مواضيع

إفادة (ح-م): الهجوم على المبنى٤

     بعد إن احتدمت المواجهات والصدامات مع مرتزقة الكيان الخليفي لعدة ساعات متواصله في سجن جو المركزي، وفي غالبية المباني، منها مبنى ١و٢  العزل، و٣و ٤و٦ على خلفية اعتداء شرطة الزيارات على إحدى قريبات أحد النزلاء؛ وصل كم هائل من مركبات المرتزقه المختلفة، من ضمنها (قوات الكامندوز – قوات مكافحة الشغب – قوات الدرك الاردني)، بمعيّة التحليق المروحي المنخفض حتى أصبح سجن جو مكتظا عن بكرة أبيه، وكان أشبه بالقاعدة أو الثكنة العسكرية حتى أخذت الأزقة والممرات بين المباني.

      أصبحت كلّ بقعة من حرم السجن لا تخلو من تواجدهم المكثف الذي كان يزداد بين الفينة والأخرى كلّما تقدّم الوقت، وكنا ننظر لهم من نافذة الاستقبال في مقدمة المبنى.

     بعد هذا التواجد المكثف لمرتزقة الكيان الخليفي؛ أخذت كل فرقه بالزحف نحو مبنى في محاولة لإحكام والسيطرة في أسرع وقت ممكن. وبما أن مبنى (٤) هو المبنى الأكبر في السجن من حيث الطاقة الاستيعابية للنزلاء، ويحوي ما لا يقل عن ٤٧٠ نزيلا. إلا أن ذلك الوقت، وفي آخر إحصاء، كان يضم (١٠٢٣) نزيلا، وكانت هذه الفتره تسمى بفترة الاكتظاظ، نظرا لكثرة الاعتقالات والاحكام وقلة المباني والسجون، مما دعىا لنوم النزلاء في شرفة الاستقبال  (الكونتر)، وفي الممرات بين العنابر، وممرات داخل العنابر، وحتى في المصلى.

     شرعت مرتزقة الكيان الخليفي المدجّجهة بالسلاح والعتاد والأسلحة ذات الذخيرة الحية والأسلحة المحرمة دوليا، كسلاح الشوزن الانشطاري، بمحاصرة المبنى من كل حدب وصوب، ومن كافة الزوايا والجهات، حتى تمركزوا على أبواب مخارج الطوارئ للمبنى، تحسبا لأي محاولة للخروج. وكانت هنالك فرقه راجلة متمركزة أيضا بالقرب من سور الملعب المحاذي لـ(استراحة الطعام).

    شاهدنا من بينهم أفرادا لقوات الكامندوز يرتدون البزّة السوداء. وبعد كل هذا الحصار المدعوم بالمروحية التي  تحلق على علو منخفض؛ بدأ القمع من خارج أسوار المبنى مستخدمين سلاح الغازات السامة والمسيلة للدموع الذي صنع للاستخدام في المساحات الواسعة والشاسعة، وليس في سجن جل تفصيله ممرات وأزقة. 

قنابل صوتية وانشطاريّة

    كان القمع مفرطا للغاية، حتى انتشرت أدخنة الغازات السامة إلى الداخل، حيث العنابر المتلاصقة والممرات المحكمة، والمغلقة الضيقة.

     حاول النزلاء الذود والدفاع عن أنفسهم، إلا أن القمع كان مفرطا، لا يتوقف. وماهي الا دقائق إلا ومرتزقة الكيان الخليفي تقتحم المبنى (٤) من أعلى السطح. وكانوا يرمون القنابل الصوتية الانشطارية في الممر المؤدي إلى الملعب، حيث يكتظ بالعديد من النزلاء الذين أخذت تتدافع نحو العنابر والزنازين هربا من القمع المباشر بالقنابل اليدوية التي تبعث غازا ودخانا كثيفت فور رميها. وبما أن المرتزقه معتلية المبنى، فقد كانت ترصد النزلاء هدفا مباشرا للتصويب. كان في هذه الأثناء كم كبير من النزلاء العزّل يهمّون مسرعين ناحية أقرب عنبر لالتقاط الأنفاس. كان هنالك عدد ليس بالقليل من حالات الإعياء والاختناق.

    كنت أنا من بين هذا الكم الهارب من فرط القمع في الملعب، ومن فوق سطح المبنى إلى أحد العنابر، إلى أن تمكّنت بالفعل من دخول زنزانة ملئت بالشباب. وكان كل فتره وجيزة يدخل شاب آخر هاربا حتى امتلأت بالكامل وكانت الغازات السامة تتسرّب من حمام الزنزانة، ومن بين بابها، وكان القمع محتدما حتى في ممر العنبر الذي لا يتجاوز طوله ٢٠ مترا وعرضه متران ونصف المتر، حتى راودنا ونحن نكاد نتنفس في الزنزانة المملؤة شعورٌ بأننا سنموت خنقاً.

 كان أحد الشباب معنا يروي ويقول:  بـ”أن المرتزقة اقتحمت المبنى من كل جانب لدرجة أن الهاربين من ناحية الملعب باتجاه العنابر ١-٢-٣ التقوا مع المرتزقة المقتحمة للمبنى من الباب الرئيسي. وكان هناك تشابك والتحام وتصويب مباشر في ممرات ضيقة، ويتحدث قائلا:  بأن “المرتزقة من فرْط خوفها، ومن شدة عنجهيتها  استخدمت سلاح الشوزن الانشطاري المحرم دوليا، وبالفعل “رأيت الاصابات بأم عيني بعد إخلاء المبنى وحُصرنا جميعا في الملعب”.

    كنّا نجهلُ مصيرنا حقيقة، وكنا نسمع سماعات المصلى تصدح بإعلاء كلمة الحق “الله أكبر”. كانت الأجواء رهيبة، وتنذر بحدثٍ وانتقام من هوْل القمع الذي يدلّ على حاله هيستيرية أصابت المرتزقة خاصة، وأن القمع في مبنى مغلق ومحكم وليس في بلده أو ساحة ليتسنى لك الهروب فيها أو الإفلات من ذلك. هنالك منْ يتم إلقاء القبض عليهم في الممرات بين العنابر لك أن تتصور ١٠٢٣ نزيلا لأي عدد من المرتزقة تحتاج للسيطرة عليهم. كان عددهم هائلا، والمصابين تحتار في أمرهم، حيث يفتقر المبنى لأي أدوات الاسعافات الأولية، ولا تكاد تلتقط أنفاسك حتى تستنشق الغازات السامة المسيلة للدموع. وكانت أعمارنا متفاوتة، ومن بيننا الشيوخ والكهول والمرضى، والذي تنعكس هذه الأجواء سلبا على صحتهم وسلامتهم.

اقتحام

    بينما كنا جالسين، كل واحد منا متراصّ بجسد الآخر، لضيق الزنزانة، حتى فُتح الباب بقوة. وكان في مقدمتهم ضابط برتبة ملازم أول، وهو مقنع بقناع أسود، ويلبس فوق رأسه خوذة بيضاء، ويضع كاميرا تصوير فيديو على صدره. فور دخوله أخذ يضحك ويقول: “ما شاء الله .. هلا هلا صوروني معاهم”.

     وجميع منْ معه ينتمون لقوات مكافحة الشغب التابعين لمعسكر سافرة. هذا الضابط كان على يمينه رفّ توجد به بعض الأغراض، من بينهم ماكينة حلاقة، مسكها بيمينه وأمر أحد الشباب بالوقوف، وأخذ يحلقه بطريقة مهينة، أي يحلق جانبا ويترك جانبا آخر. بعدها أمره بالخروج خارج الزنزانة، وأمر شخصا آخر بالوقوف. وما إن وقف حتى صفعه بماكينة الحلاقة على رأسه بقوة، وارتدت الماكينة ناحية السقف، عندها اندفع الجميع ناحية باب الزنزانة بشكل جماعي تفاديا لأساليب هذا الضابط المهينة.

الطريق من الزنزانة إلى الملعب

    ما إنْ تهمُّ بالخروج من الزنزانة حتى تكون مرمى للهروات واللكمات والركلات. كانوا يقفون بشكل طابور متقابلين بحيث يمرّ النزيل وسط هذا الطابور. وكلما بَعُد العنبر عن الملعب ازداد طول هذا الطابور من العنبر الذي كنا فيه حتى الملعب،  بمسافه تفوق ٥٠ مترا. كنتُ أركض وسط طابور المرتزقة، والهروات تنهال على جسدي ورفاقي من كلّ حدبٍ وصوب، وبعضهم يحمل في يده أسلاكاً يضرب بها، والآخر يضرب بالدرع، وثالث يحمل خوذته الصلبة ويضرب بها، في مشهد مليء بالتشفي والانتقام.

       كنتُ أركضُ مسرعا للنجاة من هذا الطابور، حتى سقطتُ بالقرب من عنبره. وكان هنالك آخرون ساقطين بسبب الصابون على الأرض، وما إن تسقط يتضاعف الضرب حتى تقوم وتواصل المسير في هذا الدرب. دماء متناثرة، وأشخاص مطروحون أرضا لا تقوى على الحراك من شدة ما لاقوه من ضرب مبرح. ولم أشاهد أي تفريق بين شاب ومُسن وبين جنائي أو سياسي.

“نام على بطنك”

    كانوا يضربون جميع من يمرّ في هذا الطابور بعد أن تلوّت الهروات على جسدي أنا ومن معي وصلنا إلى الملعب. تلقتنا مجموعة كبيرة جداً من المرتزقة، وكانوا يصرخون: “نام على بطنك”. وكانوا يكررونها. امتثلنا إلى أوامرهم، وفعلنا ما يريدون. وكان بجانبي شيخ تجاوزسنهُ الـ٥٠ عاما، وكان شعره أبيض بالكامل، مما يدلّ على كبر سنّه. ولكن لا استثناءات. هنالك الكثيرون ينزفون الدماء من رؤوسهم، وهنالك من كسّرت أيديهم.

    في هذه الأثناء؛ شاهدنا منْ هم مصابون بسلاح الشوزن المحرم دوليا، ولم تكن هناك أية رعاية طبية، سوى تواجد لأفراد يرتدون زيّ الجيش الخليفي، قيل أنهم تابعون للمستشفى العسكري، ويشخّصون الحالات، ولا يعالجونها، ولم تنقل أي حالة للمستشفى رغم الإصابات الخطيرة آنذاك. 

    استمرت عملية إخلاء العنابر إلى الملعب حتى اجتمع في الملعب جميع النزلاء، وكان آخر العنابر التي تم إخلاؤها، وهي عنبر ٢ و٣ أما عنبر ٢ قيل إنهم اعتدوا بالضرب على ضابط برتبة ملازم، فكانوا هم أكثر إصابات وأكثر  إدماءاً حينها.

إفادة (ع-م): دكان النزلاء

     نظرا للأحداث الأخيرة التي يشهدها مركز الإصلاح والتأهيل (سجن جو)، واستمرار الانتهاكات؛ فإننا نود أن نقف عند بعض النقاط التالية:

ـ أولا: عمدت إدارة مركز الإصلاح والتأهيل بسجن جو إلى ابتزاز النزلاء بشتى الوسائل، والتضيق عليهم بكل السبل، وكان من بينها (دكان النزلاء) المسمى بالكانتين، حيث تصدر الإدارة كل يوم قرارا جديدا تتعمد من خلاله تأزيم الوضع والتضييق على النزلاء داخل السجن. وقد عمدت إلى توفير بعض الأطعمة التي تبين أن صلاحيتها منتهية أو قريبة الانتهاء، كما قامت بتوفير أردأ أنواع الأطعمة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد بشكل كبير جدا، كما أنها لا تسمح للنزلاء إلا بشراء قطعة واحدة من كل شيء، مع العلم بأنه تم السماح لكل مبنى بالشراء-ولمرة واحدة شهريا فقط، وبالتالي فإن المشروبات لم تكن تكفي لأسبوع واحد، فكيف الشهر بأكمله! كما قامت (الإدارة) بالتضييق على النزلاء المدخنين، حيث أجبرتهم على شراء صندوق واحد (كروز) فقط للشهر بأكمله، وهذا كله من أجل إذلال المعتقلين، بالإضافة إلى عدم توفير ماء الصحة المعدني، وبالخصوص لمن يعانون من أمراض الكلى وغيرها. 

ـ ثانيا: وفيما يتعلق بسوء المعاملة؛ فحدث ولا حرج! حيث الانتهاكات والإهانات مستمرة ليلا ونهارا، من أعلى هرم في ادارة السجن وإلى أصغر عسكري فيها. وليس ضرب المعتقلين، وإهانتهم، وعدم توفير كتب العبادات وغيرها.. إلا دليل مستمر وواضح على هذه الانتهاكات. وعلى مدى الليل والنهار؛ يتم تهديد النزلاء بالسجن الإنفرادي، والحرمان من النوم، والتعذيب، والحرمان من الكانتين للنزلاء، أمثال الشرطي صلاح، وهو بلوشي الجنسية، وكذلك محمد ميرزا وهو هندي الجنسية، حيث يتم إرسالهم بقصد استفزازي للنيل من كرامة المعتقلين. 

ـ ثالثا:  لوحظ في الآونة الأخيرة أن بعض المعتقلين ممن لديهم أطفال بالروضة أو الصفوف الابتدائية؛ فوجئوا بإعطائهم زيارات استثنائية، وبعد الفحص والإستعلام تبين أن الجلاد ناصر بن حمد (نجل الحاكم الخليفي حمد الخليفة) هو من قام بهذه الخطوة بقصد تلميع صورته قبل انعقاد جلسات جنيف (مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف)، مع العلم بأن هذه الزيارات هي في واقع الأمر من حقوق النزلاء وليس لأحد التفضل أو التكرم بهاو ولا يستطيع هذا الجلاد أن يظهر صورته بالمظهر الحسن، حيث هو من قام بتعذيب الرموز وكثير من المعتقلين أثناء فترة ما تسمى بالسلامة الوطنية، فلا يظن أنه من خلال حق من حقوق النزلاء بإمكانه تلميع تلك الصورة الإجرامية القبيحة. كلا وألف كلا!

-ـ رابعا: حادثة علي أحمد مرهون: ففي تاريخ ٣ يونيو ٢٠١٥م؛ ذهب النزيل علي أحمد مرهون إلى المحكمة الصغرى، وذلك ما بين الساعة الثانية والنصف والثالثة بعد الظهر، وبعد الرجوع من المحكمة وكان ذلك عند قرابة الساعة السابعة والنصف مساء؛ استقبله مسؤول التحركات المسائية، المدعو محمد علي، وهو سوري الجنسية، حيث قام بضربه مع اثنين من الشرطة التابعين للإدارة. وكان ذلك في مناوبة الملازم محمد عبدالحميد، وقد كان أمر الضرب والتعذيب صادر عنه. وقد قام المدعو محمد علي بعد الفراغ من تعذيب علي هارون بإجباره على السير حافي القدمين من مبنى الإدارة وحتى غاية مبنى رقم 10 الذي ينزل فيه. وكان الوكر الذي شهد عملية التعذيب هو في الكابينة الواقعه قرب الإدارة، ولم يكن هناك سبب يذكر لتعذيبه سوى الحقد والكراهية. 

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟