مواضيع

إفادة صادق عبدالله حسين

الشرطة يسرقون السجناء

العمر: 35 عاما

الحكم: 5 سنوات

    في تاريخ العاشر من مارس ٢٠١٥م، المصادف يوم الثلثاء، وتحديدا ما بين الساعة الرابعة والخامسة مساء، سمعت صوت طلقات من المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي، وكانت طائرة الهيلوكبتر تحلّق في سماء السجن بالكامل، حيث كنت أتواجد في غرفة رقم ١٣ من مبنى رقم ٤ في عنبر رقم ٢، حيث كان معي: عبد الرؤوف محمد جعفر (أبو أحمد)، قاسم محمد علي، وعلي محمد ناصر – محمد مهدي، وغيرهم، وبينما كنا متواجدين في الغرفة ـ حيث وصلت للغرفة وكانت رائحة المسيل مع سماع طلقات الشوزن ـ خرجت من الزنزانة لاستكشاف الوضع مع كثافة روائح الغازات، وبينما كنت كذلك وإذا بي أرى مجموعة من قوات الشغب تنهال بالضرب على اثنين من النزلاء عند عنبر رقم ٣ وكان الضرب بآلات حديدية، ثم رجعت إلى الغرفة مرة ثانية لأخبرهم بما يجري، ثم أغلقنا الغرفة، وفي هذه الأثناء وبعد قرابة الربع ساعة؛ سمعنا أصوات الهجوم على العنبر نفسه (أي عنبر ٢).

    وكان أحد النزلاء، ويدعى صادق من سكنة سترة، أصيب بالتّشنج بسبب الغاز المسيل للدموع.

    وبعد أن سمعنا صوت الهجوم على العنبر، وخلال فترة بسيطة، سمعنا أصوات النزلاء تعلو وبكاؤهم يتصاعد، وسمعنا أصوات الهراوات وهي “تلعب” على أجسادهم، إلى أن أخرجوا كل من في العنبر، وبقينا نحن المتواجدين في غرفة ١٣ في النهاية، إلى أن تم فتح الغرفة، حيث قال أحد قوات الشغب لقائدهم أن هؤلاء من المنسيين، فقال له: “دعوهم لتكون آخر الحفلة” أي حفلة التعذيب، وهذا كان قبل أذان المغرب من ذلك اليوم، مع العلم أنني كنت صائما.

     وفي هذه الأثناء؛ دخلت علينا في الغرفة مجموعة من قوات الشغب، حيث كان من بين المتواجدين معنا أحد النزلاء، ويدعى محمد تقي من سكنة نويدرات، حيث تعرض للشتائم من أحد عناصر القوات الأردنية ووجهت له ألفاظا بذيئة جدا، أمثال (القحبة) وابن الفاعلة والتاركة، وقام بضربه بحذائه ورجله عدة ضربات قوية على الصدر، ما أدى إلى إغمائه، وأمرنا هذا الشرطي الأردني أن نحمله إلى خارج العنبر، وبالفعل حملناه، وما إن وصلنا به إلى خارج العنبر أمرنا بالعودة إلى العنبر نفسه، وكانت المسافة بينهما تقدر بين ١٠٠ إلى ١٥٠ مترا، حيث انقسمت قوات الشغب إلى صفين ونحن نمشي في الوسط مع بقية النزلاء، وقامت كل القوات بضرب النزلاء بالهراوات والآلات الحديدية، فضلا عن السب والقذف والألفاظ البذيئة، وكانت الدماء تتساقط على الأرض من أجساد النزلاء.

    وعند وصولنا إلى “الفنس”؛ توقف الضرب، وكان الفنس يعج بالمئات، وكانوا محاطين بالقوات التي كانت مدججة بأنواع مختلفة من الأسلحة أمثال الشوزن والذخيرة الحية والرصاص المطاطي وغيرها، وتم تقييدنا من الخلف بالقيد البلاستيكي، ومن بين النزلاء أجانب وكبار سن حيث علا صوتهم طلبا لتخفيف حدة القيد، ومن بينهم أنا، حيث كان القيد مضغوطا على زندي لمدة تقارب ٤ ساعات، ما أدى إلى انتفاخ يدي، علما أنني مصاب سابقا وأجريت عملية جراحية لكل من يدي ورجلي وكتفي.

     واستمر ذلك إلى أن جاء الرائد بسام الحنطي مع مجموعة من الضباط الأردنيين، حيث قاموا بتعداد النزلاء مع تعذيبهم، حيث كان يتم ضرب كل نزيل على رأسه إلى أن انتهوا من تعدادهم.

    بعد ذلك، أتى كل من الشرطي خالد بدر ومحمد عبد القوي ونادا على على السجين عباس السميع المحكوم بالإعدام، وسحبوه وأخذوه إلى جهة غير معلومة، وكان في مقدمة “الفنس” عدد كبير من النزلاء الجرحى، وبعضهم كانت الدماء تسيل على أجسادهم، والآخرون معصبو الرؤوس. وفي هذه الأثناء أتى إلى المبنى كل من الرائد حسن جاسم، العقيد ناصر بخيت، الملازم عيسى الجودر، الملازم محمد عبد الحميد والملازم معاذ، وكان يرأسهم خليفه بن أحمد الشاعر رئيس مركز المنطقة الجنوبية، وبادر بعض النزلاء بالحديث معه، حيث قالوا له أن وضعنا مؤلم، وتم منعنا من الحمام ولا نستطيع أن نبقى مقيدين لفترة طويلة، ورد عليهم بقوله: “هذا جزاؤكم”، ثم ذهب.

قوائم أحمد الكاتب

     وبعد عشر دقائق جاء أحمد الكاتب ومعه قائمة بالأسماء التالية: (الدكتور سعيد السماهيجي، أحمد عباس، علي عبد الحسين الحاجي، السيد أحمد رضا حميدان، عباس العكري، – محمد ميرزا، حسين السهلاوي، ناصر سعيد، أيمن عباس – السيد صالح، حسن عبد الغني، ناجي فتيل، علي الغانمي، محمد المحاسنة، جعفر عون، حامد جعفر، علي عبد الزهراء، ويوسف عبد الكريم) وأنا معهم، حيث تم إخراجنا مقيدين إلى باص، وقد شاهدنا عددا كبيرا من قوات الشغب، ومن ثم تم نقلنا إلى مبنى رقم ١٠، وكل ذلك مع الشتم والسب والإهانات. وبعد وصولنا المبنى تم قطع القيد البلاستيكي (سير كليب)، وبعدها تم توزيعنا على الزنازن، مع العلم بأنها كانت خالية من الفراشات والبطانيات والوسادات، وكانت فقط تحتوي على الأسرة الحديدية، وكان ذلك قرابة الساعة العاشرة والحادية عشر مساء، وكنت في ذلك الوقت صائما، ولم يكن هناك أي طعام أو شراب، واستمرت هذه الحال حتى اليوم الثاني، أي ١١ مارس ٢٠١٥م.

    في صباح ذلك اليوم، جاء أحد الشرطة، ويدعى مهند (سوري الجنسية)، وكان يشتم ويقذف، وبعده جاء الشرطي مروان (يمني الجنسية)، وكان يحمل عصا بلاستيكية (هوز)، وأخذ يدخل الغرف ويضرب النزلاء، وأنا بينهم، وكذلك ناجي فتيل، وقد حصلت مشادة بينه وبين الشرطي مروان.

المنع من الطعام

    استمر منعنا من الطعام إلى فترة الظهر، وكلما سألناهم عن ذلك قالوا بأننا لا نستحق الطعام، وبعد الظهيرة جاء ضابط وتم توقيف النزلاء في الزنازن إلى حدود الساعة الثالثة والنصف، مصحوبا ذلك بكل أنواع التهديد، إلى أن تم إخراجنا من الزنازن، حيث بدأ مسلسل “حفلة الأرنب”، وكان ذلك يوم الأربعاء ١١ مارس ٢٠١٥م، حيث تم إخراجنا من الزنازن إلى “الفنس” مجموعة تلو الأخرى، وتم التفنن في تعذيبنا، سواء من حيث نوعية الضرب أو الألفاظ النابية.

    وقد تم إرجاع مجموعة من النزلاء إلى الزنازن وأبقوا البعض الآخر، إلى أن جاء دوري، حيث تم إخراجي وأمروني بأن أقابل الجدار وأجبروني على الوقوف على قدم واحدة، ثم قام المدعو فارس (أردني الجنسية) بقص شعري، وبعدها تم إجلاسي على كرسي الحلاقة، وكان الحلاق أحد النزلاء واسمه عبد الأمير، وكان يحلقني ويتعرض معي في الوقت نفسه للضرب.

     ومن المواقف المؤلمة أنهم أمروا النزيل حسن الجزيري بجمع بقايا الشعر، خصلة خصلة، فيما كانت الهراوات “تلعب” على بدنه. وبعد الفراغ من حلاقتي؛ أمروني أن أزحف على بطني إلى دورة المياه، مع العلم أن الأرضية من الإسمنت، واضطررت للقيام بذلك، مع استمرار تعريضي للضرب بالهراوات والركل مع سيل من السباب والإهانات التي طالت عقيدتي، إلى أن وصلت إلى الحمامات، حيث غسلت جسمي، مع استمرار الضرب على بدني، ثم أمروني بأن أعود إلى مكاني زاحفا وبالطريقة نفسها. وكانوا يجبروني أن أردد عبارة “أنا مش زعيم أنا أرنب” مع ترديد شعارات أخرى.

    وكان كل من يطلب الذهاب إلى الحمام أو طلب الطعام أو غير ذلك؛ يلقى “وجبة دسمة” من التعذيب، وبينهم حسن الجزيري، الذي تعرض لأشد أنواع العذاب، وكنت لا أستطيع معرفة الشرطة الذين يقومون بالتعذيب، حيث كان بعضهم ملثما والبعض الآخر كان يضرب من الخلف. وقد تعرضت لضربة شديدة جدا على خاصرتي وظهري من الخلف، وإلى غاية كتابة هذه الإفادة لازال أثرها موجود، وقد عرفت أحد الذين كانوا يعتدون علينا، وهو الشرطي المسؤول عن الاتصالات، المدعو صالح (يمني الجنسية)، حيث كان يقوم بصب الماء البارد جدا علي وعلى النزلاء، ويمارس مختلف أنواع التعذيب.

    في هذه الأثناء، حضر عدد من الضباط، وشاهدوا كل هذا التعذيب، وكانوا شركاء في هذه الجريمة، وهم: الرائد حسن جاسم، العقيد ناصر بخيت، الملازم معاذ، الملازم عبد الله عيسى، الملازم عيسى الجودر، والملازم أحمد خليل (يعمل في مركز الرفاع)، الملازم محمد عبد الحميد. هذا بالإضافة إلى وجود مدنيين، حيث قاموا بتصوير الجريمة (حفلة الأرنب) بجهاز التلفون الذي كان معهم، وكان من بينهم الشرطة الذين كانوا يمارسون التعذيب، وهم: محمد سليمان، صالح (يمني الجنسية) مسؤول الإتصالات، محمد محسن (باكستاني الجنسية)، فارس (أردني)، بلال (أردني)، عثمان باكستاني، فضل (باكستاني)، مروان (يمني الجنسية)، عبد القوي (يمني)، ومنهل (يمني)، وغيرهم.

    وقد رأيت من بين من تم ضربهم كل من محمد السنكيس، والمحكوم بالإعدام عباس السميع، حيث كانت الدماء تسيل من وجهه، ومن كان واقفا بجانبي وهم علاء عارف سلمان، وزهير عبد العزيز، وأيمن ابليس، ووائل القابندي، وحسن عبد الغني فرحان، وكلهم كانوا يأمروهم بترديد عبارة “أنا مش زعيم أنا أرنب”.

تعذيب كميل المنامي

   وحصلت حادثة أخرى وهي إدخال النزيل كميل المنامي إلى الحمامات، حيث تم إجباره على ترديد عبارة “أنا خنزير”، وأخذ يصرخ بقوة، وفي هذه الأثناء سمع من كان في مبنى رقم ٧ (وهو مبنى الرموز) هذه الصرخات، فأخذوا يرفعون أصواتهم بالتكبير، إلى أن توقف الضرب، وخرج من المبنى عدد من قوات الشغب الشرطة، فيما نحن كنا لا نزال موجودين في “الفنس”، ويتم سكب الماء البارد جدا علينا، واستمر ذلك قرابة الساعة الكاملة، وبعدها تم إدخالنا إلى الزنازن، حيث نام البعض على الحديد، البعض الآخر على الأرض رغم البرودة الشديدة، ولم يكن هناك غطاء.

    وهناك مسألة أخرى هامة جدا وتتعلق بالحلاقة، حيث تم حلق كل النزلاء بماكينة واحدة، مع العلم أن بعض النزلاء مصابين بمرض الـ (C).

    استمرت هذه الحال إلى يوم الخميس، ولم يتم جلب الطعام إلا ليلة الجمعة، وفي ليلة السبت تحديدا جاء الشرطي الأردني فراس، وبأساليب وقحة بدأ بالضرب على أبواب الزنازن بقصد إزعاج النزلاء، مع استمرار ذلك بشكل ليلي.

   وفي يوم الجمعة، تم جلب المفارش للنوم عليها، وفي اليوم الرابع من وصولنا لهذا المبنى، طلبت الذهاب إلى الحمام، وقد أخرجني أحد أفراد الشرطة، وكان باكستاني الجنسية، وبعد الفراغ من الحمام وعند عودتي كان في “الفنس” شرطي يمني الجنسية مع آخرين من الشرطة الأردنيين، وقد انهالوا علي ضربا بالهراوات والأيدي وغيرها، وفي نفس الوقت كنت أسمع صراخ أحد النزلاء في العنبر رقم ٢، وبعدها تم أخد أيمن عباس إسماعيل إلى مبنى رقم ٤ للتحقيق معه، وقد استمر هذا النوع من مسلسل التعذيب يوميا، في الليل والنهار.

   وأذكر حادثة أخرى، حيث قام الوكيل سليمان (أردني الجنسية) بضربي في الحمامات في أول يومين من وصولنا إلى المبنى، بين يومي الخميس والجمعة، وكان يشتمني ويشتم عقيدتي.

    في اليوم العاشر، أمرني الوكيل تيسير (وهو من أصل أردني) الخروج لتنظيف المبنى، حيث أرسل الشرطي المدعو جمال (من أصل بلوشي) وقال بأسلوب وقح: “ستعمل غصبا عنك”. وبالفعل، علمنا مجبرين أنا وبعض النزلاء. وقد تعرضنا للتعذيب بخشب آلات النظافة ونحن نوزع الأطعمة على النزلاء.

     وكان يتواجد مسؤول الصيانة، عبد الله الدوسري، مع بعض الشرطة الآخرين الذين يأمرون مسؤولي المناوبات بتعذيبنا وتعذيب بعض النزلاء، وكان الدوسري يأتي كل يوم إلى المبنى في حدود ساعتين أو أكثر ويشرف على التعذيب بمعية شرطة جدد.

    ومن الشرطة الذين كانوا يتفننون في تعذيبنا: سيف الديم، صالح وإبراهيم (مسؤولو الاتصال)، مروان وعبد القوي وضوان.

    وفي يوم من الأيام، جاءت مجموعة من قوات الشغب إلى حمامات العنبر الآخر، وتحديدا بالقرب من الثلاجة، وقام اثنان من هذه المجموعة بضربنا وتكسير آلات النظافة على ظهورنا، مع الركل والضرب في الأماكن الحساسة، وخاصة أسفل الظهر وبالقرب من الكليتين.

الشرطة يسرقون السجناء

     ومن المواقف الجديرة بالذكر، أن الوكيل تيسير والشرطي محمد سليمان كانا يسرقان طعام النزلاء وبشكل مستمر، وكان من اللافت أن السرقة هذه تكون مكشوفة، حيث يظهر جليا تناقص عدد الوجبات بالنسبة لبعض النزلاء، مما يضطرهم لأن يباتوا دون طعام، وخصوصا الغرفة التي أنام فيها.

   في أبريل ٢٠١٥م وقعت حادثة غريبة من نوعها، فلأول مرة يتم جلب فاكهة الموز للنزلاء، ولكن تمت سرقة كل الموز المخصص لما يقارب من ١٠٤ سجناء، وسميت الحادثة ب”سرقة الموز”.

   ومنذ وصولنا إلى المبنى، ولغاية تاريخ السادس من مايو ٢٠١٥م؛ كنا ممنوعين

من الحلاقة ومن أدوات النظافة الشخصية ومن النوم وغير ذلك، علما بأنه لم تكن لدينا غير طقم واحد من الثياب والتي كنا نرتديها، حيث نقوم بغسلها ثم نرتديها من جديد، وكنا نغسلها دون أدوات للغسل أو النظافة.

    وفي السياق، وفي مناوبة الوكيل تيسير، وبمعية رؤوساء العرفاء بلال وخالد، قاموا بإعداد خلطة مكونة من: القهوة، “الديتول”، الصابون، و”اللوكس”، وكانوا يستهزؤون بالنزلاء ويقولون بأنها “خلطة للنظافة”، وقد أجبروا بعض النزلاء على استخدامها، مما أصابهم بالحساسية، وبعضهم أصابه “الجرب”، ومنهم: حسن جابر القطان، حسن نادر، أحمد عباس هلال، علي عادل محمد، والدكتور سعيد السماهيجي. وفي يوم من الأيام، طلب الوكيل تيسير من أحد النزلاء، وهو محمد أو نصيب، والذي كان يعمل عاملا للنظافة، أن يقوم بتسجيل النزلاء للعيادة، وقام بتسجيل ما يقارب من ١٥ نزيلا. وعند خروجهم، قال لهم رئيس العرفاء خالد “أنا والطبيب سوف نعالجكم”، وأجبرهم على استعمال الخلطة المذكورة.

    وفي يوم من الأيام، وبينما كان نادر عبد النبي العريض خارجا من زنزانته ذاهبا إلى الحمام، وفي أثناء مروره بزنزانة عبد علي السنكيس؛ سلم عليه، وبسبب ذلك أخرجوا الشيخ محمد علي المحفوظ، والسنكيس، والشيخ زهير ونادر العريض إلى “الفنس”، وأغرقوهم بالمياه، ووضعوهم في الشمس لساعات طويلة في ظل شدة البرد.

   وكانت هناك “حفلة” مشهورة باسم “بلل حالك”، حيث قاموا بإغراق كل من في المبنى بالمياه الباردة، وتوقيفهم لساعات طويلة في البرد، وبينهم الشيخ المحفوظ ونادر العريض والسيد صادق الشاخوري وعلي هارون وحسين السهلاوي، وغيرهم الكثير.

     وهناك أيضا أسلوب التفتيش اليومي، والذي يتم من خلاله الدخول بعنف وشدة داخل الغرف، وإخراج كل الطعام الذي فيها بحجة أنه زائد عن الحاجة، علما أن كثيرا من النزلاء يصومون شهري رجب وشعبان، إلا أن الشرطة كانوا يقولون إن هذا الصوم بدعة، وليس من الدين! كما أنهم كانوا يسرقون عصائر النزلاء ويضعونها في ثلاجة الشرطة.

    وكان يتم السماح لكل غرفة مدة ١٠ دقائق فقط للسباحة وقضاء الحاجة وغسل الملابس وغير ذلك، مع العلم بأنه لا توجد أدوات للنظافة، إلا أننا كنا نضطر إلى الاستحمام بغسيل الصحون، مما تسبب بالأمراض الجلدية لكثير من النزلاء.

   كما أن هناك اختراعا اسمه “ثابت”، حيث أمرونا أن نقول كلمة “ثابت” ليقف الجميع على قدميه، واخترعوا ٣ ضربات على الباب، وعند سماعها يتم الوقوف، وأن لكل عنبر بابين رئيسيين، حيث يدخل أحدهم من الباب الأول، ويقول “ثابت”، وعند الانتهاء عند الباب الثاني يقول “جلوس”، ثم بعد دقيقتين يأتي آخر بنفس الطريقة، وهكذا.. وهذا الأسلوب في التعذيب تسبب للكثيرين بحالات مرضية ونفسية، حتى أنهم كانوا يجبروننا نحن عمال النظافة على العمل من أذان الفجر ولغاية منتصف الليل، وبمجرد دخولنا تتم عملية “ثابت”، فنضطر على المواصلة على هذا النحو، وهو ما تسبب لي بالكثير من الآلام، إضافة إلى الآلام الأخرى الناتجة عن التعذيب في الظهر وأسفل الظهر وأسفل الرقبة والرجلين.

    وذات مرة، وفي مناوبة الوكيل محمد ورئيس العرفاء سامر، وبينما كنت خارجا لتوزيع وجبة العشاء، إذ تم إخراج عدد من النزلاء، وهم: عيسى المنسي، حسام وعلي السماك وحسين، وتم أخذهم إلى مكتب (٩٩)، أي بالقرب من الثلاجة، حيث تم ضربهم وتعذيبهم بقسوة شديدة على يد الوكيل محمد، ورئيس العرفاء سامر، مما أدى إلى إسالة الدماء من أجسادهم، وجعلوهم يزحفون على بطونهم إلى غرفهم، والصراخ يعلو منهم، الدموع تسيل على خدودهم.

   وفي هذه الأثناء، علا التكبير من مبنى رقم ٧، وجاء وكيل المناوبة أبو راشد مع ضباط اثنين أردنيين، حتى توقف الضرب.

   وكانوا يجبروننا على الغناء في كل مناوبة، ومن يرفض إما أن يتم توقيفه أو يتم إغراقه بالماء أو بأي أسلوب من أساليب التعذيب.

  ومن الحوادث أيضا التي وقعت في يوم من الأيام في السجن، أن الوكيل محمد طلب من الشرطي ميرزا (باكستاني الجنسية) أن يضربنا  في مكتب الشرطة (الكونتر)، وكان معي كل من على أحمد هارون وأحمد حبيب الدرازي، وقد ضربني الشرطي ميرزا بشدة وخصوصا على الرقبة ومما يلي الظهر، وهو المكان الذي أعاني منه أصلا.

    وفي نهاية شهر مارس ٢٠١٥م وقبل وقت العشاء، جاء أحمد الكاتب ـ التابع للإدارة ـ وكان يسأل عن شخص اسمه صادق وعيسى المنسي وأيمن عباس، وكان لا يعرفني، وحين كرر السؤال خرجت له، فقام بتقييدنا من الخلف، وأخذنا إلى الإدارة، وعند وصولنا هناك أمرنا بالوقوف مقابل الجدار على قدم واحدة. وكان المسؤول علينا كل من الشرطي مهدي (يمني الجنسية) والشرطي مبين (هندي الجنسية)، وقاما بتهديدنا بعدم إنزال قدمنا. دخل عيسى المنسي أولا، وبعده أيمن عباس، وبعد قرابة الساعة جاء الشرطي مبين وأدخلني إلى المكتب مع التهديد بعدم رفع رأسي. وعند دخولي مكتب التحقيق أمروني والآخرين بالركوع جهة الجدار، ثم قابلتهم وأنا منكس الرأس، وكان الظلام دامسا، والإنارة ضعيفة، وكان هناك ضوء أزرق ضعيف جدا، وقال لي أحدهم: “بماذا يذكرك هذا؟”، فقلت لا أدري، وكررها علي مرارا، إلى أن قال لي: “ألا يذكرك ذلك بالتحقيقات؟!”، وسألني عن مكاني وقت وقوع الحادثة (حادثة مارس في سجن جو)، كما سألني عن الأسماء التي أعرفها ممن شاركوا في الحادثة، وغير ذلك من الأسئلة.

   وأثناء التحقيق قام أحدهم بتحريك آلة حديدية (مطاوعة للحركة “زنبرك”) على جميع أجزاء جسمي، وأخذ يضربني، إلى أن وصل إلى مواضع العفة، وسألني: “هل لديك أولاد؟” وأضاف: “إذا كان لديك أولاد فلن تنجب غيرهم، وإذا لم يكن لديك فلن تنجب أبدا”، وبعدها ضربني في الجهاز التناسلي بتلك الآلة الحديدية، ثم أمرني بأن أستدير بجسمي، وما أن قابلتهم بوجهي وإذا بي أرى مجموعة من  الضباط وبينهم الملازم عيسى الجودر، والملازم خالد التميمي وأحمد خليل، وكانوا برفقة ضباط اثنين بلباس مدني، وبعدها أرسلوني إلى مكان الإفادة، وكان هناك قرابة أربعة من الشرطة، وبينهم أردنيون، حيث جعلوني أشاهد بعض الصور، ولكنني أجبتهم: “إذا كنتم تريدون أي شيء فاكتبوا إفادة وسأوقع عليها”، وقلت لهم بأنني رويت الحادثة سابقا، فكتبوا إفادة وجعلوني أوقع عليها قسرا، رغم أنني كنت مقيدا من الخلف، وبعدها أرسلوني إلى المبنى.

   أما الحادثة الأبرز فكانت حادثة الجزيري وحسن جابر القطان، وكانت في نهاية شهر مارس ٢٠١٥م، حيث طلب من الشرطة الذهاب إلى الحمام، وعندما فتحوا له الباب ومع وصوله إلى مقدمة باب الحمامات؛ قام محمد سليمان وفضل ـ الذي يعمل في العيادة ـ وكلاهما من الجنسية الباكستانية ـ وفضيل (هندي الجنسية)؛ بضرب القطان على ظهره، وتحديدا عند الكليتين، وكان محمد سليمان الأشد في عملية الضرب، حيث انهال عليه بشدة، إلى أن تقيأ القطان، وأمروه بالقيام والجلوس، وقد أصيب بالإعياء الشديد.

   وبعد أيام، تعرض القطان لنكسة صحية، حيث كان يتقيأ بعد الأكل مباشرة، حيث لا تتحمل معدته أي طعام.

   أما الحادثة الأخرى، فهي لرئيس العرفاء محمود، مسؤول مبنى رقم ٦، حيث قام بضربي وإهانتي عند الثلاجة من العنبر رقم ٢، أي عند مقر مكتب (٩٩) المخصص للتعذيب، بحسب تسمية النزلاء له. وقال بأنه ينوي أن “يمسح بي الأرض بالصرماية والحفاية” (الحذاء) بحسب لغة أهل الأردن.

    أما رئيس العرفاء شاكر، الذي كان يناوب في مبنى رقم ٤، فقام بضرب كل النزلاء في مبنى رقم ١٠. وعندما جاء إلى غرفتنا قام بضربي على أذني بيديه، وضرب كل من كان في الغرفة، كما قام بضرب النزلاء عند الحمامات، وأخد في التفنن في ضرب محمد جعفر الشمالي، وكذلك أخذ بضرب كل من حسن عبد علي الخراز وعبد الجبار أحمد وغيرهم على وجوههم. وكان يقول أن “يده تأكله” وأنه يريد أن يرويها من وجوه النزلاء وأجسادهم.

   وفي الأول من مايو ٢٠١٥م، وبعد الإفراج عن إبراهيم الدمستاني، وتحديدا في مناوبة رئيس العرفاء خالد، والشرطة فايد وجمعة ووكيل مبنى رقم ٧، حيث أخرجوا بعض النزلاء، وكان بينهم السيد أحمد السيد رضا حميدان، والحقوقي ناجي فتيل، ويوسف عبد الكريم، وذهبوا بهم إلى “الفنس”، ونالوا “وجبة” من وجبات التعذيب، أما أنا فقد حصلت على “وجبتي الدسمة” من الضرب والإهانات والتنكيل من وكيل مبنى ٧، وكان ذلك في الفترة الصباحية.

   وفي اليوم الثاني، وتحديدا عند الليل، وفي مناوبة رئيس العرفاء الأردني خالد، مع الشرطة جمعة وفايد، بالإضافة إلى الشرطي اليمني يدعى رضوان (يداوم في منبى رقم ١)، قاموا بإخراج كل النزلاء في غرفة ٧، وبينهم كميل المنامي، وعذبوهم بشكل قاس جدا، بحيث كان صراخهم يسمع في أرجاء المبنى كافة، وبعدها أمروا كل النزلاء بالوقوف حتى منتصف الليل، انتقاما بما قام به نزلاء غرفة رقم ٧، مع العلم بأنه لم يكن هناك أي سبب لضرب نزلاء الغرفة، سوى التشفي وإكمال مسلسل التعذيب الممنهج الليلي واليومي، وبعدها أمرونا بالجلوس والنوم، وبعد ساعة كرروا الأمر بإيقافنا من جديد حتى أذان الفجر.

    أما أنا فقد حصلت على “وجبتي” من التعذيب من جانب الشرطي المدعو رضوان، الذي قام بضربي وسحبي من شعري، وضرب رأسي بباب الزنزانة الحديدي، عدا عن الإهانات، كما قاموا بإجبارنا أكثر من مرة على الاستلقاء على بطوننا بالأرض، وضربنا بالهراوات، والدوس على أجسادنا.

   وبعد أسبوع من هذه الحادثة، أجبرني الشرطي المدعو خالد، أنا مع ثلاثة من النزلاء وهم محمد أبو نصيب وسليمان وحسين الستراوي؛ على الغناء، وكذلك قاموا بإخراج مجموعة من المعتقلين ـ ومنهم من ذكرتهم توا، إضافة إلى السيد مهدي السيد هادي، وأمرهم الشرطي خالد بأن يضرب كل واحد منهم الآخر، وفي منتصف الليل أخرجوا كلا من محمد أبو نصيب وسليمان وحسين الستراوي وعذبوهم بشكل جنوني جدا.

   وفي شهر مايو ٢٠١٥م وقعت حادثة أخرى، حيث وقعت مشادة بين السنكيس ورئيس العرفاء خالد على خلفية تحركات خارجية لدى السنكيس، وقال الأخير لخالد: “اعتبر نفسك رافضا للتحركات”، وأصر على الذهاب للخارج، فأجبره الشرطي على التوقيع على إقرار بالرفض عن طريق الضرب وتعذيبه تعذيبا شديدا. فقد ضربه بقوة على وجهه، واصطحبه إلى قرب الثلاجة (مكتب ٩٩)، ووضع القيد على يديه من الخلف، وطرحه أرضا وعذبه، وجعله يوقع الإقرار مجبرا. وعند مكتب الشرطة، قام الشرطي خالد بتهديدي في حال تفوهت بأي كلمة حول ما حصل، حيث كنت شاهدا على الحدث بالكامل.

   وفي السادس أو السابع من مايو ٢٠١٥م، وفي طريق عودتنا من (الكانتين) لشراء الحاجات الضرورية من الملابس وأدوات النظافة، أخذ الشرطة في تفتيش المشتريات، وسرقوا منا جزءا من الصابون والملابس بحجة أنها زائدة عن الحاجة.

     وذات مرة، وفي مناوبة الشرطي المدعو خالد، وتحديدا عند (الكونتر)، أجبرني على تقليد أصوات الحيوانات وحركاتهم أمام عناصر الشرطة الذين يعملون في المباني رقم ٤و٥و٦و٧، حيث تجمعوا في مكتب الشرطة التابع للمبنى الذي أتواجد فيه (مبنى رقم ١٠)، وأخذوا في الاستهزاء والإهانة والتجريح، وكأنه مسلسل من التهريج المستمر، وفي حال رفض تنفيذ أوامرهم يبدأ مسلسل التعذيب الذي لا يتوقف، ويشمل الحرمان من النوم أو الحرمان من الحمام، أو الإجبار على الوقوف لساعات طويلة، وغير ذلك.

    ومن حوادث التعذيب التي وقعت لي أيضا، أذكر الحادثة التي وقعت في مناوبة الوكيل محمد زكريا مع شرطة يمنيين، بالقرب من الثلاجة في عنبر رقم ٢، حيث قاموا بطرحي أرضا على بطني، وضربي بعصا بلاستيكية (هوز) على ظهري وقدمي، ودون سبب. وتكررت هذه الحادثة مع مسؤول العيادة المدعو زهير في نفس المكان أيضا.

    ومن الحوادث الغريبة التي وقعت في يوم من الأيام، هي أن رئيس العرفاء المدعو خالد؛ حاول إجباري على تغيير المذهب، وأبدى الاستحقار لمذهبي وعقيدتي، وقام بعدة محاولات، وأغراني بأنه في حال فعلت ذلك فإنه سيعطيني كل ما أريد. علما بأنه هو ذاته من كان يستعمل أساليب التعذيب التي تمس العقيدة، وهو قام بتحطيم الترب الحسينية أمامي. وهو أيضا كان يجبرنا على الرقص وما شابه من الأساليب الرخيصة جدا. وفي هذا الإطار، أذكر أنهم عندما استدعوني للتحقيق في حادثة مبنى رقم ٤، وعندما انتهوا من التحقيق، وقبل كتابة إفادتي، قال لي أحد المدنيين المتواجدين في غرفة التحقيق بأنهم يعلمون علم اليقين بأنني لست من الذين يقومون بأعمال “الشغب”، ولكنهم هددوني بأنه في حال كانت الإفادة غير ما يريدون فسوف يتم استدعائي من جديد وأنهم يغيرون ما يريدون، وفي حال رفضي فهددني بأنه سيكون لهم تصرفا آخر معي، ملوحا بممارسة الرذيلة وتعريضي للإغتصاب.

نقاط إضافية في نهاية الإفادة

   وفي ختام هذه الشهادة، أورد بعض النقاط الهامة الإضافية خلال الأشهر الثلاثة التي عشناها، ابتداءا من ١٠ مارس ٢٠١٥م، وحتى نهاية شهر مايو من العام نفسه:

١ـ لقد عشنا وضعا مأساويا من الناحية الصحية والنفسية، وبشكل لا يطاق، وذلك في ظل التعذيب الشديد وبشتى الوسائل، وهو ما جلعنا غير قادرين حتى على النوم، بسبب حال الهلع التي كنا نعيشها وكأننا نتوقع هجوم القوات علينا في أية لحظة من اللحظات. وبشكل شخصي، أستطيع أن أقول بأن وضعي النفسي بات متدهورا، فضلا عن كوني أعاني من أمراض في المسالك البولية نتيجة الحرمان من الذهاب إلى الحمام، أو قضاء الحاجة في الحمام بسرعة وخلال دقيقة واحدة فقط، ما سبب لي آلاما في القولون واضطرابات معوية مستمرة، هذا غير الآلام التي تعتبر متواصلة في جميع أجزاء بدني جراء التعذيب وخاصة الرقبة والظهر والقدمين، مع الحرمان من العلاج ورفضهم الذهاب بي إلى العيادة، علما أنهم ألغوا جميع مواعيدي السابقة التابعة لمستشفى السلمانية لمتابعة علاجي.

٢ـ لقد أجبروني مع مجموعة من النزلاء، ليلا ونهارا، على رفع شعارات خاصة، ولكن بأسلوب مهين لي، وللدولة نفسها، حيث وضعوني قسرا في صندوق القمامة، وأجبروني على قول: “الله، الوطن، الملك” و”عاش عاش بوسلمان”، وإنشاد “النشيد الوطني”. وفي الحمامات، أجبرونا على ترديد هذه الشعارات أيضا، وكانوا يضربوننا ونحن نكررها، والأدهى أن من يأمرنا بذلك هم من جنسيات مختلفة (أردنية، سورية، يمنية، باكستانية، بلوشية وغيرها)، وكان أسلوبهم يكشف عن استهانتهم بالبلد وبالنظام الذي جلبهم.

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟