جامع الأضداد
قيل عن شخصية أمير المؤمنين أنها جامعة للأضداد، أي انها تجمع بين الصفة وضدها أو نقضيها، يقول الشاعر: هو البكّاء في المحراب ليلًا وهو الضحّاك إذا اشتد الضِرابُ.
فهو رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين، حليم إذا تعلق الأمر به شخصيًا لكنه يغضب حتى تنفتح أوداجه حين يتعلق الأمر بشرع الله، كريم في عطائه حتى يبيت صائمًا لمدة ثلاثة أيام، ويتصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة، ولكنه عندما يتعلق الأمر ببيت مال المسلمين يعمل بجد وهو أكثر فرد منتج في المجتمع إذ يحفر الآبار ويهبها لأهالي المدينة وهو الخليفة -أعلى منصب في المجتمع-، ولكنه في الوقت نفسه لم يكترث بالدنيا.
لم يعرف له مثيل في زمنه، يروي سيفه من دماء أعداء الإسلام من غير اكتراث، ولكن إذا قابل اليتيم جثا على ركبتيه في قباله، ضعيف ذليل أمام الله تعالى، وقوي عزيز أمام أعداء الله تعالى.
إذًا علي يجمع بين الرحمة والشدة، والحلم والغضب، والسلطة والزهد، والضعف والقوة، والذلة والعزة، وهكذا يقول الشهد مطهري رحمه الله: «هذه هي شخصية الإنسان الكامل الذي هو خليفة الله <إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً>[1] كما يقول الله تعالى.
وعلي أبرز مصداق للإنسان الكامل بعد رسول الله (ص)، فالإنسان الكامل من صفاته التوازن، فتكون شخصيته متوازنة وفيها كل الصفات اللازمة، إذ لا فائدة من مؤمن حليم من غير غضب، فالمؤمن في بعض المواقف يجب أن يغضب لله تعالى، ولا فائدة من الرحمة دون الشدة، فالله تعالى يصف نفسه بأنه غفور رحيم، وأيضًا شديد العقاب، وكذلك سائر الصفات الأخرى التي لا بد أن تكون جميعها معًا في شخصية الإنسان ويقوم باستخدامها بالشكل الصحيح، ولذلك يقول الشيخ رفسنجاني رحمه الله: «التعبير في جامع الأضداد ليس تعبيرًا دقيقًا، إنما هو أفضل تعبير تستوعبه أذهاننا لفهم شخصية أمير المؤمنين».
- [1] البقرة: 30