إفادة السيد صادق السيد علي السيد سلمان
أنين يقطع القلوب
– العمر45 عاما
– الحكم: مؤبد
في تاريخ ١٠ مارس ٢٠١٥م، وعند الظّهيرة، كنّا في مبنى رقم (١) من سجن جو. في ذلك الوقت، وصل خبر إلى المبنى مفاده بأن قوات الشرطة قامت بالاعتداء على النساء في قسم الزيارات. ثارت حفيظة الذين كانوا في المبنى، سواء في العنبر الجنوبي أو العنبر الشمالي، ممّا أدى إلى احتكاكٍ بين النزلاء والشرطة، الأمر الذي أدى إلى تدخُّل قوات مكافحة الشغب. وكان ذلك قرابة الساعة الرابعة مساء أو أكثر بقليل، حيث أطلِق غاز المسيل للدّموع والرّصاص المطاطي والقنابل الصوتية، هذا بالإضافة إلى الألفاظ النابية من قبل هذه القوات.
واستمرّ الحال على ما هو عليه حتى ما قبل أذان المغرب من هذا اليوم، أي يوم الثلاثاء. مع العلم بأن بعضَ النّزلاء قد أصيب بإصاباتٍ متفرقة، مثل الحروق في الأقدام، نتيجة إطلاق القنبلة الصوتية.
حين هدأ الوضع نسبيا في وقت أذان المغرب، أقمنا الصلاة. وبعد الفراغ منها، وتحديدا ما بين السابعة والثامنة مساء؛ قام قائد قوات الشغب بإعطاء تهديدٍ أخير، حيث كان الباب الرئيسي مغلقا بإحكامٍ من قبل النزلاء. كان المظهر الاحتجاجي جليا. ولهذا قال قائد القوات إنه في حال لم يتم فتح الباب فإنه خلال نصف ساعةٍ ستتم مداهمة المبنى. وبالفعل تمت مداهمة المبنى عبر دخول قوات مكافحة الشغب من أعلى السطح؛ مستخدمين الغازات المسيلة للدموع والرّصاص المطاطي والقنابل الصوتية. وقد تمّ البدء بالدخول إلى الفنس (الفناء الخارجي) الذي يتوسّط العنبرين الشمالي والجنوبي، ومن ثم تم قطع الباب الحديدي عن طريق آلة القطع الحديدي، وهو البابُ الذي يتمّ الدخول من خلاله إلى الفنس من جهة مكتب الشرطة (الكونتر).
أنين يقطع القلوب
على هذا النحو بدأ المسلسلُ الإجرامي. في هذه الأثناء كنت في غرفة رقم ٦ من العنبرالشمالي. كان معي كلٌّ من نادر العريض، السيد فيصل العلوي، هاني منصور، السيد علي السيد عباس، وغيرهم في نفس الغرفة. وقد طلبنا الدخول للحمام، حيث كان في كلِّ غرفةٍ من غرف العنبر (فنس) داخلي، وبه حمام. وبينما كنتُ ذاهبا إلى الحمام إذ بي أسمع صراخا عالياً جدا. كان أنيناً يقطع القلوب آتٍ من نزلاء العنبر الجنوبي. كنتُ أسمعُ صوتَ الهراوات التي كانت في أيدي قوات مكافحة الشغب وهي تلعب على أجسادِ النزلاء.
وبعد أن تمّ الفراغ من هذا العنبر (أي الجنوبي)، وبينما كنّا جالسين في الغرفة، وبعد رجوعي من الحمام، وإذا بقوات الشغب تدخل إلى داخل العنبر. رموا قنبلةً صوتية على الغرفة التي كنتُ فيها. تطاير رذاذُها على السرير الذي فوقي تحديدا. ودخلوا مباشرة!
كان من بين الحاضرين في الغرفة أحد نزلاء العنبر الجنوبي، حيث استطاع الفرار من وجبات التعذيب، وهو وائل. وبمجرد دخول القوات قال لنا أحدهم: “كلكم اخرجوا إلا هذا” (مشيراً إلى وائل). وبالفعل، خرجنا، وانهالوا عليه بالضّرب باستعمال الهراوات.
عند خروجنا إلى الممر؛ رأينا قوات الشغب وقد توزّعوا إلى صفّين. كنّا نمرُّ من بينهم والهراوات تلعبُ على ظهورنا ورؤوسنا. كان بالقرب مني كلٌّ من السيد فيصل العلوي، ونادر العريض، وقد لقيتُ ضربتين على الرأس بالهراوات، وكذلك ضربة على أعلى الصدر مما يلي القلب. كذلك قام أحدهم بركلي على أسفل ظهري وركبتي اليسرى تحديدا. وعند وصولنا قريبا من باب مبنى العزل؛ حصل ازدحامٌ شديد، ما أدى إلى اختناقي. نتيجة ذلك، قام أحد قوات الشغب – وهو ملثم – بإدخالي مع نادر العريض والسيد فيصل، حيث شاهدتُ هناك كلَّ منْ كان بالفنس وهم مصابون بإصاباتٍ بليغة جدا، أمثال رضا الغسرة الذي كانت الدماءُ تغطّي وجهه، وحسين البناء، وعلي الطويل، وماهر عباس، والبقية الموجودون معهم.
بقيتُ فترةً من الوقت إلى حين إخراج النزلاء إلى خارج (الفنس)، وأنا أسمعُ صراخهم وبكاءهم. بعد ذلك، أمر أحد القوات الشرطةَ الموجودين في العزل بإخراجنا إلى الكونتر (مكتب الشرطة). عند خروجنا ووصولنا إلى بداية باب مكتب الشرطة؛ طلب مني الرائد حسن جاسم – ومعي نادر العريض – بالدخول، وتمّ إدخال السيد فيصل جميل العلوي إلى “الفنس”. وبقينا فترة من الزمن ونحن نسمعُ الضربَ والصراخَ والتنكيل، إلى أن تمّ إرجاعنا إلى الفنس.
أحمد الكاتب: حامل قوائم التعذيب
بقينا هناك قرابة النصف ساعة، حتى جاء الكاتب أحمد التابع للإدارة وهو يحمل قائمةً من الأسماء، وتضم: السيد أحمد مجيد الماجد، السيد فيصل جميل العلوي، حسن عبدعلي إبراهيم، الشيخ زهير جاسم عاشور، علي أحمد حبيب عاشور، علي أحمد كاظم، الشيخ محمد علي المحفوظ، نادرعبدالنبي العريض، مجيد حبيب أحمد، السيد صادق علي سلمان، هشام الصباغ، عبدالجبار أحمد، مازن الونه، علي رياض صنقور، علي السماهيجي ووائل القابندي.
مع العلم بأنّ كلّ النزلاء الموجودين غالبيتهم كانوا يفترشون الأرض بدمائهم، وتم استدعاء الإسعاف لأحد النزلاء بسبب شدة حالته، (واسمه عقيل)، حيث تمّ كسْر أنفه. وهناك آخر أغمي عليه واسمه جعفر من دمستان. أما مصطفى القابندي فقد نال من التعذيب ما نال! وقد أصيب بضربةٍ بالهراوة على إحدى عينيه مما تسبّب في حدوث نزيفٍ فيها، وكذلك تعرّض للضّرب بالقرب من أذنه اليسرى وقدمه اليمنى، حيث لم يكن يستطيع التحرُّك. هذا بالإضافة إلى أسامة السواد الذي تم جلبه لمكتب الشرطة ورأسه مغطى بالدّماء على نحو كامل.
وبينما كنتُ ملقى بالفنس كان بجانبي النزيل عماد ياسين، الذي كان يرجف من شدّة الألم، وهو فاقد الإحساس تماما. وبينما كان الوضع بهذه الصورة؛ تمّت مناداتنا بأسمائنا، وخرجنا إلى مكتب الشرطة. حين سألنا إلى أن يتم أخذنا، قيل لنا: “ستعرفون”. ولم يسمحوا لنا بحمل أيّ شيء سوى الملابس التي كنّا نرتديها. وقد طالبتُ بنظارتي الطبية وبعض أدويتي، إلا أنهم رفضوا.
ركبنا الباصَ وتمّ تحويلنا إلى مبنى رقم ١٠ وعند دخولنا تمّ تفتيشنا وإدخالنا إلى الزنازين، ولم يكن هناك بطّانيات أو وسادات أو مفارش للنّوم عليها. كانت هناك فقط الأسِرّة الحديدية، وكان المكانُ شديدَ البرودة. وبتنا ليلتنا دون طعام أو ماء، علما أنني كنتُ صائما ذلك اليوم. واستمرت هذه الحال بنا إلى اليوم التالي، أي يوم الأربعاء ١١ مارس ٢٠١٥م.
في يوم الأربعاء، وتحديدا بعد السّاعة الثالثة والنصف؛ قامت مجموعةٌ من قوات الشغب بإخراج النزلاء من الزنازين إلى فناء المبنى (الفنس)، ومن ثم توقيفهم على قدمٍ واحدة، وكانوا يقابلون الجدار. وتمّت حلاقتهم بطريقةٍ مهينة جدا، وبدأت أضخم “حفلة تعذيب”، وكأنه وكر إسرائيلي للتعذيب. وسميت هذه الحلفة بـ”حفلة الأرنب”، حيث يتم إجبار النزلاء على ترديد عبارة “أنا مش زعيم أنا أرنب”، و”أنا خنزير” و”أنا كلب”، وغير ذلك من الشّعارات الهابطة والبذيئة جدا، بالإضافة إلى الطلبِ من النزلاء بالزّحفِ ـ بعد الحلاقة ـ باتجاه الكونتر (مكتب الشرطة)، إلى الحمّامات، والضرب عليهم بالهراوات والرّكل بالأحذية، وهم يزحفون، وعند وصول النّزيل إلى الحمّامات يتم إغراقه بالماء، وسكب الماء البارد جدا عليه، وإرجاعه إلى حيث بداية الفنس، وبنفس الطريقة.
وكان ممّن أشرفَ على عملية التّعذيب هذه كلّ من الرائد حسن جاسم، العقيد ناصر بخيت، الملازم عبد الله عيسى، الملازم عيسى الجودر، الملازم محمد عبد الحميد، الملازم أحمد خليل وهو يعمل في مركز الرفاع، إضافة إلى الملازم المدعو معاذ.