مواضيع

جمال وجلال أمير المؤمنين

علي هو مظهر اسم الله الأعظم، هذا الاسم الجامع للصفات الجمالية والجلالية لله تعالى، الجمال والجلال بالمعنى العرفاني وليس العقائدي، فمن عرف علي عرف الله، وبما أن العقول عاجزة عن معرفة الله تعالى فليس بإمكانها أيضًا معرفة مظهر اسم الله الاعظم لذلك قال النبي (ص): «يا علي لا يعرفك إلا الله وأنا»[1].

وأيضًا بما أن الطريق إلى الله يمر عبر اسمه الأعظم، وحيث إن أمير المؤمنين وهو مظهر اسم الله الأعظم الجامع لصفاته الجمالية والجلالية، فعلي أيضًا جمال وجلال، ويضرب أحد العرفاء مثالًا لبيان حقيقة جمال وجلال علي (ع) حين يقول: عندما تسوق السيارة في طريق يمر على جبل شاهق فأنت من البعيد تنظر إلى جلال ذلك الجبل المتمثل في ارتفاعه وحجمه وشموخه وصلابته، ولكن هناك جمال يقبع خلف هذا الجلال لا يدركه إلا من اقترب من الجبل وقام بالتنقيب فيه ليجد الكنوز والجواهر المعادن الثمينة القابعة في الجبل.

والظاهر من شخصية أمير المؤمنين وكلما نقف عليه هو جلاله (ع)، أما أولئك الذين اقتربوا من علي كسلمان المحمدي ونظروا إلى جماله (ع)، فقد انثنوا وذابوا في حب علي أمير المؤمنين حتى كانوا لا يرون وجودًا غير وجوده (ع).

وقد روي أن سلمان المحمدي كان في مشيه مع الإمام علي (ع) لا يتقدمه أبدًا، ولا يسير بجانبه وإنما يسير خلفه، ولا يضع قدمه إلا في الموضع الذي رفع عنه الإمام قدمه حتى إذا مرّ أحدهم من هذا الطريق اعتقد أن المار من هذا الطريق هو شخص واحد فقط.

قصة

بعد انتهاء جلسة الخبراء التي عيّن فيها السيد القائد ولي الفقيه، حيث كان السيد القائد برفقة آية الله جوادي الآملي عند الباب، قال له السيد القائد: تفضل. أي تقدم بالخروج، فقال آية الله جوادي الآملي للسيد القائد: إني ما قبل هذه الجلسة كنا أصدقاء تقدمني تارة وأقدمك تارة أخرى، أما من الآن فصاعدًا أنت تتقدم ونحن نمشي خلفك ونضع أقدامنا موضع قدمك حتى يبدو أن المار هو شخص واحد وهو الولي الفقيه.

جامع الأضداد

قيل عن شخصية أمير المؤمنين أنها جامعة للأضداد، أي انها تجمع بين الصفة وضدها أو نقضيها، يقول الشاعر: هو البكّاء في المحراب ليلًا وهو الضحّاك إذا اشتد الضِرابُ.

فهو رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين، حليم إذا تعلق الأمر به شخصيًا لكنه يغضب حتى تنفتح أوداجه حين يتعلق الأمر بشرع الله، كريم في عطائه حتى يبيت صائمًا لمدة ثلاثة أيام، ويتصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة، ولكنه عندما يتعلق الأمر ببيت مال المسلمين يعمل بجد وهو أكثر فرد منتج في المجتمع إذ يحفر الآبار ويهبها لأهالي المدينة وهو الخليفة -أعلى منصب في المجتمع-، ولكنه في الوقت نفسه لم يكترث بالدنيا.

لم يعرف له مثيل في زمنه، يروي سيفه من دماء أعداء الإسلام من غير اكتراث، ولكن إذا قابل اليتيم جثا على ركبتيه في قباله، ضعيف ذليل أمام الله تعالى، وقوي عزيز أمام أعداء الله تعالى.

إذًا علي يجمع بين الرحمة والشدة، والحلم والغضب، والسلطة والزهد، والضعف والقوة، والذلة والعزة، وهكذا يقول الشهد مطهري رحمه الله: «هذه هي شخصية الإنسان الكامل الذي هو خليفة الله <إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً>[2] كما يقول الله تعالى.

وعلي أبرز مصداق للإنسان الكامل بعد رسول الله (ص)، فالإنسان الكامل من صفاته التوازن، فتكون شخصيته متوازنة وفيها كل الصفات اللازمة، إذ لا فائدة من مؤمن حليم من غير غضب، فالمؤمن في بعض المواقف يجب أن يغضب لله تعالى، ولا فائدة من الرحمة دون الشدة، فالله تعالى يصف نفسه بأنه غفور رحيم، وأيضًا شديد العقاب، وكذلك سائر الصفات الأخرى التي لا بد أن تكون جميعها معًا في شخصية الإنسان ويقوم باستخدامها بالشكل الصحيح، ولذلك يقول الشيخ رفسنجاني رحمه الله: «التعبير في جامع الأضداد ليس تعبيرًا دقيقًا، إنما هو أفضل تعبير تستوعبه أذهاننا لفهم شخصية أمير المؤمنين».

مقولة ابن أبي الحديد

ابن أبي الحديد المعتزلي هو أحد كبار علماء المعتزلة، وهي فرقة من فرق أهل السنة، وله شرح نهج البلاغة ويعد من أفضل الشروح، ويقول هذا العالم السني عن علي (ع): «ما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله»[3].

نعم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متمُّ نوره، كم أنت عظيم سيدي ومولاي، فقد شملك ظلم الصديق والعدو، أحدهما خوفًا والآخر لفظًا، وبالرغم من كل ذلك فضائلك شملت الدنيا كلها، وانحنى لها المسيحي واليهودي وكل المسلمين، بل الإنسانية كلها إجلالًا وإعظامًا، وعجزت الألسن عن وصفك؛ لأن فضائلك لا تسعها الكلمات، هذا كله لم يكن مسموح الحديث عن فضائلك التي وجدتها، فماذا لو سمح للبشرية بالحديث عن فضائلك والحديث عنها بأريحية.

قارورة العطر

يقول ابن أبي الحديد أيضًا أن شخصية علي بن أبي طالب كقارورة العطر؛ لأن القارورة عندما تنكسر تفوح رائحتها الزكية، فهم بحربهم أرادوا القضاء على شخصية أمير المؤمنين، ولكنهم في الواقع ساهموا في إبراز هذه الشخصية، وأقول هل يخفى القمر؟ وهذا مصداق لقوله تعالى: <وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ>[4]، وهنا أشير إلى نقطة مهمة وهي: وحدهم أصحاب الأرواح الطيبة الذين جاؤوا إلى الدنيا من أصلاب وأرحام طاهرة عندما يستمعون لفضائل أمير المؤمنين يشعرون بلذة لا تجد فوقها لذة، وأما أولئك الذين يشعرون خلاف ذلك فعليهم أن يفتشوا عن أصلهم، إذ يقول النبي (ص): «يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة»[5].

الكعبة زادت شرفًا

البعض يعتبر ولادة أمير المؤمنين (ع) في الكعبة فضيلة له، والواقع أن ولادته (ع) في الكعبة فضيلة لبيت الله، فقد زادت الكعبة شرفًا بأن حظيت بولادة أمير المؤمنين (ع) وأصبحت مكانًا لولادته (ع)، وهذه ليست مبالغة فالإمام الصادق (ع) يقول: «المؤمن أعظم حرمة من الكعبة»[6]، هذا المؤمن العادي فما بالك بأمير المؤمنين (ع)، ثم لو لم يلد علي (ع) في الكعبة فهل يعد هذا منقصة له؟ والحال وقد ولد في الكعبة فماذا أضاف ذلك له؟ حيث أين ما ولد أمير المؤمنين (ع) سيصبح ذلك المكان مقدسًا ويكون كعبة أخرى، فالله تعالى أراد أن يزيد بيته شرفًا، فشرّفه بولادة علي فيه، ثم الكعبة الحقيقية هو علي (ع) فالصلاة من غير ولايته لا تقبل، لقد ولد أمير المؤمنين في الكعبة لكي تقبل صلاتنا وأعمالنا حين توجهنا نحو القبلة الصحيحة، الله تعالى يقول: <أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ>[7] وعلي هو وجه الله الذي إليه يتوجه الأول ياء فالكعبة مجموعة أحجار لتكون دليلًا على القبلة، أما القبلة الحقيقية فهو وجه الله علي بن أبي طالب (ع).

إذًا لمن الفخر للكعبة لولادة علي فيها أم لعليٌّ لولادته في الكعبة؟

تكفل النبي بتربية علي (ع)

من الأخطاء الشائعة التي روّج لها القوم بهدف التقليل من تنشئة أمير المؤمنين في كنف رسول الله (ص) وعلى يده المباركة، وهو القول السائد أن أبا طالب كان كفيل العيال وكان فقير الحال ماديًا، وتبرّع النبي (ص) من أجل التخفيف على عمه بتكفل علي (ع)، هذا الادعاء السخيف والذي للأسف الشديد حتى شيعة أمير المؤمنين يرددونه، لا بد من إشارة إلى القوم تعرضوا لشخص أبي طالب، فمرة يختلقون قصة أخرى وأخرى أنه لم يسلم ومات مشركًا وأن زواجه على غير دين، وكل ذلك لا شيء إلا بغضًا في علي، فالقوم عندما قالوا في كربلاء: نحاربك بغضًا لأبيك، فهذا ليس بجديد عليهم فقد حاربوا الآباء والأبناء، كل ذلك بغضًا في علي، أما حول فقر أبي طالب، فأقول التالي:

أولًا: بنو هاشم هم أثرياء قريش.

ثانيًا: أبو طالب كان من بعد أبيه عبد المطلب فكيف كبير بني هاشم يكون فقيرًا؟

ثالثًا: أبو طالب كان من الأشراف في المجتمع، وأهم معيار لتكون من الأشراف يجب أن يكون لديك القدرة والسعة المالية، ولو كان فقيرًا كيف أصبح من الأشراف؟

رابعًا: أبو طالب كان زعيم قريش وكبير بني هاشم، فهل يعقل أن تختاره قريش زعيمًا لها وهو فقير؟

تكفل النبي بعلي هو برنامج إلهي، إذ أن الله تعالى يهيّء أولياءه لتقلد المناصب الإلهية، يقول تعالى لموسى: <وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي>[8]، فالله تعالى أدّب النبي كما يقول رسول الله (ص): «أدبني ربي فأحسن تأديبي»[9]، والنبي (ص) قام بتأديب علي (ع) لأنه خليفته، فكان لا بد من أن يكون مع النبي منذ طفولته؛ لأن الله تعالى اختار محمد (ص) ليكون معلمًا لعلي، لكي يكون له دور محوري في الإسلام فتكفل النبي بعلي جاء وفق تدبير إلهي وليس على أساس خرافة فقر أبي طالب.

إعلان النبي عن خليفته

العجب كل العجب لمن يقول أن النبي (ص) رحل من الدنيا من غير أن يعيّن خليفته، والحال لو نظرنا إلى الأمر من المنظور الديني، أن جميع الانبياء كان لهم أوصياء، ومن منظور السياسة جميع الرؤساء لهم أولياء العهد، ومنطقيًا وعقلانيًا لا يمكن لإنسان عادي أن يترك أهله وماله من غير ولي، فكيف يترك النبي الإسلام من غير راعٍ؟ وهذا فضلًا عن عشرات الآيات والأحاديث التي تحدثت عن خلافة علي (ع) للنبي، وما حادثة الغدير إلا محل التنصيب الرسمي وإتمام الحجة، وإلا فأول قرار رسمي صدر في الإسلام من نبيه وقائده الأول هو الإعلان عن خلافة أمير المؤمنين (ع) للنبي وذلك في حادثة الدار عندما نزل قوله تعالى: <وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ>[10] فجمع النبي أربعين شخص من كبار بني هاشم وكان أصغرهم عليًا (ع) حيث يبلغ من العمر حينها ثلاثة عشر عام، وأخبرهم بأنه نبي مرسل من الله، وقال لهم: فأيكم يبايعني على أنه أخي ووارثي ووصيي؟ فتكرر الأمر ثلاث مرات وفي كل مرة يبايعه أمير المؤمنين فقال له النبي (ص): فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي[11].

وهذه الرواية متفق عليها بين الفريقين، وهذا الأمر يتفق مع العقل والحكمة وهو أخطر وأهم قرار وأول أمر يتم مناقشته في أي مجموعة جديدة.

إذًا أهم وأخطر قرار في الإسلام هو أول قرار اتخذه النبي (ص)، وهو الإعلان عن خليفته وهو المتمثل في أمير المؤمنين علي (ع)، مع الإشارة أن من دون كل موقف من علي (ع) لم يكن الإسلام كما سنبيّن بعد قليل، فما بالك وهي مجتمعة، أي في مجموعها، فليس من المبالغة أو من باب العاطفة عندما نقول: «لو لا علي لما قام الإسلام».

دور علي في الإسلام

بلا شك هذا العنوان لا يكفي مجلدات فضلًا عن كتيب صغير، فعلي أول القوم إسلامًا ولولاه لما قام الإسلام، ولا يمكن الحديث عن تاريخ الصف الأول للإسلام من غير ذكر علي (ع) ودوره ومواقفه، ولكن تحت هذا العنوان نريد أن نتطرق لبعض مواقف أمير المؤمنين التي نريد أن نستخلص منها بعض النقاط المهمة:

  1. المبيت في فراش النبي: هذا من المواقف التي غيرت مجرى تاريخ الإسلام، فلولا هجرة النبي لما قام الإسلام، ولم تكن هناك دولة ولا حكومة إسلامية والنقاط المستفادة من هذا الموقف هي:
  2. الجدير بالذكر أن أمير المؤمنين بات في فراش النبي (ص) أكثر من مرة، منها في شعب أبي طالب ولكن هذا المبيت أخذ حيزًا واشتهر على غيره لأهميته في تغيير مجرى الأحداث آنذاك وللأبد.
  3. يظهر من هذا الموقف شجاعة أمير المؤمنين التي كان المشركون يهابونها ويحسبون لها ألف حساب، ولذلك عندما كان علي (ع) في عقر دارهم في مكة قبل الهجرة، وهنا أمران مهمان:
  4. المشركون بسبب خوفهم من علي (ع) لم يتعرضوا له حتى لفظيًا فضلًا عن أن يقتلوه.
  5. إن المتستر عن أي مطلوب آنذاك كان يعرّضه للقتل، فكيف إذا كان المتستر قد تستر على عدو المشركين آنذاك، ولا يخفى على أحد شجاعة علي بن أبي طالب، إذ هو الوحيد الذي خرج مع الفاطميات جهارًا نهارًا من مكة إلى المدينة ولم يتعرض له أحد.

3- أمير المؤمنين بهذا الموقف البطولي أحبط أكبر وأخطر مؤامرة حبكت ضد النبي (ص).

4- علي في مبيته في فراش النبي (ص) حافظ على أهم شخصية في الإسلام، وفي نفس الوقت ضلل مكان المطلوب الأول للسلطات، بالإضافة إلى العوامل الإلهية الأخرى، وهذا قد أدى إلى وصول النبي (ص) بأمان إلى المدينة، ومن ثم قيام الدولة الإسلامية، وبها أسدى أمير المؤمنين خدمة عظيمة إلى الإسلام، ونستنتج من هذا الموقف أن التستر على المطلوبين والحفاظ عليهم يعد عملًا مقدسًا في الإسلام ومن دونه لم يكن الإسلام موجودًا، وهذا من أعمال ومناقب علي (ع) وهنيئًا لمن يقتدي في عمله بأمير المؤمنين (ع).

غزوة بدر

لغزوة بدر أهمية كبرى في الإسلام، فالانتصار أو الهزيمة فيها يعني البقاء أو القضاء على الإسلام، ولذلك أصحاب بدر لهم خصوصية في الإسلام، وشهداء بدر أعلى شهداء الإسلام مرتبة وأعظمهم، وإنا نقول في زيارة العباس (ع): «أشْهِدُ اللهَ أنَّكَ مَضَيْتَ عَلى ما مَضى بِهِ الْبَدْرِيُّونَ»، أما دور علي (ع) في هذه الغزوة الكبرى، فقد كانت الراية يوم بدر عند أمير المؤمنين (ع) وهي الراية السوداء واسمها العقاب، وخرج أمير المؤمنين للمبارزة مع عمه الحمزة وابن عمه عبيد بن الحارث في قبال وليد بن العتبة وعتبة وشيبه، ويقول أمير المؤمنين في هذا الخصوص في الرد على رسالة معاوية التي يتوعد فيها علي بالحرب: «وعندي السيف الذي أعضضته خالك وجدّك وأخيك في مقام واحد»[12]. أعضضته أي جعلته يتمكّن. وقتل علي بيده خمسة وثلاثين مشركًا، وهو نصف عدد قتلى المشركين في بدر الذين بلغ عددهم سبعين قتيلًا، وهذا غير الذين ساهم أمير المؤمنين مع الآخرين في قتلهم، وبعد هذا كله هل يعد جزام القول إن الإسلام قام على سيف علي؟ وإذا كان أصحاب بدر لهم مكانة خاصة في الإسلام وشهداؤها أعظم الشهداء في الإسلام، فإذًا ما هي مكانة وعظمة أمير المؤمنين بطل بدر الأول وحامل رايتها.

غزوة أحد

أهمية غزوة أحد تكمن في أحداثها وتفاصيلها قبل وأثناء وبعد الغزو، الدروس المستفاد منها التي تركت أثرًا بالغًا على الإسلام والمسلمين لاحقًا، وأسست الانتصارات من غير العودة للهزائم، وفي أُحد خسر من دعاه في بداية المعركة، وبعد أن انقلبت موازين المعركة لصالح المشركين مما أدى إلى فرار المسلمين وترك الرسول (ص)، القرآن الكريم يوصف هذه الحالة في قوله تعالى: <إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ>[13] ثبت علي في الدفاع عن النبي (ص) حتى قال جبرائيل: «إن هذه المواساة». فقال رسول الله: «إنه مني وأنا منه»، فقال جبرائيل: «وأنا منكما»[14].

وفي هذه المعركة انكسر سيف علي فنزل جبرائيل بسيف ذي الفقار، وعبارة لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار وعندما نقول: ثبت علي في الدفاع عن النبي، أي دفع عنه القتل، وقتل النبي في حينه كان يعني عمليًا القضاء على الإسلام في مهده وهذا معنى لو لا علي لما قام الإسلام.

ضربة علي يوم الخندق

مما تقدم من ذكر مواقف أمير المؤمنين (ع) اتضح أن كل موقف منها له تأثير على بقاء الإسلام ولولاه لقضي على الإسلام، وعلي ليس فقط في الخندق برز الايمان كله للشرك كله، بل كل مواقف علي كان في مواجهة الشرك كله، ولذلك عظمة ضربة علي يوم الخندق لا تنفي أن الإسلام كله برز إلى الشرك كله، فهذا أمر مفروغ منه، وكل مواقف أمير المؤمنين كانت كذلك كما أشرنا.

إذًا عظمة هذه الضربة تكمن في جوانب أخرى، يقول السيد الإمام الخميني رضي الله عنه: «عظمة ضربة علي يوم الخندق تكمن في إخلاص علي».

ويقول الفيلسوف الكبير آية الله جوادي آملي: «الأمر لا يتعلق فقط في إخلاص علي، وكل مواقف أمير المؤمنين لا تخلو من الإخلاص وعظمة هذه الضربة تكمن في التشخيص الصائب والدقيق للوضع».

أي إن أمير المؤمنين كانت له رؤية صائبة وذات أهمية لضربته ومباغتته لعمر بن ود، وقد شخّص تكليفه بشكل صحيح وهذا أهم ما في الموضوع، أي التوقيت والمكان المناسب فكان لهذا الموقف ذلك الأثر الكبير، وهنا تكمن عظمة هذه الضربة ونستخلص مما تقدم أن قيمة أي عمل تكمن فيه:

  1. الإخلاص في العمل
  2. القراءة والرؤية الصائبة للوضع
  3. التشخيص الصحيح للتكليف
  4. العمل بهذا التكليف في المكان والزمان المناسبين

نستفيد من ذلك أن المؤمن الرسالي المجاهد حتى يكون عظيمًا في عمله ولكي تشمله الألطاف الإلهية والعناية الخاصة لصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، يجب أن يكون مخلصًا في عمله ويتمتع ببصيرة خاصة في قراءة الوضع عمومًا والمواقف الحساسة خصوصًا، ولا تأتي البصيرة إلا بالتقوى فمن صفات المتقين أنهم أصحاب بصيرة، بالإضافة إلى القدرة على تشخيص تكليفهم بشكل صحيح والأهم أن يمتلك الشجاعة الكافية والحكمة في الإقدام على أداء تكليفه من غير تردد، وفي المكان والزمان المناسبين.


  • [1] موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، جزء 8، الصفحة 185
  • [2] البقرة: 30
  • [3] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد
  • [4] الأنفال: 30
  • [5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 39، الصفحة 287
  • [6] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 64، الصفحة 71
  • [7] البقرة: 115
  • [8] طه: 41
  • [9] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، جزء 1، الصفحة 58
  • [10] الشعراء: 214
  • [11] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، جزء 18، صفحة 177
  • [12] من کتاب له (ع) إلى معاوية
  • [13] آل عمران: 153
  • [14] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، جزء 14، صفحة 251

المصدر
كتاب مرج البحرين يلتقيان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟