الانتخابات والتجنيس السياسيّ
حاول النظام الخليفي من خلال عمليّات التجنيس المتزايدة والعشوائيّة أن يجلب شعبًا بديلًا مواليًا له بديلًا عن الشعب الأصيل، وعمل على تغيير التركيبة الديموغرافيّة للسكّان، وزيادة عدد المقترعين لصالح لوائحه والتأثير في نتائج الانتخابات، وإعطاء صورة أنّ نسبة الاقتراع تتزايد وأنّ الانتخابات في البحرين ديمقراطيّة وتشهد نسب إقبال واسعة، لإيهام العالم أنّ الأكثريّة في البحرين هي معه، وتقف إلى جانبه وأن الأصوات المقاطعة للانتخابات والمعارضة له ليست سوى أقليّة لا يعتدّ بها.
الكاتب في صحيفة «الرأي اليوم» خالد الجيوسي كتب أنّ النظام البحرينيّ حاول جاهدًا إظهار نزاهة انتخاباته والإقبال الكثيف على صناديقه، وبرّر قلّة أعداد الناخبين في بعض الدوائر بعدم شعورهم بالأمان خوفًا من هجمات محتملة مفتعلة، وانتقالهم لغيرها الآمن، في المقابل أظهرت بعض الفيديوهات والصور المتداولة مشاركة المقيمين من حاملي الجنسيّة الهنديّة والباكستانيّة في الاقتراع البحرينيّ، الذي يذكّرنا بأقاويل تؤكّد تعمّد النظام الخليفي منح جنسيّته للمقيمين الأجانب من باب زيادة الكثافة السكانيّة المؤيدة له أو المستفيدة منه، فتلتف حوله وتدعم ركائز حكمه ووجوده، ما دفع ببعض المعارضين إلى السخرية وتوجيه شكرهم ومباركتهم إلى الدول المشاركة باقتراع انتخابات بلادهم. وأضاف أنّه كان على الحكومة الخليفية حتى وإن خالفت نيّاتها أن تكون أكثر وعيًا وصراحة وشفافية، فيما يتعلّق بمسير الانتخابات وضعف الإقبال عليها، فذلك الواقع الضعيف يكسبها مصداقيّة أكثر من إنكاره والعمل على تلميعه وإثرائه بالمبالغات العدديّة المشهديّة التصويريّة الهزيلة.
ومن خلال هذه المعطيات، يتبين أنّ مشروع التجنيس قائم على هزّ المجتمع السياسيّ البحرانيّ وتفكيكه على المدى المستقبليّ، وأنّه ينبني على استقدام كتل بشريّة تحمي احتكاريّة السلطة وتشتّت اتجاهات الفعل الشعبيّ المعارض.
مشاهد المجنّسين المتوافدين إلى صناديق الاقتراع استفزّت كلّ المتابعين في البحرين وخارجها، ووصف النائب السابق في البرلمان اللبنانيّ ناصر قنديل عمليّات التجنيس بأنّها «أسرلة» تشبيهًا بما ارتكبه العدوّ الإسرائيليّ من استقدام اليهود إلى فلسطين المحتلّة، ليحلّوا محلّ سكّانها الأصليّين، ورأى أنّ السلطات الخليفية تكرّر تطبيق النموذج البريطانيّ الذي طبّق في دولة جنوب أفريقيا ذات الغالبيّة السمراء، وذلك باستجلاب البيض إلى هذا البلد ليصبحوا الأكثريّة، من أجل صناديق الاقتراع، وأنّ ما يجري في البحرين هو استعمار استيطانيّ وفق معايير الأمم المتحدة.
البحرين شهدت خمس انتخابات تشريعيّة ( 2002، 2006، 2010، تكميليّة 2011، وأخيرًا 2014)، كان في جلّها وجود لأعداد من المجنّسين، ولكن في انتخابات 2014 كان الأمر واضحًا جدًّا، بل لعبت الحكومة على المكشوف بورقة المجنّسين حديثًا ودون مواربة، ودافعت وبقوّة عن حقّ كلّ مجنّس حتى لو كان حديثًا في المشاركة بالانتخابات ووفقًا للقانون كما تقول.
التجنيس السياسيّ وإسقاط الجنسيّة
بموازاة عملها الحثيث على سياسة التجنيس السياسيّ بهدف التغيير الديموغرافيّ وتبديل الأكثريّة الشعبيّة بأقليّة، ولتغيير الواقع السياسيّ في البلاد، عمدت السلطات الخليفية إلى اعتماد سياسة لا تقلّ خطرًا عن التجنيس، وهي إسقاط الجنسيّة عن المعارضين والنشطاء، وحتى عن بعض رجال السياسة والنوّاب السابقين، في خطوة تعدّ شديدة الخطورة وتسهم بشكل أكبر في عمليّة تبديل الشعب من معارض إلى موال، وهذا ما عدّته كلّ المواثيق والعهود الدوليّة عملًا يمسّ بالحريّة الشخصيّة للفرد.
فإسقاط الجنسيّة عن المواطنين يعدّ خرقًا واضحًا لقواعد القانون الدوليّ، وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسيّة. وتنصّ المادة الثانية من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان على أنّ لكلّ فرد حقّ التمتّع بالحقوق كافة والحريّات الواردة في هذا الإعلان، من دون أيّ تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسيّ وغير السياسيّ، أو الأصل الوطنيّ أو الاجتماعيّ أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر، ولا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسيّ أو القانونيّ أو الدوليّ للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص.
وتقول المادة 15 من الإعلان أنّ لكلّ فرد حقّ التمتّع بجنسيّة ما، ولا يجوز حرمان شخص جنسيّته تعسّفًا أو إنكار حقّه في تغييرها.
وعلى الرغم من هذا، فقد استخدم النظام الخليفي إسقاط الجنسيّة لمعاقبة المعارضين ومنهم علماء الدين الشيعة، لوقوفهم مع المطالب الإصلاحيّة التي طالب بها المواطنون في حراكهم الشعبيّ الذي انطلق في فبراير 2011، ووصلت أعداد المسقطة جنسيّاتهم منذ هذا الوقت إلى المئات، لتشمل أيضًا ومن دون أيّ رادع الرمز الشيعيّ الأبرز آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم.