لها : ” أنني لو تأخرت عليكِ أيام لا تقلقي لأنني بكون في سفر “، ثم ذهب لمركز الشرطة لكي يبلغ بأن هناك مداهمة على منزله فسألوه : ” هل من الأمن؟ ” قال : ” لا أدري “؛ لكي لا يتمكنون من سؤاله ” هل من شهود على المداهمة “، ولا يريد بأن يأتي باسم الجيران، وثم قال لهم : أنا جئت لكي أسلم نفسي، والذي يريدني فأنا موجود هنا “. فقالوا له : ” سوف نعطيك نصف ساعة، تريد أن تنتظر فيها هنا أو تخرج ومن ثم ترجع “. اتصل لي وقال لي : ” إنني لا زلت هنا وأي جديد سوف أخبرك “. وهذا الوقت كان حوالي الساعة 11:45 قريب صلاة الظهر، و في الساعة 12:45 اتصلت على هاتفه وكان يرن لكنه لم يجب، الساعة 12:50 السائق الذي ذهب مع الشهيد لكي يوصله لمركز لشرطة جاء وهو يبكي، وقال بأن الشهيد في مركز الشرطة، و قد جاء الملثمون وطلبوا مني الذهاب، وقالوا بأن هذا الشخص نريده ( المقصود هو الشهيد )، في نفس اليوم وقت المغرب ذهبت لمركز الشرطة لكي أسأل عنه، لكنني تفاجأت بأن الموظف قال لنا بأنه لا يوجد إسمه في السيستم، ونصحنا بأن نذهب للنيابة العامة لنسأل عنه، وفي اليوم التالي ذهبت ابنتي وزوجها للنيابة، لكن دون جدوى ولم يحصلوا على أي معلومة.

في تاريخ 12 أبريل اتصلوا على هاتف مكتب الشهيد، وكانت السكرتيرة هناك، فردت، وقالوا لها : ” أخبري عائلة الشهيد بأن عبدالكريم في الإنعاش فليذهبوا له “، والسكرتيرة أخبرت زوج ابنتي، وزوج ابنتي أخبر ابنتي، وهي أول من ذهبت للمستشفى، وقامت بالبحث عنه في الإنعاش لكنه لم يكن موجوداً، بعدها على حسب علمي أتوا أشخاص وقالوا بأننا نعتقد بأن الشخص الذي تريدونه هو موجود في المشرحة، في هذه اللحظات أحسست بأن الوضع الصحي للشهيد ليس على ما يرام، فقمت وذهبت للطوارئ، وعند وصولي استغربت بأنه لا يوجد أحد من العائلة في الطوارئ، ووقتها كانوا كلهم في المشرحة، بعد حوالي 45 دقيقة التقيت مع ابن عمة الشهيد وهو ابن أخي في الطوارئ، وقال لي : ” لنذهب للمنزل “. فقلت له : ” أخبروني هل قتلوه؟ “. لكنه لم يرد عليّ، فقلت له : ” أريحوني لأنني تعبانة جداً “. فقام بتحريك رأسه وعرفت بأنه استشهد.

حسب توقعاتي من خلال حياة الشهيد التي كانت مملوءة بعشق الله، وحبه لأهل البيت عليهم السلام ومساعدته للمحتاجين وحسن الخلق فكنت أتوقع بأن هذا الإنسان يبحث على نهاية أبدية موفقة سعيدة فكان يتمنى الشهادة.

بعد علمي باستشهاده، مسكني ابن أخي وكان هناك حوالي 50 شخصاً واقفين أمام باب الطوارئ وبعضهم كانوا ملثمين، قلت لابن أخي أعطني فرصة لكي أقول لهم ما بخاطري، فواجهتهم وقلت لهم : ” ما رأينا إلا جميلا، فزنا ورب الكعبة، فزنا وفازوا شيعتنا، يا منتقم يا جبار “. هذه الكلمات التي كنت أقولها بأعلى أصواتي وهم بالرغم من وجود الأسلحة معهم كانوا يتراجعون إلى الخلف.

التشييع :

في لحظة استلام الجثة ذهب أخ الشهيد الأكبر عبدعلي ليستلم الجثة، فقاموا بتهديده بأن لا يكون هناك تشييع ولا تصوير للجسد واستلم الجثة، في المقبرة أتوا لي مجموعة من الشباب ووعدوني بأنهم سوف يصورون الشهيد، فقلت لهم : ” أنا لن أخرج من المقبرة وجسد الشهيد لم يتم تصويره “، أثناء خروج الجنازة من المغتسل ليصلوا عليه صلاة الميت، أتوا الشباب وفتحوا الكفن وتم تصوير جثة الشهيد، وما تأثرت به جداً هو علامات وضع القيود على أيادي وأرجل الشهيد، والكدمات التي كانت في أنحاء الجسم، وحسب ما سمعنا بأن هذه آثار التعذيب من خلال الصعق بالكهرباء، وكانت هناك ثقبة في رقبته، والأخوة الذين كانوا في المغتسل أخبروني بعدها بأن الثقبة كانت كبيرة جداً، وهم حاولوا بأن يصغروها من خلال محاولتهم لصقها بمادة “السوبر گلو”، وسمعت من الأشخاص الذين عُذبوا في نفس الوقت الذي كان فيه الشهيد يُعذب بأنه من الممكن بأن يكون أثر الثقبة التي في رقبته هي أثر استعمالهم “الدريل”.

كلمة لأهل الشهيد :

الشعب البحريني جداً وفي واستطعنا أن نعرف بأن الشعب البحريني شعب عظيم لأنهم لم يتركوننا منذ استشهاد الشهيد.

المصدر
كتاب فخر الشهداء - الشهيد عبدالكريم فخراوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى