سنة كاملة من الإعداد والمتابعة

في هذا الإصدار الخاص (زفزات)؛ يروي عددٌ من السجناء مشاهداتهم لتلك التجربة القاسية، ويروون ـ عبر إفادات تمّت كتابتها في ظروف خاصة وقاموا بتهريبها من داخل السجن ـ ما جرى عليهم من تعذيبٍ خلال أحداث مارس وما شاهدوه من انتهاكاتٍ تم ارتكابها بحق السجناء الآخرين.
إن قيمة هذه الإفادات لا تقتصر فقط في كونها تمثل توثيقاً “من الداخل” لواحدةٍ من أوسع عمليات التعذيب الجماعي في سجن جو؛ ولكنها أيضا تقدّم “وقائع” يمكن الاستناد عليها في استكشاف جملة من القضايا والموضوعات والملفات ذات الصلة بجهاز التعذيب الخليفي، والأنماط الانتقامية التي يتم اعتمادها، وهوية “العقل” الإجرامي الذي يحكم العلاقة بين السجناء والشرطة (من أصغر الأفراد مرورا بالضباط، ولغاية إدارة السجن ورؤوس النظام الأمني في البلاد).
استغرق إعداد هذا الإصدار سنةً كاملة. لم تكن ظروف العمل طبيعيةً داخل السجن وخارجه، وهي كانت أشبه بنوع خاص من المعارك والمغامرات المجهولة التي تُحرّكها الرغبة في إخراج الحقيقة من قعْر الظلام. جنود مجهولون أسهموا في إتمام هذا الإصدار ليسمع العالم صليل “الزفرات” التي كُتبت بخطّ اليد، وبعضها سُجّل صوتياً بوسائل مختلفة أثبتت أن صوت الضحايا أقوى من أي لهيبٍ أو سياط. كان الحرص شديداً في المحافظة على نصّ الإفادات التي تم تسريبها خارج السجن أو تلك التي وفّرها الضحايا بعد تحرّرهم من القيود. كان التحرير محدوداً – قدر الإمكان – على ما هو ضروري، وبما لا يطمس الحقائق والمشاعرَ التي تتفجّر من حروف الإفادات. ميزة هذه الوثيقة هو أنها كُتبت من قبل الضحايا أنفسهم، وبرغم ما فيها من وطأة الحقيقة المُرَّة؛ إلا أن لغتها الفائضة بالمعاناة والزفرات ستظل “شهادة” على المفهوم الخاص لـ(الصمود) الذي طبعَ ثورة البحرين وقدرتها غير المحدودة على ابتكار وسائلها في الاستمرار وفي التحايل على حصون القمع والتنكيل.
وتبقى الدعوة مفتوحة لإجراء دراساتٍ وأبحاث موازية على هذه الإفادات، تستخلص الخطاب الوصفي للضحايا، وتستكشف الهوية الجماعية التي تتكوّن داخل السجن في لحظات شبيهة بتفريغ كميات متدرّجة من الموت غير الرحيم. فضلا عن ذلك، فإن هذه الإفادات تتوفر على بنية كاملة لتأسيس مادةٍ أولية لأية دعاوى قانونية ضد النظام الخليفي وداعميه الإقليميين والدّوليين، لكونها نصوصا توثيقية حية ومباشرة ومن ضحايا التعذيب أنفسهم، وبأسمائهم وهو ما تم الحرص عليه من خلال تثبيت أسماء أصحاب الإفادات وصورهم وبياناتهم الشخصية كلما تيسّر ذلك.
تم نشر الإفادات بحسب التسلسل الهجائي، مع استثناء بعض الإفادات التي تم البدء بها خلافا لهذا التسلسل وذلك لخصوصيتها. الإفادة الأولى هي للشهيد رضا الغسرة، الذي بات اسمه معروفا في كلّ منازل البحرين بعد نجاحه، برفقة تسعة آخرين، في تكسير القيود وتنفيذ أكبر عملية هروبٍ جماعي من سجن جو في الأول من يناير ٢٠١٧م، إلى أن تم استشهاده مع اثنين آخرين في فبراير ٢٠١٧م. وفي الحقيقة فإن رواية الشهيد الغسرة تميزت بروح الإباء والشجاعة، وبالإرادة التي لا يدخل في قاموسها اليأس، أو الوهن، ولا تعرف معنى المستحيل. الإفادة الثانية للشهيد عباس السميع الذي أُعدم مع اثنين آخرين في يناير ٢٠١٧م، واعتبره الكتاب الصوت الحقيقي للروح الثائرة التي انفجرت في أحداث ١٠ مارس. الإفادة الثانية والإفادة الثالثة هي النصّ الذي كتبه الشهيد علي السنكيس، أحد شهداء الإعدام الثلاثة، وروى فيها شهادته حول الأحداث. والرّابعة إفادة كتبها الناشط الحقوقي إبراهيم الدمستاني، الذي كان شاهدا على أحداث سجن جو، وشكلت إفادته إضافة في استحضار مشهد الأحداث، ووضعها في سياقها العام.