مواضيع

صبحُ اللّيل .. هواجسُ علي المؤمن

نادر المتروك

يبدو الشّهيدُ علي المؤمن غارقاً في زمنٍ آت يراهُ غير بعيد، أو يراه بلا ضجيج. في نصوصه الوجدانيّة التي نشرها في السنوات بين 2006-2010م، ثمّة ظلالٌ تنبيء بتلك العبارة التي طبَعها على صفحته في فيس بوك قبل أنْ يغادر إلى السّماء مضرّجاً بالدّماء، في فبراير 2011م. يهيمُ المؤمنُ، رغم حداثة سنّه، في فضاءٍ مظلّل بخيوطِ كبرى، وبغشاء ملوَّن من بحر. السماءُ، هنا، يتلابسُها ليلٌ ممزوج بالصّباح. ينشغلُ اللّيلُ، في كتاباتِ الشّهيد، بملامسةِ أطرافِ الفجرِ واستجلابِ الأنوار، لحظة بعد أخرى.

يعرفُ الشّهيد أنّ سَدَادَ الإيمانِ حتميٌّ، وأنّ التعلّقَ بالأعلى مآلهُ إلى صبحٍ عظيم، يُشبه سترة الأبيّة. إلاّ أنّ الهواجسَ تلازمه وهو يسردُ كدْحه الحثيثَ إلى الله، وتوْقه الدّائمَ لنيْل خيرِ القُربى والعاقبة. هواجسٌ ينثرها الشّهيد وهو يسجّلُ يوميّاته في الأماكن المقدّسة، وعلى ضفافِ ذكرياتٍ وأحداثٍ كانت تشغل عقله الكبيرَ، وهو في سنّ مبكّرة: رحيل الشّيخ الجمري، ظلامة المعتقلين، وتقاسيم الوطن المتعثرة قبل 2011م.

«كلُّ نهايةٍ تعني بداية»، كما يقول الشّهيد وهو يُعيد قراءة البديهيّات. الأملُ يمْطُرُ – لا شكّ – في «أبهى صوره» وهلة الشّتاء. هو يطلبُ منّا المحاولةَ وحسْمَ خياراتِ الطّلوع، ولو باستجداءِ السّحرِ من «بحر مهزّة»، حيث تتجمعُ في أحشائه الحنايا ورحماتُ السّماء.

في نصوصه المتموّجة، يتنقّل الشّهيد بين لحظاتٍ غامرةٍ بالتأمل، والعتابِ، والكآبة. هي لحظاتٌ مغمورةٌ بأضدادها أيضاً: التّأملُ يُحرِّضُ على التمرّد. والعتابُ يُمزِّقُ الصّمت، وفي الكآبة تجريبٌ ساطعٌ للضّلوعِ في الثّورة. ولذلك، ينصحنا الشّهيد، بألا «نزدري الحَجر»، وألا تخدعنا الكلماتُ الملأى باللّيل، وأنْ يكون الانطلاقُ فراشةً تحلّقُ فينا، أو نحلّق فيها.. حيث لا أمان في الشّرنقةِ، ولا خير في الانكسارِ تحت التّراب.

في القلمِ ألمٌ لا يتركُ فتىً طريّاً مثل علي المؤمن. المختبرُ الذي تنبضُ به نصوصُه؛ تُخبرنا بأنّ الانتصارَ له تعريفٌ آخر: تسكينُ الألمِ فوق فوّهة القلم. أنْ نكتبَ القرارَ، ونذيعهُ مثل صرخةٍ تردعُ الآلامَ وتُخرسُها. وعلى هذه الحال، يسخرُ الشّهيدُ من «عباءةِ الشّتاء»، ويرسم علامةَ الفراقِ عن سمومِ «السّلطة» وكبْتها، متسلّحاً بصمودِ محمدٍ وآله، وبتلك الدّماءِ التي عصرتها بطولاتُ زينب ورقيّة والرّباب.

من تلك الرّاوية المدوَّرة؛ يضيء الشّهيدُ المؤمنُ «كرامةَ شعبٍ» حفظَ الوصيّةَ وأبقى العزّةَ في العيون. كدّسَ المؤمنُ آلامَه، ولملمَ الهواجسَ، وأطلقَ كلّه إلى بقعةِ القرار.. والقرار، يومها، هو: «دمي فداء وطني».

المصدر
كتاب المؤمن الممهد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى