مواضيع

الشهيد علي المؤمن الإنسان الشامل

صديق الشهيد

ديباجة

لا يخفى على ذي لب ما واجهه الشعب البحريني من الغزو الثقافي مع مطلع الألفينية الجديدة بعد انتشار وسائل التلفزة مع الأقمار الصناعية، التي بدأت تعيد صياغة الشخصية الإسلامية للفرد البحريني، وهذا الاستهداف من ضمن دائرة واسعة وخطة معدّ لها سلفاً من قبل الاستكبار العالمي للتأثير على المكونات الإسلامية وغيرها في جميع بقاع المعمورة.

وقد انجذب كثير من الناس وراء ذلك المد الفكري المادي، وقد كبّل عقل الناس وساق بفكرهم نحو التحلل والانسلاخ من الهوية الإسلامية والابتعاد عن الثقافة الدينية، وسوّق الناس بالاهتمامات اليومية عن الاهتمامات العليا لبناء الشخصية الإسلامية وبناء المجتمعات السامية المتكئة على الأخلاق الفاضلة.

عرض

نبذة عن نشأت الشهيد علي المؤمن: برز الشهيد السعيد علي المؤمن مع حداثة سنه في مطلع الألفينية الجديدة بين أهل قريته ومجتمعه، حيث كانت نشأته الدينية – بعد تربية الوالدين له تربية حسنة بين جدران المسجد في المواسم الصيفية التي تخص قريته، وكان من المجدين في دراسته الأكاديمية ودراسته الدينية في المسجد.

وهذا ما ترك أثراً واضحاً في نمو شخصيته الدينية وتأصيل فكره بما تشربه من منبع فكر أهل البيت (ع)، حتى تسلم عدة مهام في المواسم الصيفية من ناحية إعداد البرامج والتدريس والإنتاج على مستوى القرية، فكانت شخصيته شخصية مؤثرة وجامعة بين أقرانه وأصحابه.

وما زاد في بناء شخصيته الدينية والفكرية كثرة مطالعاته وقراءاته للكتب المختلفة اذكر منها: كتب السيد الإمام الخميني قدس سره، والسيد الإمام الخامنئي دام ظله، والشهيد الشيخ مرتضى مطهري، والسيد محمد حسين فضل الله، وعلي شريعتي.

وكان في أيام دراسته الأكاديمية الإعدادية يتكلم عن كتاب الأربعون حديثاً للإمام الخميني قدس سره، وكان هذا الكتاب موضع استغراب من أقرانه حيث لم يعتادوا على مثل هذه الكتب في هذه المرحلة العمرية.

وسأذكر هنا بعض العناصر التي اعتمدها الشهيد علي المؤمن في التثقيف الديني لمواجهة الغزو الثقافي في ذلك الوقت:

العنصر الأول: التنمية الروحية ص 18

كان الشهيد على المستوى الروحي محلقاً بنفسه مخفاً بعمله مسارعاً للخيرات والعمل الصالح، فعمل على كبح جماح النفس من بدأ سني شبابه ومحاسبتها ومشارطتها ومعاقبتها إن استدعى ذلك – معاقبة المؤدب لها، فهيئ أسباب السمو بأدوات عديدة:

  • الملازمة للمسجد: مؤدياً الصلاة جماعة مع إخوته، وداعياً للتمسك بجميع الفرائض حتى فريضة الفجر، وهذا ما كان يدعو له ويؤكد عليه ومواظباً على عمله في فترات العمر الصغير.
  • المداومة على البرامج الروحية: كان دائم الذهاب للأمسيات الدعائية والإحياءات الروحية التي كانت تقام بمسجد المؤمن في المنامة، وكان يقيمها سماحة الشيخ حبيب الكاظمي وبعده سماحة الشيخ عادل الشعلة، وكان ممن يؤكد على أهمية التواجد في هذه الأماكن الروحية.
  • محاسبة النفس: وكان يحاسب نفسه عند البحر، حيث يرى في البحر متنفساً ومحلاً للحديث مع الله ومع النفس حيث الهدوء والصفاء.
  • الاعتذار من الآخرين: وكان يملك الشجاعة في الاعتذار إذا تبين له الخطأ في موقف ما أو مناقشة، وهذا ما أثّر في أقرانه وأصّل فيهم هذه الصفة الروحية.

العنصر الثاني: التنمية العلمية

  • التعليم القرآني: شغف الشهيد حباً بالقرآن ومدارسته، حيث درس في بيت جده قراءة القرآن ثم تعلم التجويد، وهذا ما أهله لقراءة القرآن في محافل أهل البيت (عهم) وإقامة فواتح الموتى، والاحتفالات الدينية.

وكان محباً للتعليم القرآن حيث درس عدة دورات في التجويد في أماكن متعددة.

وكان عاملاً بمفاهيم القرآن الكريم وآياته وأحكامه.

فصدق عليه أنه تعلم وعلّم وعمل بالقرآن الكريم.

  • التميز في الدراسة الدينية: حيث درس في المواسم الصيفية العديد من الدورات الثقافية والعقائدية والأخلاقية، وتأصل لديه الفكر المحمدي الأصيل.
  • كثرة القراءة: وكان الشهيد كثير المطالعة للكتب وشغوفاً بقراءة القصص للشهداء والمقاومين حيث يعتبرهم القدوة في المسير إلى الله لأنهم سلكوا أقرب الطرق إلى الله.
  • التميز في الدراسة الأكاديمية: حيث كان الشهيد من الأوائل في لوحة الشرف، فكان بحق شاغلاً وقته بالمهم الذي ينمي فكره وعقله وخلقه.

العنصر الثالث: تقديم النصح

كان الشهيد يقدم النصح في موارده وبأسلوب لطيف جميل، فتارة تراه يصرح بالنصح وتارة يلمح وتارة يسر النصح، وهذه من صفات المؤمن الجلية، فكان مواجهاً لأي انحراف أو معصية، حيث كانت له نظرة إذا نظر في وجه أحد عرف ذلك الشخص أنه على خطأ واشتباه في موقف أو في أسلوبه.

العنصر الرابع: تسلم المراكز القيادية والإدارية

تسلم الشهيد علي المؤمن مراكز قيادية متعددة، فكانت هذه المراكز تشرفت بقيادته لكون قيادي بامتياز، تسلم رئاسة المجلس الطلابي للمواسم الصيفية في نسخته الأولى، وكان مديراً ناجحاً في الجلسات الحوارية والنقاشية، وكان نائباً للجنة الإعلامية في الجمعية الأهلية، وكان رئيساً لبعض النشرات في قريته، مثل: مرآة الموسم ونشرة قريتنا.

وآخرها كان مسؤولاً عن أسبوع المحبة في قرية الخارجية الذي كان يتزامن مع أسبوع الوحدة الإسلامية الذي أرسى دعائمه الإمام الخميني، داعياً للمحبة والأخوة الإيمانية بين المؤمنين ونبذ الخلافات المشتتة لأواصر الوحدة والألفة والمحبة

العنصر الخامس: ثوري حركي

ردة فعل قوية

في شهر رمضان شهر الرحمة والغفران والرجوع والإنابة إلى الله كانت القوات الخليفية تعيث الفساد في بيوت الآمنين حيث كانت تعتقل من تشاء وتضرب من تشاء من غير محاسبة، حيث في تلك الفترة انتشر استخدام سلاح الشوزن الذي يستخدم للحيوانات، وكثرت الإصابات في تلك الفترة، وهذا ما سبب ثوران في دم الشباب الحركي، وإلى متى السكون عن هذه الأفعال المجرمة.

واعتقل في شهر رمضان في سنة 2010 سماحة الشيخ سعيد النوري وسماحة الشيخ عبدالهادي المخوضر وعدد من القيادات والثقافية والميدانية المرتبطة بتيار الوفاء الإسلامي.

عندما تناهى الخبر إلى أسماع الشباب الثوري وكان من ضمنهم الشهيد علي المؤمن، تحرك الشباب حركة سريعة إلى قطع شارع جابر الصباح – الرئيسي والحيوي – المسمى حالياً بشارع الشهيد علي المؤمن، وكانت كمية الإطارات كبيرة حيث تحرك الشباب بعدد كبير في الصباح الباكر من فجر ذلك اليوم، وكانت هذه العملية في ذاك الوقت إيذاناً بتصعيد الحراك السياسي في ظل القمع الأمني وفرض السيطرة الأمنية.

حيث شارك الشهيد علي المؤمن في هذه العملية بجرأة وإقدام حيث كان متقدماً الشباب الثوري حاملاً على كتفيه الإطارات المطاطية الخاصة بالسيارات متحدياً سيارة المرتزقة المارة على الطرف الآخر من الشارع حتى شبت النار في الاطارت وسط الشارعين الذهاب والإياب معلناً الانتصار للمبدأ بأسلوب حضاري مؤثر.

شارع الاستقلال يحترق

في طور المناقشات لإبداء ردة فعل قوية على عنف السلطة وتعرضها للعلماء الذين يطالبون بالحق السياسي وتمكين الشعب من حكم نفسه والمطالبين بكرامته وعزته، فكانت المداولات قد انتهت باستهداف شارع الاستقلال بالإطارات المحترقة، فتم الاعداد لذلك وتحرك الشباب ومعهم الشهيد لإعلان صرخة مدوية على الشارع الحيوي المؤدي لعدة مراكز مهمة.

ركض الشباب بالإطارات المطاطية وأحرقوها وسط الشارع مصوبين ضربة قوية وحساسة للنظام باستهداف الشوارع الحيوية وعدم الاقتصار على الشوارع الداخلية للقرى، فعرف النظام أنه قد واجه تحركاً جديداً من نوعه يهدف لتحركات مؤثرة ومؤلمة، فانتهت هذه العملية بالضحكات على تخبط النظام وخصوصاً أن هذه العملية قد تم تغطيتها من شبكة سترة الخارجية في ذاك الوقت، فجن جنون النظام كيف وصل الشباب لهذا الطريق ومن أين خرجوا وسط الشارع.

أعلام نحن أهل سلم

ألقى سماحة آية الله الشيخ عبدالجليل المقداد خطبة في مسجد الإمام الهادي الكائن في العكر، وكان النظام قد فرض طوقاً أمنياً وحصاراً لأي كلمة شجاعة تشجب أعماله وتستنكرها، وكان أطلق آية الله المقداد شعاراً بأننا نحن أهل وسلم، وأن سلميتنا ليست استسلامية بل شجاعة، وكانت هذه أول بذور التي بذرها سماحته للحراك السلمي في البحرين، فتلقفتها آذان الشباب الثوري، فدارت مباحثات حول هذا الأمر، وكيف يمكن تثبيت ذلك على الأرض، فانقدحت فكرة أعلام نحن أهل سلم، فكان الشهيد من ضمن العاملين على هذه الفكرة والمؤيدين لها.

في المكان الكذائي واليوم الكذائي كان العمل على قدم وساق حتى كان التاريخ الموعود ليوم التحرك لنصب هذه الأعلام على الشارع رقم واحد، والهدف إيصال الرسالة للنظام وللأصدقاء أن التحرك هو عن وعي وبصيرة وتحدي، فتم توزيع الأشخاص على نقاط محددة من الشارع العام، وكان من نصيب الشهيد علي المؤمن الإشارة الضوئية عند مدخل سترة، وأن يكون الأنجاز بأسرع وقت ممكن لأن العملية ستكون في وضح النهار من صباح 9 سبتمبر من عام 2010 ميلادي، تقدم بخطى ثابتة وتم نصب الأعلام على شارع رقم واحد داخل سترة إلى الإشارة الضوئية عند مدخل سترة المقابلة لمحطة سترة للبترول.

وكانت العملية أنجزت خلال دقائق معدودة لأنها اعتمدت على السرعة والدقة في الإنجاز، فترك الشهيد هنا على مدخل سترة بصمته بسلمية حراكنا لا باستسلامية.

وهذه العملية كان لها صدىً واسع عند الصديق والعدو لأنها كانت نوعية وغير متصورة بهذا الإبداع من الحراك، حتى كتبت عنها صحيفة الوسط والمواقع والشبكات الحركية والثورية.

وأراد النظام إزالة هذه الأعلام، ولكنه بعد ذلك أزال بعضها وترك البعض الآخر شاهدة على حضارة التحرك وإبداعه.

فكر مبدع

كانت تعقد جلسات متعددة لتداول أطراف الحديث بالأحداث المتتالية حيث كانت الاعتقالات متعددة وكثرة الاتهام للشباب الحركي بالإرهاب والاعتصام عند منزل الأستاذ عبدالوهاب حسين ثم الخلاف على أحده بين أطراف المعارضة، فلابد من جلسات تحليل لأحداث الشارع المتعاقبة والسريعة، وكان الشهيد يدلي بفكره الوقاد وما يراه من مستقبل الحركة وضرورتها، فكان الشهيد أكثر ما يشدد عليه الإبداع والتنوع الابتكار، وتعدد الخطوات واستهداف الشوارع الحيوية والخروج عن محيط القرى.

وكان هذا من تداعيات استهداف الشباب ومنعهم من التحرك ومواجهتهم في الشارع، وعلى إثر ذلك قد أوقف آية الله المقداد الحراك لمدة أسبوع لكي يتم المباحثات أكثر في هذه التداعيات، من هنا كان يشدد الشهيد علي المؤمن لأهمية الخروج من المشاحنات البينية بين الأخوة إلى التحرك ضد النظام.

موقف مختلف

مُنِع تيار الوفاء الإسلامي في بداياته من الالتقاء بالجماهير بعد منعه في قرية مركوبان وغيرها من المناطق لمخالفته قانون الجمعيات وعدم أخذه الأذونات من النظام لأي تجمع وتحرك، فكان الشباب يبحث كيفية إيصال هذا الصوت للجماهير لمزيد وعي بالمرحلة وحجم المؤامرة، فكانت الفكرة أن يتم الدعوة لإيحاء أمسية دعائية في ليلة الأربعاء بقراءة دعاء الجوشن الصغير، وتم الاتفاق مع الأستاذ عبدالوهاب حسين على أن يأتي من دون سابق إعلان لكي لا تمنع الفعالية، وتم تسريب إشاعة في ذلك الوقت بين الناس لاحتمالية قدوم الأستاذ عبدالوهاب حسين، وكان النقاش على أشده أن من سيدير النقاش مع الأستاذ عبدالوهاب حسين، وكان الخيار على الشهيد على المؤمن ولكنه حتى اللحظة الأخيرة لم يقبل حتى تم الاعتذار للأستاذ بأنه بوحده سيبدأ اللقاء، حيث استقر رأي الشهيد علي المؤمن على أنه لا يريد الدخول علناً تحركه السياسي في هذا الوقت.

والمفارقة أنه قبل الثورة بأيام كان الموقف هو الموقف والنقاش هو النقاش وما كان من الشهيد علي المؤمن إلا القبول بالمهمة التي ستخلده من تصدى في أحلك المواقف صعوبة، وكان يملك الوعي التام بحساسية الموقف وللتحشيد للثورة المرتقبة التي سترتقي فيها روحه بعد أيام قلائل.

أجاهد نفسي

كان اللقاء الحواري قبل الثورة بأيام قلائل ينقسم لمحورين: قسم ثقافي وقسم فكري، فلاحظ أحد الأخوة أن الشهيد علي المؤمن في القسم الفكري غارق مع نفسه مطأطأ رأسه وكأن أخذه فكره بعيداً عن المحاضرة وساقه إلى زاوية عميقة، فسأله ما بك بعد أن انتهى اللقاء؟ لماذا كنت خارج إطار اللقاء في القسم الفكري؟

أجابه الشهيد علي المؤمن: كنت أجاهد نفسي.

الشهيد محشداً

قبل الثورة كان الناس لا يعلمون ما سيؤول له الموقف في 14 فبراير من عام 2011، وقد أخذها الذهول عن الموقف حيث كان التحشيد من الرموز والقادة للثورة من على المواقع الثورية والفيس بوك.

كان الشهيد مطمئناً لقيام الثورة حيث كان محشداً فاعلاً على مستوى قريته وأصدقائه حيث يمر عليهم منازلهم ويناقشهم بعقله وفكره بأهمية القيام والتحرك وأن هذه الثورة هي فرصة عظيمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فحرّك الجماهير وفق إرادته وفطنته وبصيرته.

حركي مؤثر

خرج الشهيد علي المؤمن في يوم 14 فبراير 2011 مرتدياً كفنه، مؤكداً لأصدقائه أني لا أكتفي بالتحشيد والتنظير بل تبعه ذلك بفعل مؤثر، خرج هو أصدقائه بلباس الكفن مؤكدين على حقانية الثورة وقيامها، وإن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه، فلابد من الثورة إذن، فخرج ومعه ثلة مؤمنة وسط الشارع وجابوا في مسيرة عظيمة شوارع القرية إلى أن التقت بمسيرة قرية واديان ثم التقت المسيرة بالقرى الأخرى على شارع رقم واحد عند دوار حولي في أبهى صورة حضارية نقشها الأبطال في ساحة العمل السلمي.

هكذا كان الشهيد ذا أفقٍ بعيدة المدى ينظر من خلالها إلى ما يرضي الله عز وجل بعينه وبقلبه، يشاهد نتائجها قبل وقوعها، كان صاحب القلب السليم والعمل الدؤوب وذهب إلى (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[1].

رحل عنا بجسده لكن روحه وفكره وعمله ودمه يدفعنا الى اﻷمام لترسيخ  الإسلام المحمدي الأصيل حتى ظهور صاحب العصر والزمان (عج).


  • [1]– الشعراء: 88-89
المصدر
كتاب المؤمن الممهد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟