مواضيع

التعذيب إرث المستعمر البريطاني

بقلم الإعلامي ساهر عريبي

     لا يمكن الحديث عن ممارسات التعذيب الشائعة في معتقلات البحرين، بمعزل عن إرث الأمبراطورية البريطانية التي تركت بصماتها على البحرين، بعد أكثر من قرنين من الإستعمار.

     تعود جذور تلك الممارسات إلى أوائل القرن الماضي، ومنذ ولادة قوات الشرطة في العشرينات من ذلك القرن. حيث تشير مذكرات المستشار البريطاني تشارلز بلغريف إلى شيوع تلك الممارسات طيلة السنوات الممتدة من عام ١٩٢٦ حتى عام ١٩٥٧ والتي كان يعتبر فيها الحاكم الفعلي للبحرين.

    تضمّنت مذكرات بلغريف العديد من القصص حول ممارسات التعذيب أثناء التحقيق مع متهمين بجرائم اعتبرت حينها تشكل تهديدا للإستعمار البريطاني، أو لعائلة آل خليفة .أحد تلك القصص هي تلك المتعلقة بمحاولة اغتيال عيسى حمد الخليفة حاكم البحرين في العام ١٩٢٦م.

     يروي بلغريف في مذكراته أن قائد الشرطة حينها، الكابتن بارك، اعتقل عددا من المشتبه بهم في ضلوعهم في عملية الإغتيال، ولجأ إلى استخدام أساليب وصفها بـ”الشرقية” لإنتزاع اعترافات منهم. بلغريف وصف إحدى تلك الممارسات وهي عبارة عن تعليق المتهمين، ووضع أوراق مشتعلة بين أصابع أقدامهم.

    بلغريف أشار كذلك في يومياته إلى حرمان المعتقلين من النوم لليالٍ عديدة، كأحد أساليب التعذيب المستخدمة حينذاك لإنتزاع اعترافات. فيما وصف بعض الأساليب الأخرى بـ”الهمجية وغير القانونية”، لكنه لم يذكر تفاصيل عنها، كتلك التي استخدمت ضد المتهمين في ما عُرف بثورة اللؤلؤة في البحرين، والتي اندلعت في العام ١٩٣٢.

    تلك الممارسات أصبحت منتظمة وروتينية في المعتقلات بعد قدوم البريطاني إيان هندرسون إلى البحرين أواخر الستينات من القرن الماضي، والذي أكمل درب المستشار بلغراف الذي أجبر على مغادرة البحرين حينها.

إيان هندرسون مهندس التعذيب

    إيان هندرسون أو كما يحلو للبحرانيين أن يطلقوا عليه لقب “مهندس التعذيب” أو كما أضفت عليه الصحافة البريطانية لقب “الجزّار”. كان ضابطًا معروفا بوحشيته في كينيا في قمع حركة “الماو ماو” المعارضة للإستعمار البريطاني. وبعد نيل كينيا استقلالها انتدبته بريطانيا للعمل في البحرين مشرفاً على جهاز الأمن الذي يتولى الحفاظ على حكم عائلة آل خليفة.

    ارتبط هندرسون بعلاقة وثيقة مع خليفة سلمان الخليفة، رئيس الوزراء الحالي الذي عيّنه مشرفا على جهار المخابرات بعد استقلال البلاد في العام ١٩٧١ وبقي في منصبه وحتى إحالته على التقاعد في العام ١٩٩٨، غير أنه احتفظ بمنصب مستشار لدى وزير الداخلية الخليفي.

    أرسى هندرسون دعائم مدرسة أمنية قائمة على  التخويف والتعذيب بهدف الإنتقام من جميع معارضي نظام حكم عائلة آل خليفة، الذي كان وفياً له وحتى وفاته في العام ٢٠١٣. تمتّع هندرسون بسلطات مطلقة، واعتمد وبشكل أساس على المرتزقة المستوردين لبناء جهاز الأمن في البحرين، الذي يهيمن عليه الباكستانيين والسودانيين واليمنيين، ولاحقا السوريين والعراقيين من فدائيي المقبور صدام حسين.

    كانت ممارسات التعذيب شائعة في عهده، وخاصة عند قمع السلطات لما عُرف بانتفاضة التسعينات المطالبة بالتغيير، إذ استشهد  العديد من المعارضين جراء التعذيب داخل السجون، ومنهم الشيخ علي النجاس في العام ١٩٩٤. كان هندرسون أداة الخليفيين لإرعاب المعارضين وترهيبهم، بل وحتى الأكفاء الذين يرفضون الإنغماس في الفساد الذي يطبع حكم عائلة آل خليفة.

     أحد هؤلاء الضحايا كان الإقتصادي البحراني حسين النجادي، الذي روى قصة استدعائه من قبل هندرسون في كتابه الموسوم  (البحر والتلال)، والذي سرد فيه قصة تقديم هندرسون عرضا بتعيينه وزيرا للمالية. لكن رفض النجادي التستر على فساد عائلة آل خليفة أثار غضب هندرسون، ودفع النجادي ثمنا باهضا لرفضه، إذ تم سجنه في العام ١٩٨٥ لمدة سبع سنوات، ومصادرة أمواله قبل أن يغادر البحرين سرّا ويتوجّه نحو ماليزيا التي قُتِل فيها لاحقا في العام ٢٠١٣م.\

    شهد الربع الأخير من القرن الماضي سقوط العديد من البحرانيين شهداء في معتقلات آل خليفة جرّاء التعذيب، فخلال انتفاضة السبعينات استشهد سعيد العويناتي وهاشم العلوي، وأما  الثمانينات فشهدت استشهاد جميل العلي.

    وتصاعدت وتيرة التعذيب في التسعينات، وأسفرت عن استشهاد كلٍّ من الشاب سعيد الإسكافي ذو السابعة عشر عاما بعد أقل من ٤٨ ساعة من تسليم نفسه ليعود جثة هامدة لأهله، تبعه الشهيد السيد علي أمين من كرباباد وسُلمت جثه خلال ٤٨ ساعة كذلك، والشهيد نوح من النعيم.

    تخرّج على يدي هندرسون عدد من الجلادين، وفي طليعتهم العقيد السابق عادل فليفل الذي عُرف بوحشيته، وكان وفيا لأستاذه هندرسون الذي نعاه عند وفاته.

    وبعد إحالته على التقاعد عمل مستشارا لوزير الداخلية الخليفية، وعند اندلاع ثورة الرابع عشر من فبراير عام ٢٠١١م استعان الخليفيون مرّة أخرى بضابط بريطاني ليكمل مسيرة إيان هندرسون ألا وهو مساعد المفوض العام لشرطة لندن، جون ييتس، الذي أُجبر على الإستقالة من منصبه عام ٢٠١١ إثر ما عُرف بفضيحة التنصت.

البريطاني حون ييتس: مهندس قمع الإحتجاجات

    اندلعت ثورة الرابع عشر من فبراير في العام ٢٠١١ فما كان من النظام إلا أن يُسارع لقمعها، وبكلِّ قسوة، وباستخدام مختلف الوسائل، ومنها وسائل التعذيب التي ورثها من البريطاني إيان هندرسون ومن سبقوه. وكانت النتيجة في الأيام الأولى للثورة هي سقوط عدد من الشهداء داخل المعتقلات جراء القمع الوحشي، ومنهم الشهيد عبدالكريم فخراوي وعلي صقر وآخرين.

    أوشك النظام الخليفي على  السقوط في فبراير من ذلك العام لولا الإحتلال العسكري السعودي للبلاد في مارس من ذلك العام، والذي أدى إلى قمع الثورة بمباركة بريطانية، لكنه فشل في القضاء عليها، إذ استمرت الإحتجاجات الجماهيرية في مختلف القرى والبلدات البحرانية، ولا زالت مستمرة، بالرغم من استقدام الخليفيين لضابط  بريطاني آخر هو جون ييتس.

     السلطات الخليفية وقّعت على عقد مع ييتس يسمح له بالإشراف على قوات الشرطة في البحرين، وادعى ييتس أن الهدف من عمله هو إجراء إصلاحات في أجهزة الأمن، لكنه ولم يكد يمضي على عمله سوى بضع شهور، حتى بانَ الهدف الحقيقي من قدومه إلى البحرين، ألا وهو هندسة قمع الإحتجاجات، وتلميع صورة نظام عائلة آل خليفة الحاكمة.

    ظهر ذلك عبر الرسالة الى بعثها في العام ٢٠١٢ الى جان تود رئيس الإتحاد الدولي للسيارات بعد تعرُّض الإتحاد إلى ضغوطٍ لمنع إقامة سباقات الفورمولا في البحرين بعد القمع الدّموي للحراك المطالب بالتغيير في البحرين. ييتس أوضح في رسالته إنه لا يعتذر عن القمع الدّموي الذي حدث بعد انتفاضة العام الماضي، ولا يسعه سوى نفي وجود أي مشاكل في المملكة.

الدور البريطاني في تبييض صفحة النظام الخليفي

    الدور البريطاني في تبييض ممارسات التعذيب في البحرين كشفت عنه مؤخرا منظمة “ريبريف” المدافعة عن حقوق الإنسان، التي اوضحت أن  الشّرطة البريطانية قدّمت نصائح إلى نظيرتها البحرين بشأن كيفية “تبييض” الوفيّات أثناء الاعتقال.

    وكشفت المنظمة أن تلك الاستشارات كانت جزءًا من صفقة تدريب تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات الاسترلينية، مع نظام آل خليفة، حيث تمارس قوات الأمن بشكل روتيني التّعذيب وأحكام الإعدام، وكلاهما محظور وفقًا للتّشريعات الدّولية.

    زادت هذه الادعاءات من المخاوف بشأن استخدام الشّرطة وقوات الأمن البريطانية كـ “قتلة مأجورين” من قبل نظام البحرين.

     كشفت “ريبريف” عن رسالة إلكترونية تظهر أن  مسؤولين رفيعين في شرطة آل خليفة طلبوا من أمين “تظلمات الشّرطة في إيرلندا الشّمالية” المشورة بشأن إبراز كيفية تعاملهم مع الشّكاوى المقدمة ضد الشّرطة.

    وتركز الطلب على التّحقيقات فيما يتعلق بالوفيات أو الإصابات البالغة التي تسبّبت بها الشّرطة، وكيفية التّواصل مع أسر الضّحايا في هذه الحالات، وهو الأمر الذي اعتبرته مديرة “ريبريف”، مايا فوا، إنه “لأمر مروع أن تدفع بريطانيا الشّرطة في البحرين لتتعلم كيفية تبييض حالات الوفاة أثناء الاعتقال”.

     ومع تصاعد حدة الإنتهاكات في البحرين؛ كان وزير الخارجية البريطانية السابق فيليب هاموند، يدّعي بان البحرين بلد يسير في الإتجاه الصحيح، وأنه يحقّق تقدُّماً على صعيد الإصلاح!

    وزارة الخارجية البريطانية كشفت هذا العام  عن منحها لمساعدات بقيمة ٢.١ مليون جنيه إسترليني لتدريب حراس السجون في البحرين. وقالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية في عددها الصادر يوم الإثنين (٢٣ مايو ٢٠١٦) تعليقا على ذلك  “نظام التعذيب استلم ٢.١ مليون جنيه كمساعدات لتدريب حرّاس السجون التي تكثر فيها ممارسات التعذيب”. فيما ادعت وزارة الخارجية أنها عملت مع البحرين لتقديم مساعدة إصلاح واسعة تركز على تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون”. تفاصيل تلك المساعدات البريطانية كشف عنها معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD) الذي نشر تقريرا مفضلا عن ذلك.

سياسة الترقيع البريطانية في البحرين

     أصدر معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD) تقريرا في شهر يونيو ٢٠١٦م بعنوان “ترقيع حول الحافّات” وتطرق فيه بالتفضيل إلى العلاقة بين المملكة المتحدة والبحرين. المعهد وصف السياسة البريطانية في البلاد بأنها ذات “نتائج عكسية”، “مضلّلة” و “غير قابلة للإستمرار”.

    المعهد حقٌق في الخيوط الثلاثة الرئيسية في تلك السياسة، ألا وهي حقوق الإنسان والإقتصاد والأمن. وخلص التقرير إلى أنه لم يتم تقويض حقوق الإنسان فحسب، ولكن سياسات المملكة المتحدة تقوم على إعطاء الزخم لحكومة البحرين بالرغم من استمرار الإنحدار في مسيرة حقوق الإنسان.

    ويخلص التقرير إلى أن  برنامج المساعدة التقنية في مجال حقوق الإنسان، والذي بدأته المملكة المتحدة  في عام ٢٠١٢م، وكلّف دافعي الضرائب البريطانيين  حوالي ٣.٧ مليون  جنيه استرليني، لم يؤد إلى خفض الإنتهاكات التي يتعرّض لها المواطنون البحرانيون في مجال حقوق الإنسان، في حين أن خطاب في المملكة المتحدة الإيجابي عن البحرين كان له تأثير عكسي.

     شهدت المساعدة البريطانية إنشاء وتدريب أمين المظالم، لجنة السجناء وحقوق المعتقلين، وحدة التحقيق الخاصة والمعهد الوطني لحقوق الإنسان؛ وتدريب الشرطة والقضاء.

    المعهد أوضح بأن حدّة انتهاكات حقوق الإنسان؛ تزايدت منذ أن وافقت البحرين على إقامة قاعدة عسكرية بريطانية في البلاد. إذ ارتفع عدد أحكام الإعدام، كما وازدادت وتيرة سحب الجنسية لتصل الى ٢٦٠ حالة، ومنذ ذلك الحين. ورغم ذلك واصلت بريطانيا الثناء على ما تسميه بمسيرة الإصلاحات في البحرين، وهو ما اعتبره المعهد بأنه يبعث “رسائل مضلّلة” حول اوضاع حقوق الإنسان في البحرين.

    وأشار المعهد إلى الزيارة التي قام بها وفد البريطاني إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف في الأسبوع السابق لدورة سبتمبر ٢٠١٥م لمجلس حقوق الإنسان، وضم الوفد أعضاء من السفارة البريطانية في البحرين، وممثلي المنظمات البريطانية المشاركة في برنامج المساعدة، والتقى الوفد مع الدول والمنظمات غير الحكومية لاطلاعهم على التقدم في مسيرة الحقوق في البحرين.

    واعتبر المعهد تلك الزيارة بمثابة تبييض لصفحة النظام، وأدّت إلى تمييع لغة بيان صدر فيما بعد حول التدهور الحاصل في أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

    هذا الدعم الأمني  البريطاني يندرج في إطار سياسة متكاملة لتقديم كافة أشكال الدعم للنظام الحاكم في البحرين، وخاصة في المحافل الدولية، ومنها مجلس حقوق الإنسان، وقد قبضت بريطانيا الثمن عبر صفقات التسلح، وعبر إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في المنطقة، وبتمويل من نظام  عائلة آل خليفة.

    كانت أهم نتائج السياسة البريطانية في البحرين، هي إطلاق يد النظام الحاكم في البلاد وبحماية بريطانية، في تجاوز كافة الخطوط الحمراء، ومنها القمع الوحشي للمعتقلين في سجن جو في مارس من العام   ٢٠١٥م  حيث تعرّض السجناء إلى تعذيب شديد أسفر عن إلحاق أضرار جسدية ونفسية بالغة بهم.

    أثمرت السياسة البريطانية عن إنشاء مكتب التظلمات الذي يفترض به أن يحقق في الإنتهاكات التي يتعرّض لها السجناء. لكن ذلك المكتب أثبت فشله بعد وقوع انتفاضة سجن جو، إذ كان منحازا للحكومة لأنه غير مستقل بل تابع له. فيما أعطت المباركة البريطانية لقمع سلطات البحرين لإنتفاضة سجن جو؛ زخما للخليفيين للإستمرار في إمعانهم بانتهاك حقوق المعتقلين وتعذيبهم.

    ولعبت مفوضية السجون البريطانية بعد الإنتفاضة دورا في كيفية السيطرة على السجناء، ومنعهم من الإعتراض على ظروف سجنهم السيئة. زوّدت المقوضية البحرين بالأدوات والإجهزة  والخبرات اللازمة لإحكام القبضة على السجون، ومنها كاميرات المراقبة وطريقة تركيبها، وكذلك تدريب حراس السجون على كيفية التعامل مع الإحتجاجات.

قوات الدرك الأردني في خدمة عائلة آل خليفة

    يعود تاريخ التواجد الأردني في مؤسسات القمع في البحرين الى التسعينات من القرن الماضي، والتي شهدت فيها البلاد انتفاضة قمعتها سلطات آل خليفة بكل شدة. وعُرف حينها ضباط أردنيون اشتهروا في مجال القمع في البحرين، ومنهم ضباط يُدعى محمود العكوري، لكن مشاركتهم ظلّت سرّا لم تكشف عنها سلطات البحرين بالرغم من يقين البحرانيين التام بوجود مثل تلك القوات.

    غير أن الشكوك ظلّت تحوم حول تواجد قوات عسكرية أردنية في البحرين، وليس حالات فردية، تعمل جنبا إلى جنب مع قوات الداخلية، ووجّه بحرانيون أصابع الإتهام لها بالضلوع في عمليات تعذيب ناشطين معارضي داخل السجون. وفي المشاركة بقمع الإحتجاجات الشعبية التي اندلعت في البلاد عام ٢٠١١م.

    بقيت القضية محلّ شك، وحتى قطعت وثائق جرى تسريبها من (البنك العربي) في البحرين؛ قطعت الشّك باليقين لتثبت وجود قوات من الدرك الأردني في البحرين تعمل وفقا لإتفاقات موقّعة مع السلطات الأردنية. ففي أبريل من العام ٢٠١٤م كشفت وثائق مسرَّبة من المصرف وجود نحو ٤٩٩ عنصرا من الدرك الأردني، بلغت تخصيصاتهم المالية مقدار ٧٠٠ ألف دينار في الشهر.

    وأظهرت الوثائق بأنهم تمّ دمجهم ضمن كار وزارة الداخلية، إذ تم وصفهم في إحدى المراسلات بـ”مستخقات منسوبي وزارة الداخلية”. وكان اللافت في هذه الفضيحة هو أنها كشفت عن القوات المستقدمة حديثا، فيما ظلت أعداد الأردنيين العاملين في الداخلية قبل ذلك طي الكتمان.

    لكن شبكة CNN  الإخبارية نقلت عن النائب في البرلمان الأردني، والمحاضر السابق في إحدى جامعات البحرين الدكتور محمد القطاطشة، قوله إن هناك نحو ٢٥٠٠ أردني يعملون بالأجهزة الأمنية البحرينية من المتقاعدين.

    هذا وأجمعت كافة إفادات المعتقلين في سجن جو أثناء تعرّضهم للتعذيب بأن الذين أشرفوا على تعذيبهم كانوا من الأردنيين، وقد أوردنا في الفصل الأول من هذا الكتاب  أسماء مجموعة من هؤلاء الجلاديين ورتبهم.

الخلفية الطائفية والقبلية للدرك الأردني

     لعل القاسم المشترك بين قوات المرتزقة العاملة في البحرين هو الشحن الطائفي الذي خضع له هؤلاء قبل وبعد استقدامهم إلى البحرين. ويمكن ملاحظة نتيجة ذلك عبر التعامل الوحشي لهؤلاء المرتزقة مع أبناء الشعب البحراني المطالبين بحقوقهم.

     المرتزقة العاملون في البحرين يأتي معظمهم من بلدان يسود فيها الشحن الطائفي الذي تغذيه الماكينة الإعلامية السعودية والجماعات الإرهابية المموّلة من قبلها، ومنها باكستان وسوريا والعراق والأردن التي تنشط فيها الجماعات السّلفية التكفيريّة.

    انعكس الشحن الطائفي وبشكل واضح وجليّ على سلوك هؤلاء المرتزقة في البحرين، فالشتائم الطائفية والإستهانة بمذهب أهل البيت وبرموز البحرانيين الدينية والسياسية، والإعتداء على مواكب عزاء عاشوراء هي خير دليل على ذلك.

    وسقط عدد من البحرانيين شهداء تحت مباضع جلادين أردنيين عند اندلاع ثورة الرابع عشر من فبراير، ومنهم الشهيد عبدالكريم فخراوي، وعلي صقر والمدون العشيري وآخرون، إذ أشارت تقارير صدرت حينها الى تورط ضابط أردني يُدعى عيسى المجالي في ممارسات التعذيب في المعتقلات.

    ومما يبدو أن هذا التورّط اللأردني في قمع الحراك تم تحت نظر أعلى السلطات في الأردن التي حذّر ملكها من ظهور هلال شيعي في المنطقة، إثر سقوط نظام صدام حسين في العام ٢٠٠٣.

    وساهم رجال دين داخل البلاد وخارجها في تأجيج النزعات الطائفية في البحرين عبر إتهام الشيعة بالكفر وبالخروج على ولاة الأمر، وهي التهم التي تعبّد الطريق امام المرتزقة لقمع البحرانيين بكل قسوة بعد توفير غطاء شرعي لإجرامهم.

   ومن ناحية أخرى؛ فإن الخلفية القبلية لهؤلاء المرتزقة تجعلهم أشدّ بطشا ضد البحرانيين، فالأردن بلاد عرفت بالنزاعات العشائرية والتعصب القبلي الذي ينخر مؤسساتها، وإلى الحد الذي يهمّش فيه دور مؤسسات الدولة، ولكن  ليس إلى الحد الذي يمسّ فيه النظام الملكي القائم في البلاد. ولذا فقد استخدمهم النظام الأردني في قمع أي حراك معارض في البلاد التي تحكم المخابرات الأردنية التابعة للقصر الملكي من قبضتها عليها، وتستخدم أدواتها من شرطة ودرك للسيطرة على الدولة.

    هذه الخليفية الطائفية والقبلية والقمعية جعلت من الدرك الأردني مؤسسة مثالية بالنسبة لسلطات آل خليفة لمواجهة الشعب البحراني، وهو ما يُفسر استقدام الآلاف منهم للعمل في صفوف مؤسساتها القمعية.

قوات للتدريب أم للقمع؟

    هذا الكشفُ أوقع حكومتي الأردن  والبحرين في حرج، وهما اللتان أجبرتا على الإعتراف ولأول مرة بتواجد مثل هذه القوات، إذ أقرّت وزيرة شؤون الإعلام الخليفية حينها، سميرة رجب، بوجودها، لكنها برّرت ذلك بالإدعاء أن “الاتفاقات الأمنية بين الأردن والبحرين تسمح بذلك”، وادّعت أن تواجدهم لا علاقة له بالأزمة البحرانية. وأما الناطق الرسمي حينها باسم الحكومة الأردنية، فقال إن “وجود قوات درك أردنية في البحرين لغايات تدريب وتأهيل الشرطة البحرينية”.

     هذه الفضيحة كشفت خيوط المشاركة الأردنية في قمع ثورة الرابع عشر من فبراير وفقا لمصادر إخبارية أردنية، ومنها موقع “خبرني”، الذي أوضح بأن  “أفواج الدرك التي ذهبت على مدار الأعوام الماضية إلى البحرين لم تكن عبارة عن وفود صغيرة الحجم، وكان بين أعضائها نسبة كبيرة من الأفراد من مختلف الرتب. ولم يتسنّ الحصول على رقم دقيق بشأن أعداد قوات الدرك الأردنية الموجودة في البحرين”.

    وزارة الداخلية التي نفت مرارا وتكرارا وجود مثل هذه القوات في البلاد؛ أُجبرت على إصدار بيان اعترفت فيه بوجودها، لكنها برّرت ذلك بـ” اتفاقية التعاون الأمني وبرامج التدريب التي يتم تنفيذها في هذا الشأن والتي شملت الالتحاق لغايات التدريب”.

    لكن رئيس المنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني، أنور الرشيد، كان له رأي آخر إذ ادّعى وجود معلومات مؤكدة بأن القوات الأردنية كانت تحاول إجهاض انتفاضة الشعب البحراني، وليست للتدريب.

    ومما يؤكد ذلك هو واقع الحال على الأرض، فالبحرانيون يوقفهم كل يوم المرتزقة الأجانب عند نقاط التفتيش، وفيهم مرتزقة من الهنود والباكستانيين والأردنيين واليمنيين والسوريين والعراقيين البعثيين والسودانيين، الذي لا ترى بينه سوى ضابط من البحرين مكلف بإمرتهم.

    وهؤلاء يرتكبون من الإنتهاكات بحق البحرانيين، مما لا يمكن وصفه من إهانات وتحرشات وضرب وتعذيب وإطلاق للغازات الخانقة، داخل المنازل واقتحام للمنازل بالإضافة إلى ممارسات التعذيب داخل المعتقلات.

    وأكّدت ذلك معلومات مؤكدة وردت من سجن “الحوض الجاف” في أبريل من العام ٢٠١٤م، وأفادت بتعرُّض المعتقل أحمد علي الشيخ لتعذيب شديد من قبل قوات الدرك الأردنية التي كلّفت حديثا بإدارة السجن. وذكرت تلك المعلومات أن ملازما أردنيا يُدعى ثائر اعتدى بالضرب على الشيخ الذي تدهورت صحته بشكل شديد، نتيجة للتعذيب والحرمان من الكثير من الحاجات الأساسية.

    ورشحت كذلك حينها معلومات من سجن الحوض، وأفادت بمهاجة قوات من الدرك الأردني بعنبر رقم ١٠ في السجن، وأقدمت على إهانة المقدسات الإسلامية كالقرآن والترب الحسينية، واعتدت بالضرب على رجل الدين الشيعي الشيخ رياض الحني، وذلك بعد أن استبدلت إدارة السجن الحراس بفرقة من الدرك الأردني.

    وهكذا تنضم هذه القوات إلى سلسلة من القوات الأجنبية التي استقدمها آل خليفة للحفاظ على عرشهم المتهاوي، وفي طليعتها القوات السعودية والإماراتية التي احتلت البلاد عام ٢٠١١م، وقوات الأسطول الخامس الأمريكي، التي تتخذ من البحرين مقرا لها، والقوات البحرية البريطانية، وقوة (أمواج الخليج) التي كشف مقتل الضابط الإماراتي طارق الشحي عن وجودها، فضلا عن قوات من المرتزقة من العديد من البلدان، مثل سوريا والعراق واليمن والباكستان وغيرها من الدول.

المصادر:

– كتاب (البحر والتلال) للاقتصادي البحراني حسين النجادي

– تقرير بيرد : Tinkering around the edges

http://birdbh.org/2016/06/tinkering-around-the-edges-new-report-finds-british-policies-in-bahrain-counter-productive-and-unsustainable/

– يوميات تشارلز بلغريف

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟