دفاع عن المجنسين
سرعان ما أوعز الخليفيون لمواليهم من أجل إلجام هذه الأصوات بعد أن تنامت بين أوساط المواطنين السنة على وجه الخصوص، وقد تولّى موالون من غير أصول بحرانية هذه المهمة، كما فعل النائب الخليفي عبد الحليم مراد، حيث دافع في جلسة داخل البرلمان الخليفي بتاريخ ٢٨ مارس ٢٠١٧م؛ عن المجنسين، ودعا إلى عدم التمييز بينهم وبين المواطنين الأصليين، وخاصة في ملف الخدمات العامة. وقد تحرّك مراد – المجنّس الذي دعم المقاتلين في سوريا بالمال والتحريض على القتال والتقى المسلحين هناك – (تحرّك) انطلاقاً من الحسّ العام الذي يُدير سلوك المجنسين في البحرين، وهو التأليب على المواطنين الأصليين في البحرين وتقديم المجنسين باعتبارهم البديل الذي يوفّي لآل خليفة دور الحماية والطاعة العمياء، وذلك حينما أشار مراد – في الجلسة المذكورة – إلى الأحداث التي جرت في بداية العام ٢٠١١م، والإضراب الذي عمّ المؤسسات التعليمية آنذاك، حيث ذكّرَ بالمجنسين الذين “تطوعوا” لملأ الفراغ داخل المدارس. مع الإشارة إلى أن هؤلاء المجنسين لم يتطوعوا بالفعل، وقد طالبوا بمبالغ لقاء ذلك، فضلا عن كونهم لم يمارسوا دورا تربويا داخل المدارس، حيث إن عددا كبيرا منهم كان من الأميين أو غير المؤهلين تربويا، كما أنهم تولّوا القيام بمهام أمنية وكتابة التقارير المخابرانية ضد المعلمين والطلبة المضربين أو الذين يشاركون في الاعتصامات.
دفاع عبدالحليم مراد عن المجنسين هو اختصار ترميزي لطبيعة الخطر الذي يواجه البحرين. فالتجنيس المعمول به هنا ليس احتواءاً لأعداد من الأجانب داخل مجتمع البحرين، بل هو احتواء تدميري وتقليصي لمجتمع البحرين لصالح المجموعات البشرية المستوردة من الخارج، وهي مجموعات مُختارَة بناءاً على “مواصفات” محدّدة، وبما ينطبق على “القنبلة الموقوتة” التي تحمل في أحشائها الدمار الشامل، والنوعي. هي قنبلة تشبه أحشاء عبد الحليم مراد: ولاء نفعي لآل خليفة، عقل تكفيري قريب من الإرهابيين، دفاع عن المجنسين ضد المواطنين الأصليين وتقديمهم عليهم والاستعداد لأداء دور “العاهرة” إذا اقتضى الأمر ذلك. وللتذكير، ففي ندوة التجنيس المُشار إليها في أول التقرير، شبّه الشيخ علي سلمان سياسة التجنيس في البحرين بجلب العاهرات إلى البلاد.
الترحيل القسري.. المرحلة الثالثة من حرب “الإبادة” ضد السكان الأصليين
الترحيل من البلاد كان واحدا من الوسائل “التقليدية” التي اعتادها الخليفيون في مواجهة المطالب الشعبية عبر المراحل السابقة، وكان الاستهداف موجّها إلى الشخصيات والرموز التي يرى النظام بأنّ إبعادها من البلاد سيُتيح له السيطرة على الأوضاع، وإضعاف المطالبات بالحقوق.
على مدى العقود الماضية، رأى النظام “بأمّ عينه” بأن هذه السياسة لم تؤتِ أكلها.
في التاريخ الحديث، كان نفي الشيخ علي سلمان والسيد حيدر الستري والشيخ حمزة الديري، الإجراءَ “القمعي” الأبرز الذي أظهر فيه آل خليفة بأنهم “غير مبالين” بأحد، وأن حربهم على “السكان الأصليين” كان جزءاً من المؤامرة “الأصيلة” في إدارة وجودهم “الاحتلالي” في البحرين. ترحيل العلماء الثلاثة في العام 1995م لم ينجح في إجهاض انتفاضة التسعينات، التي استمرّت على عنفوانها حتى نجاحها الملموس في تكريس “الوجه القبيح” للنظام خلال عقد التسعينات، لتُتوّج برضوح الخليفيين للمطالب المرفوعة آنذاك، وإنْ على تحت ستار “المراوغة” و”الخديعة”، وعلى النحو الذي تبيّن بعد الانقلاب على التعهدات والنكث بالعهود في 2002م.
تبدّت هذه السياسة بوجهها الكامل، وبتخطيط مختلف بعد ثورة 14 فبراير. كان قرار حمد عيسى الخليفة هو الدخول في موجة جديدة من مؤامرة “اقتلاع” السكان الأصليين، وهذه المرحلة بدأت من خلال لعبة “القانون” مع العام 2012، حيث دشّن حمد المرحلة “الثالثة” من حرب “الإبادة” ضد السكان، والتي تمثلت في إسقاط الجنسية البحرانية، والتمهيد لذلك بتسفير المواطنين قسراً من البلاد. وسبق ذلك مرحلتان، الأولى وصلت أوجهها في نهاية 2004م من خلال عمليات التجنيس الممنهج للمرتزقة والأجانب الموالين للنظام سياسياً وأمنياً ومذهبياً، فيما تمثلت المرحلة الثانية في إقامة “حاجز طائفي سميك” ضدّ السكان الأصليين الشيعة في البلاد، و”تشويه” صورتهم عبر اتهامهم بعدم الانتماء للوطن، والولاء للخارج. وتحركت المرحلة الثانية منذ العام 2011، وحتى اليوم.
على امتداد هذه المراحل الثلاث، وبينها، اشتغل آل خليفة على إنزال “َضربات” وجوديّة بحقّ السكان، وهي ضربات لم تقتصر على الجانب الثقافي والديني (هدم المساجد، اعتقال العلماء وتعذيبهم، منع المؤسسات والشعائر الدينية)، وإنما طالت أيضاً “حق الحياة” بمعناها الحقيقي، وذلك عبر إطلاق يد قوات المرتزقة لقتل البحرانيين في الشوارع وداخل السجون، وبوسائل متنوعة، بعضها مباشر وبعضها من خلال أدوات “القتل البطيء”، سواء بالاحتجاز في سجون سيئة، أو منع العلاج، أو من خلال التعذيب النفسي والجسدي.
بموازاة “استهداف حقّ الحياة”، يستهدف آل خليفة “حقّ الحياة” بمعناه الرمزي، والمتمثل في حمْل الجنسية، وقطْع الانتماء بالوطن، وتكثيف الحملات الدعائية ضدّ المعتقد الديني ورموزه، بما في ذلك “إطالة” اليد ضد علماء الدين، والمؤسسات الدينية وشعائر المعتقد. والهدف، هو “الإيغال” في إنزال العقاب الجماعي، واستنزاف الوجود الأصلي في البلاد، وإجباره إما على الاستسلام، أو الخروج من البلاد، قسرا – كما حصل مع الشيخ حسين النجاتي، الشيخ محمد خوجسته، حسين خير الله، وحسين غلام.. وآخرين – أو عبر تهيئة الأجواء المسمومة التي تفرض على المواطنين – بحسب المخطط الخليفي – الاضطرار لمغادرة البلاد، إما عبر “هجرات جماعية”، أو الخروج والهروب الفردي المتكرّر للمواطنين.
ورغم أنّ هذا المخطط ينطوي على “انتهاكات وجرائم فظيعة”، ومخالفات صريحة للقوانين الدولية، إلا أنّ ذلك لم يمنع الخليفيين من المضي فيه، وهو أمر يثير “صدمة ملموسة” في أوساط النشطاء والحقوقيين الدوليين، وخاصة مع الصمت “المريب” و”المشين” للدول الغربية الحليفة لآل خليفة، وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة.
ولكن، لم يكن لآل خليفة المضي في هذا المخطط، وعبر مراحلة المكشوفة والخفية، لولا الغطاء الكامل والمفتوح الذي يقدّمه آل سعود والداعمون الخليجيون. ولذلك، كان من المفهوم أن تنفيذ خطوات هذا المخطط أخذت وتيرة متلازمة مع تصاعد المخططات السعوديّة الفوضوية والتدميريّة، سواء في الداخل أو في الخارج.
شعبياً، لا رايات بيضاء تُرْفع فوق الهواء. وهو ما يعني أن المواطنين يُدركون – جوهرياً – بأنهم أمام معركة “وجودية” كاملة المقاييس والأهداف، وهي معركة مفتوحة على كلّ الاحتمالات والتهديدات، وأنّ الخيار الوحيد إزاءها لا يمكن إلا أن يكون “الإصرار” و”الصمود” وابتكار كل الوسائل في “المقاومة المدنية” والتي عادةً ما يقوم بها السكان الذين يكونون معرّضين لخطر الاقتلاع والتسفير ومحو الوجود.