مواضيع

شرارة الانتفاضة: أم جميل.. من زفرات الشهداء والأسرى

      ليلى عبد النبي، أو أمّ جميل.

     كان مقدّراً لهذه المرأة أن تكون حاضرةً في أكثر أهم منعطف الأحداث. على سجن جو كان عبور أمّ جميل أكثر من ثورةٍ مختمرة. أمّ جميل، من بلدة شهركان، هي شقيقة الشهيد أحمد عبدالنبي (٣١ عاما)، الذي التحق بربّه في ٢٤ مارس ٢٠١٢م بعد أن سلّط عليه الخليفيون نارَ حقدهم عبر الغازات الخانقة التي يطلقونها على وسط المنازل وبين الطرقات. وهي أمّ الشهيد علي عبد الغني (١٨ عاما) الذي قضى شهيداً في ٣١ مارس ٢٠١٦م أثناء ملاحقته من قبل القوات الخليفية في إحدى المباني السكنيّة في شهركان، حيث شوهدت في أنحاء مختلفة من جسمه آثارُ التعذيب. وقد كان الشهيد أحد الشّهود على حادثة الاعتداء التي فجّرت انتفاضة مارس في سجن جو.

     في العاشر من مارس ٢٠١٥م؛ توجّهت أمُّ جميل لزيارة عددٍ من أفراد عائلتها المعتقلين في سجن جو، وكان بصحبتها أبناؤها الأربعة: الشّهيد علي، محمد، إشراق وحسين. تضمّ قائمة الزيارة ذلك اليوم كلاًّ من ابنها البكر جميل (١٩ عاما) المحكوم بالسجن ٣ سنوات، وشقيقها حسين عبد النبي، المحكوم بالسّجن لمدة ٢٥ سنة، وابنه عليّ الذي صدر حكم بسجنه ٧ سنوات. كانت أمّ جميل ذلك اليوم بصحبةِ شقيقتها زهراء، وأخيها محمود، وولده محمد.

     بفارغ الصّبر كانت العائلة تنتظر موعد لقاء الأحبّة المغيّبين في السّجون، ولكن حادثاً وقعَ لم يكن في الحسبان! منعت القواتُ الخليفيّة شقيقة أمّ جميل، محمود، وولده من دخول الزّيارة، وهاجمت القواتُ عليهما بعد أن أصرّا على حقّهما في الزيارة. في تلك اللحظة، لم تتذكّر أمّ جميل – وهي الحاملُ وقتها في شهرها السّادس – إلا أنها تفجرت غضباً على المرتزقةِ، تدفع ظلمهم وتدافع عن مظلوميتها. صرخت بأعلى صوتها في وجوهم الميّتة، ولسانَ حالها يردّد: “ويْحكم! من أيّ طينةٍ خُلقتكم؟ ومن أيّ مدرسةٍ تخرّجتم، إذ لم تتعلموا سوى القساوةِ وفقدان الضمير!”.

    اعتقلوها لأنها طالبت بحقّها في زيارة أخيها وابنها، وأوْدعوها السّجن مع شقيقتها زهراء وأخيها محمود. وتركوا أطفالها الصغار بلا أمّ أو أب! الوالد كان مغترباً بعد أن ضاقت به سبلُ العيش في وطنه، فاضطرّ للتوجّه نحو إحدى الدّول الخليجيّة لكسب لقمة الحلال، بعد أن سلب الأغرابُ خيرات أرضِه واستأثروا بها وأفسدوا.

    شقيقها محمود – الذي يُعاني من مرض الصرع – أصابته نوبةٌ في المعتقل، فأطلقت السلطاتُ سراحه في اليوم التالي مع شقيقته زهراء. أما أمُّ جميل فأبقوها في المعتقل، ومدّدوا يوم الخميس، ١٩ مارس ٢٠١٥م احتجازها، ولمدّة ١٠ أيام أخرى.

    قَدَحت هذه الواقعة شرارةَ الغضب، وبدأت أحداث العاشر من مارس ٢٠١٥م. بوتيرةٍ متصاعدة؛ انتفض السجناء. كانوا أمام استحقاق ملحٍّ للتعبير عن الكرامة، وهم يرون كيف بلغ الإجرام الزّبى، دون رادعٍ أو حسيب من العالم.

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟