مواضيع

إفادة الأستاذ مهدي أبوذيب

“هل أنت شيعي أم سني؟”

   في يوم العاشر من مارس ٢٠١٥م، حدث في المبنى لغط بين الشرطة والمساجين أثناء وقت الغداء، وذلك كما علمت لاحقا بسبب حادثة وقعت في مبنى الزيارات، حيث اعتدى الشرطة فيها بالضرب على سجين قديم في قضية تهريب مخدرات، واسمه حسين عبدالنبي، هو وولده المسجون على ذمة قضية سياسية وزوجة حسين التي جاءت لزيارة زوجها وولدها، وأيضا تم ضرب قريب لهم مسجون على ذمة قضية سياسية.

     أثناء حدوث اللغط، كنت أتغدى، ولم أعر الموضوع أي اهتمام، لكون هذا النوع من اللغط يحدث بشكل متكرر ولأسباب مختلفة، فأنهيت غدائي وذهبت لزنزانتي لأنام قليلا، كالمعتاد.

     تصاعدت الأحداث، ولا أعلم كيف حدث ذلك، ولكني فوجئت برائحة قوية وخانقة عرفت من أثرها علي أنها غاز خانق ومسيل للدموع، ولم أتمكن من التنفس، فذهبت إلى المسجد الداخلي الذي كان انقى مكان في العنبر الجنوبي.

     كنت أتنقل بين المسجد والغرفة بحسب الوضع، وقد علمت بورود قائمة في الساعة الثانية ظهرا تضم ١٩ اسما، بينهم اسمي، لكي ننقل إلى مبنى رقم (١٠)، وكنت سعيدا بهذا الخبر لأنني علمت في وقت سابق أنه مبنى جديد، وقد استحدث لنقل عدد من المساجين إليه، وقد أتت قائمة قبل حوالي أسبوعين بأسماء من سيتم نقلهم، وكان اسمي في تلك القائمة أيضا، كما قيل لي.

     بعد صلاة المغرب؛ كنت في زنزانتي، ألقيت قنبلة صوتية عند باب الزنزانة تضررت منها أذني اليمنى، ثم جاء أحد شرطة مكافحة الشغب وهو يرفع هراوة طويلة، وأمرنا بالخروج من الزنزانة، وكان معي حوالي ٩-١٠ أشخاص في الزنزانة. خرجنا لكي نجد صفا متلاصقا من شرطة مكافحة الشغب على طول الممر المؤدي إلى الباحة الداخلية (الفنس)، وقاموا بضرب كل من يمر أمامهم بالهراوات، وكان تركيزهم على الرؤوس والجزء الأعلى من الجسم. وكانت الدماء تتطايير في كل مكان، إلى أن دخلنا الباحة، وكان الضرب مستمرا، فتهشمت أنوف ورؤوس الكثيرين، وأصيبت الأعين، إضافة للأيدي والأرجل والظهور والبطون.

    كان عدد شرطة مكافحة الشغب في الباحة أكثر من عدد المسجونين، وكانوا طوال الوقت يسبون الشيعة ويصفوننا بالفرس والمشركين والكفرة، ويواصلون ضربنا دون هوادة، وكانوا يسألون:  “هل أنت شيعي أم سني؟”، ويقومون بعزل السنة والأجانب ويضربون البقية، واستمر هذا الوضع مدة طويلة دون توقف. وكان المصابون في كل مكان، والدماء تنزف منهم، وأصوات الصراخ والإهانات والأنين لا يتوقف، والرعب مرسوم على كل الوجوه.

الاستقبال في مبنى ١٠

    فجأة، وبعد مدة طويلة، توقف كل شيء، ونودي على اسمي وأسماء بقية الأشخاص الموجودين في القائمة، حيث أدخلونا إلى مكتب الشرطة (الكونتر) وأرغمونا على التوجه إلى باص ينتظرنا لكي يتم نقلنا إلى مبنى ١٠. وأنا شخصيا لم يكن لدي مانع، وهكذا كان حال معظمنا إن لم يكن كلنا؛ ولكننا طلبنا منهم منحنا الفرصة لإحضار أغراضنا من ملابس وكتب وأدوية ومأكولات، فرفضوا. رجوتهم أن أحضر نظارتي الطبية؛ فلم يسمحوا لي، وقالوا إنهم سيحضرون كل لوازمي وأغراضي لاحقا، وكذلك وعدوا الآخرين. أركبونا الباص وتوجهوا بنا نحو مبنى ١٠.

     في مبنى ١٠ تم استقبالنا بشكل سيء وفج، حيث استقبلنا بالشتم  والضرب. وتم ضربي من قبل أحد الشرطة الذي صفعني على قفا رأسي،  وعلى وجهي، وتسبب في تورم شفتي العليا لعدة أيام.

    أدخلني إلى عدة زنزانات وتم إدخال ٩ منا إلى زنزانة واحدة، ثم أضيف لنا شخص آخر في اليوم الثالث، ليصبح عددنا ١٠  في زنزانة تتسع لستة أشخاص.

    بقينا في تلك الزنزانة لأكثر من يومين دون أي فرش أو أغطية، ودون أي طعام  أو شراب، سوى ماء نتن في قناني بلاستيكية وسخة نتناوب على استخدام الواحدة منها جميعا. ولم نتلق أي رعاية كبقية المصابين.

    في اليوم الثالث، وعند الصباح، حصلنا على شيء من الطعام، ثم كذلك في وجبة العشاء. كما تم تسليمنا فرش ووسائد وأغطية. وكنا مرغمين على مناداة أي شرطي بكلمة (سيدي،  ونعاقب بالضرب إن لم نفعل ذلك.

    منعنا من الاتصال بأهالينا لمدة أسبوعين تقريبا، دون أن يعلموا عنا أو نعلم عنهم شيئا، وكذلك منعونا من الزيارات لمدة شهر (والبعض الآخر أكثر من ذلك بكثير).

     في اليوم التالي؛ تدفقت أعداد كبيرة من الشرطة، لاسيما الأردنيين وشرطة مكافحة الشغب، إلى المبنى، وقاموا بشتمنا، وطلبوا منا الوقوف وترديد “النشيد الوطني” بأعلى أصواتنا، وترديد بعض الشعارات و(التعييش) أي ترديد شعارات مثل (عاش عاش بوسلمان) وغير ذلك. ثم اقتادونا إلى الساحة الداخلية، وقاموا بضربنا بالهراوات وخراطيم المياه السوداء (الأهواز) والركل والصفع واللكم واستخدام عصي أدوات التنظيف والأسلاك. وكان الوضع أسوأ من الليلة الأولى، وقاموا بحلاقة كامل شعر رؤوسنا ووجوهنا، عدا الحواجب ضد إرادتنا، وسكبوا المياه الباردة على رؤوسنا وأجسامنا وكرروا ذات الشتائم الطائفية التي سبق لهم ترديدها. وقد بدأت هذه الحفلة في الثانية ظهرا تقريبا، ولم تنته سوى حوالي الساعة الحادية عشر ليلا. وبعد نقل العديدين إلى العيادة، وبحضور عدد من الضباط البحرينيين الذين أشرفوا على عمليات الضرب والتعذيب وأسهموا فيها.

زنازن بلا حمامات

     وكنا في زنزانات بلا حمامات، ومنعونا من الذهاب إلى الحمام، حتى أن البعض كان يتبول في ملابسه أو في قناني بلاستيكية أو علب العصير الورقية. وكان يسمح لنا بالذهاب للحمام بين مرتين إلى أربع مرات في اليوم، في أفضل الأحوال.

    وقد انتشرت بيننا الأمراض المعدية، وكانوا يتعمدون نقل المرضى من زنزانة لأخرى، بقصد نقل العدوى. ولم نكن نخرج من الزنزانة إلا إلى الحمام، ولم يكن يتم السماح لنا بالتشمس أبدا. كانوا يجبروننا على الوقوف عند مرور أي شرطي، ولا نجلس إلا بعد انصرافه.

     وقد صودرت كل ملابسنا، وسمحوا لنا فقط بالاحتفاظ بطقم واحد. ولم تكن لدينا أي مواد نظافة (صابون جسم، شامبو، معجبون وفرشاة أسنان) طوال أكثر من شهرين. وعندما أخذونا إلى دكان النزلاء لأول مرة واشترينا احتياجاتنا؛ قاموا بمصادرة أكثر ما قمنا بشرائه. وقد تكررت عمليات المصادرة أكثر من مرة لاحقا، علما بأنه تمت مصادرة كل ما نملكه في السجن من ملابس وأجهزة وكتب ومشتريات ودفاتر وغيرها عند نقلنا من مبنانا الأصلي (رقم ١) إلى المبنى الحالي.

     هذا وقد منعونا من النوم، وكانوا يوقضوننا من النوم بشكل متكرر، حتى أننا لم نكن ننام ما مجموعه ساعتين إلى ثلاث ساعات في بعض الأيام، هذا مع إيقافنا كل يوم لساعات تمتد بعضها لست ساعات متواصلة، وقد يصل مجموعها إلى أكثر من ١٢ ساعة في اليوم، ومنعونا من استخدام الأغطية، وتشغيل التبريد بقوته القصوى، وأجبرونا على ترديد الشعارات دون توقف واستخدام الضرب والعقوبات الجسدية.

    كذلك تم منعنا من الأذان وقراءة الدعاء، وصودر كتاب الدعاء الوحيد الموجود لدينا، وصودرت الترب والسجادات، ووصفونا بأننا مشركون وكفرة وفرس ومجوس وأبناء متعة وأبناء زنا وتم سب أمهاتنا ونسائنا بأقذع الألفاظ.

     وعلاوة على ذلك، لم نكن نتلقى علاجا حقيقيا أو رعاية صحية. فأنا مثلا؛ عاودتني الإصابات القديمة ولحقتها إصابات جديدة في الظهر والحوض من الجهتين والركبتين، ولا استطيع المشي دون الاعتماد على الآخرين، ولم أتلق العلاج اللازم، كما أنني لا أحصل على أدويتي ولا يسمح لأهلي بإدخالها. (هناك الكثير مما لا يتسع المجال لذكره).

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟