بعد قطر إلى أين؟
على ما يبدو أنّ القبائل المطرودة من قطر عام 1676م توزّعت على طول الشّواطئ الشرقيّة للخليج الفارسيّ، فمنهم من سكن مناطق في فارس ومنهم من سكن ميناء جزيرة قيس وبندر ديلم[1] ثم عادت القبائل المطرودة للتجمّع من جديدٍ في الكويت عام 1716م كما يصرِّحُ المستر واردن.
من خلال التّتبع في كلام المؤرّخين والوثائق المؤرشفة نرى أنّ هذه النظريّة هي التي تجانب الصّواب.
منها ما ذكره سلطان القاسميّ في كتابه بيان الكويت[2]: «في نهاية القرن السّابع عشر كانت هناك ثلاث طوائف في منطقة الخليج: العتوب والخليفات وتسكن في بندر الديلم بين بوشهر ومدخل شطّ العرب. والطّائفة الثّالثة الهولة وهي تكتّل من سبع أو ثمان قبائل وتسكن مدينة كنك القريبة من مدخل الخليج. وكانت هذه القبائل جميعها تغوص في مغاصات اللّؤلؤ بالقرب من البحرين، وتبيع ما تجمعه من اللّؤلؤ في سوق البحرين التّابعة لفارس، وبها حاكم عينته السّلطات الفارسيّة. حيث كان يجمع مبالغ طائلة من الرّسوم التي بالغ في فرضها على سفن الغوص وتجّار اللّؤلؤ».
وتشير إحدى الوثائق العثمانيّة المؤرّخة عام 1113هـ إلى أنّ بندر الديلم كانت تسكنه العتوب والخليفات، فتقول هذه الوثيقة: «هناك أيضًا عشيرتان تتّبعان لإدارة العجم وهما عشيرة العتوب وعشيرة الخليفات وهم من أهل المذهب الشافعيّ والحنبليّ ويسكنون في مكانٍ قريبٍ من بندر ديلم ويوجد أيضًا بندر اسمه كونك فيه سبع أو ثماني عشائر يطلق عليهم اسم حولة كلهم عرب من أتباع المذهب الشافعيّ». وقد أشارت مي محمد آل خليفة إلى هذه الوثيقة في كتابها (محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي) وعلّقت عليها وذكرت أنّها غير مهمّة وتحتوي على مغالطاتٍ تاريخيّةٍ. . !!![3].
هناك وثيقة أخرى تدعم هذه النظريّة، وهي وثيقة هولنديّة مؤرّخة عام 1167هـ [4]، جاء فيها ما نصّه: «وينتهي جون جنابة بحافة بنج الناتئة التي يقع خلفها بندر ديلم وهو مستوطنةٌ عربيّةٌ لعشيرة تسمّى خليفات التي ما تزال تدين بدينها وتحافظ على تقاليدها، وهم فقراء يعيشون من الملاحة والغوص على اللّؤلؤ وصيد الأسماك، ومدينتهم ليست سيئة جدًا بالنّسبة للتّجارة؛ لأنّها واقعة على مسيرة يومٍ واحدٍ من بهبهان المدينة الفارسيّة الغنيّة».
وقال العالم المحدّث الشّيخ يوسف البحرانيّ في مخطوطته الرّائعة «لؤلؤة البحرين»[5]: فأقولُ أنّ مولدي كان في سنة 1107هـ، وكان مولد أخي الشّيخ محمد -مدّ في بقائه- سنة 1112هـ في قرية الماحوز، حيث أنّ الوالد كان ساكنًا هناك لملازمة الدّرس عن شيخه الشّيخ سليمان -المتقدّم ذكره- وأنا يومئذٍ ابن خمس سنين تقريبًا، وفي هذه السّنة صارت الواقعة بين الهولة والعتوب، حيث أنّ العتوب عاثوا في البحرين بالفساد ويد الحاكم قاصرة عنهم، فكاتب شيخ الإسلام الشّيخ محمد بن عبدالله بن ماجد الهولة ليأتوا على العتوب، وجاءت طائفةٌ من الهولة ووقع الحرب وانكسرت البلد إلى القلعة أكابر وأصاغر حتى كسر الله العتوب».
وهذا ما يُشكِّلُ دليلًا على أنّ العتوب المذكورين كانوا من سكنة فارس؛ لأنّه لم يكن يوجد العتوب في قطر في هذه الفترة كما أنّ الاستنجاد بالهولة الذين يقطنون السّاحل الفارسيّ يعزِّزُ هذا الاعتقاد.
- [1]. جمال قاسم ص41-42 / جلال الهارون، تاريخ العرب الهولة والعتوب ص44-49
- [2] سلطان القاسمي، بيان الكويت ص12
- [3]. ليس غريبًا على من امتهن التّزوير وتحريف الحقائق ونهب الحقوق أن ينكر ويثبت ما يحلو له من التّاريخ وكأنه حلال شيخ القبيلة
- [4]. ويلم م. فلور، لاهاي داغ ص225
- [5]. يوسف البحرانيّ، لؤلؤة البحرين ص425