مواضيع

السجون في البحرين: زفرة في وثورة

     خلال أكثر من ٥ سنوات من ثورة ١٤ فبراير؛ ارتكب الخليفيون قائمةً طويلة من الفظاعات الدّموية، ومارست الأجهزة الأمنية والعسكرية شتى الأساليب في التنكيل والاضطهاد والتعذيب داخل السجون، وصدرت العديدُ من البيانات الحقوقيّة والدوليّة التي دانت هذه الانتهاكات والجرائم. إلا أنّ هذه البيانات لم تفعل شيئاً لحمايةِ السجناء وإلجام الجلادين.

     تزايدت أعدادُ المعتقلين السّياسيين في السّجون الخليفية على مدى السّنوات السّت الماضية، ووصلت الأعدادُ إلى نسبةٍ غير مسبوقة، وعلى مستوى الشّرق الأوسط، فيما شكّل ذلك ظاهرةً مركّبة انعكست آثارُها على مختلف النواحي السّياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد، وباتت العوائلُ البحرانية ترتّب علاقاتها ونمَط حياتها وفْق هذه الظاهرة التي دخلت على خطّ يومياتها المعتادة، سواء من خلال مواعيد الزيارة، وتتبّع أخبار الأبناء والبنات والأزواج والزوجات والأمهات والآباء المعتقلين والمعتقلات، أم مع عبور شبكة العلاقات الداخلية في السجن إلى داخل منازل الأهالي، والتفاعل معها باعتبارها جزءا من التركيب الأسري الخاص، وهو الأمر الذي برز باستمرار مع تزايد المشاكل والانتهاكات داخل السجون والتي بات مشهدا تكميلياً أو متصلا بما يحدث في خارجها من أحداث أمنية واحتجاجات شعبية غير منقطعة.

     مع منتصف العام ٢٠١٣م بلغت أعدادُ المعتقلين حدودها القصوى، وبما يفوق الطاقة الاستيعابية للسجون ومبانيها في ذلك الوقت، ووصل الأمر مع بدايات العام ٢٠١٤م إلى حدّ إجبار المعتقلين على افتراش ممرات العنابر للنوم، وفي بعض الفترات اضطر السجناء للنوم في قاعات الاستقبال والحمامات، وكان ذلك على وجه الخصوص في سجن جو المركزي، الذي اكتظ بالسجناء على نحو هائل شاهده العالم عبر الصّور المهرّبة من داخل السجن. وقد أحصت منظماتٌ حقوقية محلية الأعداد إلى ما يزيد على ٣٠٠٠ سجين، علما أن مباني السجن لا تستوعب في وضعها الطبيعي أكثر من ١٤٠٠ سجين، وفق تقرير صادر عما يُسمى بإدارة التظلمات (التابعة للحكومة الخليفية)، الأمر الذي جدّد الاستياء الشعبي، في حين بادرَ العديد من النشطاء الحقوقيين المحليين إلى القيام بتحرّكات مختلفة للكشف عن معاناة السجناء، وإعداد التقارير الخاصة ورفْعها إلى المنظمات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

    في داخل السجن، أبدى السجناء اعتراضاتٍ متكررة للاحتجاج على هذه الأوضاع السيئة، ولاسيما مع تفاقم الآثار الصحية السلبية نتيجة هذا الاكتظاظ وتكرار سوء المعاملة على نحوٍ ممنهج، والذي أخذ شكلاً انتقاميّاً وبأوامر من كبار الضباط والمسؤولين في السجن (أو ما تُسمى بإدارة الإصلاح والتأهيل). وقد عمدت الإدارة المذكورة إلى إبداء “اللامبالاة” لشكاوى السجناء وأهاليهم وإهمالها أو تكذيبها، ومقابلتها في أحيان كثيرة بتنفيذ سلسة جديدةٍ من سياسة العقاب الجماعي والانتقام الممنهج ضد السجناء وأهاليهم على حدّ سواء.

     تفجّر الغضبُ داخل سجن جو في العاشر من شهر مارس ٢٠١٥م، واندلعت أحداثٌ غاضبة شكّلت ما يشبه الانتفاضة الواسعة ضد سياسة العقاب المتبعة ضد السجناء، وكان فتيل هذه الانتفاضة حادثة اعتداء الشرطة على عائلة أحد السجناء ذلك اليوم في الصالة المخصّصة للزيارات العائلية. وعبّرت هذه الحادثة عن طبيعة السياسة المتبعة من جانب شرطة السجن، والتي تقوم على المعاملة السيئة والإهانات اللفظية والتعدي الجسدي والتفتيش المهين، وهي إجراءاتٌ انتقامية تتم ممارستها مع السجناء وعوائلهم ولاسيما أثناء الزيارات.

    الأحداث التي وقعت في ذلك اليوم؛ فتحت البابَ على واحدة من أكبر عمليات التعذيب الممنهج في سجن جو، وعلى نحو قال شهود عيان ـ وبينهم ضحايا التعذيب الذين سجّلوا إفاداتهم في هذا الكتاب ـ بأنها لم تكن مسبوقة و”خارج حدود الوصف”.

المصدر
كتاب زفرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى