مواضيع

إفادة السيد فيصل جميل محمد العلوي

“يا ليتني لم أدخل السجن”

ـ العمر:  38 سنة

ـ الحكم:  مؤبد، بالإضافة إلى أحكام أخرى

     بينما كنتُ جالسا في الغرفة التي أنا بها، وهي غرفة رقم ٦ بمبنى ١ في العنبر؛ وكان يوجد معي كلٌّ من السيد صادق السيد علي الشاخوري، نادرعبدالنبي العريض، وهاني منصور حبيب وغيرهم، حيث كان الوقت تقريبا بين الساعة السابعة والثامنة مساء؛ حيث كان الوضعُ في المبنى في غايةِ التوتر، وذلك بسبب خبرٍ وصلَ للمبنى ظهرا مفاده بأنه في قسم الزيارات تمّ الاعتداء على بعض النساء؛ فثارت حفيظة كلُّ النزلاء.

      وفي تمام الساعة الرابعة عصرا؛ داهمت قواتُ الشغب المبنى، وتم إطلاق الغازات المسيلة للدّموع والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية، وكنتُ جالسا في غرفتي، ولم أخرج منها، ثم توقفت القواتُ عن الطلق.

     وبين الساعة السابعة والثامنة مساء بدأت قواتُ الشغب بمداهمة المبنى بعد إعطاء مهلةٍ للنزلاء وإنذارهم بأنه في حال لم يتم فتْح الباب الرئيسي فسوف تتم مداهمة المبنى، إلا أنه بعد ساعة تقريبا تمت مداهمت المبنى عن طريق السطح، وإلقاء القنابل الصوتية والمسيل للدّموع والرصاص المطاطي ممّا أدى إلى إصابة الكثير من النزلاء بإصاباتٍ عديدة. وبعد ذلك تم قطع الباب الرئيسي بآلة قطع الحديد (كرانيدر) وتم الدخول أولا للعنبر الجنوبي، وبينما كنا نحن في غرفة ٦ وإذا بنا نسمع أصوات الضرب على النزلاء الذين في العنبر الجنوبي، حيث أدخلوهم جميعا في الفنس وضربوهم بالهراوات والآلات الحديدية وغير ذلك، وبعد الفراغ منهم بدأت القواتُ بالهجوم على عنبرنا، حيث دخلت أعدادٌ غفيرة من قوات الشغب وأطلقوا قنبلةً صوتية في غرفتنا، حيث تطاير رذاذها في كافة أنحاءِ الغرفة.

      وكان ضمن الأفراد الموجودين في الغرفة وائل القابندي، من سكنة قرية بني جمرة، حيث كان هاربا من العنبر الجنوبي بسبب الضّرب والتعذيب، إلا أن أحد أفراد قوات الشغب قال:  “كلكم اخرجوا إلا هذا”، وأشار إلى وائل. وبالفعل خرجنا، وعذّبوه تعذيبا قاسيا، حتى أنه خرج يزحفُ من شدّة التعذيب. وبينما كنا نمشي في الممر، وإذا بالقوات تنقسمُ الى جهتين ممتدتين إلى الجانبين على طول العنبر، مرورا إلى النفس، والهراوات تنزلُ على ظهور النزلاء ورؤوسهم، مع الرّكل بالأحذيةِ والضّرب بالآلات الحديدية، وقد حصلت على وجبةٍ من هذا التعذيب، إلى أن وصلنا إلى مدخل العزل الذي يتواجد به المحكومون بالإعدام.

يا ليتني لم أدخل الفنس

     وكان بجانبي عددٌ من كبار السن، ومنهم السيد صادق الشاخوري ونادر عبدالنبي العريض، وقد سقط علينا السيد صادق الشاخوري، حيث يعاني من آلام في القلب، بسبب الضّرب بالهراوات التي تعرّض لها. وفي هذه الأثناء، طلب منا أحدُ قوات الشغب، وكان ملثما، بالدّخول إلى العزل، وما إن دخلنا حتى شاهدنا ما يشبه “المجزرة”، حيث رأينا رضا الغسرة وحسين البناء وعلي الطويل وماهر عباس وغيرهم؛ وقد امتلأت أجسادُهم بالدماء.

      وقد بقينا فترة زمنية إلى أن طلبوا ـ بعد فراغ الممر ـ من النزلاء بالخروج، وما إن خرجنا في طريقنا إلى مكتبِ الشرطة، بحسب أمر أحدِ قوات الشغب. ومع وصولنا إلى مدخل المكتب؛ أمرَ الرائدُ حسن جاسم السيد صادق الشاخوري ونادر العريض بالدخول إلى المكتب، لكنه أشار عليّ بالدخول إلى الفنس، وأمرَ بضربي وتعذيبي، وبالفعل تم ذلك.

      يا ليتني لم أدخل إلى الفنس! لأنني شاهدتُ كافة النزلاء التابعين للعنبر الشمالي والجنوبي ممدّدين على الأرض والدماءُ تسيل منهم والصراخ يعلو، حتى أنّ بعضهم فقدَ الوعي، مما استلزم استدعاء سيارات الإسعاف لكلِّ الجرحى، هذا عدا عن منْ تمّ كسْر أنفه، ومنهم شخص اسمه عقيل، وهو من العنبر الجنوبي.

      وكيف بي أن أصف حالةً أشبة بحالةِ حربٍ حقيقية، حيث شاهدتُ جرحى بكلِّ أنواع الإصابات! وبعد إنْ مكثنا قليلا؛ جاء أحمد الكاتب، التابع للإدارة، بقائمةٍ بها أسماء نادى عليها، وهي كالتالي: السيد أحمد مجيد الماجد، ونادى باسمي، ومن ثم حسن عبدعلي خزاز ومجيد حبيب أحمد ونادر عبدالنبي العريض والسيد صادق الشاخوري والشيخ المحفوظ وهشام الصباغ والشيخ زهير جاسم عاشور ومازن الونه ووائل القابندي وعلي السماهيجي وعلي رياض صنقور، وغيرهم.

     تمّ أخذنا إلى مكتب الشرطة، حيث قيل لنا بأنه سيتم نقلنا إلى مكانٍ آخر، وربما قالوا بأنه مبنى ١٠، وحين طلبنا منه أن نأخذ جزءاً من أغراضنا، قال إنه عنده أوامر بأن نخرج دون أيّ شيء. وبالفعل ركبنا الباص، بعد تفتيشٍ مهين، وصلنا إلى مبنى ١٠ ودخلنا، ثم فتّشونا ووزّعونا على الزّنازين، وكان نصيبنا الزنزانه رقم ١ وبتنا ليلتنا فيها دون فراش أو غطاء أو وسادة، فقط على الحديد والأرض، مع البرودة الشديدة والقاسية جدا، وبتنا هذه الليلة إلى ظهر اليوم الثاني، أي يوم الأربعاء ١١ مارس ٢٠١٥ مع استمرار معاناة الذهاب إلى الحمام.

      وبعد ظهيرة يوم الأربعاء، وتحديدا بعد الساعة الثالثة والنصف، جاءت القوات وبدأت بإخراج النزلاء ووضعهم في الفنس، حيث أمروهم بالوقوف على رجل واحده، وهم مقابلون للجدار، وتم تعذيبهم بالهراوات ونحن نسمع صراخهم، وإجبارهم على ترديد شعارات: “أنا مش زعيم أنا أرنب”، و”أنا خنزير”، و”أنا كلب”، وغير ذلك من هذه الشعارات.

    ووصلت المناوبة علينا، حيث تم إخراجي مع حسن عبدعلي خزاز وعبدالجباراحمد وبقية من في الغرفة، وكل من السيد صادق الشاخوري والسيد أحمد الماجد، وهما كبيران  في السن، بالإضافة إلى أنهما يعانيان من أمراض صحية.

     أخذونا إلى الفنس، حيث طلبوا مني الوقوف على رجل واحده، وتمت حلاقة رأسي، وأجبروني على أن أزحف إلى الحمامات، وكان الزحف على بطني، والهراوات تلعب على ظهري، بالإضافة إلى الركل بالأرجل، وما أن وصلت إلى الحمام، واستحممت، حتى طلبوا مني أن أرجع مرة أخرى، وسكبوا علي الماء البارد، والذي كان يسكب الماء هو صالح (من أصل يمني) وهو مسؤول الاتصال، واستمرت “حفلة الأرنب” هذه إلى الساعة الثانية عشرة تقريبا، أي إلى منتصف الليل.

      وكان الشاهد على هذه الحفلة التعذيبية كل من الرائد حسن جاسم، والعقيد ناصر، والملازم عيسى الجودر، والملازم محمد عبدالحميد، والملازم معاذ، والملازم عبدالله عيسى، والملازم أحمد خليل، وهو يعمل لدى مركز الرفاع، هذا بالإضافة إلى مدنيين قاموا بتصوير حفلة التعذيب بالتلفونات، هذا كله دون طعام أو شراب.

     وحين أرجعونا إلى الزنازين، بتنا ليلتنا هذه دون فراش أو غطاء أو وسادة، رغم أن أجسادنا كانت تعاني من شدة التعذيب، ولم يتم جلب الطعام لنا إلا ليلة الخميس، فيما استمرت حفلة الإهانات والحرمان من النوم بشكل يومي، بالإضافة إلى حفلات التعذيب الممنهجة، إلى أن جاء اليوم الثالث أو الرابع، حيث أخرجونا عصرا، وقاموا بتفتيشنا بأسلوب مهين جدا، حيث لمسوا أماكن “العفة”. وكل ذلك كان باشراف أحد الضباط “البحرينيين” مع قوات الشغب الكثيرة.

ـ أحداث مهمة

• في يوم من الأيام، بينما كنت ذاهبا للاتصال، ومسؤول الاتصال هو شرطي يمنيو ويدعى صالح، وكنت هناك في مبنى رقم ٦، أرغمني أن أجلس على هيئة الكلب، وأن أنبح مثل الكلاب، وأخذ يضربني مرة على رأسي وأخرى على ظهري وثالثة على وجهي، وأجبرني على أن أمسح حذاءه. وكان يتنصت على مكالماتي، مع الصراخ في وجهي أثناء  المكالمة، ناهيك عن الألفاظ البذيئة التي كان يستخدمها، مع العلم أنه لا يوجد بيني وبينه أية عداوة أو موقف سلبي سابق. 

• في ليلة من الليالي، وبينما كنا أنا مع السيد صادق السيد علي الشاخوري والسيد أحمد الماجد وعبد الجبار أحمد وحسن عبد علي وعلي ابراهيم ومحمد سرحان في الزنزانة رقم 1 جاء الرائد حسن جاسم وسألنا عن الشخص الذي كان مستلق على السرير، فقلت له: “علي ابراهيم”. سألني ما الذي حدث له، فقلت: “لقد ضربه الشغب”. أعاد السؤال مرة أخرى فأجبته بأن الشرطة وقوات الشغب هم من ضربوه، فطلب من المرافقين معه من الشرطة بتغيير أفراد الغرفة، وبالفعل في اليوم التالي تم تفريق بعض من أفراد الغرفة حيث تم البدء بمحمد سرحان.

• في ليلة من الليالي، وبينما كنت ذاهبا الى الحمام، حيث أعاني من آلام في المعده نتيجة عمليتين جراحيتين إحداها في القولون والأخرى استئصال المرارة، وحينما فرغت من قضاء حاجتي من الحمام، وإذا بمجموعة من قوات الشغب في الحمام برفقة الوكيل محمد، حيث قال لهم إنه يوجد هنا عسكري. قال لي أحدهم: “ما هي قضيتك؟”، قلت له: “تجمهر”. قال: “لا تكذب! قضيتك هي الانضمام لخلية”. وقاموا بتعذيبي وضربي بالهراوات، مما أدى ذلك إلى أضرار في جسمي دامت آثارها لفترة طويلة.

• في يوم من الأيام، بينما كنا في الغرفة مع الأسماء التي ذكرتها سابقا، دخل علينا الوكيل محمد ورأى قطعة من الكارتون حيث نسجد عليها، ف”أقام الدنيا بكاملها”، مما استدعى إلى تدخل قوات مكافحة الشغب برئاسة وكيل القوة أبو راشد، حيث قلت له بكلام صريح بأن هذه عقيدتنا ولا يمكن التدخل في العقائد. وقد حفظ لي هذا الكلام و”ادخره” للانتقام، إلى أن جاءت فرصة في يوم من الأيام، حيث كنت طالبا الذهاب للحمام، فناديت بصوت عال، بعدها تم إخراجي، وتم أخذي إلى عنبر آخر (عنبر ٢)، وتحديدا عند الحمام بالقرب من الثلاجة، حيث طرحني أرضا وداس بحذائه على جبهتي وأخذ يتلفظ بألفاظ غير نظيفة، وقام بتهديدي وضربي. وفي مرة أخرى، بينما كنت أطلب الحمام أيضا؛ أخرجني عند نفس المكان، وقام بضربي على قدمي بالعصى البلاستيكية (الهوز).

• في ليلة من الليالي، طلبت الذهاب للعيادة باعتبار أن وضعي الصحي كان متدهورا، خصوصا مع وضع الحمام غير المستقر، فذهبنا للعيادة، وكان في ذلك الوقت المسؤول على التنسيق مع العيادة الوكيل زهير (أردني الجنسية)، وبمجرد أن دخلت على الطبيب، حيث دخل معي الوكيل زهير، صرخ في وجهي قائلا: “اخرج علبة السجائر، واخرج التلفون”، قلت له: “لا يوجد لدي شيء أبدا”. مع العلم بأنني كنت مقيدا بالهفكري، إلا أنه أصر، وقام بإنزال سروالي وتجريدي من ملابسي بشكل كلي، حيث لم أكن أرتدي ملابس داخلية، وقام بالتلفظ علي بالفاظ بذيئة جدا.

• في كل ليلة من تلك الليالي؛ كنت مضطرا لأن أستخدم علب العصير الفارغة، وأضعها بالقرب من سريري لكي أقضي حاجتي الليلية، أي كي أتبول فيها، حيث كانوا يمنعوننا من الذهاب للحمام، وهو ما تسبب ازدياد سوء حالتي المرضية.

• عندما تم نقلي إلى غرفة رقم ٦ بعد أن أمر الرائد حسن جاسم بتفريق من بالغرفة، وبينما كنت في غرفة ٦ طلبت الحمام، وكان هناك مجموعة من الشرطة، وكان أحدهم يمني الجنسية وكان ذلك في مناوبة الوكيل محمد، وقد تم إخراجي بحجة الذهاب للحمام، وتم ضربي. ومن ضربني هو الوكيل محمد نفسه، وعندما قلت له بأن لي حقوق في الذهاب إلى الحمام، وأن ذلك من أبسط الحقوق؛ قال لي وبكلمة واضحة بأنه ليس لي حقوق. 

ختاما، لقد عانينا الكثير الكثير من الحرمان من النوم، والإجبار على الوقوف لساعات طويلة، إلى الحرمان من الذهاب إلى الحمام، وعدم وجود أدوات النظافة، إلى الاعتداء على العقائد، إلى الضرب أثناء الاتصال، إلى وضع الهفكري في اليدين من الخلف بشدة بحيث يكون مؤثرا تاركا أثرا بالغا، وغير ذلك من التعذيب.

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟