مواضيع

إفادة نادر عبدالنبي سالم العريض

أحداث هامة في مارس

العمر: ٥١ عاما

الحكم: ١٥ سنة

    بتاريخ العاشر من مارس ٢٠١٥م، والذي يصادف يوم الثلاثاء، وتحديدا بين الساعة الواحدة والثانية ظهرا، وصل خبر إلى مبنى رقم واحد، مفاده أن عائلة من عوائل المحكومين تعرضت للضرب من قبل الشرطة في مبنى الزيارات، ما أثار مشاعر كل المحكومين، سواء في مبنى واحد أم المباني الأخرى، وهو ما أدى إلى تدخل قوات الشغب والهجوم على المباني.

    وكان المبنى الذي أتواجد فيه قد نال ما نالته المباني الأخرى من الهجوم، فبين الساعة الرابعة والخامسة مساء؛ تم إطلاق الرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية على كل المعتقلين. وبينها الغرفة التي أنام فيها، وهي غرفة رقم ٦ في العنبر الشمالي، حيث لم نستطع التنفس من شدة رائحة الغازات السامة التي وصلت إلى غرفتنا، مع العلم بأنني كبير السن، أعاني من حساسية تجاه بعض الأمراض.

    واستمرت هذه الحال إلى ما بعد أذان المغرب، ووقعت العديد من الإصابات المتفرقة في صفوف النزلاء. وقد توقف الطلق بعد ذلك، وبعد الفراغ من صلاة العشاءين؛ جاءت القوات مرة أخرى وبأعداد هائلة، وأمهلت من بالمبنى مدة بين النصف ساعة والساعة لمداهمته، حيث كان الباب الرئيسي مغلقا من قبل النزلاء تحصنا من الأخطار المحتملة وراء هذه المداهمات الغاشمة العدوانية.

    وبالفعل، تمت المداهمة، ولكن من خلال سطح المبنى وبأعداد كبيرة من قوات الكومندوز وقوات الشغب، بالإضافة إلى تحليق طائرة الهلوكوبتر بارتفاع منخفض على المبنى.

     وحصل كل ذلك وأنا بغرفتي، حيث كنت صائما، وكان معي كل من السيد صادق الشاخوري، وهو رجل دين، والسيد فيصل جميل العلوي، وهاني منصور حبيب، وسيد محمود وسيد علي أبناء السيد عباس من سكنة قرية السهلة. وبينما كنا كذلك، نزلت القوات في الفناء الخارجي المسمى ب”الفنس”، مستخدمة الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية، هذا بالإضافة إلى حمل بعضهم لسلاح الشوزن المحرم دوليا.

    بعد ذلك، وباستعمال آلة القطع الحديدية؛ قطعت القوات الباب الخارجي الذي يطل على “الفنس” من طريق مكتب الشرطة (الكونتر)، حيث دخلت القوات أولا على العنبر الجنوبي. وبينما كنا في غرفتنا، سمعنا صراخ النزلاء في “الفنس”، لكن لم يكن صراخا عاديا، حيث كان ممزوجا بالبكاء العالي، إضافة إلى أصوات الهراوات والآلات التي تستعملها القوات، والتي كانت تنهال على أجساد النزلاء، فضلا عن سماع الألفاظ البذيئة التي كانت تأتي من “الفنس”، من أمثال أبناء المتعة، الكلاب، الخنازير، وأبناء الفاعلة والتاركة وغير ذلك.

    وبعد ذلك، جاء الدور على عنبرنا، حيث داهموه بأعداد كبيرة جدا، حيث امتدوا على طول العنبر من الجهتين والجانبين، وألقوا قنبلة صوتية في غرفتنا، حتى تطايرت علينا، ودخلوا علينا وأخروجنا جميعا، واحدا تلو الآخر.

    وكان معنا نزيل اسمه وائل القابندي من العنبر الجنوبي، حيث كان هاربا من الهجوم، إلا أنه حصل على “وجبة التعذيب” وأخرجوه من الغرفة وهو يزحف من شدة التعذيب.

     وبينما كنا في الممر، وإذا بالهراوات على ظهورنا، والركل بالأرجل من كل جهة، مع السب والشتم والقذف. وكان بجانبي السيد الشاخوري والسيد فيصل، وعند المنعطف المقابل للعزل الذي يتواجد فيه المحكومون بالإعدام؛ تزاحم النزلاء، مما تسبب في اختناق السيد الشاخوري، فأمرنا أحد عناصر القوات الذي كان موجودا في العزل بالدخول نحن الثلاثة، وبالفعل دخلنا، ويا ليتنا لم ندخل! حيث شاهدنا “مجزرة كبرى”! حيث رأينا الدماء الغزيرة تسيل على وجوه المحكومين بالإعدام، وبينهم حسين البناي ورضا الغسرة وعلي الطويل وماهر عباس وغيرهم، ثم مكثنا فترة يسيرة حتى أخرجونا إلى مكتب الشرطة.

    دخلنا أنا والسيد الشاخوري إلى مكتب الشرطة، إلا أن السيد فيصل العلوي أمره الرائد حسن جاسم بالدخول إلى “الفنس” لينال “وجبة” من التعذيب. وكل ذلك في الوقت الذي كان فيه السيد الشاخوري مصابا، حيث لا يقوى على الحركة أو التنفس. وبينما كنا كذلك؛ حتى دخل علينا نزيلين، وهما مصطفى القابندي، وهو مصاب بالعين، والدماء تنزف منها، إضافة إلى جرح كبير خلف الأذن اليسري، وما بدا وكأنه كسر أو رضوض كبيرة في الرجل اليمنى. أما الآخر فهو أسامة السواد، وكانت الدماء تسيل من رأسه، هذا غير من تم نقلهم بالإسعاف أو محمولا بالأكتاف.

    وأمرونا بعد ذلك بالدخول إلى “الفنس”. وعند دخولنا شاهدنا “العجيب الغريب”! حيث النزلاء ممدون على الأرض، والصراخ يعلو، والدماء عليهم، وكأننا في ساحة حرب وليس سجنا.

    بعد ذلك، جاء أحمد الكاتب التابع للإدارة بقائمة أسماء، حيث نادى بأسماء من بينها: مجيد حبيب أحمد، مازن الونه، السيد أحمد الماجد، السيد فيصل العلوي، السيد صادق الشاخوري، الشيخ المحفوظ، حسن خزاز، وهشام الصباغ.. وغيرهم. حيث فتشونا في مكتب الشرطة، وأركبونا الباص، وكنا ما بين ١٩ إلى ٢٠ نزيلا. وهذا كله مع التفتيش المهين.

      مع العلم أنني طلبت منهم حمل الأغراض الضرورية، إلا أن أحمد الكاتب قال إن عنده أوامر بنقلنا دون أي شيء. وبالفعل، تحركنا وتم إيصالنا إلى مبنى رقم ١٠، حيث أدخلونا بعد التفتيش، وتم توزيعنا على الغرف، وبتنا ليلتنا دون طعام أو شراب، ولم تكن في الغرف فرش أو بطانيات أو وسادات، وكان الطقس باردا جدا، مع العلم أنني كنت صائما، ولم أفطر على شيء. واستمرت هذه الحال إلى ظهر يوم الأربعاء، وتحديدا بعد الساعة الثالثة والنصف، حيث كنا في العنبر ٢ من نفس المبنى.

أحداث هامة في أحداث جو

    وبعدها بدأت أحداث هامة جدا، أذكرها كالتالي:

١ـ بدأت حفلة التعذيب، والتي تسمى “حفلة الأرنب” بتاريخ ١١ مارس ٢٠١٥م، حيث أخرجوا النزلاء بشكل تدريجي، وأوقفوهم في “الفنس” الخارجي مقابلين الجدار، وأجبروهم على الوقوف على قدم واحدة. وقد شاهدت القوات وهي تعتدي على ظهور النزلاء بالضرب والركل، وسكبوا عليهم الماء البارد، وقاموا بحلاقتهم وإهانتهم، وإجبارهم على الزحف على بطونهم بعد حلاقتهم بشكل مهين، مع الدوس عليهم، هذا عدا عن الإهانات التي تمس العقائد والانتماءات العرقية والمذهبية.

    وقد شاهدت المحكوم بالإعدام عباس السميع وهو يتعرض للضرب بشدة، وسحبوا جسمه ووجهه نحو الجدار بعنف، حتى سالت الدماء على كامل جسده، ما أدى إلى تكسر أسنانه. وكذلك الحال مع محمد السنكيس، حيث رأيته لا يستطيع الحركة، فكان يمشي ويسقط. ورأيت أيضا الأستاذ مهدي أبو ديب، حيث أجلسوه عنوة وسكبوا عليه الماء البارد.

    واستمرت هذه الحفلة إلى منتصف الليل، أي حتى قرابة الساعة الثانية عشرة. وكان اللافت أن أحد المعتقلين عندما سمع من أحد الجلاوزة وهو يسأل: “من يريد عشاء” ، فأجاب هذا المعتقل بالإيجاب، إلا أنه أخذ “وجبة دسمة” من التعذيب، حتى خارت قواه. وكان ذلك بحضور وإشراف كل من الرائد حسن جاسم والعقيد ناصر بخيت، والملازم عيسى الجودر، والملازم عبد الله عيسى، والملازم معاذ، والملازم محمد عبد الحميد، والملازم أحمد خليل.

٢ـ في ذات “حفلة الأرنب”، وفي اليوم ذاته بتاريخ ١١ مارس ٢٠١٥م، أمروا حسن جابر القطان، الملقب بالجزيري، أن يجمع خصلات الشعر المتساقط من حلاقة النزلاء، خصلة خصلة، وفي الوقت نفسه كان يتلقى وجبات التعذيب والإهانة، حتى تورم جسمه، خاصة وجهه.

٣ـ في ليلة من الليالي، وفي شهر مارس تحديدا، جاءت القوات الغاشمة طالبة السجين مازن الونة، والذي أتى لأخده الشرطي اليمني مروان، حيث أخذه مع على رياض صنقور وعبد الجبار أحمد والمحامي علي السماهيجي. وعندما أرجعوهم بعد ساعات؛ شاهدت آثار الجريمة على جسده من الضرب، وقد تورم وجه مازن وعلى جميع أجزاء بدنه آثار الهراوات والركل بالأحذية وغيرها. وعندما سألته عما حدث، قال ساخرا: “تصور، أنهم يحققون حول وجود مادة TNT ويتهموننا بمحاولة تفجير مبنى (١) الذي نحن فيه.. فيا للسخرية”. بمعنى أن النظام يريد تغطية جرائمه.

     وفي ليلة أخرى، تم أخد وائل القابندي وزهير عبد العزيز وأحمد الصفار إلى الإدارة للتحقيق، وعند إرجاعهم كانت آثار التعذيب واضجة جدا على أجسادهم.

٤ـ في يوم من الأيام، بينما كنت خارجا من زنزانتي ذاهبا إلى الحمام، مررت بزنزانة الشيخ المحفوظ ومحمد السنكيس، وعندما سلمت عليهم، قام الوكيل تيسير ورؤساء العرفاء بلال وخالد بإخراجي مع الشيخ المحفوظ والسنكيس والشيخ زهير عاشور؛ وأغرقونا بالماء البارد، وأوقفونا في “الفنس” الخارجي لمدة طويلة، رغم كبر سني وسن الشيخ المحفوظ. هذه كانت عقوبة إلقاء التحية والسلام! ناهيك عن الإهانات! إضافة إلى الإجبار على الوقوف لساعات طويلة، والحرمان من النوم ومن الحمام في كل المناوبات التي تكون في المبنى.

٥ـ في ليلة من الليالي؛ جاءت القوات الغاشمة برفقة الوكيل محمد زكريا ورئيس العرفاء سامر؛ وأخرجوا النزلاء الذين كانوا بالغرفتين رقم ٣ و٥ في العنبر الذي كنت أتواجد فيه وهو عنبر رقم ٢. وكان النزلاء كلهم صغار السن، الذين تم جلبهم من مبنى ٣ ومبنى ٦. وكان عددهم يتراوح بين ١٦ و٢٠ نزيلا. وأخذوهم عند الثلاجة (مكتب ٩٩)، وعذبوهم شر تعذيب، وأرجعوهم إلى زنازينهم وهم يزحفون على الأرض من شدة التعذيب، وبكاؤهم يعلو، وأجسادهم تعلوها الدماء.

٦ـ بعد الإفراج عن الممرض إبراهيم الدمستاني بيوم أو يومين؛ أتى رئيس العرفاء خالد وكان برفقته الشرطة المجرمين قايد وجمعة؛ حيث أخرجوا الحقوقي ناجي فتيل وعلي حاجي والسيد أحمد رضا حميدان وقيدوهم من الخلف وعذبوهم وأغرقوهم بالمياه الباردة، وهددوهم واتهموهم بإيصال معلومات إلى إبراهيم الدمستاني.

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟