مواضيع

أخلاقيات وأسباب الاختلاف

مقدمة:

(رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي(26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي(28) )[1]

هذا الموضوع الذي سأتطرق له في هذه الدقائق المعدودات، موضوع مهم وحسّاس نواجهه نحن كمجتمع، يواجهه الأب عندما يتحدث مع ابنه، يواجهه الصديق مع صديقه، يواجهه أي شخص عندما يحتك مع إحدى طبقات المجتمع، هذا الموضوع هو الاختلاف وسوف نوضح أخلاقياته وأسبابه.

نلاحظ أننا عندما نختلف يؤدي هذا الاختلاف في كثير من الأحيان لنتائج سلبية، هذه النتائج لا تأتي من أصل وجود الاختلاف إنما بسبب عدم معرفتنا لأسباب الاختلاف وكيفية التعامل معه.

المحور الأول: واقع الاختلاف

كلّ إنسان يحمل فكرة فإنه يعتقد أنها الأصح والأكثر دقة في ما يقابلها، دينية كانت أو سياسية، في المجال الاجتماعي أو في المجال المعرفي، ويتمنى لو أن الناس على فكرته ومعتقده، ولكن طبيعة البشر تقتضي الاختلاف والتنوع حتى في مجال الأذواق والأمزجة، فكلٌّ له مزاجه وذوقه الذي يتميز به عن الآخرين.

أسباب الاختلاف بين البشر:

و يرجع اختلاف الناس فيما بينهم إلى عدة أسباب، منها:

  1. عامل الإدراك والفهم والمستوى المعرفي لدى كل إنسان:

فإن نتاج تفكير كل إنسان قد يختلف عن نتاج تفكير الآخرين، ولذلك لا نجد اختلافاً في سلوك قطيع من الحيوانات، وذلك لعدم تمتعهم بالقدرة الفكرية والعقلية.

بينما الإنسان بسبب اختلاف مستويات الفهم والإدراك بينه وبين الآخرين ينشأ الاختلاف والتنوع بينهم، وكلنا يعلم أنّ اختلاف المقدمات تؤدي إلى اختلاف النتائج، فهذا القرآن الكريم يحدّثنا عن نبييْن من الأنبياء يختلفان في الموقف بسبب اختلاف مستوى المعرفي لدى كل منهما، وذلك في قصة نبي الله موسى والخضر (ع) الواردة في سورة الكهف.

  • المصالح الخاصة فردية أو فئوية:

ففي كثير من الأحيان تتبنى بعض المجموعات رفع بعض الشعارات والأفكار وتحافظ عليها لأنها تحفظ مصالحها، بينما الأفكار المغايرة تهدد هذه المصالح، وفي هذا الصدد يقول الله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)[2].

  • اختلاف البيئات:

فكل بيئة لها عاداتها وتقاليدها ومناخاتها وتاريخها وثقافتها التي تؤثر على فكر واعتقاد الإنسان، ولذلك فإن أبناء كل بيئة قد تختلف معتقداتهم وأفكارهم عن أبناء البيئة المغايرة.

المحور الثاني: أخلاقيات الاختلاف .. كيف نختلف؟!

احترام الآخر:

يقول تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[3].

الآية تعبر عن العلاقة بين المسلم ومن يخالفه بـ«البر»، وهي نفس اللفظة التي يستعملها القرآن الكريم في العلاقة التي يجب أن تقوم بين الإنسان ووالديه.

وفي سورة الأعراف ومثلها الشعراء يقول تعالى: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)[4]، والبخس هو «التقليل» وعند التوسع في المعنى فإن معنى البخس هنا يشمل الأشياء المادية أو المعنوية على حد سواء.

والرسول (ص) كان يرشد المسلمين إلى هذه النقطة من خلال توجيهاته الشريفة، يروى عنه (ص) أن قال:

«ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة»[5].

«من أذى ذمياً فقد أذاني».

ونلاحظ أن مجمل الدعوات في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة هي للمخالف في الدين فكيف بنا إذا كان اختلاف الرأي هو بين مُسلميْن، وما خلافهما إلا على تفصيل من التفاصيل الدقيقة في الدين أو رأي سياسي يتعلق باستحقاق عابر، أو قضية اجتماعية مستجدة، بغض النظر عن موقف كل منهما ومدى صحته فالسؤال هو ما الخلق الواجب علينا اتباعه والتحلي به في مثل هذه الحالات؟ أليس أن احترم الآخر؟ أن لا استنقصه؟ أن يظل قلبي صافياً تجاهه والتعامل معه على قاعدة المحبة الأخوية والإيمانية وعلى أساس كرامته التي منحها الله إياه عموماً وبغض النظر عن معتقده «رأيه» حيث يقول جلّ شأنه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[6].

حدود الاختلاف:

من أهم أخلاقيات وأسس الاختلاف التي يجب التأسيس لها والعمل على ترسيخها بين المختلفين – عموم أفراد المجتمع – هو أن يوضع الخلاف في حدوده وعدم إخراجه من هذه الحدود ونقلها إلى جوانب الحياة الأخرى، فعندما نختلف على رأيٍّ فكريٍّ ما فلنختلف فيه ولنشبعه اختلافاً ونقاشاً، ولكن لا ينبغي لنا أن نجعل هذا الاختلاف عائقاً في وجه تواصلنا وعملنا في ما نجتمع ونتفق عليه من قضايا.

ما يتعلق بالشأن العام خصوصاً لا يتوجب علينا أن نجر إليه مشاكلنا الخاصة وأن نخلط بين الاثنين لما سينتج عنه من نتائج غير محمودة ستشمل أطرافاً لم يكن لها أي صلة بالخلاف الأساس.

فعلى سبيل المثال: اختلاف الناس حول مسألة المشاركة والمقاطعة في الانتخابات النيابية، حيث يجب علينا أن لا ننقل هذا الاختلاف إلى أمور أخرى، فلا ينبغي إذا كنت مختلفاً مع شخص في هذه المسألة أن أسحبها إلى مسألة أخرى، كأن يحتاجني في مهمة فلا ألبيها له.

كذلك لو أني اختلفت مع أحد المعلمين في مسألة علمية، لا يجوز لي أن أنقل هذا الاختلاف إلى مسائل أخرى.

الأسباب:

عدم الانزلاق إلى سوء الأدب، وقد نال بعض أصحاب أمير المؤمنين (عهم) في صفين من أهل الشام أي معاوية وأصحابه بالسبّ والشتم، إلا أن الإمام نهاهم عن ذلك، وقال لهم: «إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ ولَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي اَلْقَوْلِ وأَبْلَغَ فِي اَلْعُذْرِ وقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اَللَّهُمَّ اِحْقِنْ دِمَاءَنَا ودِمَاءَهُمْ وأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وبَيْنِهِمْ»[7]. فنجد أن الإمام (ع) لم ينهانا عن سبّهم فقط، بل أمرنا أن ندعو لهم.

فأسلوب السب والشتم ليس من صفات المنهج العلوي، بل على العكس من ذلك إذ أن المنهج العلوي يتمثل في قول الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[8].

فأين نحن من هذا الخلق الرفيع، وكيف بنا إذا اختلفنا مع فرد أخرجناه من قلوبنا، ولم نعد نطيق التعامل معه بتعامل الأخوة الإيمانية.

مراعاة المصالح العليا للأمة والمجتمع:

عندما يشغل أي اختلاف الأمة والمجتمع عن دينه وقضاياه الأساسية وحقوقه، يعد ذلك حرفاً لهذا المجتمع أو ذاك عن هدفه واستحماراً له يضطر في كثير من الأحيان إلى مجاراته والتصدي له.

فعلى سبيل المثال: ظهر رأي في إيران في بداية القرن التاسع عشر يقول بأن الإمام المنتظر (عج) موجود في عالم الملكوت، وفي قبال رأي آخر يقول بأن الإمام موجود في عالم المادة.

أما ما يثير الاستغراب فهو خروج رأي ثالث يقول بأن الإمام موجود في عالم بين العالمين.

لكن أتعرفون كم خلّف هذا الاختلاف؟! ذهبت في سبيله آلاف الأرواح من الناس، في الوقت الذي كانت فيه إيران آنذاك تحت الاستعمار البريطاني.

وفي الختام:

تعرف أن الاختلاف طبيعي وسنختلف ما دمنا أحياء، ولكن علينا أن نتعامل مع الاختلاف بشكل صحيح، يتمثل في أن نبقي نقاط الاختلاف في حدودها، ونحرص على التواصل فيما بيننا حتى نرتقي بمجتمعنا.


  • [1]– طه: 25-28
  • 1- النمل: 14
  • [3]– الممتحنة: 8
  • [4]– الأعراف: 85 – الشعراء: 183
  • [5]– سنن أبي داود، جزء 2، صفحة 152
  • [6]– الإسراء: 70
  • [7]– نهج البلاغة، الخطبة 204، من كلام له (ع) وقد سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفين
  • [8]– فصلت: 34
المصدر
كتاب المؤمن الممهد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟