مواضيع

بين يدي (زفرات): وتستمر الانتهاكات داخل المعتقلات

بقلم الناشط الحقوقي المعتقل ناجي فتيل

     إنّ ملف حقوق الانسان في البحرين معقّد وشائك، وذلك بسبب تزايد حجم الانتهاكات واستمرارها بصورةٍ ممنهجة عبر عقود من الزمن، بمرأى ومسمْع من المجتمع الدولي الذي اكتفى بالبيانات والإدانات، ولكن دون جدّية حقيقيّةٍ لإيقاف مسلسل الإنتهاكات، ممّا حفّز النظامَ الحاكم على عدم الإكتراث وتجاهلَ هذه الإدانات لمنظمات المجتمع ومؤسساته المحلية والدولية.

     وقد استمر النظام الحاكم في الملاحقات الأمنية للنشطاء الحقوقيين والسياسيين، وأطلقَ يدَ أجهزته الأمنية التي استخدمت القوّةَ المفرطة والتنكيل بالمعارضين للنظام، وقامت باقتحام ومداهمة منازل المواطنين الآمنين في جميع الأوقات، نهارا وليلا، من دون تقديم مذكرة اعتقال من النيابة العامة (الخليفيّة)، وعمدت على نزْع الاعترافات تحت وطأة التعذيب النفسي و الجسدي الوحشي في مراكز الإحتجاز والتوقيف ومبنى التحقيقات الجنائية.

    كما أن التحقيق يتم في أوقاتٍ متأخرة من الليل في النيابة العامة، دون حضور محامٍ مع المتهم. وقد وفّرت سياسةُ الإفلات من العقاب لمنتسبي الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية؛ التماديَ والإمعان في الإنتهاكات دون حسيبٍ أو رقيب.

     ومع أن السلطات أنشأت جهاتٍ ومؤسسات تابعةً لها ومحسوبة عليها، (مثل المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان، أمانة التظلمات، مفوضية السجناء، ووحدة التحقيق الخاصة) بزعم ضمان صحّة الإجراءات القانونية  و الحدّ من الإنتهاكات التي يتعرّض لها المعتقلون. إلا أن هذه الإجراءات كانت صوريّةً وشكليّة، وليست لها أي صلاحيات حقيقية، وهي تبني ذلك عندما لجأ الكثير من المتضررين لهذه الجهات التابعة للسلطة آملين إنصافهم، ولكن للأسف الشديد لا نتائج إيجابية تُذكر، وفي حالاتٍ نادرة تمّ تحويل بعض المعذّبين والجلاّدين إلى القضاء (الخليفي)، حيث تم تبرئة ٩٥٪ منهم، فيما تمت إدانة ٥٠٪ فقط بأحكام مخفّفة جدا. ويمكن مراجعة الحالات التي حصلت من خلال تقارير السلطة نفسها، حيث برأ القضاءُ الجلادين والمعذّبين بكلِّ وقاحة، وتمّ الحكم على البعض بأحكام مخفّفة جدا. ومع ذلك، تم الإفراج عنهم لاحقاً، وقد تكرر ذلك في مناسباتٍ مختلفة.

     إنّ المشكلة تكمن في أن السلطة القضائية في البحرين غيرُ مستقلة، وهي خاضعة لـ (الملك) بشكل مباشر، وأحكامها ضدّ المعارضين مسيّسةٌ بامتياز، والأحكام مقدَّرة مسبقاً على المتهمين، بينما جلساتُ المحاكم شكليّةٌ فقط. و ليس من باب المبالغة إذا قلنا إنّ القضاءَ – بأحكامه القاسية – هو أحدُ وسائل القهر والبطش بالمعارضين، عبر تغييبهم عن الساحة، وزجّهم في السجون من أجل كسْر إرادتهم و إخضاعهم.

    إنّ  حصل في سجن جو المركزي يحتاج إلى مراجعةٍ دقيقةٍ عبر لجنة محايدةٍ لتقصّي الحقائق للخروج بحكمٍ عادل على ما حصل وإنصاف المتضرّرين، والإستماع للإفادات المرفقة (في هذا الكتاب)، وقراءتها بدّقةٍ، حيث إنّ ما حصل يفوقُ الوصف، ولا يمكن تبريره بأيّ حالٍ من الأحوال.

     لقد تمّ التعامل مع السجناء بشكلٍ همجي وبربري في حفلاتِ تعذيبٍ مبرمجة استمرّت أكثر من ثلاثة أشهر، وباستعمال الضّرب بمختلفِ الأدوات، وكذلك الإهانات والشّتائم والتّجاوز على المعتقدات الديّنيّة، والتّحرّش الجنسي، والمنْع من النوم، والإجبار على الوقوف المتواصل لساعاتٍ طويلة، والمنْع من إقامةِ الصلاة، والحرمان من قضاء الحاجة، وأمور أخرى تركت أثراً نفسيّاً وجسديّاً على السجناء، خاصة في مبنى رقم عشرة.

    ومهما قيل عن “أخطاءٍ” أو “تجاوزاتٍ” مزعومة حصلت من بعض السجناء؛ إلا أنّ ذلك ليس مبرّرا لما حصل من حفلات تعذيبٍ جماعيّة، وبلا هوادةٍ ورحمة، وعلى نحو أذهلَ الجميع، بما فيهم بعض المنتسبين لوزارة الداخليّة لشدّة استعمال القوة المفرطة من قبل الشرطة وبأوامر من الإدارة والوزارة.

    إنّنا نأمل من كلِّ الجهات المهتمّة بحقوق الإنسان أن تُولي ما جاء في هذا الكتاب عنايةً خاصّة، حيث إنّه يفنّد كلَّ مزاعم السّلطات الحاكمة في البحرين بشأن احترام حقوق الإنسان. فقد كشفت الأحداثُ التي وقعت في سجن جو عموماً، وفي مبنى ١٠ على وجه الخصوص؛ عن أنّ الإنسان ليس له قيمة ولا اعتبار (لدى النظام)، وأنّ الوضع الحقوقي في البحرين بحاجةٍ إلى مراجعةٍ دقيقةٍ  وتنفيذ إجراءاتٍ حقيقيّةٍ ومتابعة جدّية لها. كما أن هذا الوضع يحتّم اتّخاذ مواقف حازمة عبر إصدار قراراتٍ نافذة تُعيد الاعتبار لكلّ المضطهدين والمتضرّرين المعذَّبين.

شاكرين لكم كلَّ جهدٍ من أجل احترام حقوق الإنسان.

* ملاحظة: نود أن نلفت عنايتكم إلى أنّ هذه الإفادات هي عيّنة بسيطة لبعض السجناء في مبنى رقم ١٠ بسجن جو المركزي، وإلاّ فإن أعداد المتضرِّرين تُقدَّر بالمئات، حيث إنّ الضّرر لحقَ بكلّ السجناء، دون استثناء.

ناجي فتيل

مدافع و ناشط لحقوق الانسان

رئيس جمعية شباب البحرين لحقوق الانسان

١٨ أغسطس ٢٠١٥م

سجن جو المركزي

مبنى رقم ١٠

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟