مواضيع

الولاية

التمهيد:

نبّه الشهيد الصدر (رض) إلى نقطة مهمة، وهي: عندما يريد الإنسان البحث في نشأة التشيع والشيعة بحثاً موضوعياُ عليه أن يكون متحلياً بروح التسامح ومتخلصاً من كل تعصب لديه، وقد نبّه إلى هذه النقطة عندما أشار إلى بعض الباحثين الذين عندما يقدمون على دراسة التشيع والشيعة يدرسونه على أساس أنه ظاهرة جديدة وطارئة على المجتمع الإسلامي، هذه الظاهرة كما يقولون هي نتيجة تطورات اجتماعية وسياسية وهؤلاء يتفقون على هذا القول إلا أنهم يختلفون في تفاصيل هذا الحدث وإليكم بعض الافتراضات:

  1. منهم من افترض أن نشاط عبدالله ابن سبأ السياسي المزعوم هو الأساس لقيام هذا التكتل الشيعي.
  2. منهم من يرجعها لعصر خلافة الإمام علي (ع) ومساهمة الأحداث في ذلك الزمن على نشوء هذا التكتل.
  3. منهم من يقول أن الشيعة ظهروا في زمن متأخر من أحداث التاريخ.

والاعتقاد الأبرز يعوّل على أن الشيعة لم يكونوا في صدر الإسلام سوى جزء صغير في هذه الأمة لكن هذا المبدأ لا يمكن الأخذ به لأن اعتماد الكثرة العددية والضالة النسبية من أجل التمييز بين الأصل والمنشق مبدأ غير منطقي وغير مقنع، إضافة إلى ذلك لا يمكن أن نقرن ولادة هذه الأطروحة بولادة تسميتها «الشيعة»، فإذا كان البعض لا يجد كلمة الشيعة في حياة الرسول (ص)، فهذا لا ينفي عدم وجود الأطروحة ومع ذلك فالروايات تؤكد وجود الاسم والأطروحة.

راجع ابن الأثير «ستقدم أنت وشيعتك راضين مرضيين والخطاب هنا لعلي (ع)».

سؤال: في السؤال عن كيفية ولادة التشيع؟

جواب: يمكننا اعتبار التشيع النتيجة التي كان ينبغي للمسلمين الوصول لها من أجل استكمال ما بدأه الرسول (ص) من تغيير جذري وشامل في أمة جاهلية ليحولها إلى أمة إسلامية رسالية ولقد استطاع الرسول (ص) وخلال الفترة الوجيزة «الدعوة» أن يحقق الكثير في هذا الطريق إلا أن الطريق طويل جداً، لذلك بعد أن قطع الرسول هنا الشوط الكبير، كيف سيكمله؟ هل سيترك الأمر للناس؟ أم أنه سيضع نظاماً بالشورى لحماية هذه المكتسبات أم أنه سيختار ويعين من سيتابع هذه الرسالة؟

إهمال أمر الخلافة: هذه السلبية في الموقف ستؤدي إلى أمرين لا يمكن افتراضهما في الرسول (ص)، فهل الرسول سيكتفي بممارسة دوره في القيادة والتوجيه ويترك مستقبل الدعوة للظروف والصدف.

الأمر الأول: أن الرسول (ص) كان يعتقد بأن هذه السلبية لا تؤثر في مستقبل الدعوة وأن من سيخلفه «الأمة» قادر على التصرف بشكل صحيح لكن هذا الاعتقاد لا يمكن أن يكون صحيحاً لأن الرسول (ص) خاض عملاً تغييرياً من الجذور وليس عملاً إصلاحياً بسيطاً فماذا سيحدث لهذه الأمة من أخطار عندما تخلو من قائد لها وهي الحديثة في تكوينها:

  1. الأخطار التي ستنتج عن مواجهة الفراغ، فعندما تخلو القيادة دون تخطيط مسبق فكيف ستتخذ القرارات الحاسمة خصوصاً في هذه المرحلة والأمة في هول الصدمة والارتباك فستكون قرارات مختلفة «أحد الصحابة الذي أعلن أن الرسول لم يمت ولن يموت».
  2. أخطار ناتجة عن عدم نضج رسالي يتضمن للنبي (ص) موضوعية التصرف حيث ما زالت مظاهر التفرقة بين المهاجرين والأنصار والعرب وقريش …
  3. وجود المنافقين وعدد كبير ممن دخلوا الإسلام خوفاً لا إيماناً فهؤلاء سيجدون فراغاً كبيراً يمكّنهم من التحرك في ظل غياب القائد.

هذه الأخطار الثلاثة الرئيسية لا يُمكن أن تُخفى على أي قائد مارس العمل، فما بالنا بالنبي (ص)، وإذا كان أبو بكر قد شعر بخطورة الموقف بعد النبي (ص) وقبل الخلافة وإذا كان عمر قد أوصى إلى ستة أشخاص إدراكاً منه بعمق خطورة الموقف كما أدرك خطورته يوم السقيفة فهل سيخفى على القائد الأعظم وخاتم الرسل (ص)؟

الأمر الثاني: النظرة المصلحية وهي أن الرسول (ص) كان ينظر للدعوة نظرة مصلحة بحيث تكون الدعوة قوية ناجحة ما دام حياً ولا يهتم بما ستؤول إليه بعد مماته، فبغض النظر عن كونه رسول وقائد رسالة سماوية فإن أي قائد لأي رسالة كانت لا يمكن أن يتخذ هذا الموقف إضافة إلى أن الرسول (ص) وفي أواخر حياته وهو يعلم بمماته كان يصر على تنفيذ جيش أسامة فعلام يدل ذلك؟

وللرد على من يقول بسلبية الموقف أن الرسول (ص) عندما حضرته الوفاة كان جمع من أصحابه في بيته فقال لهم: «أئتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً» وهذا دليل على خوفه من المستقبل الذي يواجههم.

وأيضاً ذلك فيه مخالفة لقوله (ص) «من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»[1].

نظام الشورى وإيجابيته من قبل الرسول (ص):

الطريق الثاني الذي سيتخذه الرسول (ص) هو أن يخطط لمستقبل الدعوة بعد وفاته فيجعل القيمومة على الدعوة وعلى أساس نظام الشورى في جيل الأول من المسلمين وسيكون هذا الجيل هو محور الدعوة وقيادتها ولكن الوضع الذي كان يعيشه المسلمين لم يكن ينبأ بهذا النظام وهذه الفرضية وينفي اتجاه النبي (ص) لهذا الاتجاه وهناك عدة نقاط توضح ذلك:

  1. لو كان النبي (ص) اتخذ موقفاً إيجابياً من مستقبل الدعوة كان لزاماً أن يقوم النبي (ص) بعملية دعوة وتوعية للأمة لهذا النظام وإعداد المجتمع روحياً وفكرياً لهذا النظام، لو كانت هناك توعية لانعكست على أحاديث النبي (ص) وتصرفات الصحابة «الجيل الطليعي» ولكن ذلك لم يحصل بل كان الصحابة قد اتجهوا لاتجاهين:

أهل البيت (عهم): كان يؤمن بالوصاية والإمامة ويؤكد على القرابة ولم ينعكس فيه الإيمان على فكرة الشورى.

السقيفة والخلافة: التي قامت بعد وفاة الرسول (ص) وهؤلاء هم القسم الأكبر من الصحابة.

كل الأرقام والشواهد تدل على أن هذه الفئة لم يكن لديها أي مفهوم عن نظام الشورى، فمثلاً عندما دنى الموت من أبي بكر قام واستخلف عمر مع أن الخلافة يجب أن تكون بالشورى وعند قرب وفاته حصر الخلافة في ستة مع ترجيح أحدهم، في حين كان اعتراض الأنصار واضحاً فكيف تكون الخلافة للمهاجرين فقط ويرد عليهم أبي بكر بأنهم هم أول المسلمين وأهل النبي (ص) وهم أولى من عبدالله وهم الأشرف نسباً، فيتجلى لنا عدم معرفتهم واعتقادهم بمثل هذا النظام وهل يُعقل أن النبي (ص) سيقوم بوضع نظام ولن يقوم بتوعية الناس وحملهم على تطبيقه أم أنه قام بتوعيتهم إلا أن كل ذلك مُحيّ مرة واحدة وما يوضح حقيقة عدم صحة هذا النظام:

أولاً: هذا نظام جديد على تلك البيئة، لم يمارس قبل النبوة فكان لابد للنبي (ص) من توعية الناس توعية مكثفة مركّزة عليه.

ثانياً: الشورى هي مفهوم غير واضح لا يكفي مجرد طرحه دون التفصيل فيه وتحديد معاييره وأحكامه.

ثالثاً: لو كانت الشورى مفهوماً وضعه الإسلام من أجل ممارسة الأمة له لكان مسؤولية على جميع المسلمين وهذا يعني أنه عندما نأتي لتنفيذ هذا الأمر علينا أن نشرك أكبر قدر من الناس لا نقتصر على عدد من الصحابة.

  • لو كان الرسول (ص) يريد من الجيل الإسلامي حمل أعباء القيادة لكان لزاماً عليه أن يعبئهم فكرياً وروحياً وهو الذي بشّر بسقوط كسرى وقيصر يعلم بأن الدعوة مقبلة على فتوحات كبيرة وأن الأمة ستضم إليها شعوب ومساحات كبيرة فكيف ستواجه الأمة أخطار هذا الانفتاح وبرغم أن الجيل الأول هو أفضل الأجيال إلا أننا لا نرى فيه الإعداد الخاص للقيمومة على الدعوة.

الإيجابية ممثلة بالاختيار والتعيين:

نجد أن هذا الطريق الوحيد الذي يمكن أن يضمن سلامة الدعوة وصيانة التجربة.

وجود النصوص النبوية المتفقة عليها من قِبَل الطرفين وهي نصوص تدل على أن الرسول كان يُهيء قيادياً لتحمل أعباء الرسالة من بعده وهو علي (ع).

كما أننا لاحظنا في حياة الخلفاء الثلاثة الكثير من حالات الرجوع للإمام علي (ع) ولكن لم نشهد أنه (ع) رجع إلى أحد أيام خلافته.

كيف ولد الشيعة:

هناك اتجاهين رئيسيين رافقا مسيرة الرسول (ص) وهذان الاتجاهان خضعا لانقسام عقائدي كبير بعد وفاة الرسول (ص).

وعبر هذه الأطروحة ظهر التشيع بأمر من الله وهذه الأطروحة هي التي ستقوّم الدعوة إلى طريقها الصحيح.

نشوء اتجاهين رئيسيين في حياة الرسول (ص):

  1. اتجاه يؤمن بالتعبد بالدين وبتحكيمه والتسليم المطلق للدين.

المرجعية الفكرية والعقائدية: الذي كان يمثلها الرسول (ص) والذي أصر الرسول في تهيئة حاملها بملأ الفراغ من بعده.

التشيع الروحي والسياسي.

  • اتجاه الذي لا يرى في الدين سوى التعبد في نطاق العبادات والغيبيات ويؤمن بجواز الاجتهاد والتصرف في قبال النص.

  • [1]– أصول الكافي، باب الاهتمام بأمور المسلمين، الحديث 1

  • [1]– عرض لكتاب «بحث حول الولاية» للسيد محمد باقر الصدر، قدّمه في مسابقة لأفضل عرض للكتاب في عام  2005م، أي أن عمر الشهيد آنذاك ستة عشر عاماً تقريباً. وقد فاز الشهيد بجائزة المسابقة.
المصدر
كتاب المؤمن الممهد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟