مواضيع

إلى الزبارة

رغم الثّروة والاستقلال التي حقّقتها قبائل العتوب في الكويت إلّا أنّ آل خليفة قرّروا –فجأةً- عام 1766م ترك الكويت والهجرة منها إلى الزّبارة وهذا ما يطرح تساؤلات عن سبب هجرتهم، ولماذا الزّبارة بالذّات؟.

هناك عدّة أسبابٍ ذكرت في الرّوايات وعلى لسان المؤرّخين، منها:

طموح وحبّ آل خليفة للانفراد بالحكم، ورغبتهم في تكوين مملكةٍ خاصةٍ بهم.

التّشاحن والحسد على الثّروة والمال اللذان أفرزتهما طبيعة الحياة القبليّة.

الطّمع في زيادة الثّروة والأرباح من خلال الاقتراب من مورد اللّؤلؤ الرئيسيّ فيكونون موردين للّؤلؤ بدلًا من شرائه والتّجارة به.

ولعلّ السّبب الأبرز هو تجدّد الأحلام القديمة بالسّيطرة على جزيرة البحرين عبر التّعاون مع الإنكليز من أجل تحقيق ذلك: في مطلع العام 1773م انتقل مرض الطّاعون من بغداد للبصرة وبدأ يستفحل فيه بشكل وباء قاتل، ممّا تسبّب في هلاك المئات هلاكًا يوميًّا، ولذلك هرب من البصرة خلقٌ كثيرٌ للقطيف والبحرين، وهو ما أدّى لانتشار الوباء فيهما.

نتج عن وباء الطّاعون هذا، هلاك ما يقارب المليونين؛ وهو ما أدّى لتدمير تجارة البصرة تدميرًا شبه كامل ودمارًا هائلًا في البحرين والقطيف؛ ويعتقد بعض الباحثين أنّ انتشار هذا الوباء يمكن أن يكون مفتعلاً من قبل الاستعمار كنموذج عملوا به لإضعاف الشّعوب، أو أن يكون نتيجة ثانويّة لتخريبهم للنّظام الاجتماعيّ والاقتصاديّ عبر دعم القراصنة واستجلابهم للمنطقة[1].

في هذه الفترة، أي عام 1774م (1188هـ) بعد حوالي عام من انتشار الطّاعون الذي أضعف شعوب المنطقة، قام خليفة بن محمد بتأسيس بلدة الزّبارة في أرضٍ سبخة على الشّاطئ الشماليّ الغربيّ لقطر.

ولم يكن تأسيس الزّبارة كميناء ومركز استقرار للعتوب القراصنة بمعزل عن سائر الحوادث في المنطقة، حيث أن خطط شركة الهند الشرقيّة كقوّة استعماريّة تمارس التّجارة الاحتكاريّة بدأت تتّضح لشعوب المنطقة، حيث أرسل لاتوش وإبراهام من البصرة إلى مجلس المديرين للشّركة النّص التاليّ:

«إنّنا في بوشهر نتعرّض لنفس الضّغط الذي نتعرّض له في البصرة، فالشّيوخ في بوشهر يتدخّلون في كلّ صغيرة وكبيرة من شئون التّجارة بالميناء، وحتى أنّ التّجار المقيمين بها يرون أن لا طائل من وراء تجارتنا في تلك المدينة».

ولهذا، فإنّ تأسيس الزّبارة في هذا الوقت لم يكن محض صدفة، حيث أُقيمت العلاقات المباشرة بين ممثّلي شركة الهند الشرقيّة الإنجليزيّة والعتوب بشكل مُعلن؛ أمّا البضائع المشحونة لحساب شركة الهند الشرقيّة من الهند إلى حلب، والتي كانت تُنقل إلى بوشهر والبصرة أولاً، أصبحت تفرغ الآن في الزّبارة أو الكويت، ومنها تحمله قوافل العتوب وحلفائها إلى حلب عبر الطّريق الصحراويّ متجنّبة البصرة.

كلّ ما سبق، من ممارسة العتوب للسّطو على تجارة الأهالي، والتّحالف مع الاستعمار البريطانيّ متمثّلة في شركة الهند الشرقيّة أدّى لتراكم ثروة هائلة لديها، ساهمت بتوسعة أسطولها الحربيّ، والذي يدرّ المزيد من الثّروات عبر القرصنة أو التعاون مع الاستعمار[2]

لم يحاول آل مسلم حكام قطر آنذاك منع العتوب من سكن الزّبارة واتخاذها مقرًّا لهم رغم تجربتهم السّابقة معهم؛ ويعود سبب ذلك للعلاقة الطّيبة بين آل خليفة وبني خالد حكّام شرق الجزيرة والأحساء الذين يهابهم آل مسلم. على الرّغم من ذلك ألزم آل مسلم الخليفيّين بدفع إتاوةٍ سنوية لهم، وقد اعترف بالبداية خليفة بن محمد بسلطة آل مسلم باعتبارهم نوّابًا لبني خالد في قطر ودفع لهم الخراج إلى سنة 1186 هـ/ 1772م. عندما تمكّن من تحصين المدينة وفرغ من بناء قلعته الحصينة بالقرب من ماء مرير امتنع عن دفع الخراج وتحصّن في قلعته واستطاع ردّ المهاجمين والحفاظ على حكمه[3].


  • [1]. راجع: الطّب الامبرياليّ والمجتمعات المحليّة
  • [2]. موقع ائتلاف 14 فبراير، http://www. 14f2011. com
  • [3]. محمد النبهاني، التحفة النبهانية ص121
المصدر
آل خليفة الأصول والتاريخ الأسود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟