مواضيع

إفادة أحمد محمد حبيب العصفور

“حفلة الأرنب”.. تعذيب ممنهج

العمر: 26 عاما

الحكم: 50 سنة وأكثر

    بينما كنت في مبنى رقم (٢)، وفي عنبر العزل، وتحديدا في غرفة رقم (٢٢)، وكان الوقت بين العصر والمغرب؛ داهمت قواتُ الشغب مصحوبة بالكومندوز المبنى الذي نتواجد فيه على أثر خبر وصل إلى المبنى مفاده وقوع اعتداءٍ في مبنى الزيارات على عائلة أحد المعتقلين.

     عند دخول قوات الشغب – ومن معهم ـ تمّ الهجوم على المعتقلين بالضّرب والتنكيل والتعذيب، وبكلّ الممارسات الوحشية. كأننا كنّا في وكر للتعذيب وليس مركز الإصلاح والتأهيل! طرحوا المعتقلين في الفنس (الفناء) الخارجي على بطونهم، مكبّلي الأيدي من الخلف بقيدٍ بلاستيكي. وعند المغرب تمّ اقتحام عنبر العزل، حيث كنّا فيه، وقد أخرجونا من الزنازين. وعند خروجنا؛ افترشت القوات سماطين (أي صفّين) ونحن نسيرُ في وسطهم، والهراوات تتهاوى على الأجساد والرؤوس، بالإضافة إلى الضّربِ بالأسلاك الحديديّة، مع الرّكل بالأرجل، وغير ذلك من وسائل التعذيب، إلى أن وصلنا إلى الفنس، ليتم إكمال “الوجبة الدسمة” من التعذيبِ الممنهج، وتمّ طرحنا أرضا لساعاتٍ ربما تصل بين الثلاث والأربع ساعات تقريبا.

     وكان بين من الذين أشرف على أساليب التعذيب هذه كل من الرائد حسن جاسم، والعميد خليفة بن أحمد الشاعر مدير المنطقة الجنوبية، والعقيد ناصر بخيت، والملازم عبدالله عيسى، والملازم عيسى الجودر، والملازم محمد عبدالحميد والملازم معاذ، والملازم أحمد خليل التابع لمركز الرفاع، والملازم عيسى الياسي، بالإضافة إلى قوات الكومندوز والشغب.

     وبعد ذلك جاء أحمد الكاتب، التابع للإدارة، بقائمة بها أسماء، وكان اسمي في أول القائمة. وكان معي: علي أحمد هارون، حسن جابر القطان، حسين جعفر كاظم الجزيري، علاء عارف سلمان الملقب بالنخوة، ونوح إدريس وسامي حمد خليفة.

     وبعدها؛ أخذونا في باص تابع لسجن جو إلى مبنى رقم  ١٠، وكان ذلك في يوم الثلاثاء العاشر من شهر مارس ٢٠١٥م. وعند دخولنا داخل المبنى؛ تم تفتيشنا بأسلوبٍ مهين جدا. وأذكر من بين الشرطة الحاضرين: الشرطي الأردني فارس، حيث ضربني بشكلٍ قاس، واستعمل أساليبَ عنيفة لتعذيبي مع البقية.

   ومن ثم تم توزيعنا على الزنازين، وكان نصيبي الدخول إلى زنزانة رقم ٧ في العنبر ١، وعند دخولنا للزنازين تفاجأنا بعدم وجود فراش للنوم، ولا غطاء أوسادة. لم يكن هناك سوى الأسرِّة الحديدية، وفي ظلّ البرودة الشديدة، هذا بالإضافة إلى بقائنا قرابة الثلاثة أيام دون طعام أو شراب، حيث مورست أساليب العقاب الجماعي.

“حفلة الأرنب”: تعذيب ممنهج

     في اليوم التالي، وهو يوم الأربعاء ١١ من شهر مارس ٢٠١٥م، وتحديدا بعد الظهيرة، ما بين الساعة الثالثة والرابعة عصرا؛ جاءت مجموعةٌ من قوات الشغب مدعومةً بقوات من مختلف الجنسيات. أخرجونا من الزنازين إلى الفناء (الفنس) الخارجي، وبدأ مسلسل الحفلة التعذيبية، والتي سمّاها النزلاء “حفلة الأرنب”.

     ابتدأت الحفلة بإجبارنا على الحلاقة. أخذوني إلى جهة مكتب الشرطة، وقام أحد المعتقلين، واسمه عبد الأمير، بحلاقتي بأسلوبٍ مهين جدا. وبعد الفراغ من حلاقتي؛ أخذوني زحفا على بطني إلى الحمامات، والهراوات تتلوى على جميع أجزاء بدني، مع الرَّكل بالأرجل والبصق عليّ، وسكْب الماء البارد جدا على جميع أجزاء الجسم. بعدها تمّ إرجاعي من جديدٍ إلى مكان البداية، وبنفس الطريقة وبأساليب التعذيب ذاتها. هذا بالإضافة إلى إهانة العقيدة والإستهزاء بها، والإجبار على تقليد أصوات الحيواناتِ وحركاتهم، والإجبار على الغناء والرّقص والنشيد المهين، وغير ذلك.

    بعد ذلك، أوقفوني على رجْلٍ واحدة مقابل الجدار، وأنا مقيّد اليدين من الخلف. ضُربتُ بشكلٍ ممنهج، واستمرّ مسلسل هذه “الحفلة” إلى ما بعد منتصف الليل. أجبرونا خلال ذلك على ترديد شعاراتٍ سوقية جدا، مثل “أنا مش زعيم أنا أرنب”، “أنا خنزير وكلب”، “أنا مش رجل أنا حرمة”، وأنا ابن المتعة، وابن الفاعلة والتاركة، وغيرها. وكان كلُّ منْ يرفض (القيام بذلك) يحصل على وجبةٍ من “الدسومة”: الكثير الكثير من أساليب التعذيب.

     وبعد ذلك؛ أدخلونا إلى الزنازين، حيث لم أكن أقوى على التحرُّك من شدّة التعذيب. وكان بقربي في “حفلة الأرنب” هذه كلٌّ من علي رياض صنقور وكميل المنامي. وقد استمر مسلسل التعذيب الليلي والنهاري بعد هذه “الحفلة”.

مشاهد حيّة من مسلسل التعذيب

     ولي عدّة مواقف وحوادث مررتُ بها أذكرها على النّحو التالي:

أـ ذات مرّة، وفي مناوبة الوكيل محمد حسني زكريا عباد، ورئيس العرفاء سامر الجبوري، وكلٌّ من الشرطة محمد جمال وصلاح (وكلٌّ منهما بلوشي الجنسية)، وإحسان (باكستاني الجنسية)، ومحمد ميرزا (هندي الجنسية).. جرى إخراج جميع منْ بالزنزانة رقم ٧ إلى الفنس (الفناء) الخارجي. تمّ تعذيبنا بكل الطرق المعروفة، ثم أخذنا إلى جانب الثلاجة في العنبر رقم ٢ بالقرب من الحمامات. هناك أخذوا يتفنّنون في التعذيب، حتى أنّ كلَّ منْ في المبنى سمعَ صراخ الآلام العالية الصادرة منا. وفي ليالٍ متعدّدة أُخذنا إلى الحمّامات ليتمّ إغراقنا بالماء البارد وتعذيبنا.

ب ـ في مناوبة الوكيل تيسير، ورئيس العرفاء بلال الحمايدة، والشرطة محمد سليمان ومحمد محسن (وهما باكستانيّا الجنسية)، وكذلك محمد جمال ونفيس التابع للعيادة؛ أخرجوني مع بعض المعتقلين وتمّ تعذيبنا بالقرب من الحمّامات وعند الثلاجة، والتي يُطلق عليها المعتقلون “مكتب ٩٩ للتحقيقات”. تمّ استعمال شتى الوسائل التعذيبية الهمجية، مستعينين بقوات من الشغب والدرك الأردني. كما أن المدعو بلال الحمايدة قام في ليلةٍ من الليالي بعمل خلطة من القهوة والديتول والصابون وسائل خاص بغسيل الأواني و”الكلوركس”؛ بالإضافة إلى البصاق، وأجبرنا على الإستحمام بها لأكثر من مرة، حتى تسبّب ذلك في إصابتنا بحساسية في الجلد وأمراض أخرى. هذا غير إغراقنا بالماء البارد، وإجبارنا على الوقوف على قَدم واحدةٍ ولساعاتٍ طويلة.

ج- وفي مناوبة المدعو رئيس العرفاء خالد، والشرطة جمعة (وهو من أصل سوري) وكايد (من أصل يمني) وكذلك رضوان (من أصل يمني)، وكل من مروان (من أصول بلوشية)؛ كنتُ أنا وعلي أحمد هارون في الغرفة. حضروا جميعاً وأخرجونا منها ثم أمرونا أن نذهبَ إلى الحمامات، حيث تم إغراقنا بالماء البارد. وبعدها أمرونا بالوقوفِ أمام المكيّف تحت درجة ١٦. وبعدها تمّ التفنن في تعذيبنا بشكل همجي ووحشي.

     وذات مرة، دخل المدعو خالد زنزانتنا بحجّة أن مصباح الإنارة به خَلل، واتّهمنا بتعمُّد إعطابه. أخرجني مع كلٍّ من أيمن وكميل المنامي وآخرين، وأخذ الشرطة يتفنّنون في تعذيبنا قرب الحمّامات. وكان معهم كلٌّ من عبد القوي اليمني. وبعد الفراغ من وجبة التعذيب؛ قاموا بإركابنا في الباص، وتعذيبنا فيه بالهروات والرّكل على جميع أجزاء الجسم، وكذلك الضرب على العين والوجه والرأس، حتى أن المدعو رئيس العرفاء خالد قال بكلمةٍ صريحة: “أريد أن أرى دماء”.

      وبالفعل سالت الدّماء من أبداننا. وبعدها أوصلونا إلى الإدارة. وكان ذلك في مناوبة الملازم عيسى الياسي، الذي قام بتهديدي، ثم التفنّن في تعذيبي، بما في ذلك إهانة المعتقد والشعائر، وغير ذلك. وقد أجبرونا على كتابة الإفادة، وتمّ إرجاعنا إلى المبنى من جديد، حيث كانت بانتظاري “وجبة” أخرى دسمة من التعذيب.

أساليب وفنون التعذيب

دـ أمّا الأساليب التعذيبية الممنهجة التي تم استعمالها في مبنى ١٠ فكانت على النحو التالي:

ـ الحرمان من النوم.

ـ الحرمان من الذهاب إلى الحمام.

ـ الوقوف لساعاتٍ طويلة وربما تصل لأيام.

ـ إهانة المعتقدات الدينية والإنتماءات الفكرية والمذهبيّة.

ـ الأجبار على تقليد أصوات الحيوانات وحركاتهم.

ـ الإجبار على التلفظ بشعاراتٍ بذيئة جدا.

ـ الأجبار على ممارسة التمارين العسكرية (وهو أمر مخالف للقوانين لكوننا مدنيين).

ـ الإجبار على ترديد النشيد “الملكي”، ونحن نسير بحركاتِ الحيوانات، أو نحن مجبورون على الجلوس في إناء القمامة.

ـ الإقتصار على السماح بالإستحمام وقضاء الحاجة لمدة لا تزيد على خمس دقائق.

ـ التعذيب الجسدي والنفسي عن طريق الهراوات والآلات الحديدية والأسلاك الكهربائية، مع التهديد بإغراق كافة البدن بالماء البارد.

ـ الإجبار على ضرب بعضنا البعض.

ـ التحرّش الجنسي.

ـ وضع الرؤوس في مكان القاذورات في الحمامات. وكان هذا اللون من التعذيب “مخصّص” للمعتقلين من صغار السن.

ـ استعمال الأساليب الوحشية والرخيصة أثناء الاتصال، مثل التنصُّت على المكالمات أو الضرب أثناء الإتصال أو قطع الإتصال بشكل قهري وقسري.

المشاركون في التعذيب

     أما المشاركون في هذه الحملة التعذيبية الممنهجة، فهم كلٌّ من الرائد حسن جاسم، والعميد خليفة بن أحمد الشاعر، والعقيد ناصر بخيت، والملازم عبدالله عيسى، والملازم عيسى الجودر، والملازم محمد عبدالحميد، والملازم معاذ، والملازم عيسى إلياسي، والملازم أحمد خليل.

    ومن الوكلاء الذين شاركوا في التعذيب: محمد حسني زكريا عابد، وتيسير وزهير، ورؤساء العرفاء بلال الحمايدة وخالد المستريحي وسامر الجبوري، وكلٌّ من الشرطة محمد سليمان ومحمد محسن وإحسان ومحمد جمال وصلاح ومحمد ميرزا وجمة وقايد ومروان اليمني ورضوان وفيصل وماجد وصالح الجهمي مسؤول الإتصال، وكذلك محمد أحمد القرشي وسيف الدين وعبدالله الدوسري، مسؤول الصيانة، وأحمد أمان التابع قسم اللزيارات، وأحمد الكاتب وبسام التابعان للإدارة، وغيرهم.

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى