مواضيع

ما بعد أحداث سجن جو

     شكلت أحداثُ سجن جو التي اندلعت في ١٠ مارس ٢٠١٥م نقطة تحوّل في مشهد حقوق الإنسان بالبحرين. الأصداءُ الحقوقية والإعلامية كانت مؤثرةً، وتابعت التقاريرُ الدولية وتغطيات وسائل الإعلام العالمية مسارَ هذه الأحداث في سياق التأكيد على تأزُّم الوضع الحقوقي في البلاد، وعلى النحو الذي جعل سجون النظام الخليفي “نموذجا” على المستوى الإقليمي لجهة أعداد السجناء السياسيين، ووسائل التعذيب الممنهج. لقد باتت السجونُ الخليفية محلا للمقارنة مع المعسكرات النازية، والسجون الوحشية المعروفة، مثل سجن أبو غريب ومعتقل غوانتينامو. الشتائم المذهبيّة أخذت حضورها الطاغي في أحداث سجن جو، وأشعل الدرك الأردني عقيدة “الدواعش” داخل السجن، في حين كان ابتكار وسائل التعذيب المهين في تلك الأحداث تكثيفاً لكل الفظائع التي وقعت في أسوأ سجون التاريخ.

    على الرغم من ذلك، لم يغيّر الخليفيون من سياستهم ضد المعتقلين، وتمادوا في الانتقام والعقاب الجماعي. وقد أنزلوا أحكاماً إضافية قاسية ضدّ السّجناء المتهمين بالوقوف وراء هذه الأحداث، وبينهم سجناء قدّموا هنا شهاداتهم حول الأحداث.

    في شهر يونيو من العام ٢٠١٥، أحال القضاء الخليفي ٥٧ سجينا إلى المحاكمة على خلفية هذه الأحداث. وقد صدرَ ضدّهم في ٢٥ يناير من العام ٢٠١٦م الحكمُ بالسجن ١٥ سنة، إضافة إلى أحكامهم السابقة. لم يكتفِ النظام بذلك، بل فرضَ على السجناءِ مبالغَ مالية مرتفة جداً، وألزمهم بدفع أكثر من نصف مليون دينار (مليون وثلاثمائة دولار أمريكي)، وذلك بعد أن وجّهت لهم النيابة العامة الخليفية تهماً بـ”افتعال أعمال الفوضى والشغب والتمرُّد داخل المباني المخصّصة لإقامة النزلاء”، بالإضافة إلى مجموعةٍ أخرى من التهم، منها: “إتلاف ممتلكات عامة، والاعتداء على الشرطة، الحرق، ومقاومة السّلطات”.

    في تقرير أصدرته في مايو ٢٠١٥م كلٌّ من منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين”، و”معهد البحرين للحقوق والديمقراطية”، و”مركز البحرين لحقوق الإنسان”، تحت عنوان “من داخل جو: وحشية الحكومة في سجن البحرين المركزي”؛ أكد أن “التعذيب الجسدي، ومنع الرّعاية الطبية، والاكتظاظ الهائل؛ لازال سبباً للفشل المنهجي لنظام السجون في البحرين”. إلا أن بسالة السجناء كانت الوجه الآخر في هذا الفشل الخليفي، وهو الوجه الذي تؤكد عليه إفادات السجناء في هذا الإصدار، ولاسيما السلوك المقاوم للسجناء الذين أضحوا شهداء لاحقا.

    الأمم المتحدة، ومن خلال المفوّض السّامي لحقوق الإنسان، أبدت “القلق إزاء المعاملة القاسية للمعتقلين في سجن جو”، داعياً إلى “إجراء تحقيقاتٍ تزيهة وسريعة وفعّالة، لضمان وصول ضجايا التعذيب وسوء المعاملة إلى الحلول المناسبة”، ودعت لتحقيق” نزيه” في تلك الأحداث، ومحاكمة المتورطين فيها. إلا أن النظام لم يفعل شيئاً من ذلك، وتمادى في الانتهاكات داخل السجون، وأعلن مع الوقت تحدّيه للمفوضية السّامية، واتهمها بالتسييس والتحيّز، وانتهى الأمر، في فبراير ٢٠١٧م إلى إعلان المفوضية السامية وقف تعاونها مع حكومة آل خليفة في مجال برنامج المساعدة التقنية.

    على المدى القريب؛ شكلت أحداث سجن جو في العاشر من مارس ٢٠١٥م؛ حافزا إضافيا على المقاومةِ من داخل السجون، بما في ذلك الاعتصام والإضراب عن الطعام، وإعلان الاعتراض الجدي على سوءِ المعاملة والتعذيب الممنهج، وصولا إلى التخطيط لعمليات مستمرة من أجل “كسر قيود” السجن، كما حصل في يونيو من العام ٢٠١٦م في سجن الحوض الجاف، ووصولاً إلى عملية التحرّر الكبيرة التي تقدّمها الشهيد رضا الغسرة في الأول من يناير ٢٠١٧م، والتي شكلت منعطفا كبيرا في تسلسل أحداث سجن جو، حيث أكدت زفراتُ السجناء هنا أنهم لم تكن هواء ساخناً في المجهول، بل شعلةً من الرّفض والتحدي الذي لا يعرف الحدود.

     سيكون ملفُ السجناء، إذن، حاضرا على الدّوام في الشعار السياسي والوجدان الشعبي لثورة البحرين، وسيظلّ كذلك مؤشرا ثابتا على المأزق الخليفي العميق، والمتراكم. هؤلاء الذين يصفهم المواطنون بـ”تيجان الوطن”؛ يمنحون الثورةَ تكثيفا لعاملها الموضوعي غير القابل للنفاذ، وهو ما يعني أن مضاعفة أعداد السجناء، والإمعان في الانتقام منهم؛ سيكون على الدوام الإشعارَ الثابت على حيويةِ الثورة من جانب، والضرورة الحتمية لانتصارها من جانبٍ آخر. والشاهدُ الحاسم على ذلك هو الزّخم الهائل الذي تشرّبته ثورة البحرين، في ذكرها السادسة؛ مع تفجُّر دماء شهداءِ الإعدام: سامي مشيمع، عباس السميع، وعلي السنكيس)، وشهداءِ الحرية والمقاومة: رضا الغسرة، محمود يحيى، ومصطفى عبد علي.

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟